في الثالث عشر من يناير 2022م, تمر على القوميين في موريتانيا الذكرى الاولى لرحيل المرحوم محمد يحظيه ولد ابريد الليل،، وإحياء لهذه الذكرى، يأتي من منطلق أوجب من الاستجابة لعاطفة العلاقات الشخصية المعرفية، أو القبلية، أو الجهوية، او الاقليمية، القطرية، بل من منطلق واجب الوعي القومي العروبي المشترك الذي يجمعنا مع كل عربي وحدوي من المحيط الى الخليج، باعتباره من واجب الوفاء للأمة، وكل من آمن، ليس بأن الامة العربية كيانات اجتماعية، وسياسية، تجمعها روابط تشدها مجتمعة في إطار المصير الذي شكلته تيارات التاريخ المشترك في ماضيها الذي لم يختلف مظاهرمعاناتها فيه عن مواجهتها للتحديات في الحاضر..
بل يكون الوفاء المتجدد لمن تطلع بوعيه القومي للتوعية بالعمل لتوحيد الامة في نظام سياسي في الوحدة العربية، مهما كان شكلها، واجمع عليه الوعي المشترك لمجتمعات الامة في حاضرها، أو مستقبلها، ولعله من الهموم الجامعة لكل القوميين الوحدويين من المحيط الى الخليج،، وهو الوعي الذي يستعيد مشاريع الامة في وحدتها السياسية التي شكلت أول نواة لدولة الوحدة بقيام الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر في خمسينيات القرن الماضي، ثم تلا ذلك مشروع الوحدة الثلاثية بين مراكزها الحضارية الكبرى في دمشق، وبغداد، والقاهرة ،، وذلك الحلم الكبير عبر عن نضج الوعي في الأمة حين كان الوعي القومي العربي، يقود دفة الحكم السياسي في الوطن العربي،،
إن هذه الرؤية الثاقبة للعمل السياسي لدى الافراد، والاحزاب، والانظمة، كانت موجهة للعمل القومي المشترك، وضرورة احيائها، لا تأتي من منطلق الوفاء لتلك التجارب فحسب، الا بقدر الأستفادة من ايجابياتها، و اخطائها، ومن الأخيرة التوصل الى مشاريع العمل السياسي المشترك، دون دراسة معمقة، ومن هنا تأتي الاشارة الى دعوة " توحيد العمل القومي لقوى تياري القومية العربية في موريتانيا " للدكتور، الشاعر محمد إمام منذ سنة، وقد ايدتها شخصيا في مقال نشر في موقعي" اخبار نواذيبو" و" موريتانيا 13".. وسنبقى نطالب القوى السياسية ممثلة في رموز القوميين ذوي الانتماء المشترك، أن يسارعوا بتوحيد صفوفهم في عمل حزبي مشروع بالاعتراف به في احزاب متعددة، ثم تتدارس قياداتها مشروعا وحدويا عبر التنسيق من اجل توحيد العمل الحزبي الموحد..
فما هي الضرورة لتوحيد العمل السياسي للقوميين في موريتانيا؟
لقد كان الخطر الصهيوني، وتهديده لأقطار الامة العربية، باعثا لوحدة الصف لدى القوميين،، بينما ضرورة العمل المشترك لدى القوميين في موريتانيا، راجعة الى عوامل عديدة، ومنها:
تردي الاوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والتراجع عن مشروع التعريب في الاصلاح التربوي، وبالتالي الاخفاق في ايجاد مشروع ثقافي تربوي، يقود التغيير البطيء عبر تربية الناشئة الموريتانية، الى تحديث لا بد منه لصيرورة الحياة الاجتماعية للكيانات السياسية في هذا القرن المهدد للوجود العربي في كل قطر من اقطارها، فبعد التراجع، وتداعياته التي قضت على كل مظاهر التحديث بعد مشروع" فرنسة" التعليم منذ 1999م.
كذلك كان من نتائج الظروف الحالية، غياب الوعي لدى الاجيال من الشبيبة الموريتانية، وتلاشي دور الحراك السياسي حين فرخ النظام السياسي السابق العمل الحزبي المعارض التابع لفرنسا، كما النظام السياسي حينئذ، ولا زال الحبل على الجرار، فكل الانظمة تعيد انتاج آلية التبعية السياسية لفرنسا،، ويتلاشى يوما بعد الآخر الدور المخادع ل" لقوى المعارضة "، كما تتنامي التحديات، ما يقوي المخاوف على مستقبل الكيان السياسي الموريتاني، ومن المظاهر الدالة على الأوضاع التمفاقمة، أن النظام السياسي يتباهى في تحالفاته العلنية مع المنظومة " الفرنكفونية" سياسيا، وعسكريا في مشروع دول الساحل الخمس،، وغياب الوعي بمخاطر التماهي، بدلا من الموقف الثابت تجاه الصراع الإقليمي بين الشقيقتين اللتين ادخلتا المغرب العربي في توتير سياسي وعسكري، استدعيا الى التهديد بقوة الكيان الصهيوني، كقوة إسناد عسكري، وتخريبي، و"تطبيع" سياسي،، ولا ننسى أن داخل بلادنا رموز تتنسم تلك الانبعاثات الخبيثة في علاقات الانظمة ذات المواقف المشبوهة، وكان أقلها إشارات التضامن المعلنة سابقا، وربما العمل لتسهيل المخاوف من غضب المجتمع، وقواه الحية، وذلك لجر النظام الى انظمة الاجرام "المطبعة" مع الكيان الصهيوني..
إن غياب العمل السياسي الوطني غير الحكومي ، كان من انعكاساته السلبية تلك المتغيرات المهددة لوحدة البلاد، إذ تفاقمت الاوضاع العامة، والخاصة، ، حين خفتت الاصوات الوطنية المدافعة عن الحقوق المدنية، والسياسية للمواطن الموريتاني، وحل بديلا عنها الوعي الشرائحي، والعرقي، والفئوي، المتماهي مع الوعي القبلي مع المصالح الشخصية للمتنفذين من شيوخ القبائل، والمشايخ، ورموز الامارات المندثرة منذ مائة سنة ، وهذه الحالة الماساوية تقود الى تلاشي النظام السياسي القائم منذ واحد وستين عاما، والرجوع الى ماقبله، كما الحال في الصومال واليمن، والعراق، وليبيا،، إنها نتائج لمسببات خارجية، وداخلية، لعل أهمها غياب القوى القومية العربية في بلادنا منذ الهجمة الأمنية التي وحدت رؤية الأمن الداخلي للأنظمة العسكرية لتصفية القوميين في موريتانيا منذ الثمانينات..
وقد آن الوقت للقوميين أن يؤكدوا للنظام السياسي أن وجودهم مرتبط بوجود مجتمعهم، وبالتالي عليهم ان يبعثوا دورهم القيادي تحت عنوان جامع، ولغاية عمل موجه باستراتيجية مشتركة، ستثمر بنتائج مؤكدة، ستبدأ بالنجاح في الانتخابات البلدية ، والبرلمانية، لتتوج بالنجاح في الانتخابات الرئاسية..
إن الواجب الوطني والقومي، يستدعي من القوميين تدارس الاوضاع، ومحاولة انقاذ البلاد وسبيلهم الى ذلك تغيير الوعي السائد بوعيهم المستشرف للمستقبل،، والشروع في تقديم لوائح حزبية لعمل سياسي مشرع اداريا،، إذ لا بديل للنظام السياسي الحديث في مجتمعات الوطن العربي لمواجهة التحديات الداخلية، والخارجية عن الاستناد الى قوى الوعي القومي، لأن باختفائها قسريا، تنامى سرطان الوعي القبلي، والتبيعية السياسية للغرب، وتهديد الكيانات السياسية الحديثة، وتفريخ الأحزاب الشرائحية، والعرقية، والطرقية التي يعبر كل منها عن الوعي الزائف كالمردد منها لشعارات الإسلام السياسي الذي تقاسم مع الأنظمة السياسية مشاريع التبيعية، والتأقلم مع الحملات الاحتلالية، وتمزيق الكيانات الاجتماعية بعد السياسية، كما في العراق الجريح، وليبيا تحت الصوملة الاخوانية، واليمن المدمر بالحرب الخليجية المأمركة..
إن احياء ذكرى محمد يحظيه ولد ابريد الليل، يكون بتبني مشروعه الفكري التحرري، التقدمي الوحدوي الذي ناضل في سبيله، وواجه السجون من النظام السياسي، والتهميش في الفترات التي كان فيها خارج أسوار السجان القمعي،،
كما لا يكون تبني سيرة المناضل الوطني بتقمص مظاهر شخصيته، كما لو انه من ضمن فئات الممثلين المسرحيين الذين تغيب ادوارهم، ويتجاهل المتفرجون قضاياهم الوطنية، وتهميش افكارهم، لدى الخروج من ردهات المسرح،، كما يشير الى ذلك ما سعى اليه فريق من المتظاهرين بالتلمذة المتأخرة في أيام المرحوم بإذنه تعالى، محمد يحظيه ولد ابريد الليل،،