لا شك أن الجهات المتابعة لملف التصدّي لكورونا بشكل مباشر تمتلك من المعلومات الميدانية ما لا يملك غيرها، عن متطلبات الواقع الصّحي وحدود الإمكان الصحّي، والمقاربة الوقائية والعلاجية الأنسب. ولكن مع ذلك يمكن للمتابع من بعيد لانتشار الفيروس (SARS-CoV-2) في موريتانيا خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة أن يخرج بخلاصات من أبرزها:
١- وجود إصابات مؤكدة بالمئات، وفي ظل ترشيح الأرقام للزيادة، يعني أن مخالطي المصابين (من الأهالي وفي الأسواق ومحلات التجمع العامة) وصل، أو سيصل قريباً، عشرات الآلاف. وبالتالي يتوجّب الآن أن يُقتصر على حجز المصابين من دون أعراض أو بأعراض خفيفة في منازلهم، كما فعلت العديد من الدول التي انتشرت بها الجائحة. على أن يُترك الحجز المباشر لكبار السّن وأصحاب الأمراض المزمنة (أو من في أسرهم أفراد من هذه الفئة)، بالإضافة إلى الذين تسوء أعراضهم من المصابين. وبهذه الطريقة يمكن للسلطات أن توفّر الأموال المصروفة على حجز المخالطين والكثير من المصابين، وأن توجّة صفقات ونفقات السكن والإعاشة والخدمات اللوجستية إلى تعزيز القدرات العلاجية داخل المستشفيات وفي غرف الحالات المستعجلة، وإلى دعم العاملين في قطاع الصّحة.
٢- من أجل تعايش أفضل مع كورونا، باتت الأولوية ملحّة لتبني مقاربة شاملة، في انواكشوط على الأقل (بؤرة انتشار الفيروس)، لحماية كبار السّن وأصحاب الأمراض المزمنة، بشكل خاص، من خطر الإصابة ومضاعفاتها. كما يجب أن يرافق ذلك تكثيف فحوص كشف الفيروس (PCR) داخل أفراد عمال الخطوط الأمامية، من صحّيين وعمال موانئ وفرق أمن ميدانية. على أن يتم تقسيم قطاع العمال إلى فئات متنوعة يتم استهدافها بالفحص حسب درجة الخطر.
٣- نفاذ الأدوية، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، له مضاعفات كثيرة على صحّة المواطنين. وطالما أن أن استيرادها يأخذ جهدا كبيرا من وزارة الصحة هي بحاجة إليه في التصدي لانتشار الجائحة، وعاجزة عنه في بعض الأحيان، فقد يكون في توسيع دور القطاع الخاص في هذا الباب حلا، ولَو مؤقتا، لهذه المشكلة الملحّة.
٤- من المعروف أن إمكانات بلدنا الإنعاشية (بشرية كانت أو تقنيّة) محدودة بكل أسف. ولكن الاختلالات التي حدثت في الحجز الصّحّي خلال الأسابيع الماضيّة، ودرجة الوفيات العالية للمصابين، لها أيضاً تأثيراتها السلبية على معنويات المواطنين. فيجب التركيز على بناء الثقة في المصالح الصّحيّة من خلال فرق مختصّة وعمل إنعاشي فعال (ولا مانع في ذلك من تقارير مصورة حول الخدمات الإنعاشية لأصحاب الحالات الحرجة). فمجيء أغلب حالات وفاة كورونا إلى المصالح الطبية في وضع متدهور، قبل الوفاة بقليل، أو موت أصحابها في بيوتهم بعيدا عن المراقبة، وإن وجد له تبرير بنقص الوعي الصّحي ومضاعفات الأمراض المزمنة، فله باعتقادي أيضًا بعد متعلّق بنقص الثقة في الخدمة الصّحية واجب التصحيح والعناية.
٥- صعوبة التصدّي لكورونا تكمن في كون جميع أعبائه تقع تقريبا على عاتق القطاع الرسمي فقط. وهذا ما أنهك أغلب الدول المتأثرة بهذه الجائحة. وجعل حاكم ولاية نيوريوك في نهاية مارس الماضي، بعد انتشار المرض في ولايته، يطلق نداء استغاثة إلى جميع الأطباء والممرضين وعمال الصحة من أجل التطوع والمساعدة. هناك الكثير من الأطباء والممرضين في القطاع الخاص يمكن الاستفادة منهم، لو طُلب منهم ذلك ووُجدت له خطة مناسبة. كما أن هناك خدمات صحيّة لوجستية وشبه طبية لا تتطلب تكوينا يذكر. فلو فُتح باب التطوع للشباب، وخاصة من من وُجدت لديهم أجسام مضادّة “antibodies” للفيروس، لحصلنا على قوة إضافية "محصّنة" قادرة على الرفع من أداء الفرق الرسمية. فمن له معرفة بالعمل الجمعوي في موريتانيا، يدرك أن شبابها، رغم ما تحتويه نقاشاتهم السياسية الافتراضية من حدّية واستقطاب، لديهم روح وطنيّة واستعداد استثنائي للتطوع لخدمة هذا البلد ومواطنية.