أعاد اكتشاف إصابة "الحالة رقم 9" ببلادنا الليلة البارحة إلى الواجهة الجدل حول الحل الأنسب لمواجهة هذه الجائحة بين فسطاطين أحدهما يحذر من التهوين و يدعو إلى الأوبة إلى الحجر شبه الكلي و ثانيهما يخشى التهويل و يميل إلى التكيف مع الوباء توخيا للجمع و التكامل بين الحفاظ على صحة النفس الأساسية و حركة الاقتصاد الضرورية.
و يسوق دعاة العودة إلى الحجر شبه الكلي مبررات لا تخلو من وجاهة من أهمها هشاشة المنظومة الصحية و عجزها المطلق عن مواجهة موجة من الإصابات ولو محدودة العدد و ضعف الثقافة الوقائية لدى المواطنين و ميل غالبهم إلى عدم الاكتراث و الاستهزاء بالاحتياطات الوقائية ضف إلى ذلك النتائج الإيجابية التى مكنت منها تجربة الحجر شبه الكلي(ثمانى حالات شفيت منها سبعة ).
و رغم وجاهة المبررات أعلاهُ فإن خيار "التكيف الصارم"يبدو الأنسب لبلادنا خصوصا إذا ما استحضرنا أن كل دول العالم المجاورة و البعيدة واسعة الإصابة بالفيروس و متوسطة و خفيفة الإصابة به انتهجت نهج التكيف و الرفع التدريجي لإجراءات الحجر الشامل و شبه الشامل.
و يتأكد خيار التكيف أكثر بالنسبة لبلادنا إذا ما أخذنا فى الاعتبار العدد القليل و الحمد لله لحالات الإصابة(9فقط)،النسبة "شبه المنعدمة" لإصابة المخالطين بالعدوى فى الحالات الثمانية التى تم إجراء الفحوص للمخالطين لها بالإضافة إلى انتماء ثلاثة أرباع السكان إلى فئتي الأطفال و الشباب الأقل احتمالًا بالتأثر بالوباء.
ضف إلى مسوغات التكيف الصحية المبرر الاقتصادي ذلك أن الغالبية العظمى من الدخول الموريتانية تعتمد على الاقتصاد شبه المصنف و غير المصنف داخل الأسواق و حوالَيْها و لم يعد أغلب الناس يستطيع صبرا على الحجر و الإغلاق كما أن الدولة مهما تسلحت به إرادة و عبأت من إمكانيات فلن تستطيع تحمل الفاتورة الاقتصادية و الاجتماعية للحجر.
و رغم ترجيحي لخيار التكيف فإن هذا الترجيح لا يكون سليمًا إلا إذا كان التكيف تكيفا صارما و أقصد بالتكيف الصارم اتخاذ الإجراءات التالية على سبيل المثال:
أولًا-إجراء الفحص عن الوباء عند أدنى اشتباه: و ينبغى الانتباه فى هذا المقام إلى استخلاص الدروس من شبهات التقصير الطبي التى تحوم حول حالتي الوفاة بكورونا حيث اكتشفت إصابة إحداها بعد الوفاة و اكتشفت إصابة الثانية سويعات قبل الوفاة!!! و هو ما يحتم اتخاذ قرار بإجراء الفحص عن الوباء لدى أدنى اشتباه خصوصا لدى كبار السن و أو من لديهم أمراض مزمنة؛
ثانيا-الاستنفار الشامل لآليات التعبئة و التحسيس و "التخويف"من مخاطر الوباء و اتخاذ الإجراءات السريعة من أجل فرض "الكمامات أو ما يعادلها كاللثام الرجالي و النسائي "فى الأماكن العامة (المساجد،المكاتب،الأسواق،النقل العمومي،...)
ثالثًا -مزيد الصرامة فى إغلاق الحدود أمام الأجانب و حظر التجول الليلي و حظر التنقل بين الولايات و سن تنظيم يحصر الحالات الصحية و الإنسانية و الاجتماعية التى يمنح على أساسها ترخيص التنقل بين الولايات و العدل و الصرامة فى تطبيقها،
رابعًا -تخصيص وحدات أمنية ثابتة لضبط و تنظيم و فرض إجراءات الوقاية عند منافذ الأسواق الكبرى و المستشفيات و المستوصفات و سائر الأماكن التى قد يرتادها جمهور كبير ؛
خامسا-مراجعة قرار الافتتاح الشامل لكافة مستويات التعليم ما قبل المدرسي،المدرسي و الجامعي و الاقتصار مؤقتا على الافتتاح التدريجي التجريبي الخاص بالسنوات الختامية للمستويات الدراسية (الباكالوريا،االشهادة الإعدادية و الشهادة الابتدائية)؛
سادسا-تسريع و توسيع المساعدات الاجتماعية العينية و النقدية الموجهة إلى الفقراء و الفئات الذين تأثرت سلبيا دخولهم و الحرص كل الحرص على الشفافية و العدل و اللطف و الرفق فى إيصالها؛