سنخصص الحلقة الثانية من سلسلة هذه المقترحات العملية للإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها للتصدي لفيروس كورونا المستجد، كحظر التجول وغلق الأسواق ووقف التنقل بين الولايات، وكذلك للإجراءات التي اتخذت من بعد ذلك، والتي تهدف للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحظر التجول وغلق الأسواق ووقف التنقل بين الولايات.
بدءا لابد من القول بأن الإدارة الناجحة لأزمة كورونا تتطلب من الحكومة العمل على جبهتين قد تبدوان في غاية التناقض، على الأقل ظاهريا.
الجبهة الأولي : وهي خاصة بحظر التجول وغلق الأسواق ووقف التنقل بين المدن، وهنا على الحكومة أن تُظهر الكثير من الصرامة وربما القسوة، فنجاح هذه الإجراءات يتطلب ذلك، خاصة في بلد كبلدنا حيث الفوضوية وعدم احترام القانون.
الجبهة الثانية : وهي تتعلق بالإجراءات الرامية للتخفيف من آثار حظر التجول وغلق الأسواق ووقف التنقل بين المدن على حياة المواطنين، وهنا على الحكومة أن تُظهر الكثير من العطف والرحمة في معاملتها مع المواطنين.
لا خلاف على قسوة بعض هذه الإجراءات، ولكن على المواطن أن يدرك بأنه إن لم يقبل اليوم بتطبيق هذه الإجراءات القاسية، فإنه سيجبر غدا على ذلك، وبعد أن يكون الوباء قد تفشى في البلاد لا قدر الله. إن كل الدول والشعوب التي تعاملت باستهتار مع فيروس كورونا المستجد، ها هي اليوم تضطر لإغلاق الأسواق وفرض حظر التجول ووقف التنقل بين المدن، وذلك بعد أن تفشى فيها الوباء، وتسبب في موت الكثير من مواطنيها. ونظرا لقسوة تلك الإجراءات كانت هناك ضرورة للتخفيف من آثارها على حياة المواطنين، ولذا فقد كانت هناك إجراءات مصاحبة لتلك الإجراءات القاسية. على الحكومة أن تعمل بنفس الحماس على تطبيق الإجراءات القاسية والإجراءات المصاحبة لها، وهو ما يتطلب منها أن تسير على الحبلين (الجبهتين) دون فقدان التوازن، أي دون أن تميل لجبهة على حساب الأخرى.
ذلكم قوسٌ كان لابد من فتحه من قبل تقديم هذه الطائفة من المقترحات العملية للتصدي لكورونا، والتي هي بالمناسبة حصيلة عملية عصف ذهني شارك فيه عددٌ من أصدقائي على الفيسبوك.
أولا / في مجال إغلاق التنقل بين الولايات: لا مقترح في هذا المجال، ويرى الكثير من المشاركين في عملية العصف الذهني بضرورة استمراره مع مراعاة ظروف بعض المرضى الذين قد يحتاجون للرفع إلى مستشفيات العاصمة.
ثانيا / في مجال إغلاق الأسواق : من المعروف بأن حجم استهلاك الأسر يزداد في شهر رمضان، ولذا فقد يكون من المهم التفكير في التخفيف من آثار إغلاق الأسواق ووقف بعض الأنشطة خلال هذا الشهر الكريم، ولكن بطريقة لا تؤدي إلى التجمهر. وهذه بعض المقترحات في هذا المجال :
1 ـ السماح بفتح المحلات المتباعدة ذات الطابع التجاري، والتي توجد خارج الأسواق. أشير هنا إلى أن هذه المحلات لن تكون أكثر زحمة من محلات المواد الغذائية المسموح بفتحها.
2 ـ وضع خطة تمكن من فتح الأسواق بشكل جزئي، مثلا فتح عدد من المحلات في سوق معين في يوم معين، وفتح عدد آخر في يوم آخر وهكذا. أو فتحها بشكل دوري ، فمثلا فتح سوق في السبخة في يوم معين، وفتح سوق في لكصر في يوم آخر، وهكذا.
وسواء تم فتح بعض الأسواق بشكل جزئي أو دوري فإن ذلك يجب أن تصاحبه بعض الإجراءات الاحترازية من أهمها:
ـ إرسال بعض عناصر الأمن إلى المحلات التي سيتم فتحها في يوم معين لفرض احترام المسافة الآمنة
ـ القيام ببعض حملات التوعية من طرف جمعيات فاعلة أمام المحلات التي سيتم فتحها في ذلك اليوم
ـ إلزام الزبناء بأن يصطحبوا معهم كمامات ومعقمات يستخدمونها من قبل عملية التسوق
3 ـ السماح بمزاولة بعض المهن التي قد تساهم في الجهود المبذولة للتصدي لفيروس كورونا، أو تغيير طبيعة أنشطة أخرى حتى تتلاءم مع الواقع الذي فرضته الإجراءات المتخذة للتصدي لكورونا. فمثلا يمكن للمشتغلين بالخياطة أن يتفرغوا لخياطة الكمامات على أن تشتريها منهم الحكومة ثم تقوم بتوزيعها على المواطنين (الحكومة خصصت 25 مليار أوقية قديمة من موارد صندوق التضامن لاقتناء كافة حاجيات البلد من الأدوية والمعدات والتجهيزات الطبية المرتبطة بالوباء). كما يمكن توجيه حافلات شركات النقل المتوقفة حاليا بسبب وقف التنقل بين المدن، توجيهها إلى النقل داخل نواكشوط، وبذلك يجد الناقلون بين المدن الداخلية فرصة لمزاولة بعض الأنشطة، كما أن هذا الإجراء سيمكن ـ إن اتخذ ـ من التقليل من عدد الركاب في سيارات الأجرة التي لم تلتزم حتى الآن بالتعميم الصادر لها من طرف سلطة تنظيم النقل.
ثالثا/ حظر التجول
قد لا يكون تأخير حظر التجول إلى الساعة التاسعة كافيا في شهر رمضان، فما قبل الساعة التاسعة سيخضع الصائمون فيه لحظر إجباري يفرضه عليهم الإفطار. أرى بأن يتم الاحتفاظ بالساعة التاسعة لحركة السيارات، وأن يتم تأجيل موعد حظر التجول إلى الحادية عشر بالنسبة للراجلين. هناك عدد كبير من المواطنين يعاني من أمراض يحتاج أصحابها لممارسة رياضة المشي يوميا، وإذا ما ظل حظر التجول يبدأ من الساعة التاسعة ليلا، فذلك يعني حرمان الكثير من الصائمين من ممارسة رياضة المشي لعدم توفر وقت مناسب.
ستتواصل هذه المقترحات إن شاء الله
حفظ الله موريتانيا..