لم يكن اللقاء الأمني العالي المستوى أمس (الإثنين) بين وفدين سوري وتركي في موسكو مفاجئاً، لكنه محورياً بالنسبة إلى مستقبل محافظة ادلب، فضلا عن أبعاد أخرى سورية وتركية وروسية. في هذه الأثناء، تحشد إيران من جهة وأميركا من جهة مقابلة حلفاءهما في فترة التصعيد الخطير لتحديد صورة المواجهة المقبلة في العراق، لكن الاوروبيين يسعون لإقناع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بصفقة تحمل اسمه وتكون بديلا عن الاتفاق النووي وتعيد التواصل بين واشنطن وطهران، واما الصراع الإقليمي والدولي الدائر في ليبيا، فان موسكو أيضا تحاول قطف ثماره، في ظل استمرار الأسئلة حول مستقبل القوات الاميركية في الوطن العربي.
اللقاء السوري ـ التركي في العاصمة الروسية، كان رفيع المستوى، فهو ضمّ رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي المملوك، ورئيس جهاز المخابرات التركية حقّان فيدان.
الرجلان يعرفان تماما بعضيهما، والتقيا سابقا، كما ان التمهيد للقائهما العلني في موسكو سبقته لقاءات واتصالات عديدة، قبل ان تعلن وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا” عنه في خطوة ستمهّد حتما لاستعادة العلاقات بين البلدين عاجلا أم آجلا.
نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع أسس اللقاء، فهو كان قد زار مؤخرا دمشق وأنقرة، ونجح في قطف ثمار مرحلة التخبط الأميركي بعد اغتيال قائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ففتحت موسكو أبوابها للقائين هامين، أولهما، حول سوريا، وثانيهما بشأن ليبيا. نجح الأول في رسم كيفية استعادة الدولة السورية لإدلب، أما الثاني، فقارب ملفاً مُعقدا ومتشابكاً. في جميع الأحوال، يبدو ان العصر الذي قال فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انه سيصلي والمعارضة في المسجد الأموي قد ولّى الى غير رجعة. وها هي روسيا تسعى جاهدة لوضع اللمسات الأخيرة على حل سياسي مقبول من الجميع، يعيد الجيش السوري الى كل المناطق السورية، ويقنع القيادة السورية ببعض التنازلات السياسية. وتسعى موسكو، في الوقت نفسه، لتعبئة الفراغ الذي سيتركه الأميركي في كل المنطقة. كذلك، توسع موسكو مروحة علاقاتها مع كل الأطراف الخليجية والتركية والمصرية والإيرانية والمغاربية بعد السورية.
كانت دمشق قد أعربت عن كبير تضامنها مع إيران، عبر موقف سياسي رسمي فوري بعد اغتيال سليماني، وأيضا بإرسال وفد رسمي ضم نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية وليد المعلم ووزير الدفاع علي أيوب. وهو ما يذكّرنا قليلاً بتلك اللقاءات التي كان الطرفان الايراني والسوري يعقدانها بعيد الاحتلال الاميركي للعراق للبحث في سبل المواجهة وعدم السماح لواشنطن بتوسيع عدوانها ليصل الى سوريا. آنذاك، كان الرئيس بشار الأسد قد قال لمرشد الجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي “في حال نجحت أميركا في العراق، فستصبح إسرائيل هي التي تقرر مصير جميع الدول بما فيها سوريا وإيران وسوف تنتقل الحرب ضد الفلسطينيين وتستهدف القضاء على المقاومة”.
لا أحد يريد الحرب في المنطقة، لكن تبين من رد طهران على مقتل أبرز قائد عسكري عندها، أن احتمال تدحرج الأمور الى ما هو أخطر قائمٌ، خصوصا ان الخناق الاقتصادي يضيق على إيران، والرئيس الأميركي الذي لم ينجح حتى الان في اقناع طهران بالتفاوض، بشروطه طبعاً، على اتفاق جديد، رفع مستوى المواجهة بناء على قناعتين، فإما تهضم ايران الضربة ويكسب بالتالي مالا عربيا كثيرا ودعما من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل ويحوّل الأنظار عن وضعه الداخلي قبيل الانتخابات، أو يمهد عبر التصعيد الأقصى لفرض الجلوس إلى طاولة مفاوضات وفق قواعد جديدة.
يسعى الاوروبيون لالتقاط الفكرة الثانية، ويكثفون اجتماعاتهم، بغية التخفيف من وتيرة التصعيد وإقناع سيد البيت الأبيض بما وصفه رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون صراحة بـ”صفقة ترامب”، فالمسؤول الانكليزي يعرف تماما ايران وكانت له معها علاقات ومفاوضات كثيرة سابقا، ولذلك، يقول جونسون حالياً:”إذا كنا سنتخلص من الاتفاق النووي مع إيران، لنستبدله بـ”صفقة ترامب”، وسيكون ذلك وسيلة رائعة للمضي قدماً”. هذه هي الكلمة السحرية الآن: “صفقة ترامب”. وهو يحتاجها بشدة قبل الانتخابات.
يبدو أن تحميل الاوروبيين إيران مسؤولية أي “استفزاز” جديد، ورفضهم خطواتها للخروج من الاتفاق النووي، وتشديدهم على منعها من تطوير تخصيبها النووي، كلها محاولات لإقناع ترامب بأنهم الى جانبه، وبأن عليه الاستماع الى وجهة نظرهم للعودة الى التفاوض.
أما عراقيا، فوسط تحشيد كل طرف حلفائه في التصعيد الخطير الحالي، ثمة اتجاه داخلي، سنبدأ بسماعه ربما بعد فترة للقول بضرورة خروج الاميركي والإيراني من أرض العراق، لكن ذلك يبدو صعبا، ذلك ان الساحة العراقية هي الأكثر أهمية في الوقت الراهن للطرفين في معركة شد الحبال، وهو ما المح اليه صراحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
لا شك ان المنطقة في مخاض عسير، وان الأزمات من العراق حتى بيروت مستمرة، قبل ان تنجلي صورة الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة، فالمسألة صارت تتعلق باستمرار او انسحاب الأميركيين من المنطقة، وهذا ليس أمرا عابرا.
لذلك كل شيء يبقى محتملا: التصعيد الخطير، او الصفقة.
الإعلامي اللبناني سامي كليب