ان السياسة قد بدأت في موريتانيا تدريجيا على انقاض نظم قبلية هشة يكاد ينحسر افقها السياسي في كل ماله علاقة بالماء و الكلإ ، او درء خطر داهم مهما كان مصدره !
ظل ذلك الحال الى ان تم احتلال المستعمر الفرنسي لهذه البلاد ، وأول ما قام به هو فتح مدارس لليكون بواسطتها اطر المستقبل الذين سوف يديرون البلاد لصالحه بعد رحيله عن هذه الأرض .
و ثاني إجراءاتهم هو ارغام زعماء القبائل على تقديم أبنائهم لهذه المدارس لليتعلموا فيها - حسب نظمهم الدراسية - الا ان شيوخ القبائل قد مارسوا مع المستعمر أسلوب التقية و الدهاء و ذلك بتقديم أطفال الأطراف الهشة تخوفا من تأثير ابناء (الأسر الكبيرة )لو تخرجوا من تلك المدارس و ما سيؤثر به ذلك على حضارة الإسلام القائمة أصلا على العدل و التقي .
وقد كان اجراء شيوخ القبائل ذلك بمثابة شرع وافق هوى المستعمر الذي سيكوّن في مابعد أولائك الأطفال الذين ربما يكونوا مستقبلا اسهل انقيادا لما سيكلفون به لاحقا من طرف المستعمر و ما سيمرر عبرهم من قيم حضارية ، و ربما يستخدمهم لاحقا لأغراضه السياسية إذا مادعت الحاجة الى ذلك ، كما حصل فعلا عندما كون ضباطا و إداريين و قضاة بصفة مستعجلة و الذين لا يتوفرون على المؤهلات العلمية التي تمكنهم من قيادة البلاد و تسيرها على النمط الأمثل !
وقد ظل أولائك الموظفون في حالة ارتباط دائم مع قادتهم الفرنسين الذين يلجؤون اليهم في كل ما عن لهم من مشاكل او من صعبات او ما طرأ عليهم من حاجيات مستعصية !
ثم قام أولائك الضباط و الإداريون بعد تخرجهم و ممارستهم الحياة النشط بنشر ثقافة المستعمر في البلاد بواسطة استخدام رطانته و أساليب حياته الاجتماعية .
و لكن بعد برهة من الزمن سرعان ماتنبه لذلك الغزو الحضاري المخطط له سلفا خريجي ( المحاظر ) وكذا طلاب المدارس المزدوجة و الذين قد استفادوا ثقافيا و سياسيا مماينشر في الشرق العربي ذوي النهضة الثقافية و الفكرية و السياسية مع بداية القرن العشرين ، خصوصا رسائل المرحوم حسن البناء و اطروحات البعثيين و الناصريين و قادة الثورة الجزائرية .
ولكن المستعمر لما لاحظ ان خطته المتعلقة باجتذاب السكان لحضارته قد فشلت عند ئذ، طرح خطته البديلة الا وهية هي عبارة عن زرع بعض الشباب المكون من طرف مخابرات المستعمر على التلون ( الحربائ) سياسيا و دسهم في صفوف الحركات السياسية و الأحزاب من اجل التأثير في توجهاتها و ان يجعلوها تدور في فلك الأنظمة التي تلعب دور الوكيل عن ذلك المستعمر البغيض .
و قد تجلى عمل ذلك الشباب المندس في صفوف الأحزاب في البداية بالتظاهر بالمعارضة للنظام و مسلكياته و التمرد عليه ، ولكنهم من تحت الطاولة
يعملون على ان تظل الأحزاب و الحركات السياسية المندسين في صفوفها منصهرين في بوتقة ذلك النظام بشكل او بآخر ! و يظهر ذلك جليا كل ما حان استحقاق انتخابي او تحول سياسي الا وتجد تلك الجماعة المندسة في الأحزاب تحاول جاهدة بأساليب شتى من أجل مجاراة النظام و عدم الاصطدام به رافعة شعارات مثل الانتفاع من سلطة امر الواقع - ما دام يصعب التغلب عليها- خصوصا - يقولون -ان البعض منا اصبح شيوخا ولديه أسر و في أمس الحاجة للعمل و التوظيف ، و احيانا يتسللون الى صفوف زعماء القبائل ويخوفونهم من المعارضة و يرددون على مسامعهم بأن القبيلة ( لا تعارض ) و إذا ام يفد كل ذلك من الأساليب القذرة يصدر اليهم الأمر من جهات ربطهم بالمخابرات يقضي باستقالاتهم من ذلك الحزب او الحركة ، وذلك من أجل ارباك قيادات الحزب من جهة او أضعاف ثقة المواطنين بهم من جهة ثانية و بالتالي يتحقق ما قد خطط له المستعمر أصلا ولكن هذه المرة بأيادي طلابه القدماء او احفادهم !
و ما نرى الان إبان هذا الاستحقاق الرئاسي و ما صاحبه من استقالات متتالية من حزب تواصل و التكتل و غيرهم من الأحزاب الوطنية الا نموذجا من ذلك المخطط الاستعماري الرهيب !
و في الختام فإن هذا الأمر الذي ذكرنا فيما سبق سيبقي هكذا الى ان يتم الوعي الشامل لدي العامة و الخاطه بخطورة وكلاء الاستعمار و أذنابهم و كشفهم أمام الجميع و بالتالي الحد من نفوذهم الى ان يتسنى للشعب الموريتاني ان يقف على قدميه فوق ارض صلبة مدعمة بنظام شروي دمقراطي و الذي يتبنى ذلك النظام فصل السلطات و العدالة الاجتماعية و الحكامة الرشيدة .
و ليس ذلك ببعيد ان شاء الله .
ذ/ اسلمو ولد محمد المختار ولد مانا