كل المؤشرات تصب في خانة القول ان لبنان مقبل على حرب. آخرها التصريحات الإسرائيلية التي تتهم حزب الله بزرع صواريخ استراتيجية قرب المطار. وتحذيرات وزير الخارجية الروسية لإسرائيل من الاعتداء على لبنان. سبق هذه التصريحات مشاكل كثيرة وقعت في مطار بيروت فجأة، ترافقت مع ظهور دعوات لفتح مطارات أخرى في لبنان. لا أعتقد أن هذا يحصل عادة بالصدفة، خصوصا ان مطار بيروت يقع في منطقة الضاحية الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية بقيادة حزب الله.
خديعة إسرائيل لروسيا في سوريا أخرجت الرئيس فلاديمير بوتين عن طوره. كذبت إسرائيل على سيد الكرملين في عدوانها الأخير، فكانت النتيجة أن سقطت طائرة روسية وقتل فيها نحو ١٤ عسكريا روسيا وربما غير ذلك. قررت روسيا ارسال منظومة صواريخ أس ٣٠٠ الى سوريا. لا ندري حتى الآن تماما كيف سيتم العمل بهذه الصواريخ لكن الأرجح أنها ستبقى بإدارة الجيش الروسي انطلاقا من قاعدة حميميم بانتظار تسوية ما تعيد المياه الى مجاريها بين موسكو وتل أبيب رغم صعوبة المشهد حاليا.
لم يعد سرا القول ان الحرب السورية تشارف على نهايتها وان ما بقي من مناطق خاضعة لنوعين من المسلحين، اولهما أجانب من المرجح ان ثمة اتفاقا دوليا للقضاء على أبرزهم، وثانيهما يتم البحث حثيثا في الوقت الراهن للاتفاق على مصيرهم بتفاهم تركي روسي سوري إيراني مع امتدادات التفاهم الى دول أخرى.
لم يعد سرا القول كذلك ان ثمة دولا عربية فاعلة تسعى حاليا لاعادة دمشق الى جامعة الدول العربية. كان هذا الأمر محور نقاش بعيد عن الأنظار بين وزيري خارجية الاردن والسعودية مؤخرا. يبدو أن عمّان تريد مع القاهرة وعواصم عربية أخرى تسريع هذه الخطوات، لان إعادة سوريا الى المنظومة العربية يخفف باعتقادهم اعتماد القيادة السورية على ايران. هذا لن يزعج أميركا طبعا لو حصل في حال كانت نتيجته تخفيف الحضور الايراني. يقال ان الوزير السعودية عادل الجبير فوجيء بطلب الأردن إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية ، مع الإشارة الى ان عمان ذاهبة نحو فتح الحدود مجددا مع سوريا.
لبنان يبقى الساحة الهشة وثمن الصفقات حين تحصل. أتقن سياسيوه (ومعظمهم فاسد أو بيدق لدول أخرى أو ذليل أو عميل ) فن ابقائه هشا رغم انه الدولة العربية الوحيدة التي اجتيحت من إسرائيل ثم انتصرت عليها منذ حرب ١٩٧٣ حتى اليوم.
ما حصل في لبنان في السنوات القليلة الماضية ليس عابرا. هناك أطراف فاعلة ومعروفة كانت جزءا من منظومة إقليمية ودولية لاسقاط النظام السوري وإقامة نظام بديل يكون من النوع الموصوف ب " المعتدل" والذي سيقبل بصفقة القرن. للبنان دور مهم في هذه الصفقة، فهو مطالب بتوطين الفلسطينيين على أرضه لكي يحصل على الرضى الأميركي. وهناك أطراف فاعلة أخرى قدمت نفسها جزءا من محور كامل تقوده ايران للمرحلة المقبلة وفي مقدمها حزب الله.
الآن وفيما تتجه روسيا لتحصين الوضع السوري عسكريا وخلق نوع من التوازن الرادع مع إسرائيل لحماية الدور الروسي في المنطق (وهو بالمناسبة دور كبير في مواجهة قواعد الأطلسي وحماية معابر النفط ووقف التمدد الإرهابي الإسلامي الذي يهدد روسيا نفسها) وليس لحماية المقاومة، ستتجه إسرائيل نحو استهداف مواقع صواريخ لحزب الله في لبنان، ولعلها تريد نصب فخاخ لجر الحزب الى رد فعل فتكون النتيجة غضبا دوليا إضافيا وتهديدات إضافية وعقوبات إضافية تبرر عدوانا أكبر.
صحيح ان إسرائيل مترددة في شن حرب واسعة خشية ردة الفعل التي ما عادت تعرف خفاياها. فالحزب بات يمتلك أسلحة استراتيجية متنوعة وقد يفاجيء إسرائيل وفق ما صرح مرارا أمينه العام السيد حسن نصرالله. لكن الصحيح أيضا ان إسرائيل التي أفادت كثيرا من حروب الغباء العربية العربية والإسلامية الإسلامية على مدى السنوات الماضية ، تعرف أن أي حرب مقبلة ستكون أكثر راحة لها سياسيا، ذلك ان الخطوات الأخيرة لتنفيذ المراحل الأخيرة من صفقة القرن تتم على قدم وساق، وان الظهير العربي لحزب الله شبه مفقود الا في دول قليلة جدا بعد الشحن المذهبي الذي عرفته المنطقة منذ سنوات .
لكن الأخطر من كل ما تقدم، هو إدراك إسرائيل بأن ثمة جهات لبنانية داخلية تنتظرها بالورود للقضاء على حزب الله تماما كما انتظرتها حين قضت على منظمة التحرير وعلى الحركة الوطنية ( راجع كتاب هنري كيسنجر) . هذه الجهات متعددة الطوائف، وهي التي تعيق منذ سنوات أي عمل سياسي موحد، وهي التي تنسق مع جهات إقليمية لقلب الطاولة. بينما حزب الله يتحدى الجميع ويتخذ قرارات إقليمية مصيرية دون طلب اذن من أحد في الدولة على اعتبار ان ساحته أوسع من لبنان وان ما كان قبل الحرب السورية لن يعود بعدها.
ان الطبقة السياسية اللبنانية التي معظمها فاسد أو بيدق أو متآمر على الوطن، قامت بكل شيء حتى تُشعر إسرائيل بانها قادرة على ضرب لبنان، بعد ان تُسد في وجهها إمكانية الاعتداء على سوريا. فليس المطلوب فخا للحزب وانما لإيران نفسها بعد ان أثيرت في وجهها انتفاضة في جنوب العراق ثم هجوم في قلب الأهواز، وبعد ان حصلت اتفاقيات كثيرة في الأشهر الأخيرة لتطويق مجال تحركها في منطقة البحر الأحمر.
لا يردع إسرائيل حتى الآن سوى الخوف من ردة الفعل ومداه وحجم تدميره. لا شك ان غباء جزء من الطبقة السياسية اللبنانية التي تحولت الى مجرد بيادق ان منظومة فساد ستساعدها في خلق المناخ الملائم. أما الشعب اللبناني فلا يمكن الاعتماد عليها، فلو أراد التحرك لكان فعل حين طمره سياسيوه الفاسدون بالنفايات، وحين زادت أمراض السرطان فيه ٣ مرات بينما لا يزال بعض هذا الشعب نفسه يروي الخضروات بمياه المجارير وفق ما رأينا اليوم.