لماذا التزمت القيادة الروسيّة الصّمت على الغارةِ الإسرائيليّة التي قَصفت مُؤسّسة أبحاث سوريّة؟

اثنين, 2017-09-11 04:32

التزمت القيادة الروسيّة الصّمت تُجاه الغارة الإسرائيليّة التي قَصفت “مُنشأة المَركز السوري للأبحاث العلميّة” يوم الخميس الماضي، ولم تُعلّق القيادة العسكريّة السوريّة عَليها أيضًا، ولم تُهدّد بأيّ ردٍّ انتقامي، مِثلما جَرت العادة في بَعض الحالات المُماثلة السّابقة، لأنّها، أي الغارة، لا تَحتل مكانة الأولويّة بالنّسبة إليها، لانشغالها في مَعركة دير الزور التي كَسرت قوّات الجيش السوري الحِصار المَفروض عَليها، وفي طريقها لاستعادتها بالكامل.
تجاهل هذه الغارة لا يَعني في نَظر الكثيرين، ونحن منهم، أن القيادتين السوريّة والروسيّة لم تتأثرا سلبًا من تَبعاتها السياسيّة والنفسيّة، ناهيك عن العَسكريّة، فغارة مثل هذه تُشكّل اختراقًا للسيادة أولاً، وإهانةً، الهدَف منها الاستفزاز، وبِما يُؤدّي إلى ردود فعلٍ غير مَحسوبةٍ في الوقت غير المُناسب فِعلاً، فهناك سُلّم أولويات يَجب احترام خُطوطه العَريضة، مِثلما أكّد مسؤول سوري كبير في حديث لهذهِ الصّحيفة “رأي اليوم” عبر مُراسلها في بيروت.
علّمتنا دُروس التّاريخ أنّه لا تَوجد حَصانةٌ إلى الأبد، ولن تكون، وهُناك دول مثل سورية والعراق ومصر واليمن، تَحمل شُعوبها جينات إمبراطوريّة تُؤهلها للنّهوض دائمًا من كَبواتها، واستعادة مَكانتها كقِوى إقليميّة أو دوليّة عُظمى، فكم مرّ من غُزاةٍ على هذهِ الدّول؟
الجنرال أمير إيشل، القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، كَشف أن طائراته الحربيّة شنّت 100 غارةٍ على أهدافٍ داخل سورية، مُعظمها استهدفت شُحنات صواريخ كانت في طريقها إلى “حزب الله” في جنوب لبنان على مَدى السنوات السّبع الماضية على الأقل، ولكنّها فَشلت في تحقيق الهَدف الذي انطلقت من أجله، وهو تَقليص القوّة الصاروخيّة لحزب الله، بدليل أن هناك 150 ألف صاروخ في ترسانة الحزب من مُختلف الأبعاد والأحجام في الوقت الرّاهن، حَسب التّقديرات العسكريّة الإسرائيليّة نفسها.
مِئة غارة جويّة إسرائيليّة على سورية مرّت، ولكن سورية ظَلّت باقيّةً، وكذلك “حزب الله”، بل ازداد الطّرفان قوّةً، واستطاعا تحقيق إنجازاتٍ كبيرةٍ في ميادين القِتال ضد خُصومهما المَدعومين ماليًّا وعَسكريًّا من الولايات المتحدة الأمريكيّة وحُلفائها الغربيين والعرب، ولا مانع أن تَمر غارة أو اثنتين أو أربعة بدون رد، وإن كُنّا نتمنّى أن يتم الرّد، وإن تأجّل، وأن لا يتأخّر لأنه يَصب في خانة الدّفاع عن النّفس في وَجه العُدوان، مع اعترافنا مُسبقًا أن من يَكتب عن بُعد ليس كَمن يُواجه هذهِ الغارات ويُواجه تَبِعاتها.
لدينا قناعةً راسخةً بأنّ الرّد السوري الرّوسي الإيراني سيأتي حتمًا، سواء عبر لبنان أو عَبر الأراضي السورية نفسها، فكون الطائرات الإسرائيلية لم تَخترق الأجواء السوريّة هذه المرّة، واختارت أن تَقصف الهَدف الأخير المَذكور يوم الخميس الماضي من الأجواء اللبنانيّة، يُؤكّد أن ظُروف المُواجهة تغيّرت، وأن القيادة العسكريّة الإسرائيليّة لا تَجرؤ على اختراق المجال الجوّي السوري خَوفًا من رد الدّفاعات الجويّة الروسيّة أو السوريّة المُحدّثة (بضم الميم وتشديد الدال) مُؤخّرًا.
الخُبراء والعَارفون ببواطن الأمور مثل روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في دمشق، والمَبعوث الدّولي استيفان دي ميستورا، يُؤكّدون أن القيادة السوريّة ستَخرج من الأزمة الحاليّة مُنتصرةً، وأن الحِلف السّوري الإيراني الرّوسي سيكون صاحب اليَد العُليا، ليس في سورية، وإنّما في المَنطقة بأسرها، وهزيمة الحِلف الأمريكي في سورية هي هزيمة لإسرائيل أيضًا، وعلينا أن لا ننسى أن سورية شاركت في أربع حُروبٍ ضد الاحتلال الإسرائيلي على مَدى الخَمسين عامًا الماضية.
صاحب النّفس الاستراتيجي الطّويل هو الذي يَخرج مُنتصرًا في نهاية المَطاف، والذي يَزرع زيتونًا غير الذي يَزرع فِجلاً أو بصلاً، خاصّةً في منطقة مُلتهبة مثل مَنطقتنا العربيّة والشرق أوسطيّة.. ومن يَضحك أخيرًا يَضحك كثيرًا.. والأيام بيننا.
“رأي اليوم”