طواقم إعلاميّة إسرائيليّة “تُشارك” في معركة الموصل العراقيّة ببثٍ حيٍّ ومُباشرٍ من المدينة وتُحرّض طائفيًا ومذهبيًا وعرقيًا

اثنين, 2016-10-24 08:34

يعتمد التلفزيون في المقام الأوّل على الصورة في نقل الأفكار والمعلومات. بعكس الصورة، الكلمات يُمكنها أنْ تحمل فرضيّة أوْ تساؤلاً أوْ اقتراحًا. يمكنك أنْ تقول إنّك تختلف مع عبارةٍ معيّنةٍ، ولكن ليس بإمكان أحدهم أنْ يختلف مع صورة أوْ يقول إنّه يتفق معها جزئيًا.
الصورة يمكنها فقط أنْ تثير المشاعر، يُمكنك أنْ تُعجب بمشهدٍ طبيعيٍّ، تحزن لصورة شخصٍ قُتل في حربٍ، تتحمس لرؤية صورةً لعلم بلادك، ولكن لا يمكنك أنْ تقول إنّ هذه الصورة خاطئة.
وفي هذا السياق، جاءت معركة الموصل، لكي ينقّض الإعلام العبريّ على الفريسة السائغة، ويستخدمها في حربه النفسيّة ضدّ الأمّة العربيّة، بهدف كيّ الوعي العربيّ من جهة، وتأليب الرأي العّام الإسرائيليّ ضدّ كلّ ناطقٍ بالضاد.
هذه الإستراتيجيّة الإسرائيليّة تأتي في محاولةٍ، تنطلي للأسف على عددٍ لا يُمكن التقليل من أهميته من الأمّة العربيّة، للإمعان في تأسيس وترسيخ صورة العربيّ المُجرم، السفّاح، وكيف يقتل الكرديّ العربيّ، وكيف يذبح السُنيّ الشيعيّ وبالعكس، وما إلى ذلك من مصطلحات يُعجّ بها مُعجم الصهيونيّة العنصريّة، تمّ تجييرها لاستخدامها في الحرب الإعلاميّة، وكأنّ إسرائيل لا ترتكب الجرائم والمذابح ضدّ العرب بشكلٍ عامٍ، والفلسطينيين بشكلٍ خاصٍّ.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، قال موقع (المصدر) الإسرائيليّ إنّه منذ أسبوع يزداد الحصار على مدينة الموصل شدّةً. مُشيرًا إلى عاصمة (داعش) العراقيّة باتت مُحاصَرةً من ثلاث جهات، وبفضل التعاون بين القوات الكرديّة، الجيش العراقي، الميليشيات الشيعية، وكذلك المساعدة الجويّة من الدول الغربية، تنجح القوات في التقدم، وإنقاذ أجزاء من المدينة المحاصرة، على حدّ تعبيره.
والآن، تابع الموقع، الذي يعمل بدون كللٍ أوْ مللٍ على تحسين صورة إسرائيل المُشوهة أصلاً، تابع قائلاً: “أصبحت أنظار العالم كلّه نحو المعارك، رغبةً في رؤية إذا ما كان تنظيم (داعش)، التنظيم الذي يهدد منذ سنوات مواطني العالم كله، سيُهزم.
في أثناء ذلك، كتبت المُراسلة السياسيّة للموقع، هداس هروش، أرسَلت أجهزة إعلاميّة كثيرة من العالم كلّه مراسلين إلى مناطق القتال.
ورغم حظر دخول المواطنين الإسرائيليين إلى العراق، فقد نجحت فرق إعلامية إسرائيلية، من قناتين إخباريتين رئيسيتين في البلاد، في اختراق ميدان القتال تمامًا، كما يبدو، من خلال استخدام جواز سفر أجنبيّ، على حدّ تعبير الموقع الإسرائيليّ.
وأشارت مُعدّة التقرير في الموقع إلى أنّ “التصوير ميدانيًا صعب ويُشكّل خطرًا. ويُغطّي مدينة الموصل دخان رماديّ كثيف بشكلٍ دائمٍ، وهو يشير بدقةٍ كبيرةٍ إلى المناطق التي تدور المعارك فيها”.
وبحسبه، هناك أخبار عن إعدامات جماعية يرتكبها تنظيم (داعش) تُسمع في خط الجبهة كل الوقت، ولكن المقاتلين يسعون إلى نقل رسالة أنّهم لا يخافون.
قال أحد المقاتلين لمراسلة القناة الإخبارية الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ إنّ لديه 10 أطفال، ولكنّه لا يخاف من الموت ومن داعش. كما وقف أحدهم أمام الكاميرا، وقال: “تفو على أبو بكر البغدادي”، أيْ على مَنْ أعلن نفسه خليفة المُسلمين في العراق وبلاد الشّام.
علاوة على ذلك، قال الموقع إنّه عندما اقترب طاقم القناة العاشرة الإسرائيليّة إلى الموصل، توقفّ عند جانب الطريق أمام مشهد مخيف، إذْ رأى الطاقم سيارة محمية كانت تنقل فريقًا إعلاميًا لدولةٍ أخرى، وهي تجتاز عبوة ناسفة وضعتها قوات (داعش) على هامش الطريق الرئيسية المؤدية إلى المدينة.
أُصيب أحد المراسلين إصابة بالغة في رأسه. أصبحت الجسور في الطريق إلى المدينة مفجّرة، وباتت الأنقاض التي خلّفها تنظيم (داعش) وراءها واضحةً جدًّا.
والآن، أوضح الموقع، باتت تتعاون قوات البشمركة الكردية، التي تُحاصر الموصل من الشمال، جيّدًا مع فرق التصوير، التي وصلت إلى خط الجبهة تمامًا، على بعد نحو 20 كيلومترا من الموصل.
بطبيعة الحال، أوضح الموقع، لا يُعرّف المراسلون أنفسهم كإسرائيليين. لافتًا في الوقت عينه، إلى أنّه رغم العلاقات الجيدة بين إسرائيل والأكراد، فإنّ القتال يجري بالتعاون مع الجيش العراقي الشيعي وميليشيات شيعية أخرى بتمويل الإيرانيين، الذين لم يفرحوا بالتأكيد بالالتقاء بإسرائيليين.
حتى الآن، ساق الموقع قائلاً:”تتعاون كلّ القوات مع بعضها البعض، ولكن إذا نجح أفرادها في احتلال المدينة وتحريرها من أيدي (داعش)، فمن غير الواضع ماذا سيحل بمصيرها، وهل ستستمر أخوة المقاتلين بين الطوائف المختلفة، وهي القوات التي كانت تتقاتل فيما بينها قبل سنوات فقط، ولكنّها أصبحت الآن تتعاون معًا ضدّ العدو المشترك”.
وفي إسرائيل، كما في إسرائيل دائمًا، لا يكتبون أوْ يبثون هل إسرائيل “تُشارك” في معركة الموصل إعلاميًا فقط، أمْ أنّ الأمر أبعد من ذلك.
بطبيعة الحال، التطرّق لهذا الموضوع الـ”حسّاس″ هو، على ما يبدو، “بقرةً مُقدّسةً” في دولةٍ تزعم أنّها الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكنّها ما زالت تعمل وفق قوانين الطوارئ الانتدابيّة للاستعمار الإنجليزيّ لفلسطين.
ناهيك عن أنّ مقّص الرقيب العسكريّ، ربمّا، يعمل على مدار الساعة لمنع الإعلام من التعامل مع القضيّة لأنّها “تمسّ بالأمن القوميّ الإسرائيليّ”، رغم أنّ السواد الأعظم من وسائل الإعلام العبريّة، ليس بحاجةٍ إلى رقيبٍ عسكريٍّ، فهو الرقيب والحسيب لنفسه.

(رأي اليوم)