النظام السوداني: القدرة على جمع المتناقضات

أربعاء, 2016-01-13 19:39

جاء قرار السودان بقطع العلاقات مع إيران “انتصارا” للسعودية وتماشيا مع رغبة المملكة في تشكيل تحالف سني مضاد لطهران، لتعكس ذروة البراغماتية السياسية لدى نظام عمر البشير، الذي تحولت سياسته في السنوات الأخيرة إلى  “لعب في سيرك السياسة” وسعي حثيث لجمع جملة من المتناقضات التي يبدو اللعب عليها مشيا بأقدام حافية فوق غابة من الشوك، فما بين العلاقات التاريخية مع “الإخوان المسلمين” والاحتضان لهم، إن لم نقل  الانتماء، والعلاقات مع نظام السيسي الذي انقلب على حكم الإخوان، وما بين التحالف التاريخي مع إيران والتعاون العسكري معها، إلى فض العلاقات معها مؤخرا  والذوبان حد التماهي في حلف غير واضح المعالم تسعى “السعودية الجديدة” لتأسيسه، وما بين العلاقات المتميزة مع قطر بكل ما يعنيه ذلك من توجه نحو دعم ثورات “الربيع العربي” وسدنتها من حركات الإسلام السياسي، والعلاقات التي تطورت جدا مع أبوظبي والتي تكررت زيارات البشير لها مؤخرا بشكل لافت، رغم أن السياسة الإماراتية تسير تماما في الاتجاه المعاكس للرياح القطرية، حيث يقف الإماراتيون بكل ما أوتوا من قوة ضد ثورات الربيع العربي وضد الحركات الإسلامية وخاصة تيار الإخوان المسلمين الذي يرى فيه قادة أبوظبي خصما، بل عدوا، يتربص ببلدهم ونظام حكمهم الدوائر.
هذا “الرقص السوداني المحترف” على حبال سياسية عديدة، وهذا الإبحار في اتجاهات متناقضة، يرى فيه البعض ذكاء سياسيا نادرا يسعى فيها قادة الخرطوم، إلى تجنب التخندق في صف معين، خصوصا في فترة عربية حرجة تمتاز بالاصطفاف الحاد بين المعسكرات، وبتبني نظرية بوش الشهيرة “من ليس معنا فهو ضدنا”..
من المعروف أن نظام البشير محسوب تاريخيا على تيارات الإسلام السياسي التي خرج من رحمها، كما أن لديه ارتباطا وثيقا بنظام ما بعد الثورة في إيران، على أساس أن البلدين يتبنيان النهج الثوري الإسلامي، وهو ارتباط تشابكت ملفاته وتطورت حتى وصلت إلى حد التحالف الاستراتيجي، وهو أمر يجعل من الصادم  وغير المتوقع قرار عمر البشير الأخير بقطع العلاقات مع طهران إمعانا في التقرب من السعودية التي لم تكن دائمة السعي إلى إرضاء السودانيين، بل إن العلاقات معها شهدت في السنوات الأخيرة توترا مكتوما ..
قد يكون البعد الاقتصادي هو الدافع الأبرز وراء ارتماء الخرطوم  في الحضن الخليجي الدافىء، فالنظام السوداني يعاني من أزمات اقتصادية تزايدت شدتها بعد انفصال الجنوب الغني بالنفط، وغذتها الحروب والصراعات المستمرة في مناطق السودان المختلفة، كما أن خوف عمر البشير من امتداد حريق الربيع العربي إلى ثوب بلاده المنهكة، وسعيه لإرضاء عواصم القرار العربي المؤثرة كلها أمور  جعلته يبالغ في تقربه من محور أبوظبي الرياض القاهرة، وقد يكون قرار قطع العلاقات مع إيران “تطهرا” كاملا من شوائب علاقات طالما نظر لها الخليجيون، وخاصة الرياض بعين الريبة والتوجس..
إن قدرة نظام عمر البشير على جمع المتناقضات في جرابه، ونجاحه وهو المحسوب، أقر أو أنكر، على تيار الإخوان المسلمين، في التقرب من المحور المعادي لهم، هذه القدرة تشكل في قرائتها الأولية حنكة سياسية استثنائية من رئيس عركته سني الحكم الطويلة وصراعات السلطة المريرة، وقد يرى فيها البعض “ازدواجية غريبة” تعكس نفاقا لا مثيل له، وبراغماتية وصلت إلى حد غير مسبوق، وبعيدا عن هذا وذاك، يشكل الأمر نموذجا نادرا في سياسة المشي على حبلين مشدودين دون الانزلاق في الهاوية.
محمد سعدن ولد الطالب كاتب وإعلامي موريتاني
saadnapoet@hotmail