في عدة مقابلات تلفزيونية ومقالات على محطات تلفزة عربية واجنبية او حتى من خلال المقالات التي نشرتها منذ أعوام، حذرت أنه مع نهاية عام ٢٠٢٤ ستشهد المنطقة بداية سايكس بيكو-٢. واليوم بتنا نعيش هذه اللحظة. تعيش سوريا لحظة تاريخية حاسمة، حيث تقف على حافة البقاء أو التفكك، ففي الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات داخلية وخارجية متزايدة، يلوح في الأفق سؤال هو: “ماذا بعد؟” وهو سؤال لا يهم سوريا وحدها، بل الشرق الأوسط بأسره. فمع تصاعد الضربات الإسرائيلية التي تستهدف البنية التحتية السورية، يبدو أن المنطقة تدخل حقبة من إعادة الاصطفاف الاستراتيجي التي تهدد بإعادة رسم الحدود والإطاحة بالأنظمة.
الحملة الإسرائيلية الممنهجة: كسر سوريا من الداخل
تحركات إسرائيل في سوريا ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى إضعاف البلاد وضمان تفككها. من خلال تدمير البنية التحتية السورية بشكل ممنهج — بما في ذلك المطارات والمنشآت الحيوية والأصول العسكرية الرئيسية—تسعى إسرائيل إلى شل قدرة سوريا على إعادة بناء نفسها كدولة موحدة.
الهدف واضح: خلق سوريا مجزأة لم تعد تشكل تهديدا ينهي النفوذ الإيراني الإقليمي. ويتماشى هذا التصور مع الطموحات الجيوسياسية الأوسع، مما يتيح لإسرائيل توسيع نفوذها شرقاً نحو آسيا الوسطى وغرباً نحو البحر الأبيض المتوسط، وضمان وصول غير معرقل إلى موارد المنطقة ونفوذها. بالنسبة لإسرائيل، فإن سوريا المقسمة هي سوريا التي يمكن السيطرة عليها.
الأنظار على العراق: وأثر الدومينو
بمجرد حسم مصير سوريا، ستتحول الأنظار إلى العراق، البلد الذي يعاني بالفعل من التوترات الطائفية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والتدخل الأجنبي. إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن العراق هو التالي في قائمة الانهيارات المحتملة. ويبدو أن تفكيك الميليشيات، خصوصا تلك المدعومة من إيران، جزء من الأجندة، مع توقعات بانقلاب واسع النطاق يمكن أن يطيح بالحكومة الحالية.
التداعيات المحتملة لمثل هذه الخطوة عميقة. فالعراق، كحال سوريا، يُعد محورا جيوسياسيا في المنطقة. وإذا زُعزع استقراره، فقد يصبح منصة لانطلاق مزيد من الاضطرابات عبر الشرق الأوسط، مع انعكاسات تمتد من لبنان إلى الخليج. إذ من المرجح ان تصل داعش هذه المرة الى الخليج العربي.
الأنظمة الخمسة المهددة
تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن سوريا والعراق هما مجرد البداية. حيث يُقال إن ٥ أنظمة عربية أخرى على شفا انقلابات، مدفوعة بمزيج من السخط الداخلي، والتلاعب الخارجي، والأزمات الاقتصادية. وتهدف هذه التحولات إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، مما يمهد الطريق لشرق أوسط جديد يتماشى مع المصالح الخارجية بدلاً من تطلعات شعوبه تكون فيها الكلمة العليا لإسرائيل وفق عقيدتها من الفرات إلى النيل وهذه رمزية لبدء العملية واتجاهاتها.
ظل الصراعات الطائفية
في هذا المزيج المتقلب، اكتسبت الروايات المروعة والنبوءات الطائفية زخما. يتحدث البعض عن ظهور شخصية تُعرف باسم “السفياني” فيما بعد، وهو الذي، وفقا للتقاليد الإسكاتولوجية، يُتنبأ بخروجه من سوريا ليهزم الفصائل المختلفة ويهيمن على المنطقة. وبينما تُعتبر مثل هذه الروايات غالبا مجرد بالونات دينية، فإنها تعكس مخاوف عميقة الجذور بشأن مستقبل المنطقة وإمكانية حدوث تغييرات جذرية في السلطة.
دور القوى الخارجية: من يتحكم بالخيوط؟
للولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا مصالح في مستقبل سوريا، لكن أهدافهم متباينة. تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة نفوذ إيران، بينما تهدف روسيا إلى الحفاظ على موطئ قدمها الاستراتيجي. من ناحية أخرى، تنظر إيران إلى سوريا على أنها حلقة “حيوية”، فيما تركز تركيا على سوريا لتأمين حدودها وممارسة نفوذها.
ومع ذلك، يبرز دور إسرائيل برؤية طويلة المدى لضمان الهيمنة الإقليمية. من خلال تفكيك سوريا وتمهيد الطريق لعدم الاستقرار في العراق وما بعده، تضع إسرائيل نفسها كقوة غير منازعة في المنطقة.
ماذا ينتظر سوريا؟
مستقبل سوريا مغطى بالغموض. رحيل الأسد، سواء من خلال التدهور السياسي الطبيعي أو التدخل الخارجي، سيترك فراغا خطيرا. تشمل السيناريوهات المحتملة:
1-التقسيم: قد تنقسم سوريا إلى مناطق تسيطر عليها قوى أجنبية وميليشيات محلية، على غرار الواقع بعد الحرب في ليبيا.
2-الحكم بالوكالة: قد تدعم القوى الإقليمية والدولية فصائل متنافسة، مما يزيد من ترسيخ الانقسامات.
3-مقاومة متجددة: قد يسعى جيل جديد من السوريين، مدفوعين بمظالمهم وتطلعاتهم، لاستعادة وطنهم من خلال حركات شعبية أو صراع مسلح.
المنطقة على مفترق طرق
الشرق الأوسط يقف أمام لحظة حاسمة. تفكيك سوريا، يتبعه احتمال زعزعة استقرار العراق، لن يعيد رسم الحدود فقط، بل سيعيد تعريف التحالفات وهياكل القوة. بالنسبة للدول العربية، يعد هذا نداء استيقاظ لإعادة تقييم استراتيجياتها وصياغة رؤية جماعية للاستقرار الإقليمي.
سواء ظهرت سوريا كدولة موحدة أو كأرض مجزأة، فإن قصتها تقدم درسًا تحذيريًا للمنطقة بأسرها. السؤال لم يعد فقط “من يأتي بعد الأسد؟” بل “أي نوع من المستقبل ستختاره سوريا — والشرق الأوسط؟” الإجابة ستشكل حياة الملايين وستحدد مصير واحدة من أكثر المناطق التاريخية والثقافية ثراءً في العالم بل وستحدد مصير عدة أنظمة عربية في العام ٢٠٢٥.
د. شهاب المكاحله كاتب اردني