الضفة تشتعل والاحتجاجات تتصاعد.. هل اقترب موعد سقوط السلطة والحكومة بقرار من الشعب؟

ثلاثاء, 2022-02-08 13:15

تعيش مدن الضفة الغربية المحتلة، وعلى وجه الخصوص مدينة الخليل حالة من التوتر المشحونة والغضب غير المسبوقين ضد السلطة الفلسطينية، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية والغلاء الفاحش الذي قسم ظهر الكثير من الفلسطينيين، وشل مظاهر الحياة.
هذه الحالة عبر عنها آلاف الغاضبون خلال الأيام الماضية بمسيرات شعبية جابت مدن وشوارع الضفة بشكل عام، لكن كان لمدينة الخليل نصيب الأسد منها، فصب المحتجون جُل غضبهم على قادة السلطة وحركة “فتح” والحكومة، لما آلت إليه الأوضاع من تدهور غير مسبوق، يُنذر بكوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية قد لا تُحمد عقباها.
“الغلاء الفاحش” والذي شهد تصاعد فاق التوقعات، وعدم تدخل الحكومة الفلسطينية باتخاذ قرارات مفصلية وهامة لتطويق هذه الأزمة المشتعلة، أو حتى توضيح أسابها للمواطنين، كان السبب الرئيسي لانطلاق شرارة هذا الغضب، الذي يتوقع الكثير من المراقبين أن يشهد تطورات حساسة خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي ستشكل خطر حقيقي على السلطة والحكومة معًا.
ونظّم فلسطينيون أمس الأحد وقفة احتجاجية ضد الغلاء وارتفاع الأسعار جنوبي الضفة الغربية، بالتزامن مع إعلانات من جانب شركات ومورّدين محليين حول زيادة أسعار سلع رئيسة.
وشارك مئات الفلسطينيين في الوقفة الاحتجاجية التي نُظمت بدعوة من نشطاء على ميدان ابن رشد وسط مدينة الخليل، وهتف المشاركون بشعارات منددة بغلاء الأسعار، مطالبين الحكومة الفلسطينية بالتدخل العاجل قبل فوات الأوان.
وردد العشرات أحد شعارات الثورة المصرية: “عيش… حرية… عدالة اجتماعية” مؤكدين: “نحن لسنا حرامية وإنما نبحث عن رزق أطفالنا، وعلى اشتيه أن يعرف ذلك”.
ويقول الناشط الشبابي صهيب زاهدة، إن الوقفة تعبير عن حالة الغضب في الشارع الفلسطيني، جراء استمرار ارتفاع أسعار المواد التموينية والمشروبات والمحروقات، مطالبًا الحكومة الفلسطينية بالوقوف عند مسؤولياتها، وقال “اليوم خرجت الخليل وغدا كافة مدن الضفة الغربية، لا يمكن السكوت”.
وقال العديد ممن تحدثوا خلال المظاهرة إن تحركهم سلمي وأعطوا الحكومة مهلة 3 أيام قبل العودة للتظاهر مرة أخرى إذا لم تعمل على خفض الأسعار، فيما بدأ أصحاب الشاحنات في الضفة الغربية إضرابا في قطاع النقل التجاري، للاحتجاج على ارتفاع أسعار المحروقات وغلاء المعيشة.
ونفلت عن مصادر محلية أن سائقي الشاحنات وحافلات النقل العمومي نظموا وقفات بشاحناتهم في عدد من المحافظات، رفضا لارتفاع أسعار المحروقات والمواد التموينية جراء الضرائب.
ويقول الفلسطينيون إن المواد الغذائية الأساسية شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار إلى جانب المشروبات والمحروقات.
وارتفعت أسعار الوقود والمشروبات المحلاة بأنواعها، وأسعار الحبوب ومشتقات الألبان، فيما يرتقب أن تعلن الحكومة عن زيادة أسعار الكهرباء خلال وقت لاحق من فبراير/شباط الجاري.
وقالت وزارة الاقتصاد الوطني إنه تم “إحالة 17 مخالفا للنيابة العامة لمكافحة الجرائم الاقتصادية خلال الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني) على خلفية التلاعب بأسعار السلع الأساسية وعدم الالتزام بالأنظمة والقوانين المعمول بها”.
السبت الماضي، قرر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية تشكيل لجنة لدراسة ومتابعة قضية رفع الأسعار في الأسواق المحلية والعالمية، تضم وزيري المالية، والاقتصاد الوطني، ورئيس الجهاز المركزي للإحصاء.
وقال اشتية في بيان إن الحكومة لن تتخلى عن الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل من خلال ضبط أسعار السلع الأساسية.
وأضاف أن الحكومة ستتخذ الإجراءات اللازمة لحماية تلك الفئة في ضوء ما تتوصل إليه اللجنة من توصيات بالتوازي مع تكثيف عمل لجان مراقبة الأسعار في الأسواق.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي د. أشرف بدر إن الدعوة للمظاهرات في الضفة تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على شكل حراك ضد الغلاء، ولم تكن دعوة من حزب أو حركة معروفة…وبصرف النظر عن الجهات الداعية، لاقت الدعوة قبولا جماهيريا لأنها لامست حاجة ملحة وحقيقية عند الجمهور، وظهر ذلك بالالتزام الكبير بالإضراب التجاري”.
ويضيف أن الوقفة التي حصلت على دوار ابن رشد وسط مدينة الخليل ضمت خليط من ألوان الطيف السياسي بما فيها المستقلين والحراكيين، وكذلك شرائح اجتماعية متنوعة، والشيء البارز في الوقفة هو ظهور نشطاء ينتسبون للحزب الحاكم، والقائهم كلمات…مما يعطي مؤشر على وجود شريحة من الحزب الحاكم تدعم هذه الاحتجاجات، إن لم تكن من الجهات التي تحركه.
يقول بدر أنه بعيدا عن اسطوانة “الأجندات الخارجية”، والمؤامرة على القيادة التاريخية، “هنالك عدة جهات قد تستفيد من هذا الحراك، على رأسها الجناح المعارض في الحزب الحاكم لرئيس الوزراء اشتية، ويسعى لاستبداله، علاوة على الخصوم السياسيين للحزب الحاكم من يسار ويمين”.
 والمتوقع حسب بدر، هو توظيف هذه الاحتجاجات في معركة الخلافة، فمع تقدم سن الرئيس واحتمالية وفاته هنالك معركة محتدمة على الوراثة، الجناح المسيطر حاليا على زمام الأمور (الشيخ، فرج) غير متوافق مع اشتية، وفي حال وفاة الرئيس، الشخص المرجح للخلافة والذي يملك صفة رسمية هو رئيس الوزراء اشتية.
وتعاني السلطة الفلسطينية من أزمة عجز موازنة خانقة، عمّقها انحسار التمويلات الخارجية للسلطة منذ أكثر من عامين، حيث بلغ عجز موازنتها خلال العام الجاري 1.4 مليار دولار.
وبدا لافتا أن المساعدات المعتادة للسلطة الفلسطينية متوقفة من دول عربية، كان الدعم الذي تقدمه تقليدا ثابتا في سياستها الخارجية.
وعانت السلطة الفلسطينية مؤخرا من تدهور في علاقاتها الخارجية، لاسيما مع الاتحاد الأوروبي الممول الأكبر لها، في ظل انتقاده الشديد لعدم إجراء انتخابات فلسطينية عامة منذ عام 2006.
اقتطاع إسرائيل لأموال الضرائب عمّق متاعب السلطات الفلسطينية، التي تشكو عجزا حادا في موازنتها أثّر سلبا على تسيير شؤونها اليومية، ورغم أن الولايات المتحدة استأنفت بعض مساعدتها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، غير أن قوانين الكونغرس الأميركي تمنع الإدارة الأميركية من مساعدة السلطة بشكل مباشر.
ومؤخرا، أظهرت بيانات الموازنة العامة الفلسطينية أن الولايات المتحدة قدمت دعما لها خلال أكتوبر الماضي للمرة الأولى منذ مارس 2017، خصص لدعم مستشفيات القدس.
وعلّقت واشنطن دعمها للموازنة الفلسطينية في الربع الأول من 2017، بأمر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وأفاد تقرير سلطة النقد الفلسطينية حول تطورات مالية الحكومة، بأن “السلطة لم تتلق خلال الربع الأول من العام الماضي أي منح أو مساعدات خارجية تقريبا”.
ووفقا للتقرير ذاته، فإن أموال الضرائب غطت خلال الربع الأول ما نسبته 56 في المئة من النفقات المستحقة، و116 في المئة من فاتورة الرواتب والرواتب المستحقة.
وعمّق اقتطاع إسرائيل لأموال الضرائب متاعب السلطات الفلسطينية، التي تشكو عجزا حادا في موازنتها أثّر سلبا على تسيير شؤونها اليومية.
وتجمع إسرائيل، بحسب الاتفاقيات الموقّعة مع السلطة الفلسطينية، أموال الضرائب التي تصل شهريا إلى حوالي 200 مليون دولار عن البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطينية من خلالها، مقابل عمولة ثلاثة في المئة.
وبدأت إسرائيل عمليات اقتطاع من الضرائب التي تجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية منذ عام 2019، بموجب قانون أقره الكنيست الإسرائيلي إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

(رأي اليوم)