حراك عربي بعنوان سوريا

أربعاء, 2022-02-02 19:51

سوريا الحاضرة دائما في المشهد العربي ولم تتراجع لحظة عن دورها العروبي هي حاضرة اليوم بقوة في الحراك الرسمي العربي، سوريا قلب العروبة النابض كما سماها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، على أسوارها تحطمت جحافل الغزاة وعلى أرضها قامت الحضارات، وفيها يرقد الأنبياء والصحابة والأولياء، هي أرض الكرامات والحضارات، وصفها الشاعر العربي الكبير نزار قباني فأبدع في وصفها، وتجلى في وصف عاصمتها فقال: “والخيل تبدأ من دمشق مسارها .. وتشد للفتح الكبير ركاب *** والدهر يبدأ من دمشق وعندها .. تبقى اللغات وتحفظ الأنساب *** ودمشق تعطي للعروبة شكلها .. وبأرضها تتشكل الأحقاب”.

سوريا تستحوذ اليوم على أبرز عناوين الحراك العربي، فمنذ بداية التحضير للقمة العربية بالجزائر وهناك رغبة حقيقية من قبل الدولة المستضيفة بعودة سوريا الى الحضن العربي وعودة الاشقاء العرب الى سوريا، توج ذلك الكثير من اللقاءآت والتصريحات منها التي أعلنها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في ديسمبر الماضي: “نريد من القمة العربية المقبلة أن تكون قمة جامعة شاملة ولن نكرس التفرقة العربية، إما تكون قمة جامعة وإما سيكون لنا نظرة أخرى” كما سبق ذلك عدد من اللقاءآت العربية من أجل عودة سوريا الى البيت العربي، فكانت العاصمة العمانية مسقط أحد أهم المحطات التي استقبلت في وقت سابق الدكتور فيصل المقدار وزير الخارجية السوري ونائبه الدكتور بشار الجعفري كما جاءت زيارة الدكتورة بثينة شعبان في ذات الاتجاه، ولا شك أن التعويل على سلطنة عمان في احداث اختراق لهذا الملف مبنيا على موقف السلطنة الدائم في إطار رأب الصدع بين الاشقاء العرب وأهمية عودة سوريا الى جانب الأشقاء العرب، لتحقيق الاجماع العربي في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة .

سلطنة عمان ومنذ بداية الازمة في سوريا تقوم بدور كبير في سياق تطبيع العلاقات العربية السورية وعودة سوريا الى البيت العربي ولم تألوا السلطنة جهدا من أجل تقريب وجهات النظر بين الاشقاء العرب مدركة حجم الدور السوري وما تمثلة سوريا من ثقل في ميزان القوة العربية، وما تمثله سوريا على خارطة العمل العربي المشترك، كما تدرك أيضا ماذا يحدث في سوريا وكل تضاريس أزمتها، وأهمية أن يقف الاشقاء العرب مع سوريا، وهنا ينبغي الاشارة الى أن هذا الحراك العربي لم يكن ليتحقق لولا الصمود الاسطوري الذي قدمته سوريا والملحمة الكبرى التي قدمها ثالوثها الوطني العظيم بقيادتها الحكيمة التي قدمت نموذجها الاحترافي في ادارة الازمة ما جعلت مفكري الغرب يقفون اليوم وقفة احترام نحو سوريا بقيادة الدكتور بشار الأسد، هذا بالاضافة الى ما قدمه الجيش العربي السوري البطل من تضحيات جسام طوال عمر هذه الازمة، وجاء ثالث أضلاع معادلتها الوطنية المتمثل بالشعب السوري الذي أدرك ما يخطط لبلده وما يصدر له من ارهاب يستهدف الدولة والوطن عموما، فتضافرت هذه العناصر لتحقيق النجاح في تجاوز الازمة، وبالتالي فإن هذا الصمود الوطني السوري هو ما سهل بعض الادوار العربية المضيئة وخاصة ما تقدمه سلطنة عمان من جهود منذ بداية الازمة وحتى اليوم .

لا شك أن العرب اليوم في نقطة فاصلة فهناك الكثير من المواقف العربية المتشظية التي وصلت الى حقيقة واحدة مفادها ضرورة تحقيق التقارب ولم الشمل العربي، ولا شك أن أهم محاور هذا التقارب العربي هو عودة سوريا الى البيت العربي، ولكن رغم ادراك العرب لحجم التصدعات التي تواجه الوطن العربي وضرورة تجاوز هذه الخلافات العربية إلا أن هناك بعض العوائق التي تقف حجر عثرة أمام عودة سوريا الى البيت العربي، وللأسف هذه العوائق تمثل نوع من المكابرة أو انصياع لتوجهات خارجية (استعمارية) تحاول خلق الحواجز التي تؤخر انهاء الازمة في سوريا بعد إدراكها أن سوريا ماضية في طريق معالجتها للازمة وتسير نحو تحقيق الانتصار الكامل على الارهاب ولم يتبقى إلا القليل، وهذه المآرب الخارجية هي الان في الوقت الضائع تحاول الاستفادة فقط من تشظي الموقف العربي للاسف الشديد، ولذا فإن العرب اليوم أمام نقطة فاصلة في تحقيق التقارب ولم الشمل العربي أو مواصلة السير على طريق المجهول الذي لن يكن في صالح العرب بالحسابات الزمنية والظروف الدولية الراهنة وتغير خارطة المصالح.

الآمال مازالت معقودة على تجاوز تلك المطبات والعوائق في سبيل لم الشمل ووحدة الصف العربي من خلال هذه التحركات العربية وفي مقدمتها الجهود العمانية التي أتوقع شخصيا أن يتحقق من خلالها النتائج الايجابية استنادا على نموذجية السياسة الخارجية العمانية ومعالجاتها الهادئة التي تتسم بفلسفة خاصة مبنية على الهدوء واستخدام خطوط التأثير الفاعلة وتهيئة المناخ الايجابي بالاستماع الى مختلف وجهات النظر ومقاربتها من أجل تحقيق النجاح لعودة سورية عاجلة الى البيت العربي، ولا شك أن تلك الجهود تلتقي مع تطلعات الشعوب العربية في اطار عودة العلاقات العربية الى سابق عهدها لمواجهة التحديات والاخطار التي تهدد الامة العربية، وأهمها بناء علاقات عربية جامعة على أسس منهجية تهيئ المسار لمشروع عربي يجمع العرب من المحيط الى الخليج، فهل يرغب العرب في تحقيق تلك الآمال المشروعة أم أن هناك ما وراء الاكمة الذي يمنعهم من تحقيق تلك الآمال والتطلعات.

خميس بن عبيد القطيطي كاتب عُماني

[email protected]