حرب أسعار النفط في معادلة الصراع على إقامة نظام عالمي جديد... تبدل التحالفات يخلط أوراق سياسة الولايات المتحدة الأمريكية

ثلاثاء, 2021-11-30 03:47

يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2021 قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتحرك غير مسبوق في محاولة لخفض أسعار النفط على الأقل محليا، حيث أمر بإستعمال 50 مليون برميل من المخزون النفطي الاستراتيجي لبلاده، وذكر بايدن أن دولا أخرى وبالتنسيق مع واشنطن اتخذت خطوات مشابهة. وفي 19 نوفمبر، كان احتياطي النفط الاستراتيجي للولايات المتحدة يقدر بـ604.5 مليون برميل "أي أكثر قليلا من إنتاج السعودية لمدة شهرين"، وهو موزع على أربعة مواقع، وطاقته الاستيعابية القصوى تصل إلى 727 مليون برميل، وفقا لوزارة الطاقة الأمريكية.

الإجراء الأمريكي جاء بعد تعثر محاولات مطولة أجرتها الإدارة الأمريكية لإقناع دول منظمة الأوبك وروسيا أو ما يطلق عليه أوبك بلس بزيادة الإنتاج وبالتالي وقف صعود الأسعار في السوق الدولية أثر زيادة الطلب وبلوغ سعر برميل النفط ما يقارب 84 دولار وهو الأعلى منذ ثلاث سنوات.

ويشكل ارتفاع الأسعار في محطات الولايات المتحدة التي تستهلك البنزين بكميات كبيرة، معضلة سياسية وإقتصادية كبيرة لجو بايدن، ولطالما كرر أن هدفه السياسي الرئيسي هو تخفيف الأعباء المعيشية عن الطبقة الوسطى المستاءة بسبب العولمة ووباء كوفيد.

بايدن يسعى إلى انعاش الحلم الأمريكي، المتمثل في توفير الرخاء والنجاح للجميع، لإثبات تفوق النموذج الديموقراطي على ما يوصف أمريكيا بالديكتاتورية في أنحاء أخرى من العالم، والأهم ربما أكثر من ذلك هو أن فريق الرئيس الأمريكي يقدر أن استمرار ارتفاع أسعار النفط سيقلص فرص نجاح مشاريع واشنطن في ترجيح كفة تنافسها مع الصين.

البيت الأبيض كان حريصا على الإشارة إلى أن إجراء بايدن تم بالتنسيق مع دول أخرى، ما يشكل بادرة غير مسبوقة حيث تجاهلت واشنطن وبكين التنافس بينهما وانضمت الصين، أحد أكبر مستهلكي الذهب الأسود، إلى هذه المبادرة على غرار الهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة.

يسجل أن الرئيس الأمريكي تجنب مهاجمة أوبك بلس ووزع اللوم حيث ذكر أن ارتفاع أسعار النفط "يمثل مشكلة" في جميع أنحاء العالم، مشددا على أنه "من غير المقبول أن تحدث شركات النفط اختلافا بين أسعار البيع بالجملة والتجزئة". وأضاف بايدن في مؤتمر صحفي، إن الجهد المبذول لمكافحة تغير المناخ "لا يؤدي إلى زيادة أسعار النفط". وأقر بايدن أن الإجراءات المنسقة بشأن استخدام جزء من احتياطيات النفط ستساعد في التعامل مع نقص الإمدادات، لكن هذه الإجراءات "لن تحل المشكلة بين عشية وضحاها ولكنها ستحدث فرقا". وأقر بايدن أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يواجه تحديات.

بنك غولدمان ساكس أشار إلى أن الإفراج عن احتياطي النفط الاستراتيجي لن يكون سوى مساعدة متواضعة، ولن يؤثر بشكل حاسم على أسعار النفط المتزايدة، خاصة أن المخزون الاحتياطي الأمريكي يتم استخدامه فقط في حالات الطوارئ مثل الحروب والأعاصير.

ويؤدي ارتفاع سعر النفط إلى ارتفاع تكلفة المعيشة المرتفعة بالفعل للأمريكيين، ويزيد الضغوط التضخمية على الشركات التي تتصارع مع ظروف الوباء ونقص العمالة وكوارث تباطؤ سلاسل التوريد. وزادت مخاوف ارتفاع معدلات التضخم من وجهات النظر المتشائمة حول الاقتصاد الكلي. ورصدت استطلاعات رأي أن ما يقرب من ثلثي الأمريكيين وصفوا رؤيتهم للاقتصاد الأمريكي بأنه فقير ويعاني التراجع، واحتل الاقتصاد المرتبة الأولى في اهتمامات الأمريكيين في الاستطلاعات باعتباره أهم قضية، متجاوزا التعليم والضرائب و"كوفيد – 19".

 

إنقاذ ولو مؤقت

 

بينما كان صراع يجري خلف الكواليس بين واشنطن ومجموعة اوبك بلس بدون ضوء في نهاية النفق، جاءت الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر 2021 بحدث إكتشاف متطور جديد من كوفيد 19 مما فتح الباب أمام كل الاحتمالات.

فيوم الجمعة 26 نوفمبر خسرت أسعار النفط عشرة دولارات في البرميل مسجلة أكبر تراجع في يوم واحد منذ أبريل 2020، بعدما أثار اكتشاف سلالة جديدة من فيروس كورونا قلق المستثمرين وعزز المخاوف من تضخم فائض المعروض العالمي في الربع الأول من عام 2022. 

وانخفض النفط مع أسواق الأسهم العالمية بفعل مخاوف من أن تؤدي السلالة الجديدة، إلى تقويض النمو الاقتصادي والطلب على الوقود.

وصنفت منظمة الصحة العالمية السلالة الجديدة بأنها مقلقة وأطلقت عليها اسم أوميكرون.

ووفقا لرويترز فرضت دول من بينها الولايات المتحدة والمغرب والسعودية وكندا وبريطانيا وغواتيمالا ودول أوروبية قيودا على السفر من جنوب القارة الأفريقية ومناطق أخرى، حيث تم رصد السلالة.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 9.50 دولار بما يعادل 11.6 في المئة إلى 72.72 دولار للبرميل عند التسوية، لتسجل انخفاضا أسبوعيا بأكثر من 8 في المئة.

وانخفض خام غرب تكساس الوسيط 10.24 دولار أو 13.1 في المئة إلى 68.15 دولار للبرميل بعد عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة يوم الخميس. وبلغت خسائر الخام الأمريكي خلال الأسبوع أكثر من 10.4 في المئة.

في انتظار روية ما ستتركه السلالة الجديدة من كوفيد 19 من آثار على الاقتصاد العالمي، يجب النظر على أبعاد الصراع بين واشنطن وأوبك بلس لأن ذلك سيكون السبيل لفهم أوسع للصراعات الحالية والمستقبلية خاصة وأن هناك الكثير من التوقعات حول تعديل بعض دول الخليج العربي لتحالفاتها.

 

أدوات للرد

 

يوم السبت 6 نوفمبر 2021 أعلن الرئيس بايدن أن إدارته لديها سبل للتعامل مع أسعار النفط المرتفعة بعد أن رفضت أوبك وحلفاؤها "أوبك بلس" مناشدات أمريكية للمنتجين لضخ مزيد من الخام أكثر من المقرر بالفعل.

وقال بايدن "هناك عدد كبير من الأدوات الأخرى التي يجب أن نستخدمها مع دول أخرى في الوقت المناسب".

وحذر البيت الأبيض الدول المنتجة للنفط مما وصفه بإعاقة الانتعاش الاقتصادي العالمي الحالي، وقالت كارين جان بيير نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن واشنطن ستستخدم كل الوسائل للتأكد من ذلك.

وأشارت إلى أن أوبك وحلفاءها "أوبك بلس" لديهم القدرة على طرح مزيد من النفط في السوق والتأثير على أسعار البنزين، بينما تعمل الولايات المتحدة وفق نظام تكون فيه الشركات المنتجة للنفط هي التي تتخذ قراراتها بشأن الإمدادات.

وعبر الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأحد 31 أكتوبر على هامش قمة مجموعة العشرين في روما، عن أسفه لأن "امتناع روسيا والسعودية والمنتجين الكبار الآخرين عن ضخ مزيد من النفط (…) ليس أمرا عادلا"، مستهدفا بذلك بشكل مباشر تحالف "أوبك بلس".

واتفقت أوبك بلس في اجتماع يوم الخميس 4 نوفمبر، على الإبقاء على زيادة تدريجية في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا حتى نهاية ديسمبر 2021.

وتوقعت شركة "بريتش بتروليم" البريطانية للنفط أن ينتعش الطلب العالمي فوق مستوى ما قبل الجائحة والبالغ 100 مليون برميل في اليوم.

وأدت أزمة طاقة عالمية جراء نقص الفحم والغاز الطبيعي في اشتداد الوضع بسوق النفط.

حديث بايدن عن طرق أخرى لمواجهة رفض أوبك رفع الإنتاج يتضمن حسب الخبراء خيار العقوبات من خلال ما يعرف بمشروع "نوبك" أمام الكونغرس، وبه يمكن فرض عقوبات على منظمة أوبك وحلفائها على قاعدة أنها تحتكر سوق النفط وتتلاعب بأسعاره.

بن كاهيل الخبير في مركز برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) بواشنطن صرح قبل قرار بايدن بضخ 50 مليون برميل من الاحتياطي، أن ارتفاع أسعار النفط مؤخرا "يعود للانتعاش السريع في الطلب بعد تراجع مخاطر ظهور فيروس كوفيد-19، وانتعاش العرض ببطء أكبر في الفترة نفسها".

وذكر "لقد انخفض إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام بنحو مليوني برميل يوميا اعتبارا من أوائل عام 2020، ولم تتراجع أوبك بلس عن تخفيضاتها. وتعكس أسعار النفط أيضا نوعا من الخوف في جميع أنحاء العالم، مع مخاوف متزايدة بشأن أسعار الطاقة الأوسع نطاقا، والتضخم، وقيود سلسلة التوريد".

وأشار بن كاهيل إلى محدودية ما يمكن للرئيس بايدن القيام به لمواجهة الارتفاع الكبير في أسعار وقود السيارات وغيره من مصادر الطاقة، وقال "لقد ضغط بايدن على أوبك بلس، علنا وبصورة متكررة، لزيادة الإنتاج بشكل أسرع من خططها الحالية".

وأضاف "حتى الآن هذا الضغط العلني لا يعمل. ومن الطبيعي أن يتصل البيت الأبيض بالسعودية والدول الأخرى الأعضاء في أوبك ويحثها على رفع إنتاجها عندما ترتفع الأسعار. لكنني أعتقد أن إدارة بايدن كان بإمكانها القيام بذلك بطريقة أكثر دهاء وأقل علنية".

وبشأن إذا كان الرئيس بايدن يملك من الأدوات ما يكفي للضغط على السعودية لزيادة إنتاج النفط، رد بن كاهيل بالقول إن تجمع "أوبك بلس سعيد جدا بالأسعار الحالية. وفي الواقع، إن اقتصاديات هذه الدول تتعافى بعد أكثر من 6 سنوات من الانخفاض النسبي في أسعار النفط".

وتابع بن كاهيل "تعتقد أوبك بلس أن طلب السوق سيتراجع عام 2022، ويتزامن ذلك مع وصول إمدادات جديدة من دول خارج أوبك بلس، وفي الوقت ذاته تشعر بأنها تضيف الكثير من البراميل لتلبية الطلب العالمي، ولا ترى الأساس المنطقي لتصدير المزيد".

وعن تأثير ارتفاع أسعار النفط على شعبية الرئيس بايدن وحساباته السياسية الداخلية، صرح بن كاهيل "لا يوجد رئيس أمريكي يريد أن يرى أسعار البنزين عند هذا المستوى، وهي تزيد المخاوف الأوسع بشأن التضخم، وهو تحد حقيقي للبيت الأبيض".

واستدرك "لكنه في الواقع بمثابة صداع، وليس أزمة، ليست هذه المرة الأولى التي يرتفع فيها النفط لهذه المستويات، ولن تكون الأخيرة كذلك، لقد عرفنا هذه الأوضاع من قبل، ولا يجب أن نبالغ في رد فعلنا".

وتعد أسعار الطاقة المرتفعة مشكلة متنامية للرئيس بايدن خاصة منتجات البنزين، فقد وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها خلال السبع سنوات الماضية وتعالت شكاوى الأمريكيين من تداعيات الوباء الاقتصادية وخسارة الوظائف، وزاد ارتفاع أسعار غالون البنزين من وتيرة الغضب لدى الأمريكيين خاصة بعد بلغ سعر الغالون إلى أكثر من أربعة دولارات، وتحذيرات بنك أوف أمريكا بإمكانية ارتفاع سعر برميل النفط إلى 120 دولارا.

كما شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعا إلى أكثر من الضعف خلال عام 2021 مما أثقل كاهل المرافق والمصانع وأجبرها على التحول إلى البدائل الرخيصة مثل الفحم والزيت والمازوت.

 

اللعبة النفطية إلى أين؟

 

تحت عنوان "كارتل يطرد كارتلا"، كتبت ايرينا كيزيك خبيرة المركز التحليلي لاتحاد منتجي النفط والغاز في روسيا، في "إزفيستيا" بتاريخ 24 نوفمبر، عن محاولة بايدن إنشاء كارتل نفطي مضاد لـ"أوبك+"، وما إذا كان سيكتب له النجاح.

وجاء في المقال:

يحاول الزعيم الأمريكي جو بايدن بكل قوته إخراج الولايات المتحدة من أزمة الطاقة، حيث تجاوز سعر وقود السيارات أعلى مستوياته في سبع سنوات. وبعد إعراض أعضاء أوبك+ عن طلبه بزيادة إنتاج النفط إلى 600-800 مليون برميل يوميا، أعلن أن لدى الإدارة الأمريكية "أدوات أخرى" في ترسانتها. وبحسب تقارير إعلامية، اتصل بالصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، راجيا النظر في إمكانية تحرير احتياطاتهم الإستراتيجية من النفط لتعديل أسعاره.

يبدو طلب الزعيم الأمريكي غريبا بعض الشيء، لعدة أسباب. فأولا، بدأت الأزمة في الولايات المتحدة في الصيف بسبب هجوم إلكتروني على "كولونيال بايب لاين" Colonial Pipeline، أكبر مشغل لخطوط الأنابيب في الولايات المتحدة. من الصيف وحتى ديسمبر، كان من الممكن ترتيب الأمور، وثانيا، قرار أوبك+ لشهر نوفمبر أملاه ميزان العرض والطلب، ولا ينبغي لبايدن، الذي يتوعد بتصريحاته اليوم أن يغضب، وفي الوقت الذي راح فيه أعضاء الكارتل يخفضون إنتاجهم، بدأت الشركات الأمريكية تضخ النفط وتفتح أسواقا جديدة.

واليوم، نظرا لموجة فيروس كورونا الجديدة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم، تريد أمريكا إطلاق كميات هائلة من النفط، والتي على خلفية انخفاض الطلب، ستؤدي ببساطة إلى انخفاض الأسعار. وفقا لصحيفة "سوث شاينا مورنغ بوست" South China Morning Post، ستبدأ الولايات المتحدة، بصرف النظر عن قرار الصين، بيع النفط من احتياطاتها هذا الأسبوع.

ولكن، إلى متى تستطيع الولايات المتحدة خفض الأسعار؟ فأولا، بعد كل "الأشياء الجيدة" التي فعلتها أمريكا للصين، من المستبعد أن تدعم بكين الاقتراح الأمريكي، وثانيا، في الثاني من ديسمبر، سيعقد اجتماع أوبك+ الدوري، وفي حال بدء مبيعات النفط الأمريكي، سوف يتم تبني إجراء مضاد حاسم، على الأرجح.

 

مؤامرة لزعزعة سوق النفط

 

من جانبه كتب نائب المدير العام لمعهد الطاقة الوطنية، ألكسندر فرولوف، كذلك في "إزفيستيا" يوم 27 نوفمبر، حول السبب الذي يجعل واشنطن تضخ النفط من احتياطها الاستراتيجي وتحرض شركاءها على ذلك.

وجاء في المقال: أعلن جو بايدن أن الولايات المتحدة ستفرج عن بعض احتياطاتها النفطية الاستراتيجية من أجل التدخل في السوق وخفض الأسعار في غضون بضعة أشهر. تجمد السوق لثانية واحدة تحسبا لشيء رهيب، وبعد ذلك أصبح حجم التدخلات معروفا - 50 مليون برميل. تنفس اللاعبون الصعداء، فبعد بيان الرئيس الأمريكي الصاخب، عادت أسعار الذهب الأسود إلى الارتفاع.

قالت الولايات المتحدة، ممثلة برئيسها، إنها لا تعمل بشكل مستقل، إنما مدعومة من مستهلكين آخرين للنفط: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة.

حتى أكثر التقديرات تفاؤلا، والتي تشير إلى أن كلمات الرئيس الأمريكي عن عدد كبير من "المتدخلين" ليست خدعة، بل تتحدثعن احتمالات متواضعة إلى حد ما لتدخل الدول المستهلكة الأخرى (حوالي 20-25 مليون برميل). لكن، إلى أي درجة هذه الأحجام كبيرة؟.

وفقا للتقديرات الحالية، اقترب استهلاك النفط العالمي من مستويات ما قبل الأزمة- حوالي 100 مليون برميل في اليوم. توفر الولايات المتحدة حوالي 20 في المئة من الاستهلاك العالمي.. تحتل الصين المرتبة الثانية من حيث الطلب على النفط- حوالي 14 مليون برميل في اليوم.

يشار إلى أن اتحاد "أوبك+" (بالدرجة الأولى روسيا والمملكة العربية السعودية) يشكل ضمانا للاستقرار والقدرة على التنبؤ في سوق النفط. فالاستقرار بالذات والقدرة على التنبؤ بالتحديد هما ما كانت السوق تفتقر إليهما منذ العام 2014. والولايات المتحدة، اليوم، في محاولتها ترتيب مؤامرة كارتل صحيحة، تعمل مرة أخرى كأزعر لا يعجبه الاستقرار والقدرة على التنبؤ.

موقع إنترسيبت الأمريكي ذكر يوم 13 نوفمبر 2021، إن السعودية، تحاول "الانتقام" من الديموقراطيين بشكل عام والرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل خاص، من خلال رفع أسعار النفط وزيادة معدلات التضخم العالمية. وإدعى الموقع، إن الرياض تتخذ هذه الخطوة بسبب مواقف الحزب الديمقراطي وبايدن الأخيرة تجاه المملكة.

وقارن بين مواقف السعودية في فترتي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، والحالي جو بايدن، مشيرا إلى أن الرياض امتثلت لطلب ترمب في 2018 حين دعاها في حينه لخفض أسعار النفط من خلال زيادة الإنتاج.

وفي المقابل، تجاهلت الرياض طلب بايدن الذي دعا في أغسطس 2021 أوبك إلى زيادة الإنتاج مرة أخرى بعد ارتفاع الأسعار.

وكان بايدن قد ربط أيضا، في تصريحات لشبكة "سي أن أن" الأمريكية، شهر أكتوبر ارتفاع أسعار الوقود في الأسواق العالمية بالسعودية وقلة العرض من دول أوبك، وكذلك بـ"الكثير من الأشخاص في الشرق الأوسط" الذين يريدون التحدث معه، لكنه يستبعد التحدث معهم.

وأشار تقرير "إنترسيبت" إلى أن الرياض ترفض الامتثال لدعوات بايدن المتعلقة بأسعار النفط.

 

فرصة هائلة

 

قال موقع "أويل برايس" الأمريكي المتخصص في مجال الطاقة والنفط خلال الثلث الأخير من شهر نوفمبر، إن روسيا تعمل منذ سنوات بمساعدة ودعم صيني على فصل السعودية عن حليفها التاريخي، الولايات المتحدة.

واعتبر موقع "أويل برايس" أن "اجتماع 14 أكتوبر 2021، بين نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، ووزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، لبحث توسيع وتعميق التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة، يمثل جزءا من المحاولات المستمرة من قبل موسكو لفصل المملكة بشكل حاسم عن حليفها القديم، الولايات المتحدة".

وأوضح أن "هذه الإستراتيجية تتماشى مع النية النهائية لروسيا والصين لتحييد النفوذ الأمريكي عبر الشرق الأوسط، الذي يعد بدوره بندا مركزيا في خطط روسيا لزيادة نفوذها في أوروبا، حيث تتمثل المرحلة النهائية في تقسيم التحالف الأمني لحلف شمال الأطلسي الناتو".

وتابع: "كما أنها تتفق مع خطط الصين لطرح مشروع الاستيلاء على الطاقة - حزام واحد، طريق واحد - الذي من شأنه أن يحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الأولى في جميع أنحاء العالم".

نشأة هذا التحول الزلزالي في التحالفات الجيوسياسية جاءت بسبب فشل حرب أسعار النفط في السعودية 2014-2016، والتي تم إطلاقها بنية محددة من قبل المملكة لـ"تدمير أو على الأقل تعطيل ثورة النفط الصخري الأمريكي لأكثر عدد ممكن من السنوات".

وكان من الواضح للسعوديين في تلك المرحلة أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي بأحجام متزايدة باستمرار، سيعني في النهاية التضاؤل الشديد لقوة السعودية في العالم وكلاعب رئيس في الشرق الأوسط، بالنظر إلى أن أساس قوتها الحقيقي هو إمدادات النفط.

وباختصار، لم يكن أمام السعوديين خيار حقيقي سوى محاولة السيطرة على قطاع النفط الصخري الأمريكي، وقد فعلوا ذلك، لكن الرياض "خسرت ودفعت ثمنا باهظا" فيما يتعلق باحتياطيات النفط الخام السعودية، يقول الموقع الأمريكي.

ولم يكن من الآثار المباشرة لحرب أسعار النفط 2014-2016 أن السعودية أضرت باقتصادها واقتصاد حلفائها في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" لسنوات قادمة، ولكن الأهم من ذلك من منظور جيوسياسي، أنها "فقدت مصداقيتها كحاكم بالأمر الواقع".

وفقدت السعودية ومنظمة "أوبك" مصداقيتهما كقوتين "لا تقهران" في أسواق النفط العالمية.

وهذا يعني أن تصريحات "أوبك" بشأن مستويات العرض والطلب على النفط في المستقبل- وبالتالي بشأن التسعير- فقدت الكثير من قدرتها على تحريك الأسواق في حد ذاتها، وأن صفقات الإنتاج المشتركة الخاصة بها قد تضاءلت من حيث الفعالية. 

ونهاية عام 2016، وإدراكا تاما للإمكانيات الاقتصادية والجيوسياسية الهائلة التي كانت متاحة لها من خلال أن تصبح مشاركا أساسيا في معادلة العرض/الطلب/التسعير، وافقت روسيا على دعم اتفاق خفض إنتاج أوبك والمشاركة في اتفاق "أوبك+" بأسلوب فريد يخدم مصالحها الذاتية.

ومنذ ذلك الحين، استخدمت روسيا موقعها كلاعب رئيس حقيقي في تحالف "أوبك+" لفعل ما تفعله على أفضل وجه، "التسبب في جبهات من الفوضى يمكن أن تكون جزءا من الحل فيها وبالتالي توسيع قوتها"، بحسب "Oil Price".

وفي حالة الشرق الأوسط، تم استخدام إستراتيجية "حجر الزاوية هذه" في جميع بلدان "الهلال الشيعي" تقريبا -وإن كان ذلك واضحا في الآونة الأخيرة في إيران والعراق وسوريا- ولكنها أيضا كانت تقلل بشكل منهجي من أحجار الأساس القديمة.

 

صفقات ملموسة

 

وأشار الصحفي والكاتب الأمريكي سيمون واتكينز، إلى أن صياغة أساس هذه العلاقة بين واشنطن والرياض كان خلال اجتماع عقد في 14 فبراير 1945 بين الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين دي روزفلت والملك السعودي في ذلك الوقت، عبد العزيز.

وكان الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه كالتالي، ستحصل الولايات المتحدة على جميع إمدادات النفط التي تحتاجها طالما أن السعودية تمتلك النفط، وفي المقابل ستضمن الولايات المتحدة أمن المملكة.

وبحلول نهاية حرب أسعار النفط 2014-2016، تم تغيير الاتفاقية بشكل طفيف لتعكس "تزايد نفاد صبر الولايات المتحدة من محاولات السعودية إعاقة تطوير قطاع النفط الصخري".

وبموجب اتفاق جديد كانت الولايات المتحدة ستحافظ على أمن كل من السعودية، طالما تضمن الرياض أن واشنطن ستتلقى جميع إمدادات النفط التي تحتاجها، وأن المملكة لن تحاول التدخل في نمو وازدهار قطاع النفط الصخري الأمريكي. 

ورأت روسيا في هذا الاتفاق "فرصة هائلة" لفصل السعودية بشكل حاسم عن الولايات المتحدة، بمساعدة الصين أيضا، وفق الصحفي واتكينز.

وفي إستراتيجية كتابية جندت لوضعها وكالات الاستخبارات، تمت مناقشة صفقة بين السعودية وروسيا في الأسبوع الثالث من يونيو 2020، وضعت الأسس لتعاون أكبر بكثير في المستقبل.

ومن الناحية النظرية، بدا الأمر وكأنه مجرد امتداد هامشي لاتفاقيات "أوبك +" التي كانت قائمة بين روسيا والسعودية منذ عام 2016، لكنها تضمنت أيضا إضافات استندت إلى المناقشات التي أجريت خلال زيارات الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو عام 2017 وولي عهده محمد بن سلمان في 2019.

وتمت الإشارة بوضوح إلى هذا التفاهم المتبادل الجديد عندما دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الملك سلمان لزيارة موسكو في أكتوبر 2017، وهي أول زيارة على الإطلاق يقوم بها ملك سعودي في منصبه إلى موسكو.

وفي هذا الاجتماع، والاجتماعات العديدة التي عقدت بين المسؤولين في البلدين -والتي تتم فيها الصفقات الحقيقية- تم إبرام العديد من الصفقات الملموسة عبر مجموعة واسعة من المجالات، وليس فقط في قطاع النفط.

ومن بين الصفقات المحددة التي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار أو نحو ذلك والتي تم الإعلان عنها في ذلك الوقت، كان استثمار السعوديين ما لا يقل عن 150 مليون دولار في شركة "أوراسيا" الروسية للحفر، وعلى الجانب الآخر، اتفاقية بقيمة 1.1 مليار دولار لشركة البتروكيماويات الروسية سيبور لبناء مصنع في السعودية.

كما أشار وزير الطاقة الروسي، نوفاك، في ذلك الوقت إلى أن شركة نوفاتيك الروسية المنتجة للغاز تجري محادثات مع المستثمرين السعوديين للمشاركة في مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2، وهو جزء من مصنعها الذي تبلغ تكلفته 27 مليار دولار في شبه جزيرة يامال.

وفي الوقت نفسه، تم الاتفاق على أن يؤسس صندوق الثروة السيادية للسعودية "صندوق الاستثمارات العامة"، صندوقا بقيمة مليار دولار بالشراكة مع صندوق الثروة السيادية الروسي "صندوق الاستثمار المباشر الروسي".

وعلى نفس المنوال، دخلت شركتا النفط والغاز الروسيتان المملوكتان للدولة "روسنفت" و"غازبروم" في محادثات مع نظيرتهما السعودية "أرامكو" لإجراء عمليات تجارة النفط والغاز المنسقة - لجلب الخبرات لشركة "Litasco" التابعة لشركة "Lukoil" الروسية عند الحاجة - وإنشاء مركز بحثي وتقني مشترك.

والأكثر جدية من وجهة نظر الولايات المتحدة، كانت هناك نقطتان رئيستان أخريان تمت مناقشتهما -وتم الاتفاق عليهما من حيث المبدأ- بين روسيا والسعودية خلال هذه الاجتماعات.

أولا، تعديل السعوديين عن بعض مطالبهم السياسية الإقليمية، وثانيا، وربما الأكثر استثنائية، توقيع السعودية مذكرة تفاهم لشراء نظام الدفاع الجوي الروسي S-400.

ويمكن اعتبار هاتين النقطتين الأخيرتين أول دليل على محاولة موسكو الاستفادة من تحالف "أوبك+" عام 2016، لإبعاد السعودية بشكل حاسم عن علاقتها الطويلة مع الولايات المتحدة واستبدالها بروسيا وبالتبعية الصين.

وبحلول الوقت الذي جاءت فيه زيارة ابن سلمان إلى موسكو عام 2019، كانت روسيا في وضع أقوى، فيما كانت الأوضاع المالية للسعودية "لا تزال تتدهور"، بالنظر إلى انخفاض أسعار النفط، بالتزامن مع كشف تغريدة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترمب التي أساء فيها للرياض.

وختم الموقع الأمريكي مقاله بالقول: "منذ ذلك الحين، ساءت علاقة السعودية بالولايات المتحدة عندما كسرت المملكة القانون الإضافي الذي يحظر المزيد من التحركات ضد قطاع النفط الصخري الأمريكي في حرب أسعار النفط لعام 2020، فيما تستمر روسيا في زيادة نفوذها شرقا".

 

النشأة

في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين هيمنت على صناعة النفط العالمية سبع شركات متعددة الجنسيات أطلق عليها "الأخوات السبع"، خمس منها كان مقرها بالولايات المتحدة وهي: شركة النفط "الإنجلو-إيرانية" والمعروفة حاليا بـ"بريتش بتروليوم"، و"نفط الخليج" التي أصبحت فيما بعد جزءا من مجموعة "شيفرون"، و"رويال داتش شل"، و"ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا سوكال"، والتي أصبحت "شيفرون" فيما بعد، و"ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي إيسو" والمتحولة فيما بعد لـ "إكسون"، و"ستاندرد أويل أوف نيويورك سوكوني" وأصبحت "موبيل" بعد ذلك، وهي الآن جزء من "إكسون موبيل"، و"تيكساكو" المدمجة لاحقا في "شيفرون" أيضا.

كانت آبار الشرق الأوسط النفطية المتدفقة بمثابة ملعب تلك الشركات الأضخم والأهم، كما جرى تحديد أسعار النفط العالمية بالاتفاق بينها، وبدعم من الدول المستعمرة لبلدان العالم النامي، وبين لجنة تكساس للسكك الحديدية، التي تطور عملها من تنظيم السكك الحديدية في الولايات المتحدة؛ إلى تنظيم إنتاج النفط والغاز وخطوط الأنابيب والفحم واستخراج اليورانيوم، مع الإبقاء على اسمها القديم.

في فبراير عام 1959 قامت "الأخوات السبع" بتخفيض 1 أسعار النفط الخام الفنزويلي والشرق أوسطي بنسبة 10 في المئة، من طرف واحد، بالتنسيق مع لجنة تكساس كالعادة، الأمر الذي أضر باقتصادات دول الشرق الأوسط وفنزويلا. حملت حينها الدول المصدرة للنفط غضبها جراء تخفيض الأسعار المتعمد، واجتمعت معا في القاهرة بعدها بعدة أيام تقريبا، ليصبح ذلك هو أول مؤتمر عربي للنفط. كانت مهمة المؤتمر الوصول لطرق ناجعة لتغيير الأسعار، والدفاع عن مصالح الدول المجتمعة ضد النفوذ الاقتصادي والسياسي الغربي المهيمن، وبعدها وفي 9 يناير، 1968 تم إنشاء أوبك.

 

خريطة جديدة للتحالفات

 

كان للاتفاق الأمريكي مع حركة طالبان بالانسحاب من أفغانستان بعد نحو عقدين من الحرب، وقع سلبي على حلفاء الولايات المتحدة الذين انتابهم شعور بأن واشنطن أضحت لا تكترث سوى بمصالحها الخاصة، فبعد العديد من القرائن التي أظهرت أن أمريكا بدأت برفع يدها تدريجياً عن تحالفاتها الدولية، خاصة العسكرية منها، ظهر توجه جديد في الدول ينادي بفك الارتباط الأمني والعسكري مع واشنطن، أو على الأقل تقليل الاعتماد عليه، خصوصاً مع ميل واشنطن نحو نحو الخروج من مستنقعات الحروب الطويلة التي أضرت كثيراً بسمعتها وأنهكت اقتصادها.

ويبدو جلياً أن ثقة حلفاء واشنطن بزعامتها، أضحت محل شك كبير، ما سيجبر الحلفاء على مراجعة تحالفاتهم مع الجانب الأمريكي، ومنح الأولوية لتأسيس منظومات أمنية مستقلة خلافاً للتكتلات الدولية الموجودة حالياً، مثل حلف شمال الأطلسي، وتأسيس مشروع سياسي مستقل يعزز من القدرة على مواجهة التحديات من دون الاعتماد بشكل كبير على الحماية، أو الدعم الأمريكي. كما أن أزمة الثقة بالقيادة الأمريكية وصلت إلى حلفائها الكبار في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ودول الخليج العربي، ما يؤكد أن واشنطن أصبحت الآن مطالبة بدفع ثمن قرارها الخروج من أفغانستان من دون التنسيق الكامل مع الحلفاء، أو الاهتمام بمصالحهم على أقل تقدير.

ويشير الكثير من المراقبين إلى أن مشهد الانسحاب المخزي سيرتسم في ذاكرة العالم لعقود طويلة، خاصة أن مئات الآلاف من المتعاونين الأفغان مع قوات التحالف لم يجدوا حتى الآن سبيلاً للخروج من كابول، رغم الخدمات الكبيرة التي قدموها. هذا الأمر سيحفز ظهور تحالفات دولية جديدة ستتشكل معالمها خلال السنوات المقبلة، وهي التحالفات التي ستتفادى الانصياع لدولة واحدة، بل ستكون كتلا سياسية وعسكرية تعتمد في استمراريتها على توازن القوى والنفوذ بين أعضائها.

وكانت الحرب التجارية التي شنها الرئيس السابق ترمب ضد الصين، وفرضه العديد من الرسوم على وارداتها إلى أمريكا، السبب الذي أدى إلى تخوف حلفاء الولايات المتحدة من مستقبل العلاقة المحورية بين واشنطن والحلفاء.

وبعد أكثر من عقدين من الزمان على وصول الولايات المتحدة وقوات التحالف إلى منطقة الشرق الأوسط بعد غزو الكويت، يبدو أن المشروع الأمريكي الهادف لرسم خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة لم يؤتِ ثماره حتى الآن، رغم قوتها الاقتصادية وترسانتها العسكرية التي لا تضاهيها أي قوة أخرى في العالم، ولكن إعادة التاريخ لمشهد خسارتها الأخلاقية في فيتنام، دفع حلفاءها إلى مراجعة ارتباطهم معها، والتفكير في وسائل أخرى ستعيد، بلا شك، رسم معالم جديدة للخريطة السياسية عالميا.

 

عمر نجيب

[email protected]