دمشق.. فصل آخر بعد الحرب شبه الدولية في بلاد الشام... تعثر مشروع المحافظين الجدد في متاهات الشرق الأوسط

ثلاثاء, 2021-11-16 20:38

ليس هناك سوي عدد قليل من السياسيين والمحللين الذين ينكرون تعثر مشروع المحافظين الجدد حول الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي تبنته واشنطن والقاضي بتقسيم المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية وطائفية ومناطقية. درجات تعثر المشروع تفاوتت بين بلد وآخر في المنطقة الممتدة من البوابة الشرقية للمنطقة العربية في العراق حتى سواحل المغرب وموريتانيا غربا على المحيط الأطلسي.

سوريا في منطقة بلاد الشام شكلت حلقة بارزة في مسلسل تعثر مشروع المحافظين الجدد، فرغم إنفاق واشنطن وإسرائيل وتركيا وحلفائهم المختلفين ما يصل إلى 860 مليار دولار خلال عشر سنوات من الحرب شبه الدولية على دمشق وتجنيدهم ما يفوق 135 ألف من المسلحين المستقدمين من 80 دولة وتدخلهم العسكري المباشر بالقصف الجوي والصاروخي وتشييد القواعد العسكرية على ارض بلاد الشام، تمكن الجيش العربي السوري بمساندة أساسا من روسيا ودعم من حزب الله اللبناني وإيران من استعادة السيطرة على 75 في المئة تقريبا من مجموع التراب السوري بعد أن كانت قبضته قد تقلصت قبل 30 سبتمبر 2015 إلى ما بين 20 و 25 في المئة من مساحة البلد.

في مواجهة تعثر العملية العسكرية لجأت واشنطن وبعض من حلفائها إلى التشديد والتركيز على سلاح الحصار الاقتصادي والسياسي في محاولة لمنع دمشق من تنفيذ عملية إعادة البناء والانفتاح على مختلف دول العالم. هذا الأسلوب عرف تعثرات كثيرة خاصة أن دمشق أتقنت أسلوب الالتفاف على العقوبات الأمريكية وكذلك لأن دولا عديدة تجاهلت سلاح العقوبات الأمريكي الملقب بقانون قيصر وشرعت في التعامل مع دمشق.

مع نهاية السنة الأولى من العقد الثالث من القرن الواحد وعشرين تبين أن الولايات المتحدة التي نقلت جزء كبيرا من ثقلها نحو شرق آسيا في محاولة لتحييد ما تسميه التهديد الصيني على النظام العالمي القائم، لم تعد مستعدة أو راغبة أو قادرة على تكريس الجهد السابق الذي كانت تبذله على ساحة بلاد الشام، ولكن في نطاق رفضها التنازل عن تطلعاتها لجأت إلى قوى إقليمية لتلعب دورا أكبر في الحد من حجم خسارة الغرب، وكان الدور الأكبر لتركيا. هذا التفعيل وتقسيم الأدوار شهد تعثرا كذلك بسبب الخلافات بين أنقرة وواشنطن حول تقاسم الغنائم.

في ختام سنة 2021 تكونت متاهة حقيقية أكبر من سابقاتها خاصة للغرب في منطقة بلاد الشام، وبدأت الانشقاقات تكثر في المعسكر المحسوب كمعادي لدمشق لأن كثيرا من اللاعبين على رقعة شطرنج السياسية لم يعد يقبلون بالانتظار ليكونوا على الجانب الخاسر.

هناك معطيات مسلم بها تفرض نفسها قبل الخوض في متاهة التحليلات:

في شهر أبريل سنة 2008 نقلت تركيا إلى دمشق عرضا إسرائيليا بالانسحاب من هضبة الجولان مقابل توقيع معاهدة سلام مع سوريا مع تخلي دمشق عن دعم حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.

تأكيدا لذلك وفي نهاية شهر نوفمبر 2016 كشف الرئيس التركي أردوغان أنه توسط بين إسرائيل وسوريا، وتوصل إلى صيغة كاملة لاتفاق سلام وافق عليه الطرفان، لكن الاتفاق أجهض بسبب سقوط رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، وخروجه من الحكم.

وقال إردوغان، خلال مقابلة أجرتها معه "القناة الثانية" للتلفزيون الإسرائيلي، وبثتها ليلة الثلاثاء 22 نوفمبر 2016، إن إسرائيل كادت تنسحب من الجولان السوري، وفقا للمحادثات التي توسط فيها بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء أولمرت. و"قمنا معا بكثير من الإجراءات التي تمت خلف الكواليس. وتوصلنا إلى صيغة اتفاق نهائي، أتممنا كل تفاصيلها. وحينها "سنة 2009"، بدأ القصف على غزة أثناء المحادثات. كان يفترض أن نستمر في العمل، ولكن في النهاية، بقي إيهود أولمرت خارج الساحة السياسية وكف عن القيادة. وهكذا أجهض المشروع".

من جانبه صرح إيهود أولمرت أن حكومة دمشق لو قبلت بتوقيع السلام معه عام 2008 لما عانت سوريا من الحرب. وخلال مقابلة له مع قناة “روسيا اليوم” أوضح “أولمرت” أنه يعتقد بأن دمشق كانت في حالة قبولها توقيع اتفاق سلام، ستصبح مرتبطة دبلوماسيا مع تل أبيب عبر سفارة وعلاقات تجارية، وكان ذلك سيفتح لـسوريا البوابة نحو واشنطن وأوروبا.

يذكر أن أولمرت ترأس الحكومة الإسرائيلية بين العامين 2006 و2009، وحكم عليه بالسجن لمدة 27 شهرا بتهم فساد، لكنه استفاد من تخفيف الحكم عليه لأسباب صحية.

 

تحول عربي

 

جاء في تحليل نشرته وكالة رويترز يوم الأثنين 11 أكتوبر 2021:

على الرغم من أن الغرب لا يزال يتحاشى التعامل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد ويحمله مسؤولية أعوام الحرب القاسية العشرة في بلاده، بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولا تعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن العلاقات مع الأسد بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية.

وأسفرت انتخابات شهدتها سوريا في مايو 2021 عن تمديد رئاسته المستمرة، لكن هذا لم يفعل شيئا لإخراجه من عزلته بين الدول الغربية. غير أن قادة عربا بدأوا يتقبلون حقيقة استمرار قبضته القوية على السلطة في بلاده.

وأدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بما صاحبه من فوضى إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين، أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبلته أعوام الصراع وجائحة "كوفيد-19".

وردا على سؤال عن هذا التحول، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه لا تغيير في سياستها تجاه سوريا.

وأكد متحدث باسم الوزارة، "ما لم نفعله ولن نفعله هو إبداء أي دعم لجهود التطبيع أو رد الاعتبار للديكتاتور الغاشم بشار الأسد أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا في معارضة إعادة إعمار البلاد إلى أن يحدث تقدم لا رجعة فيه صوب حل سياسي".

ولم يتسن الاتصال بمسؤولي الحكومة في دمشق للتعليق على علاقات سوريا مع الدول العربية.

وتلوح في الأفق أيضا اعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمان وأبو ظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد، التي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا فيها.

فأنقرة ودعمها لفصيل من الإسلاميين السنة في أنحاء المنطقة، بما في ذلك شريط في شمال سوريا لا يزال خارج سيطرة الأسد، تمثل مصدر قلق خاص للحكام العرب الذين يجمعهم مع دمشق موقف واحد من الجماعات الإسلامية.

غير أنه في الوقت الذي بدأت تتنامى العلامات على تقارب عربي مع دمشق -إذ أجرى الملك عبد الله عاهل الأردن اتصالا بالأسد شهر أكتوبر للمرة الأولى منذ عشرة أعوام- ستظل السياسة الأمريكية عاملا مربكا.

فواشنطن تقول إن سياستها تجاه سوريا تقتضي تنفيذ انتقال سياسي نص عليه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي. ولا تزال العقوبات الأمريكية التي تستهدف دمشق، التي تم تشديدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، تمثل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة.

غير أن محللين يقولون إن سوريا لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن. ويشيرون في هذا الصدد إلى تركيزه على التصدي للصين كما أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى ما يسمى "قانون قيصر"، الذي بدأ سريانه عام 2020 بهدف زيادة الضغوط على الأسد.

وبعد أن كانت إدارة ترمب تحذر الدول العربية من التعامل مع دمشق، بدأت هذه الدول تلح في التقارب معها من جديد.

ديفيد ليش، الخبير في الشأن السوري في جامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية، يقول "حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما".

ويمثل ذلك تحولا عن الأعوام الأولى للصراع التي علقت فيها عضوية سوريا في الجامعة العربية وساندت دول من بينها السعودية والأردن والإمارات بعض الفصائل التي كانت تحارب الأسد.

لا يزال للمعارضة المناوئة للأسد موطئ قدم في الشمال بدعم من تركيا، بينما تسيطر قوات بقيادة أكراد سوريا على الشرق والشمال الشرقي وتدعمها الولايات المتحدة.

وبالرغم من أن الصراع لا يزال غير محسوم، فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية بفضل روسيا وإيران اللتين كانتا أكثر التزاما ببقائه من التزام واشنطن عزله.

 

الأردن أولا

 

أكدت عمان مرارا أنها تريد تحسين العلاقات مع سوريا. وأُعيد بالكامل فتح الحدود بين البلدين أمام حركة التجارة شهر سبتمبر2021، وكانت المملكة هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا.

وذكر المحلل السياسي سميح المعايطة، الوزير الأردني السابق لتلفزيون المملكة التابع للدولة، "عندما يكسر الأردن الحواجز ويقيم علاقات وبهذه الوتيرة، فإن دولا أخرى ستحذو حذوه".

كان المعبر الحدودي بين البلدين طريقا تقطعه مئات الشاحنات كل يوم لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا ومنطقة الخليج العربي. وسيكون إحياء حركة التجارة دفعة اقتصادية للأردن وسوريا التي يعاني اقتصادها من أزمة عميقة. كما أن ذلك سيفيد لبنان الذي يشهد الآن واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

جيم جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا في عهد ترمب صرح لـ"رويترز"، "أنا واثق تمام الثقة أن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم".

وأضاف "يتردد كلام كثير بين وسائل الإعلام وأصدقاء في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات بهمة ونشاط على الأسد بموجب قانون قيصر أو غيره".

وانعكس هذا الجو في الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر سبتمبر، حيث التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري للمرة الأولى منذ عشرة أعوام، وفي معرض "إكسبو 2020 دبي" بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين.

 

المهمة الصعبة 

 

جاء في تحليل نشره موقع الحرة الأمريكي يوم 14 نوفمبر 2021:

أول ما يقفز إلى الأذهان، وأنت تقرأ خبر زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق، أن الرجل وفد إلى العاصمة السورية في مهمة تطبيعية مع إسرائيل.. من يقرأ تعليقات عشرات القراء على الخبر الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، يجد أن ثمة غالبية ساحقة منها، ذهبت في هذا الاتجاه، فأبوظبي باتت الأكثر حماسة للتطبيع، ويبدو أنها لن تدخر جهدا في سبيل تعميمه.

على أن حظوظ عبد الله بن زايد بالنجاح في مسعاه مع بشار الأسد، ستختلف نوعا، عن حظوظه مع ساسة عرب آخرين... الأسد، لديه أراض تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، والتطبيع معها قبل إنهاء احتلالها، سيكون بمثابة "جائزة ترضية" مجانية لعدو لا يتوقف عن استباحة أرضه وأجوائه... ومن نافل القول، إن إسرائيل تحت قيادة بينت أو غيره من قادتها، ليست بوارد الجلاء عن الجولان المحتل، سيما بعد أن اعترفت إدارة ترمب بالهضبة، جزءا من الأرض والسيادة الإسرائيليتين.

ثم أن للأسد حلفاء في حربه الممتدة لعشرية سوداء كاملة، لن يسرهم أبدا إقدامه على تنفيذ قفزة في المجهول من هذا النوع... سوريا بالنسبة لمحور طهران، هي "واسطة عقد" هذا المحور، والأخير دفع دماء غزيرة ومليارات الدولارات للإبقاء على الأسد في مكتبه بقصر الشعب... هذا ليس خيارا لإيران وحزب الله و"القوى الرديفة"، والأسد ما زال يستشعر حاجتها لهذه الأطراف، فالمهمة لم تنته بعد. 

في المقابل، ستجد الخطوة الإماراتية، ترحيبا وتشجيعا من قبل حليف استراتيجي آخر لدمشق: روسيا، التي سعت بدورها من قبل لـ"تسليك" قنوات تفاوض بين إسرائيل وسوريا، حتى وهي تدرك أن ليس في إسرائيل من هو على استعداد للهبوط عن الهضبة الإستراتيجية... الكرملين الذي يحتفظ بعلاقات متميزة مع أضلاع المثلث السوري – الإماراتي – الإسرائيلي، لا شك يرغب في رؤية دور إماراتي ناشط على هذا المضمار.

لكن للمسألة وجه آخر، لابد من ملامسته، قبل إطلاق الأحكام على مآلات مسعى إماراتي محتمل بين إسرائيل وسوريا... فربما وصلت الأطراف إلى نتيجة مفادها أن ليس المطلوب عملية تفاوضية تنتهي إلى ترجمة مبدأ الأرض مقابل السلام الشهير... يكفي أن تكون هناك "عملية" حتى وإن من دون سلام، حتى تشعر الأطراف بقدر من الرضى عن النتائج، وربما هذا ما كانت تفكر موسكو قبل أشهر عدة عندما حاولت لأول مرة جمع الطرفين في مهمة وساطة.

"العملية" مهمة ومطلوبة بذاتها، حتى وإن لم تنته إلى سلام أو تطبيع، فهي وحدها كفيلة بالشروع في تفكيك أطواق العزلة والحصار المضروبة حول دمشق... إذ دللت التجربة التاريخية، على أنه يكفي أن تنخرط في عملية تفاوضية – سلمية – تطبيعية مع إسرائيل، حتى "يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"... أليس هذا هو لسان حال جنرالات الجيش والجنجويد في السودان؟... أليس هذا هو المحفز الرئيس للجنرال العجوز خليفة حفتر، للكشف عن مسار التطبيع المضمر (عبر نجله) ونوايا التطبيع المستقبلية؟... أليس هذا ما يدفع بعيدروس الزبيدي ومجلسه الانتقالي في اليمن، للبوح بنوايا التطبيع مع إسرائيل، نظير تسهيل انبثاق دولة الجنوب المستقلة؟.

المهمة الإماراتية في سوريا صعبة، حتى بفرض أنها ستتوقف عند حدود إطلاق "العملية" دون "سلام" أو "تطبيع" بالضرورة، وتعود صعوبتها لسببين، إسرائيلي وسوري: إسرائيليا، ليست حكومة بينت بوارد الشروع في مسارات تفاوضية لا مع السوريين ولا مع الفلسطينيين، فمثل هذا الخيار من شأنه البعث برسائل خاطئة، مفادها أنها ستفتح الباب وإن مواربا لخيارات التنازل عن الأرض أو بعضها نظير السلام والتطبيع، وهذا خارج حسابات الائتلاف الهش، المطارد بشبح نتنياهو... سوريا، أي رسائل من هذا النوع تصدر عن دمشق، ستحدث اهتزازها في روابط "محورها" وفرضياته، وقد تطيح بكامل البنيان الذي شيده هذا المحور طوال سني الأزمة العشر.

وأحسب أنه من "الاختزال" رؤية التحرك الإماراتي صوب سوريا من هذا المنظار حصرا، صحيح أنه قد يحتل مكانة محورية في المبادرة الإماراتية، بيد أنه لا يختصرها بالكامل... فثمة بعد كردي – تركي محتمل، أو حتى مرجح في التحرك الإماراتي... أبو ظبي نسجت علاقات وطيدة مع أكراد سوريا زمن العشرية الفائتة، بعد أن "نفضت يديها" من المعارضات السورية ذات المرجعيات الإسلامية في الغالب، وهي أولت اهتماما بدعم أكراد سوريا بدلا عنها... وهي إذ تنجح في استحداث قفزة في علاقاتها مع الأسد ونظامه، فإنها ستصبح وسيطا محتملا للقيام بجهد بين القامشلي ودمشق. 

مرة أخرى، ستجد الدبلوماسية الإماراتية دعما وتشجيعا من موسكو، فالأخيرة لطالما بذلت جهودا في السر والعلن بين النظام والأكراد من دون جدوى، وهي تكثف اليوم هذه الجهود، على وقع الحشود التركية في الشمال، وأبو ظبي تشاطر موسكو قلقها من تركيا وسياساتها وتحالفاتها، حتى بعد أن انفتحت عليها، إثر زيارة رجلها الغامض طحنون بن زايد لأنقرة مؤخرا، وتبادل رسائل الغزل بين الدولتين، والتي حلت محل رسائل الاتهامات والتهديدات المتبادلة.

ولا يتعين بحال من الأحوال، القفز عن فكرة أن "البيزنيس" كان على الدوام مصاحبا للدبلوماسية الإماراتية، فهذه الدولة تعرف من أين تؤكل الكتف، ولديها في سوريا فرص عديدة للنفاذ إلى "الكعكة الكبيرة" تحت مظلة إعادة الاعمار، حين تحين لحظته المناسبة... الإمارات التي نجحت في أن تكون ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، الدولة التي تحتل جزرها الثلاث، وتخضع لأشد العقوبات الأمريكية صرامةً، يمكنها أن تكون شريكا تجاريا أولا لسوريا، برغم قيود "قيصر" الأمريكي، وبتشجيع مضمون من "قيصر" روسيا.

عواصم عدة ترقب التحرك الإماراتي صوب سوريا، والذي وإن بدا "منسقا" مع الدور الأردني الريادي في هذا المجال، إلا أنه يدخل كمنافس قوي لدور عمان، بالنظر أولا، لتباين الأدوات والإمكانيات التي تتوفر لدى البلدين، وثانيا، لما تمتع الدبلوماسية الإمارتية من "جسارة" لا تتوفر لنظيرتها الأردنية... من بين العواصم المترقبة كذلك، الدوحة التي تعرض نفسها كوسيط ومنصة لمختلف أزمات إقليم الشرق الأوسط الكبير، باستثناء سوريا... أما الرياض، فهي تنظر للدور الإماراتي حيال سوريا، كما نظرت إليه في مضمار التطبيع مع إسرائيل: رأس جسر متقدم، تقرر خطوتها التالية في ضوء ما يترتب على الخطوة الإماراتية الأولى من نتائج وتداعيات... أما واشنطن، فيساورها قدر من القلق لتغريد بعضمن حلفائها خارج سربها، واستياؤها من الخطوة الإماراتية لا تضاهيه سوى سعادة موسكو بها.

 

اسباب

 

في تحليل آخر نشر في نفس الموقع الأمريكي بتاريخ 12 نوفمبر جاء:

زيارة وزير الخارجية الإماراتية، الشيخ عبدالله بن زايد، إلى سوريا أحدثت صخبا إعلاميا وسياسيا، رغم أنها بالشكل والمضمون والتوقيت ليست مفاجئة وتعتبر خلاصة لمنعطف سياسي قامت به الإمارات في السنوات الأخيرة.

اللقاء ضرورة إستراتيجية وسياسية تمضي بها الإمارات ومعها الأردن والعراق ومصر في سوريا ولأسباب عدة بينها:

1- خيارات محدودة عموما للخارج في سوريا بعد فوز النظام بالحرب. البديل عن الإقرار بهذا الواقع هو استكمال الحرب فيما المعارضة مفتتة، وتطرف داعش وأحرار الشام قضى على الأفق المعنوي لإعادة تأهيلها.

2- وحدة سوريا الجغرافية والخوف من دخول تركيا شمالا، وصعود الإسلاميين هو أيضا في حسابات الإمارات والأردن ومصر وغيرهم ممن فتحوا قنوات دبلوماسية وأمنية مع النظام.

3- قياس التهديدات وما تطمح له الإمارات إقليميا: وهنا دعم الأنظمة ومنع تفكك الدول المركزية هو طريق ترى في أبوظبي الوسيلة الوحيدة لمنع صعود الحركات الميليشياوية. ولذلك يبدو الأسد أو أيا كان على رأس السلطة في سوريا خيارا مفضلا على حركات مسلحة ترى فيها دول الجوار خطرا على استقرارها. 

4- العامل الاقتصادي وما يعنيه الانفتاح على سوريا في حال لحق ذلك تسوية سياسية والدخول بمرحلة إعادة الإعمار وبناء البنية التحتية وتحديث سوريا بشكل تردد بالقيام به حافظ الأسد، وحاول بشار الأسد المضي به قبل الانزلاق بخيار الحرب. 

5- العامل الخارجي والدور الذي لعبته روسيا منذ دخولها سوريا في 2015، بتقريب وجهات النظر بين الأسد ودول الخليج العربي وليس فقط الإمارات. 

دبلوماسية الإمارات في سوريا مسارها مبن على إعادة دعم الدولة المركزية ودخول أبوظبي كعراب اقتصادي ودبلوماسي في دمشق، وهو مسار عمره أكثر من ثلاث سنوات بعد اعادة فتح القنصلية الإماراتية في 2018، وعودة المحادثات الأمنية والاقتصادية.

وفي سياق الدور الروسي في الانفتاح الخليجي تفيد معلومات نقلتها اندبندنت يوم 13 نوفمبر 2021 أن بعض الاجتماعات التي جرت بعيدا من الأضواء تمت برعاية روسية، إلى درجة أن طائرة روسية خاصة هي التي نقلت أحد المسؤولين الأمنيين السوريين إلى إحدى العواصم العربية للاجتماع إلى نظرائه فيها.

ويقول المطلعون على خلفية دور الجانب الروسي إنه أبلغ بعض المسؤولين العرب أن الحل السياسي في سوريا سيؤدي في نهاية المطاف إلى الانسحاب العسكري الإيراني، لكن قاعدة النفوذ الاقتصادي التي بنتها طهران تتطلب منافستها كي لا تلعب دورا في ترسيخ نفوذها على سوريا ما بعد الحرب. كما أن إعمار ما هدمته الحرب يحتاج إلى استثمارات طائلة لا يمكن تأمينها من دون دول الخليج العربي، قياسا إلى إيران. وفي التعاون الروسي الخليجي من هذا المنظار فائدة لموسكو التي تطمح أن يكون لشركاتها دور رئيس في هذه المرحلة عندما يأتي أوانها، التي تحتاج إلى التمهيد لها منذ الآن. وإذا كانت دول الخليج قد ترددت في الانفتاح الاقتصادي سابقا بسبب العقوبات التي يفرضها قانون "قيصر" الأمريكي على التعامل مع دمشق، فإن الشركات الروسية لديها وسائلها للالتفاف على هذا القانون.

لا تقتصر أسباب تشجيع روسيا الدول الخليجية على الوجود في سوريا على الحاجة إلى تعويض المكانة التي احتلتها إيران حتى الآن، بل تتعداها إلى سعيها للاحتياط منذ الآن لاحتمال حدوث انسحاب أمريكي من شرق الفرات، تنوي تركيا الإفادة منه لتوسيع نفوذها في تلك المنطقة الغنية بالنفط، ولتغييرات في الشمال السوري، حيث تتواجه تركيا مع تحالف "قسد" بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وفصائل كردية أخرى تساندها قوات أمريكية.

 

المعارضون

 

في تحليل آخر صدر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 13 نوفمبر 2021 ذكر:

جاءت تصريحات وزير خارجية قطر، محمد عبد الرحمن آل ثاني، بشأن عدم تفكير الإمارة الخليجية حاليا في التطبيع مع النظام السوري، لتؤكد أنه لا إجماع عربيا، على عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وقد أعرب الوزير القطري عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع نظام الرئيس بشار الأسد، فيما تثار تساؤلات بشأن أسماء الدول الأخرى التي قد تحذو حذو الدوحة التي دعمت قديما المعارضة المسلحة في الحرب السورية الدائرة منذ نحو عقد.

يقول الأكاديمي القطري أستاذ العلوم السياسية، علي الهيل، إن "موقف قطر يتماهى مع موقف تركيا بشأن عدم التطبيع مع النظام السوري". 

أما المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم فيقول: "قطر تمتلك نظرة خاصة للملف السوري، بالنظر إلى تحالفها مع تركيا". وأضاف "هناك تفاهم قطري تركي فيما يتعلق بالتطبيع مع سوريا، وتركيا لديها موقف واضح بشأن القضاء على النفوذ الكردي في الشمال السوري، وإيجاد حل يضمن لها مصالحها في سوريا".

وفي مقابل قطر تبرز مواقف حلفاء أقوياء لواشنطن في المنطقة، عززوا العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع نظام دمشق بعد نبذه.

يشير بعض المراقبين للموقف إلى دول عربية يبدو أنها ستحذو حذو قطر، فيما ستتبنى بلدان أخرى موقف الإمارات.

وبعد اجتماع وزير الخارجية الإماراتي مع رئيس النظام السوري في دمشق، رحبت الجزائر، التي ستستضيف القمة العربية في مارس المقبل، بالانفتاح على سوريا.

وفي المقابل، يستبعد الهيل أن يطبع العراق علاقاته مع سوريا "على الأقل في المدى المنظور"، قائلا: "بغداد تريد النأى بنفسها عن إيران حتى لا ينظر لاستئناف العلاقات على أنه هدية لطهران" التي تتمتع بنفوذ واسع لدى بعض الفصائل المسلحة في بلاد الرافدين.

بينما يستبعد غسان انضمام السعودية لموقف الإمارات رغم محادثات متبادلة بين مديري المخابرات في كل من الرياض ودمشق، عقدت على مدى الأشهر الماضية، وكان آخرها في القاهرة، على هامش اجتماع دوري لرؤساء المخابرات في الدول العربية في القاهرة.

ويقول غسان: "السعودية لن تطبع مع سوريا حتى تشاهد عمليا إبعاد إيران خصوصا في ظل موقف الرياض المتشدد تجاه حزب الله في لبنان والحكومة الموالية له".

وأضاف "الواقع على الأرض يقول إن إيران متواجدة في اليمن عبر الحوثيين، ولبنان عبر حزب الله، وسوريا عبر الأسد، فلماذا ستقدم السعودية على هذه الخطوة دون مقابل وتغير في السياسة الإيرانية؟".

وتشهد المنطقة صراعا إقليميا بين السعودية وإيران بينما لم تحرز المحادثات بينهما، والتي تهدف إلى خفض التوتر، تقدما يذكر. 

ومنذ أن هزمت القوات الحكومية السورية، بمساعدة روسية وإيرانية، مسلحي المعارضة في معظم أنحاء سوريا، باستثناء بعض مناطق شمال وشرق البلاد التي لا تزال خارج قبضته، اتخذت بعض الدول خطوات نحو تطبيق العلاقات، الأمر الذي أرجعه الهيل إلى "تغير المعطيات".

وأضاف الهيل "الإجماع على المعارضة السورية الآن ليس كما كما كان قبل 11 عاما. السياسة تقوم على تقاطع المصالح، والدول التي تريد التطبيع مع سوريا تدرك تماما أن النظام السوري أصبح واقعا سياسيا لا محالة عنه، وعلينا أن نتعامل مع النظام السوري من حيث ما هو كائن وليس من حيث ما يجب أن يكون". 

ويذكر غسان إن "بعض الدول في المنطقة كالإمارات والبحرين ومصر ترى أن الانفتاح على سوريا سوف يؤدي إلى تحجيم نفوذ القوى الخارجية كإيران وتركيا".

غير أن الهيل يقول: "ليس بالضرورة أن يحد التطبيع مع سوريا من التدخل الأجنبي، فيمكن عودة العلاقات في ظل بقاء النفوذ الروسي والإيراني".

وأوضح قائلا: "العلاقة السورية الإيرانية إستراتيجية منذ حرب الخليج الأولى، وكذلك العلاقات بين سوريا وروسيا التي تحكمها اتفاقية الدفاع المشترك فضلا عن أن النظام السوري هو الذي طلب تدخل روسيا، ولولا تدخلها لسقط النظام منذ زمن بعيد".

أما غسان فيقول: "هذا يتوقف على مدى رغبة النظام السوري في الخروج من ورطته. استمرار علاقة الأسد مع الإيرانيين يعني رسم حدود للتطبيع العربي، وعدم حدوث انفتاح كلي، واشتراط عودته إلى الجامعة العربية".

وتساءل قائلا: "هل سيقتنص الأسد الفرصة ويأخذ موقفا يرحب عمليا، وليس نظريا، بالتطبيع العربي، ويبتعد عن الإيرانيين ويبدأ حل الأزمة السورية بأسلوب حضاري؟".

 

مؤشرات

 

يوم 12 نوفمبر 2021 شدد متحدث في وزارة الخارجية الأمريكية، أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أوضح أن واشنطن لم ترفع عقوباتها عن النظام السوري، وذلك ردا على قرار اتخذته دولة الإمارات ببناء محطة طاقة شمسية في ريف دمشق.

وتعليقا على خطوة الإمارات، قال المتحدث الأمريكي لقناة الحرة: "إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أوضح أننا لم نرفع العقوبات عن سوريا ولم نغير موقفنا إزاء معارضة إعادة إعمارها، إلى حين تحقيق تقدم لا عودة عنه تجاه حل سياسي نعتبره ضروريا وحيويا".

وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، "أنه في حين أن المساعدات الإنسانية إلى سوريا مستثناة من العقوبات، إلا أن استثمارات أخرى عديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ليست مستثناة".

في نفس اليوم استقبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، وفدا من الكونغرس الأمريكي، ومنسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك.

وبحث الجانبان خلال اللقاء علاقات التعاون الإستراتيجي والتنسيق المشترك بين الإمارات والولايات المتحدة، والسبل الكفيلة بتعزيزها على مختلف المستويات بما يخدم المصالح المتبادلة للبلدين.

وناقش الجانبان مجمل القضايا والموضوعات محل الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر بشأنها، خاصة التطورات في منطقة الشرق الأوسط والعمل المشترك لبناء دعائم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.

وضم الوفد المرافق للمسؤول الأمريكي كلا من روبرت مالي، المبعوث الخاص إلى إيران، وستيفاني هاليت، مديرة مجلس الأمن القومي لشؤون الخليج، وجاريت بلانك كبير المستشارين، وشون ميرفي، القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية في أبوظبي.

بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة وفي الوقت الذي تنتظر فيه دولة الإمارات إتمام صفقة الحصول على المقاتلة الأمريكية الشبح "أف-35" والتي أبرمتها خلال الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس السابق، دونالد ترمب، قام أن وفد إماراتي، بزيارة جناح روسيا لتفقد الطائرة الروسية "سوخوي سو-75 شيكميت" والتي تعرض للمرة الأولى خارج موطنها الأصلي. 

وذكرت رويترز أن "فيديو محاكاة حاسوبي باللغة الإنكليزية حول الطائرة حربية أظهر أنها تكتيكية وخفيفة، قادرة على حمل خمسة صواريخ جو-جو في نفس الوقت، وتدمير أهداف متعددة في وقت واحد". 

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أزاح الستار عن هذه الطائرة، في يوليو، كمقاتلة فعالة من حيث التكلفة يمكنها الطيران بسرعة 1.8 ماخ، أي ضعفي سرعة الصوت تقريبا، ومدى يتراوح بين 2800 و2900 كيلومتر.

ومن المقرر أن تجري هذه المقاتلة رحلتها التجريبية الأولى في عام 2023 ويبدأ الإنتاج بحلول عام 2026، في حين أن المقاتلة الأمريكية الشبح "أف-35"، دخلت الخدمة بالفعل في عام 2015. 

ووقعت الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 صفقة أولية لشراء طائرات سوخوي-35 الحربية والعمل بشكل مشترك مع روسيا على مقاتلة من الجيل التالي.

ووافقت الولايات المتحدة على بيع الطائرة بعد أن أقامت الإمارات، عام ا2020، علاقات مع إسرائيل، غير أن صفقة الخمسين طائرة من نوع "أف-35 لينينغ 2" إلى الإمارات، تباطأت وسط امتعاض البيت الأبيض من علاقة الدولة الخليجية المتسارع بالصينوروسيا، بما في ذلك انتشار تقنية الجيل الخامس من شركة هواوي الصينية في البلاد.

 

عمر نجيب

[email protected]