عاد السباق والصراع بين الديمقراطية و الأمن علي كسب مركز الأولوية و مكانة قَصَبِ السًبْقِ إلي المشهد السياسي و الإعلامي و القانوني بقوة بعد أحداث نوفمبر 2015 بباريس فانقسم المهتمون طرائق قِددًا منهم المطالبون باتخاذ مجمل التدابير و الاحتياطات من أجل ضمان الأمن و لو علي حساب الديمقراطية.
و منهم المُنادُونَ علي الحكام و ولاة الأمرالمُسْتَنْصِحِينَ الحادبين علي أوطانهم من التهديدات الأمنية أن "حَصّنوا بلدانكم بالديمقراطية"!! و منهم الدّاعون إلي أولوية الأمن مع التأكيد علي واجب الابتعاد عن الشطط المفرط في استخدام فَزًاعَةِ التهديدات الأمنية المستجدة ذَرِيعة للتراجع عن المثل و الخيارات الديمقراطية.
و المتابع للمسار السياسي للدولة الموريتانية الحديثة يلاحظٌ إمكانية تقسيم الخمسينية الماضية من عمر الدولة الموريتانية ( 1965- 2015)إلي ربع قرن لا ديمقراطي(1965-1990) و ربع قرن يمكن وصفه بالديمقراطي (1990-2015) مهما جادل في ذلك بشيئ من الحق أحيانا و بِغُلُوٍِ وشَطَطٍ أحيانا أخري بعض المُجادلين!!.
و قد شكلت دَسْتَرَةُ حزب الشعب الموريتاني حِزْبا وحيدا أوحد يسمي "حزب الدولة" سنة 1965 رِدًةً عن التعددية السياسية و انطلاقة لربع القرن اللاديمقراطي الذي ُتوِجَ باثني عشر عاما (1978-1990) من القبضة العسكرية الفولاذية التي قتلت أو كادت أن تقتل الأخلاق و التقاليد و المُرُوءَاتِ السياسية و الإدارية بالبلد!!.
و إذا استثنينا محاولات الانقلابات العسكرية الناجحة و الفاشلة لضرورة منهجية فمن الملاحظ أنه خلال ربع القرن اللاديمقراطي شهدت موريتانيا العديد من الهزات الأمنية التي كلفت خسائر عديدة في الأرواح الزكية و الممتلكات السُّنّية و التي كادت أن تعصف باستقرار البلد و سلمه الأهلي و كيانه المجتمعي!!.
ومن تلك الهزات الأمنية العنيفة مثلا لا إحصاء عَدََدًا: الفتنة العرقية 1966 و الغليان العمالي والشعبي سنة 1973 و حرب الصحراء عام 1975والصدام العرقي 1979 و شبه الثورة الطلابية و النقابية سنة 1984 والمحاولة الانقلابية العنصرية 1987 و ما شابه الحرب الأهلية 1989...!!
و في المقابل فإن ربع القرن الديمقراطي الذي بدأ بأوبة التعددية السياسية من خلال دستور سنة 1991 إلي غاية يوم الناس هذا لم يشهد و الحمد لله هزات أمنية كبيرة من النوع الذي يخلف خسائر عديدة في الأرواح البشرية رغم خطر عدوي الاضطرابات الأمنية الهائلة التي يشهدها العمق العربي و الإفريقي و الإسلامي المُلتَهِبِْ.!!
وما يهمنا من خلال هذا الكَلِمِ هو تبيان الفرق بين الحالة الأمنية بموريتانيا خلال ربع القرن اللاديمقراطي و ربع القرن الديمقراطي سبيلا إلي إيضاح و استنتاج أن أمثل الطرق و أيسرها لتحقيق و تحصين الأمن هو إرساء نموذج ديمقراطي تعددي نظيف مُنَقَي من العيوب و الشًوَائِبِ...
و الواضح من استقراء الحالة الأمنية خلال رُبْعَيْ القرن الديمقراطي و اللاديمقراطي هو أن النموذج الديمقراطي الذي انتهجته بلادنا خلال ربع القرن الأخير رغم ما شابه من اللاإجماعية و التجاذب السياسي شديد السخونة أحيانا و الطعن في نظافة الانتخابات و مقاطعتها أحياناأخري.
وكذا غياب أو تغييب فضيلة الحوار السياسي و رُجْحانُ الشكل الديمقراطي علي المضمون المؤسسي و شيئ من شبهة المسحة الفولكلورية أو التجميلية فقد استطاع هذا النموذج الديمقراطي أن يُجنب بلادنا العديد من الهزات الأمنية المُزلْزِلة ذات الخلفية السياسية أو الاجتماعية.
و تأسيسا علي نجاح نموذجنا الديمقراطي في توفير مناخ الأمن و الاستقرار فإن "الطبقة العالمة" أجمعها علماء و مفكرين و نقابات و مجتمعا مدنيا،... مطالبة بتضافر و تحالف الجهود من أجل تشكيل مِنَصًةِ ضغط و رأي قوية التأثير تسعي بما أوتيت من القوة و القدرة علي حشد الرأي العام إلي دفع "الخلطاء السياسيين" من الموالاة و المعارة إلي إرساء حوار سياسيعاجل مُوَطًإِ المواضيع و الآليات.
حوارٍ يفضي إلي إيجاد أنجع و أكثر الصيغ إجماعية من أجل تحسين و إصلاح و تطوير نموذجنا الديمقراطي باعتباره أنه أثبت قدرتهحتي الآن علي الاضطلاع بدور صِمَامَ الأمان و العَاصِمِ بإذن الله من جَائِحَةِ "اتسونامي"الاضطرابات الأمنية و السياسية و الطائفية التي تهدد العديد من الدول العربية و الإفريقية والإسلامية