تتزايد وتيرة الانباء التي تتحدث عن وصول قوات برية امريكية وروسية وبريطانية وفرنسية الى ليبيا، ليس لتحقيق الامن والاستقرار، مثلما يبدو الامر للكثيرين، وانما للقضاء على خطر “الدولة الاسلامية” المتفاقم هناك، وتصاعد المخاوف من سيطرة مقاتلي هذه الدولة، على الهلال النفطي الليبي، بعد ان شنت هجمات انطلاقا من مقرها الجديد في “ولاية سرت” على العديد من المدن والمنشآت النفطية في راس لانوف والريقة وزويتينه وغيرها.
الجنرال جوزيف دانفورد رئيس اركان القوات الامريكية اكد في تصريحات ادلى بها امس “ان هناك حاجة لتحرك عسكري حاسم لوقف انتشار تنظيم “الدولة الاسلامية” في ليبيا”.
من المفارقة ان القوات البريطانية والفرنسية وصلت الى قاعدة جمال عبد الناصر العسكرية جنوب مدينة طبرق، بينما وصلت قوات امريكية الى قاعدة اخرى شرق مدينة طرابلس، المفارقة تكمن في وصول هذه القوات الى قاعدة عسكرية تحمل اسم الزعيم الراحل الذي عارض القواعد الاجنبية بشراسة، واحتضن الثورة الليبية عام 1969، واحتفل باغلاق قاعدة هوليس الامريكية بالقرب من طرابلس.
قبل وصول هذه القوات التي يقدر عددها حتى الآن في حدود 500 جندي، جرى تسريب العديد من التقارير الاخبارية، احدها في صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية تتحدث عن انتقال ابو يكر البغدادي زعيم “الدولة” الى مدينة سرت، تلافيا لملاحقة اجهزة المخابرات الغربية له في العراق وسورية.
هذه التسريبات تذكرنا بنظيرتها التي سبقت الغزو الامريكي للعراق عام 2003، وتحدثت عن اسلحة الدمار الشامل، او تلك التي مهدت لتدخل “الناتو” في ليبيا، واسهبت في الحديث عن جرائم نظام العقيد معمر القذافي في حينها.
لا نعرف كيف سيستطيع شخص مثل السيد البغدادي تطارده مخابرات اكثر من مئة دولة، من بينها مخابرات روسيا وامريكا وفرنسا وبريطانيا، علاوة على مخابرات ايران والسعودية وسورية، والعراق، الانتقال من مقره السري في الرقة، ويركب طائرة ليحط الرحال في مدينة سرت الليبية؟
فاذا كان نجح فعلا في اختراق كل اجهزة المخابرات هذه وتضليلها، ونقل مقر قيادته الى مدينة سرت التي بايعته كخليفة، واعلنت انضمامها الى دولته، فان هذا يؤكد انه رجل عبقري، وقائد فذ، وان هذه المخابرات ودولها التي تملك اجهزة رصد متقدمة، وطائرات استطلاع، ترصد دبيب النمل على الاراضي العراقية والسورية، مخابرات فاشلة، او متواطئة مع السيد البغدادي ودولته.
من الصعب علينا ان نصدق هذه الروايات والتسريبات، لاننا سمعنا، وقرأنا الكثير مثلها التي تحدثت عن اصابته ومقتله في احد الغارات الامريكية، او هجمات الجيش العراقي ليتبين لنا مدى كذبها.
التدخل الامريكي الاوروبي الروسي الجديد في ليبيا، اذا صح، فانه يأتي نتيجة استشعار خطر “الدولة الاسلامية”، وتوظيف هذا الخطر من اجل الاستيلاء على ليبيا، وتقسيمها بين الدول الغازية، تماما مثلما حدث بعد هزيمة ايطاليا ودول الجوار في الحرب العالمية الثانية عام 1945.
“الدولة الاسلامية” وغيرها من الميليشيات المسلحة المتطرفة وصلت الى ليبيا وعززت وجودها فيها بسبب تدخل حلف “الناتو”، وتدمير مؤسسات الدولة الليبية، وتحويلها الى دولة فاشلة تسودها الفوضى الدموية، السؤال الذي سيطرح نفسه عن الوضع الذي ستكون عليه ليبيا بعد التدخل العسكري الجديد المفترض، وكم من اهلها الطيبين سيقتل؟
عارضنا تدخل حلف “الناتو” وطائراته في ليبيا عام 2011، مثلما عارضنا الغزو الامريكي للعراق عام 2003، ولن نتردد في معارضة اي تدخل عسكري جديد في ليبيا ايا كانت الذرائع التي يتخفى خلفاها، لان هذه التدخلات دمرت بلادنا، نهبت ثرواتنا، وهيأت الحاضنات الملائمة للجماعات المتشددة، وبذرت بذور الفتنة الطائفية حتى شبت عن الطوق، مع تأكيدنا بأننا نعارض هذا التدخل، ليس لحماية “الدولة الاسلامية”، فهي جماعة ارهابية، تشكل خطرا على المنطقة، وانما لعدم ثقتنا بنوايا المتدخلين، ولاننا لدغنا من الجحر نفسه اكثر من مرة.
نحن نقف على اعتاب مؤامرات جديدة، ذراعها الرئيسي التدخلات العسكرية الامريكية، والغربية، والشرقية، والهدف هو اقتسام العالم العربي المريض، وثروات بلادنا، ومن المؤسف ان هناك ابناء جلدتنا، والمحسوبين على عقيدتنا يتواطؤون معها، ويوفرون لها الغطاء والدعم.
“راي اليوم”