
بصرف النظر عن الدمار الذى تلحقه إسرائيل بالشعب الفلسطينى فى كل فلسطين خاصة فى غزة، فوجئت إسرائيل والعالم بأن الأساطير التى قامت عليها تسقط. لقد صدر الغرب لنا أن إسرائيل دولة، متحضرة، وديمقراطية وأنه زرعها فى المنطقة لكى تكمل مهمته الاستعمارية وهى نقل المنطقة المتخلفة إلى مدارج الحضارة والمدنية.
وقد حاول الغرب أن يخلق لهذا الكيان شرعية فى قرار التقسيم المخالف لميثاق الأمم المتحدة ثم اتاح لها عضوية المنظمة الدولية رغم أنها لا تتمتع بشروط العضوية، ثم أن قرار العضوية مشروط بثلاثة شروط تسقط العضوية بعدم تحقق هذه الشروط. ثم شجع الغرب إسرائيل على مخططها بالتدليس بأن فلسطين لليهود وأنهم احق من الشعب العربى الفلسطينى بها كما ركز الغرب على أن إسرائيل تمثله فى احترام حقوق الإنسان والديمقراطية والتقدم العلمى والتكنولوجى ولكى تفيد المنطقة فإن الغرب أرغم المنطقة العربية على التعاقد معها من خلال بعض حكام يساندهم الغرب كلما أخلصوا لإسرائيل وليس لأوطانهم وأن هؤلاء الحكام هم من قمع شعوبهم خاصة فى مصر عندما هب الشعب رافضا لكامب دافيد ولم ينطلي عليه دجل السادات وقد ثبت أن مدخل الحكام قد حول المنطقة إلى منطقة محايدة بين إسرائيل وفلسطين، وبنى بعضهم شرعيته الوهمية على شعارات مساندة فلسطين وهم من ضيع فلسطين لأن فلسطين ارتكنت إلى أن الأمة العربية التى ترددت فى شعارات الدكتاتورية العربية حاضن لها من الذئب الصهيونى ولذلك كان الفلسطينيون هم أكثر استجابة وتفاعلا مع الشعارات القومية ولم يدركوا أن من ضيع قضيتهم هم هذه الدكتاتورية العربية التى حرصت على بناء حكمهم على استعباد الشعوب وترديد شعارات الحرية عالمية ولاتتجزأ.
فطن الشعب الي أن الاستبداد هو ثمن تحقق الشعارات القومية ثم أفاق الشعب الفلسطينى والشعوب العربية الأخرى عام 1967 على هزيمة إسرائيل لجيوش ثلاثة دول عربية وهي مصروالاردن وسوريا.
وكانت الهزيمة مدخلا لاستئناس مصر فيما بعد فى كامب دافيد وهذا هو التحول الأهم مقايضة السلام الاسرائيلي مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية المعتدية من الاراضي المصرية فقط وهي صفقة ثتائية واعتبرت اهم محطات المشروع الصهيوني.
وتبين للشعوب العربية أن قضية فلسطين همشت وتوحشت إسرائيل ثم كشفت عن مخططها لتفريغ فلسطين من سكانها العرب. كما تبين لهذه الشعوب دروسا مريرة عمقتها الانتفاضة الفلسطينية الشاملة .
أولا: أن حرية المواطن تتراجع لصالح عصابات محلية تتحكم فى مقدرات البلاد وتتلاعب بشعارات التحرير الفلسطينى ومناهضة إسرائيل والحقيقة أن إسرائيل تتحالف معها من أجل ازدهارها.
ثانياً: ازدهار إسرائيل ديمقراطيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا على حساب المنطقة التى ازدادت تخلفا وقهرا وأصبحت إسرائيل هى سبب كل المآسى العربية. فسقطت المبررات الغربية الكاذبة لإنشاء إسرائيل وبالطبع فإن الأساطير المؤسسة للكيان قد سقطت أيضا مثل الحقوق التاريخية لليهود فى فلسطين وهم قد تسللوا إلى فلسطين ثم مكنتهم بريطانيا والغرب. فزعم الغرب أن اليهود تاريخيا أولى بفلسطين، ثم هم أولى بها لتفوقهم العسكرى والتكنولوجى ونفعهم للمنطقة وذلك بمساندة الحكام المستبدين على قهر شعوبهم وازدهار الدكتاتورية العربية، وأقنعوا أنفسهم بأن الشعب الفلسطينى متخلف وعدوانى وإرهابى ثم أنه اغتصب فلسطين من اليهود، وشحن الصهاينة الغرب بعدد من الأساطير منها أن إسرائيل تريد أن تجمع كل يهود العالم لتكون دولة دينية تفرض على وسط عربى متربص بها، فقوتها وكل الأسلحة وقمعها للدول العربية وإجرامها تجاه الفلسطينيين هو سند بقائها.
والحق أن سند بقائها هو استئناس واشنطن للحكام وحماية نظمهم والتغطية على استبدادهم وتدمير مؤسسات الوطن وإخضاعهم لنزوات إسرائيل وهو ماظهر من سكوت العرب والمسلمين خلال ابادة اسرائيل لغزة.
ثالثاً: أقنعت إسرائيل نفسها أنها دولة رغم أنها عصابة فإذا بسلوكها تجاه الفلسطينيين يقطع بأنه سلوك العصابة فقد أمعنت فى إبادة الشعب الفلسطينى والتصدى للشباب لقتلهم وليس لتفريقهم.
رابعا: أظهرت انتفاضة الشعب الفلسطينى كله بكل أجياله أن الشعب عندما أدرك أنه وحده، لسقوط كل أقنعة العرب وإسرائيل، فقد كشف للغرب عن سلوك وكيلها الهمجى ودعمه لهذه الهمجية، فاتضح أن العرب ضيعوا فلسطين وفرضوا وصاية عليها فإذا بهم يهبون بصدورهم العارية لكى يكشفوا نموذج الغرب المتحضر الديمقراطى، وكشف زعم العرب بأنهم حماة لفلسطين.
خامساً: رغم تواضع أحوال الفلسطينيين ومقاومتهم بالمقارنة بإسرائيل تتار العصر الحديث، إلا أنهم رفضوا كل الأساطير الإسرائيلية والعربية وإثبات أنهم أصحاب الأرض ولايمكن أن تمتد المؤامرة من كرم الضيافة العربية لليهود إلى اقتلاع صاحب البيت الذى تآمرت عليه إسرائيل مع المحيط العربى.
سادساً: كشفت أحداث غزة والقدس أن القوة التدميرية لإسرائيل لن تدخل الفلسطينيين جحورهم بعد أن فضلوا الموت فى أرضهم بدلا من الموت البطئ الذليل الذى تعرضه إسرائيل عليهم.
سابعاً: أظهرت المقاومة بقدراتهاالمحدودة أنها أشد اصرارا على تغيير المفاهيم والخرائط بعد أن هزمت إسرائيل الجيوش العربية واستنزفتها بل وسعت إلى حل الجيش العراقى الوطنى بعد احتلال بغداد 2003.
ثامناً: أن فلسطين كلها لأهلها ولذلك لايتصور أى سعى لتقسيم فلسطين مرة أخرى. لقد منح اليهود فرصة لكنهم تمادوا فى الإجرام.
تاسعاً: سوف يتم تفريغ إسرائيل من سكانها اللصوص الذين أدركوا فى مواجهة أصحاب الأرض بصدورهم العارية، لأن العرب داخل الكيان التحموا مع بقية الشعب ولم تنجح محاولات تقسيمهم مادام قد عمد إلى إبادة العرق الفلسطينى.
عاشراً: زوال إسرائيل وتفكيك هذه الخرافة سوف يغير خرائط المنطقة ويعيد الاعتبار للأمة العربية و الحكام المرتبطون بإسرائيل سوف يرحلون معها، ولابد من ضمانة حقيقية لاستقرار وازدهار المنطقة وهى الديمقراطية وحكم القانون واستقلال الأمة العربية عن المكائد والدسائس والمؤامرات.
حادى عشر. صمود الفلسطينيين يجب دعمه من جانب الشعوب لأنها قضية إنسانية تتجاوز الطابع العربى والإسلامى.
ولذلك فإن زوال إسرائيل شهادة لهذا الشعب بأن إصراره هو الذى أعاد إليه الهيمنة على أموره وأسقط الوصاية العربية بحجج مختلفة عليه، وأنه خاص تجربة مريرة أسقط فيها مؤامرة الاستعمار الغربى التى استمرت طوال قرنين شهدت أساطير مضحكة لكنها اعتمدت أساساً على اختراق الولاءات العربية.
ثانى عشر: هذه الأحداث إن لم تسفر عن زوال إسرائيل وحفظ القدس فإنها هدمت أركان الدولة المافياوية لأنها قامت على القوة والبطش فلما زلزلت المقاومة هذه القوة فقد مواطنوا العصابة ثقتهم وسوف يبحثون عن ملاجئ خارجية.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري