حرب غزة أو الفصل ما قبل الأخير لمعركة الشرق الأوسط الكبرى... تبدل قواعد النصر في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب

أربعاء, 2024-05-22 06:15

هناك لدى البعض شعور بأن عقارب الساعة تتسارع في منطقة الشرق الأوسط المركز أكثر من أي مكان آخر محدثة تحولات لم يمكن لأحد أن يتصور وقوعها في ظل الظروف التي كانت قائمة قبل تاريخ 7 أكتوبر 2023، ومقدمة معطيات كان يتطلب خلقها كفاح أجيال عبر عقود وتحت ظل توازنات عالمية جديد ة هي في الواقع لا تزال في طور التشكيل بعد توقف عاصفة ما سمي بالفوضى الخلاقة في المنطقة العربية وإنكسار التحالف الغربي في أفغانستان وتدخل روسيا عسكريا في بلاد الشام ثم في وسط شرق أوروبا لوقف تمدد حلف الناتو أكثر نحو الشرق.
شكلت عملية طوفان الأقصى ضربة قوية لنظام شرق أوسطي سعت الولايات المتحدة لتشييده طيلة العقود الخمسة الماضية، وتحديدا منذ حرب أكتوبر عام 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
هذا النظام الذي كان هدفه الأساسي دفن القضية الفلسطينية، عرف فترات ازدهار وتوهج أحيانا ولكنه تعرض لنكسات أحيانا أخرى. 
كان غزو لبنان في السادس من يونيو 1982 ودخول القوات الإسرائيلية بيروت وإخراج قيادات المقاومة الفلسطينية من لبنان أحد مراحل الإنتصار الذي مالبث أن عرف نكسات، ففي 23 أكتوبر 1983، ضربت شاحنتان مفخختان مباني ثكنات عسكرية في بيروت، كانت تؤوي جنود أمريكيين وفرنسيين من القوة المتعددة الجنسيات في لبنان (MNF) التي قدمت لإستلام مهام الاحتلال من تل أبيب، أسفر الهجوم عن مقتل 307 شخصا: 241 أمريكيا و 58 عسكريا فرنسيا وستة مدنيين ومهاجمين. كانت العملية مقدمة لرحيل قوة التدخل التابعة عمليا للناتو من وسط لبنان وفشل جزء من المخطط، ولكن القوات الإسرائيلية ابقت احتلالها لمنطقة واسعة في جنوب لبنان تحت غطاء تكوين منطقة عازلة لحماية مستوطناتها الشمالية وكونت جيش جنوب لبنان تحت قيادة انطوان لحد لتعزيز وجودها، فيما استمرت مخططات تسعير الحرب الأهلية في البلاد ولكن المشروع لم يدم.
انتهت الحرب اللبنانية الأهلية بإقصاء ميشال عون وتمكين حكومة إلياس الهراوي، وبإصدار البرلمان اللبناني في مارس 1991 لقانون العفو عن كل الجرائم التي حصلت منذ 1975. في مايو 1991 صدر قرار بحل جميع الميليشات باستثناء حزب الله وبدأت عملية بناء الجيش اللبناني كجيش وطني غير طائفي.
تصاعدت العمليات الفدائية ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان بموازاة مع توقف الصراع الداخلي.
يوم 25 مايو 2000 وتحت جنح الظلام انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان تحت تأثير ضربات المقاومة اللبنانية الاسلامية و افواج المقاومة البنانية أمل مما تسبب في انهيار جيش لبنان الجنوبي ودخول حزب الله منتصرا إلى مناطق الجنوب.
لم تبتلع تل أبيب ما اعتبرته مهانتها في مايو 2000، وسعت لإستعادة قدرة الردع التي تعتبرها أساسية لإستمرارها.
سقوط العراق تحت الإحتلال الأمريكي سنة 2003 بعد حصار خانق دام أكثر من 13 عاما أعطى دفعة مشجعة لمشروع المحافظين الجدد حول الشرق الأوسط الكبير او الجديد الهادف إلى أعادة رسم خريطة المنطقة الممتدة من البوابة الشرقية للإمة العربية حتى سواحل المغرب وموريتاينا على المحيط الأطلسي على أسس طائفية ومناطقية وعرقية مزيفة وتشكيل ما بين 54 و 56 دويلة جديدة. ولكن الوضعية لم تدم طويلا.
حرب يوليو أو حرب لبنان الثانية (حسب التسمية الإسرائيلية) والتي تسمى في بعض وسائل الإعلام العربية "الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006" هي العمليات القتالية التي بدأت في 12 يوليو 2006 بين قوات من حزب الله اللبناني وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي والتي استمرت 34 يوما في مناطق مختلفة من لبنان.
بعد 18 يوما على الحرب استخلصت أمريكا وإسرائيل النتيجة التالية: الهزيمة العسكرية واقعة لا محالة بإسرائيل ولاينقذها إلا الحل السياسي، لذلك انطلقت كوندوليزا رايس في البحث عن الحل، وكان التغيير في الخطة.
قامت هذه الخطة على أساسين:
– ارتكاب المجازر للضغط على لبنان ليقبل بأي حل يفرض عليه.
– المشاغلة الميدانية مع التهديد المستمر باجتياح بري واسع.
وقد عملت إسرائيل لمدة أسبوع على هذه الخطة، وتوصلت خلالها إلى وضع مشروع قرار فرنسي أمريكي يعطيها كل ما كانت تريد كما لو أنها انتصرت في الحرب. وبعد جدل سياسي تدخلت فيه الدول العربية عدل المشروع إلى حد القبول به لبنانياً ولبى لإسرائيل الكثير من الطلبات، لكنه أخفق في وضع الآلية لتنفيذ المطلب الأساسي وهو نزع سلاح حزب الله، ما يعني أنه الإخفاق السياسي الفعلي الذي يلحق بالهزيمة العسكرية.
الهزيمة العسكرية لم تحجب بالقرار الدولي، ولكن كان الأمر الأخطر: الجيش الإسرائيلي هزم هزيمة فعلية تامة في حربه، فقد هاجم ليحقق أهدافا أعلنها وعجز عن تحقيقها في الميدان.
هذه إعادة ولو بمقاييس مختلفة لما يجري مع اقتراب سنة 2024 من منتصفها، ولعل في ذلك اثبات أن القوى التي تسير نحو التحلل والإندثار لا تتعلم من أخطائها. 
نهاية شهر أبريل 2024 أفادت مصادر رصد ألمانية في برلين أن أزيد من 500 الف إسرائيلي وغالبتهم يصنفون من الطبقة الوسطى قد هاجروا إلى دول غربية مختلفة منذ 7 أكتوبر 2023 في حين أشار مصدر دبلوماسي بولندي أن سلطات بلاده غارقة في معالجة طلبات الحصول على جوازات بولندية من طرف مستوطنين إسرائيليين.
تمثل الحروب لحظات مفصلية في تاريخ الدول، والحروب غير المشروعة قد تكون مميتة عندما تشكل ذروة سنام انحدار البلدان التي تخوض غمارها. وينطبق ذلك بوجه خاص على إمبراطوريات حكمت أجزاء من العالم مثل البريطانية والفرنسية والاسبانية.
استعرض روبرت كابلان، رئيس كرسي روبرت شتراوس هوبي في الجغرافيا السياسية في معهد أبحاث السياسة الخارجية (فيلادلفيا/بنسلفانيا)، مقالا له في مجلة فورين أفيرز الأمريكية (Foreign Affairs)، بعض الشواهد من التاريخ الحديث ليخلص إلى أن سقوط الإمبراطوريات أو القوى العظمى تتبعه فوضى واندلاع حروب.
فى كتابه نشوء وسقوط القوى العظمى يركز المؤرخ الأمريكي بول كيندي، في حدثه عن الامبراطوريات التي نشأت خلال الخمسمائة عام الأخيرة على أن الحروب والإنفاق العسكري هو الذي أدى إلى سقوط كل الامبراطوريات.
منتصف شهر مايو 2024 ذكر السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندزي غراهام، أنه “يحق” لإسرائيل ضرب غزة بقنبلة نووية كما فعلت بلاده بمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين لإنهاء الحرب العالمية الثانية، واصفا ذلك بأنه كان “القرار الصائب”.
وذكرغراهام في مقابلة مع قناة “إن بي سي نيوز” الأمريكية، مساء الأحد 19 مايو 2024.
“كان هذا هو القرار الصحيح (ضربة نووية)، أعطوا إسرائيل القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب، فهي لا تستطيع تحمل الخسارة.
 
غزة
 
سعت إسرائيل منذ فرض حصارها على غزة قبل أكثر من عقد ونصف إلى تقويض قدرة الفصائل الفلسطينية في القطاع على التأثير في المعادلات السياسية والعسكرية للصراع، كما استخدمت الحصار وسيلة لدفع الفلسطينيين في غزة إلى التمرد على إدارة حماس والبحث عن سبل للهجرة.
وفي السنوات الأخيرة اعتقد الإسرائيليون أن الضعف المفترض لمعادلة غزة في الصراع يساعدهم على تصعيد سياساتهم للتهويد في القدس والضفة الغربية. وقد وصل الأمر بمسؤولين غربيين خلال سنة 2023 للقول أن الشرق الأوسط لم يشهد من قبل مثل فترة الاستقرار التي يعيشها في ذلك التوقيت ليأتي طوفان الأقصى ليمحوا كل هذه التصورات.
أيا من ذلك لم يتحقق قط، وعلاوة على فشل الحصار في إضعاف الحاضنة الشعبية لحماس في القطاع في حين تنامت القدرات العسكرية لحماس والفصائل الأخرى بشكل كبير.
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 15 مايو 2024:
بعد سبعة أشهر من الحرب على غزة، لم تتمكن إسرائيل من القضاء على حركة حماس.
وأبرزت صحيفة "وول ستريت جورنال" مخاوف إسرائيل الحالية من أن يؤدي ذلك إلى حرب عصابات تستمر إلى الأبد.
وسلطت الصحيفة الضوء على قدرات الحركة، والمتمثلة في شبكة أنفاقها وخلاياها الصغيرة من المسلحين ونفوذها الاجتماعي الواسع، وهي العناصر التي لا تستخدمها من أجل البقاء فحسب، بل أيضا لمجابهة القوات الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن جندي احتياطي إسرائيلي من فرقة الكوماندوز 98 التي تقاتل حاليا في جباليا، قوله إن حماس تهاجم بشكل أكثر عدوانية، وتطلق المزيد من القذائف المضادة للدبابات على الجنود الذين يحتمون في المنازل وعلى المركبات العسكرية الإسرائيلية يوميا.
ووفقا للصحيفة، استخدمت حماس أنفاقها ومسلحيها ومخزوناتها من الأسلحة للعودة إلى قوة حرب العصابات القاتلة.
وترى الصحيفة أن هذا التحول يعكس جزئياً العودة إلى جذور الجماعة كمجموعة نظمت المعارضة للاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثمانينيات. وفي الحرب الحالية، يعني ذلك استخدام تكتيكات الكر والفر والعمل في مجموعات أصغر من المسلحين، وفقًا لما قاله محللون أمنيون وشهود في غزة لـ"وول ستريت جورنال".
وأوضحت الصحيفة أن شبكة الأنفاق أثبتت أنها أكثر اتساعا مما كان متوقعا، وتشكل تحديا خاصا للجيش الإسرائيلي، الذي حاول تطهيرها باستخدام المتفجرات بعد أن حاول في وقت سابق إغراقها بمياه البحر.
وبررت الصحيفة سبب تزايد المخاوف داخل إسرائيل، بما في ذلك داخل المؤسسة الأمنية، بأن الحكومة الإسرائيلية ليس لديها خطة ذات مصداقية للحلول محل حماس، وأن الإنجازات التي حققها الجيش سوف تتضاءل.
وذكر شهود للصحيفة إنه مع قيام الجيش الإسرائيلي بنقل الدبابات والقوات إلى رفح، التي وصفها بأنها المعقل الأخير لحماس، شنت الحركة سلسلة من هجمات الكر والفر على القوات الإسرائيلية في شمال غزة.
وأوضحت الصحيفة أنه سواء واصلت إسرائيل هجوماً واسع النطاق على رفح أم لا، فمن المرجح أن تبقى حماس على قيد الحياة وتستمر في مناطق أخرى من القطاع، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين، وتقديرات استخباراتية أمريكية.
ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق للصحيفة على عودة ظهور حماس في غزة.
وما يزيد من التحديات، بحسب الصحيفة، أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، الذي أمر بهجمات 7 أكتوبر، تمكن من الصمود في وجه الهجوم الإسرائيلي.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن السنوار نقل رسائل إلى الوسطاء في محادثات وقف إطلاق النار مفادها أن حماس مستعدة للمعركة في رفح وأن اعتقاد نتنياهو بأنه قادر على تفكيك حماس هو اعتقاد ساذج.
 
قلق وجودي
 
ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بتاريخ 13 مايو 2024: بعد 7 أشهر من الحرب.. ها هي "إسرائيل تتفكك"
كعادتها كل عام، تُحيي "إسرائيل"، هذه الأيام، ذكرى قتلى معاركها، وذكرى ما تسميه "استقلالها"، أي احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948.
في هذه المناسبة، وفي ظل الظروف التي تعيشها "إسرائيل"، على المستوى الداخلي من جهة، وعلى مستوى الحرب في قطاع غزة وجبهات الإسناد (في لبنان تحديداً)، من جهة ثانية، أعاد معلقون وخبراء طرح تساؤلات بشأن مستقبل "إسرائيل" واستمراريتها، وبشأن احتمالات تفككها وقدرتها على مواجهة الانقسامات الداخلية، والتحديات الخارجية، والتي يمكن إدراجها، كلها، ضمن مصطلح "القلق الوجودي".
تحت عنوان "هل سنحظى بالاحتفال بيوبيل 100 عام؟"، كتبت صحيفة "هآرتس" افتتاحيةً، ذكرت فيها أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عقد، قبل نحو 7 أعوام، "محفلَ الكتاب المقدس"، وفاجأ المشاركين فيه بـ"تحذير شديد بشأن مستقبل إسرائيل". وقال نتنياهو حينها إنّ "وجودنا ليس أمراً مسلّماً به، فدولة الحشمونائيم استمرت نحو 80 عاماً، وعلينا أن نتجاوزها". ووعد بـ"فعل كل شيء دفاعاً عن "الدولة"، حتى تصل إلى الذكرى المئوية لتأسيسها".
الصحيفة أكدت أنّ نتنياهو "كالعادة، فعل عكس ما وعد به. وبدلامن الدفاع عن "الدولة"، عمل على إضعافها وتفكيكها، حتى أصبح وجودها موضع شك، للمرة الأولى". 
وفي هذا الإطار، تناولت الصحيفة "النتائج القاسية لتسيب نتنياهو"، مؤكدةً أنّها "واضحة في جميع الجبهات". ففي غزة، يتعرض الأسرى الـ132 لمعاناة لا توصف في أنفاق حماس. وتم أيضاً التخلي عن مستوطنات الغلاف والشمال، وليس معلوماً ما إذا كان سيستوطنها إسرائيليون مرةً أخرى، أو متى سيقومون بذلك.
إلى جانب ذلك، أُغلق طريق الشحن الحيوي إلى "إيلات". وتوقفت شركات الطيران الدولية عن تسيير رحلات إلى مطار بن غوريون. وانخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل"، والعجز والتضخم على وشك الانفجار. وإيران تشعر بالأمان بما يكفي لإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على "إسرائيل"، التي لم تستطع الدفاع عن نفسها بمفردها.
"إسرائيل" متهمة بالإبادة الجماعية، ونتنياهو مرشح لمذكرة توقيف دولية. وأوقف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، شحنات أسلحة إلى "الجيش" الإسرائيلي، وقررت إدارته أن "إسرائيل" انتهكت، "على الأرجح"، القانون الدولي في غزة. والمستوطنون، بتشجيع من الحكومة، شرعوا في حملة تدمير وانتقام ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
 
إسرائيل تتفكك
 
الكاتبة السياسية إيريس لعال، كتبت في "هآرتس" أن "حماس لا تزال في قيد الحياة، وتتنفس، والأسرى يقل عددهم، بينما لا تؤدي القيادة الإسرائيلية وظائفها". 
وأضافت لعال أن الإسرائيليين سيكونون "قادرين في يوم صحو على رؤية أنفسهم جاثِين على ركبهم، مهزومين"، إذا أضعفوا الموسيقى التصويرية لتبجحات وزير الأمن، يوآف غالانت، أو نتنياهو وأعضاء حكومته المضطربين.
وبعد 7 أشهر من الحرب، ها هي "إسرائيل تتفكك"، بحسب لعال. ووفقاً لها، فإن "إسرائيل تتجه إلى كارثة"، إذ إن المستقبل يضمن للإسرائيليين انهياراً اقتصادياً وعزلةً عالميةً، وفقدان الدعم من الدول الغربية، وحرباً أبديةً سيخوضونها بالأظافر.
ونشر موقع "مداد" (موقع إلكتروني لجمع معطيات عن السياسة والمجتمع في "إسرائيل" وتحليلها) معطيات أفادت بوجود انخفاض كبير في مستوى التفاؤل لدى الجمهور الإسرائيلي، مقارنةً بالبيانات التي تم جمعها في يناير 2024. وانخفضت نسبة "المتفائلين جداً" بمستقبل "إسرائيل" من 48 في المئة إلى 37 في المئة، بينما ارتفع معدل التشاؤم من 21 في المئة إلى 30 في المئة. ووفق مقياس من 0 (التشاؤم) إلى 10 (التفاؤل)، انخفضت درجة "إسرائيل" من 7.3 إلى 6.3، وهذا انخفاض كبير.
هذه المعطيات دفعت خبراء إلى تحليلها، مؤكدين أن "الجمهور" الإسرائيلي يفقد الثقة بقدرة "إسرائيل" على كسب الحرب. وبما أنه اعتُقد، ولا يزال يعتقد، أن هذه حرب مهمة، بل حرب وجودية، فإن فقدان الثقة بالقدرة على الانتصار ينعكس بالضرورة على توقع المستقبل.
وبحسب الخبراء أنفسهم، فإن "إسرائيل" تعيش أزمةً مستمرة. والأمر الأكثر إثارةً للقلق، وفقاً لهم، هو الاتجاه الانحداري للأرقام، فحين لا يعتقد الجمهور أن له مستقبلا جيدا، سيكون ثمة صعوبة في تجنيد المستوطنين، وفي جذب الاستثمار والهجرة، وفي الاحتفاظ بنُخبه. وإذا كان الجنود لا يعتقدون أن أمام "إسرائيل" مستقبلا جيدا، فقد يطرح السؤال بشأن سبب السير إلى المعركة.
 
مستقبل حزين
 
ذكرت صحيفة "ذا ماركر" أن "عيد الاستقلال السادس والسبعين هو العيد الأشد حزناً وكآبة وقسوة منذ قيام إسرائيل، بحيث يتساءل الإسرائيليون عما إذا كانت إسرائيل ستنجح في الخروج من هذه الأزمة، وتحتفل بمئويتها". وقدمت الصحيفة الجواب بنفسها، مستعينة بما حسمه الخبيران يوجين كندل ورون تسور، اللذان أعدا وثيقةً تهدف إلى رسم الخطوط العريضة لرؤية جديدة لـ"إسرائيل"، ومفاد الجواب: "لا، وفق المسلك الحالي، لن تتمكن إسرائيل من الاحتفال بمئويتها".
وأشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة خلصت إلى أن "إسرائيل" ينتظرها "مستقبل حزين"، إذ ثمة "احتمال كبير ألا تبقى إسرائيل كدولة يهودية سيادية في العقود المقبلة"، بحيث اتضحت صورة فشل مطلق في منظومات نظام الحكم والإدارة والتشغيل، مع التعديلات القضائية و"طوفان الأقصى" وما تبعه، بحسب الكاتبين. وهذا الفشل "ليس إخفاقاً موضعيا، أو مقتصرا على مدماك واحد في المؤسسة الحكومية في إسرائيل، بل إنه يمثّل انهياراً في أداء المنظومة كلها"، وفقاً لهما.
وأشار كندل وتسور إلى أن "انهيار أداء إسرائيل يدل على أنها تحت تهديد وجودي حقيقي. وإذا لم تحرك ساكناً، فإنها لن تبلغ مئويتها الأولى، ولاسيما أن لا احتمال لوقف الحرب الداخلية في إطار النظام السياسي المتّبع فيها اليوم".
وبحسب ما تابعا، فإن الخطوط العريضة لعملية التفكك التي تمر فيها "إسرائيل"، تبرز في انقسامها إلى معسكرات متباينة، كل منها يتمسك بمفاهيم ومواقف معينة، وتتقاتل فيما بينها، ليفرض أحدها قيمه ومفهومه على الكيان كله. في حين أن الفجوات بين المعسكرات "أكبر من أن يكون من الممكن جسرها". وعليه، يتوقع الكاتبان أن يتجدد الصراع الداخلي الممزق بكامل قوته مع انتهاء الحرب، بحيث يُمكن أن "يؤدي كل هذا إلى عملية انحلال للمجتمع في إسرائيل، الأمر الذي سيقود حتماً إلى عملية هجرة جماعية للدولة".
ورسم الخبيران الإسرائيليان، كندل وتسور، في وثيقتهما، الخطوط العريضة للتحديات الوجودية الثلاثة لـ"إسرائيل":
أولا، التحدي الاقتصادي: وجود 3 مجموعات من المستوطنين، تمول نفسها على حساب الآخرين.
ثانياً، تحدي تصادم القيم: تحدث الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفن ريفلين، للمرة الأولى عن مصطلح "القبائل الأربع"، ودعا إلى التوصل إلى رؤية اجتماعية جديدة تتفق عليها جميع القبائل. لكن، بحسب كندل وتسور، لا يوجد فرصة في التوصل إلى رؤية اجتماعية مجمَع عليها من جانب هذه القبائل. ويضيف الكاتبان أنه، في المدى البعيد، لا توجد فرصة للديمقراطية الليبرالية في "إسرائيل"، لأن الديمغرافيا الحريدية ستحسم في اتجاه دولة قومية - توراتية، أيديولوجياً واقتصادياً، بحيث تضطر المجموعة المنتجة، التي تؤمن بالقيم الليبرالية، إلى أن تقوم بهجرة جماعية. وبعد ذلك، ستنحدر "إسرائيل"، اجتماعياً واقتصادياً، وحتى أمنياً، وفقاً لكندل وتسور.
ثالثاً، لامبالاة "الشعب" والسياسيين حيال التفكك شبه المؤكد لـ"إسرائيل": يشدد كندل وتسور على أن هدفهما حالياً يتمثل باستنهاض الناخب الإسرائيلي، كي يفهم أنه ينبغي له أن ينشغل بقضايا جوهرية، مثل كيفية الحيلولة دون تفكك "إسرائيل"، على خلفية الشرخ الداخلي العميق، بدلا من الانشغال مجدداً بقضايا "اليسار واليمين، والعلمانيين والمتدينين...".
 
البحث عن كبش فداء
 
عندما يخسر شخص أو قوة أو دولة معركة يتسابق الكثيرون في البحث عن كبش فداء لإنقاذ أنفسهم.
السبت 18 من شهرمايو 2024 أمهل الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية، بيني غانتس، مجلس الحرب حتى الثامن من يونيو 2024، للإعلان عما أسماها "استراتيجية وطنية واضحة إزاء الحرب في قطاع غزة والتوتر في الجبهة الشمالية".
وطالب غانتس، في مؤتمر صحفي، حكومة الحرب بالموافقة على خطة من 6 نقاط للصراع في غزة بحلول 8 يونيو.
وهدد غانتس أنه في حالة عدم تلبية توقعاته، فسوف يسحب حزبه المنتمي لتيار الوسط من حكومة الطوارئ التي يرأسها، بنيامين نتنياهو.
وقال غانتس "جيشنا يخوض حربا وجودية منذ 7 أكتوبر"، مؤكدا أن "الانتصار في غزة لم يتحقق حتى الآن".
وأضاف غانتس "علينا العمل على إعادة مواطنينا إلى الشمال بحلول سبتمبر المقبل".
ووجه رسالة إلى نتنياهو، قائلا إن القرار بيده. واتهم غانتس قسماً من الساسة بالافتقار للمسؤولية والاهتمام بمصالحهم الشخصية.
وأضاف غانتس أن "سفينة إسرائيل تتجه نحو الصخور بسبب اعتبارات شخصية سيطرت على دفة قيادة البلاد".
كما طالب غانتس بقانون تجنيد أفضل لليهود الأصوليين الحريديم يتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة.
 
من الشمال إلى الجنوب..
 
تشتكي تل أبيب من أنها في حربها على غزة تصارع على جبهات متعددة لعل أخطرها في اليوم 228 للمواجهة هي مع حزب الله اللبناني. 
نشر موقع "مكور ريشون" الإسرائيلي يوم 17 مايو 2024 مقالا ليسرائيل شماي، يتحدث فيه عن أهداف حزب الله في الأراضي الفلسطينية، وعن المعركة الحالية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي التي وصفها بـ"حرب الاستنزاف". 
محطات الطاقة، والمراكز النووية، والكهرياه، ومطار بن غوريون، والبورصة.. كل هذه المواقع تم تحديدها في الماضي من قبل حزب الله كأهداف للهجوم، وأيضاً إنجازات له في المعركة الحالية.
يوم الجمعة 16 مايو، أصابت مسيرة حزب الله موقعاً نصب فيه أكبر منطاد رصد لدى "الجيش" الإسرائيلي "طال شمايم" في مفترق غولاني، وذلك بعدما أطلق الحزب يوم الثلاثاء عشرات القذائف الصاروخية على الجليل الغربي، وأصاب المنطاد الذي سقط داخل الأراضي اللبنانية.
في "الجيش"، ادعوا أن لا خشية من تسريب معلومات من المنطاد الذي ضبط، لكن عادة ما تحمل مناطيد الرصد شحنة هادفة تتضمن وسائل مثل الرادارات والكاميرات والهوائي وغير ذلك مما يمكن لحزب الله التوصل من خلاله إلى معطيات مختلفة.
القتال المتواصل على الحدود الشمالية منذ الثامن من أكتوبر بمنزلة حرب استنزاف، فخلال شهر أبريل، كشف الصحافي يوسي يهوشع عبر "يديعوت أحرونوت" أن حزب الله أطلق منذ بدء المعركة ما يقارب 3100 قذيفة صاروخية وقذيفة هاون، إضافة إلى مئات الصواريخ المضادة للدروع والقذائف الثقيلة والمسيرات نحو "إسرائيل". وكذلك، سجلت عشرات حالات إطلاق النار ومحاولات التسلل.
ووفقاً لمعطيات مشروع "ACLED" الذي يعرض خريطة مواجهات عسكرية في العالم وينشر معطيات بشأنها، حتى نهاية أبريل سجل 992 هجوماً من جانب حزب الله. هذه الأرقام ارتفعت قليلاً بالطبع حتى اليوم.
وفي أعقاب استمرار المعركة في الشمال والهجوم الذي استهدف المنطاد، فحصنا أهداف حزب الله عموماً، وأهدافه في إطار المعركة الحالية بشكل خاص.
في العام 2019، عرض أمين عام حزب الله حسن نصر الله خريطة تحمل بنك أهداف الحزب في "إسرائيل" خلال مقابلة شاملة بثتها قناة "المنار" الإعلامية.
قال نصر الله في حينها: "نحن قادرون على ضرب الشمال الإسرائيلي من أي نقطة في لبنان، وكما نريد"، مضيفا: "لدى حزب الله كل المعلومات المطلوبة لكل الأهداف الموجودة هناك، بما فيها التكنولوجية، والبنى التحتية، والعسكرية.. كل شيء. لكن الأهم هو منطقة الساحل الإسرائيلي، الجزء الأصغر جغرافياً على خريطة العدو. بدءاً من شمال نتانيا وحتى جنوب أسدود، يدور الحديث عن جزء يمتد لنحو 70 كلم. وهناك أماكن يبلغ عرضها، حتى الضفة، 14 إلى 20 كلم. في هذا المربع، يوجد نحو 1200 متر مربع، مساحة صغيرة ليست ميدان معركة كبيراً. في داخله، توجد كل المراكز الرئيسية: "قيادة الجيش، ووزارات الحكومة، والمطارات الداخلية، ومطار بن غوريون، وقواعد عسكرية تحتوي سلاحاً غير تقليدي، ومراكز نووية، ومرفآن، وبورصة إسرائيل، ومراكز تجارية، ومحطات طاقة، ومحطات ضخ غاز، ومعامل نفط".
وأضاف نصر الله: "لسنا بحاجة لاستهداف الجنود، فبدلا من تضييع الصواريخ على الشمال نحن سوف نذهب إلى هذه المنطقة". وتساءل: "هل العدو سوف يتحمل ذلك؟ نحن من سنعيد إسرائيل إلى العصر الحجري. إسرائيل حاولت التخلص من حاويات الأمونيا في حيفا ولم تنجح. بالمحصلة هناك حاجة لصاروخ واحد أو اثنين على هذه الحاويات". وفي إطار المقابلة ذاتها، ذكر أمين عام حزب الله أيضا استهداف "أهداف حساسة في الجنوب" كأحد أهداف الحزب.
حتى الآن، النقطة الأكثر جنوبية التي هاجمها حزب الله كانت في 14 أبريل، ليلة الهجوم الإيراني. حينها، تم اعتراض عدة قذائف صاروخية في منطقة الخضيرة. إذاً، في هذه المرحلة، نصر الله لا يحاول أبدا ضرب الأهداف العسكرية الرئيسية التي حددها في منطقة وسط إسرائيل، لكن بالنسبة إلى الأهداف في الشمال، فإنّ الرواية مختلفة.
في بداية المعركة، سمعت وسط الجمهور الإسرائيلي أصوات قللت من قيمة عمليات حزب الله في الشمال، واعتقدوا أنها تهدف بشكل أساسي إلى تنفيذ إشارة، أو على الأكثر تهدف إلى الردع، لكن جهة أمنية قالت لنا إن حزب الله نجح في ضرب بنى تحتية إستخبارية إسرائيلية بشكل قاسٍ منذ المراحل الأولى للمعركة. وإضافة إلى ذلك، كشف "الجيش" الإسرائيلي عن قدرات مختلفة لدى حزب الله.
ويبدو أنّ هدف حزب الله مناسب لهذه المرحلة، فهو يستهدف أهدافاً استخبارية وبنى تحتية عسكرية مختلفة، وعمليات لا تشجع تصعيدا بحجم هجوم على تجمعات سكانية مدنية. وبهذا الأسلوب، هم يحققون توجيه ضربة إلى قوة "الجيش" الإسرائيلي من جهة، الأمر الذي سوف يخدمهم في الحرب المقبلة التي ربما أصبحت على وشك أن تندلع. ومن جهة ثانية، يتجنبون حرباً شاملة، الأمر الذي يخدم نصر الله.
خلال المعركة الحالية، نشر حزب الله لائحة أهداف ضربها منذ 8 أكتوبر، وخصوصاً في المستوطنات، في قواعد مواقع عسكرية موجودة قرب الحدود، مثل أفيفيم وبيرنيت وزرعيت وجبل ميرون وياعر رمبم وليمون والمالكية والمنارة ومرغليوت وعرب العرامشة وشوميرا وشتولا وغيرها. إضافة إلى ذلك، هاجم حزب الله مرات معدودة أيضاً في مناطق حيفا وطبريا والعفولة وكفار تابور، وكما ذُكر سابقاً، أيضاً في الخضيرة.
المستقبل سوف يثبت ما إذا كانت حرب الاستنزاف في الشمال سوف تتطور لتصبح حرباً شاملة، بما في ذلك محاولة ضرب الأهداف التي حددها نصر الله في العام 2019 كالأهداف الرئيسية في بنك أهداف الحزب.
 
أسلحة جديدة
 
جاء في تقرير لوكالة فرانس برس نشر يوم 18 مايو 224:
منذ سبعة أشهر، يخوض حزب الله وإسرائيل حرب "استنزاف" يومية يعلن حزب الله اللبناني بين الحين والآخر عن أسلحة جديدة في نزاعه مع إسرائيل، كان آخرها الخميس 15 مايو.
أعلن حزب الله، تنفيذ عملية "بمسيّرة هجومية مسلحة" مزودة بصاروخين من طراز "أس-5" على موقع عسكري في المطلة في إسرائيل، قبل أن تنفجر. ونشر مقطع فيديو يوثق تحليق المسيّرة باتجاه الموقع حيث تتواجد دبابات، ولحظة إطلاقها الصاروخين ثم انفجارها.
وهي المرة الأولى التي يعلن فيها الحزب استخدام سلاح مماثل منذ بدء تبادل القصف مع اسرائيل غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر بين إسرائيل وحركة حماس. وقال الجيش الإسرائيلي إن ثلاثة جنود أصيبوا، الخميس، جراء انفجار المسيرة.
وذكرت تقارير وزعها إعلام حزب الله أن وزن الرأس الحربي للمسيرة يتراوح بين 25 و30 كلغ من المواد شديدة الانفجار.
ويقول المحلل العسكري العميد المتقاعد، خليل حلو، لوكالة فرانس برس إن أهمية هذه المسيرة هي في قدرتها على شن هجمات من داخل الأراضي الاسرائيلية، لافتا إلى أن الحزب يستفيد من قدرته على إرسال "مسيرات يتم التحكم بها بسهولة وتحلّق ببطء على علو منخفض من دون أن تلتقطها الرادارات".
وكان الحزب قد أعلن، الأربعاء 15 مايو، تنفيذ هجوم "بعدد من الطائرات المسيّرة الانقضاضية" على قاعدة إيلانية غرب مدينة طبريا على بعد أكثر من 30 كلم من الحدود مع لبنان، في هجوم يقول محللون إنه الأكثر عمقا داخل الأراضي الإسرائيلية منذ بدء تبادل القصف.
عمر نجيب
[email protected]