معركة غزة وصراع القوى الكبرى حول النظام العالمي ..... الانتقال من عصر قيادة الحضارة الأوروبية إلى عصر جديد

أربعاء, 2023-12-27 00:04

تقترب الحرب بين إسرائيل والقوى الفلسطينية في قطاع غزة من استكمال شهرها الثالث وذلك في ظل مؤشرات ومعطيات متفاوتة حول مدى استمرارها الزمني والشكل الختامي الذي ستتوقف عنده لمدة طويلة أو محدودة. تضارب وتفاوت بعض المعطيات التي يمكن على أساسها محاولة رسم صورة توقعات لما هو قادم يشكل عكسا للتطورات العسكرية على ساحة المواجهة والتأثيرات المترتبة عليها سياسيا واقتصاديا محليا وإقليميا وعالميا.

يسجل أنه في المواجهة التي انطلقت يوم 7 أكتوبر 2023 بين حركة حماس وحلفائها وإسرائيل ومن يدعمها من الغربيين، حدد الطرف الأكبر قوة عسكريا وماديا أهدافا محددة مع تصورات وتقديرات بشأن المدة الزمنية لتحقيقها والتحديات التي يمكن أن تقابله. وعلى مدى استمرار المواجهة العسكرية سجلت تحولات أو تراجعات في انتظارات وتقديرات كل من تل أبيب وواشنطن.

عدد من المحللين والمؤرخين والخبراء من العسكريين والاقتصاديين في تعاملهم مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وضعوا مقارنة بين حدة وشراسة المواجهة في غزة وما واجهته القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة في صراعاتها مع قوى أضعف ماديا وعسكريا وبشريا وهي تقاتل من أجل الاستقلال والحرية في مختلف أرجاء الكرة الأرضية، وكيف كانت الغلبة في النهاية وبعد تضحيات جسام للأضعف عسكريا. 

 

رغم قوتها التدميرية..

 

جاء في تقرير|نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية يوم 22 ديسمبر 2023 كتبه الخبير بول روجرز:

خلافا لرواية الحرب على قطاع غزة، التي يروج لها الجيش الإسرائيلي، فإن إسرائيل تخسر الحرب ضد حركة "حماس"، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته لن يعترفوا بذلك أبدا.

وحتى مساء السبت 23 ديسمبر، قتلت إسرائيل في غزة 20 ألفا و285 فلسطينيا وأصابت 53 ألفا و320 بجراح، بالإضافة إلى تدمير هائل في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

وذكر روجرز إن الصعوبات التي واجهها الصحفيون في التغطية من غزة ساعدت في رواج رواية إسرائيل عن إضعاف "حماس"، لكن ذلك تغير عندما تظهر صورة مختلفة.

وتابع: "أولا، كان هناك نقص في الأدلة التي تدعم ادعاء الجيش الإسرائيلي بوجود مقر لحماس تحت مستشفى الشفاء، ثم لم يتمكن الجيش من تحديد موقع الأسرى الإسرائيليين (في غزة)، رغم امتلاكه لبعض من أكثر المعلومات والأجهزة الاستخبارية تقدما في العالم".

واستطرد: "وفي 12 ديسمبر، نصبت حماس كمينا ثلاثيا ماهرا في جزء من غزة يفترض أنه يخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية، إذ تعرضت وحدة من الجيش الإسرائيلي لكمين أدى إلى سقوط ضحايا، وتم إرسال قوات إضافية لمساعدة هذه الوحدة، فتعرضت لكمين، وكذلك تعزيزات أخرى".

إن "قدرة حماس على شن مثل هذه العملية في أي مكان بغزة، ناهيك عن منطقة يقال إنها تخضع لسيطرة إسرائيلية، من شأنها أن تثير الشكوك حول فكرة أن إسرائيل تحرز تقدما كبيرا في الحرب".

وتابع: "وهناك مؤشرات أخرى أوسع على مشاكل الجيش الإسرائيلي، إذ أظهرت الأرقام الرسمية للضحايا مقتل أكثر من 470 عسكريا في غزة وإسرائيل والضفة الغربية المحتلة وإصابة نحو 1900 آخرين".

واستدرك: "لكن مصادر أخرى تفيد بأعداد أكبر بكثير من الجرحى، فقبل عشرة أيام، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" معلومات حصلت عليها من قسم إعادة التأهيل بوزارة الدفاع. ونقل عن رئيس القسم ليمور لوريا قوله إن أكثر من ألفي جندي تم تسجيلهم كمعاقين منذ بدء الحرب".

فيما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن "عدد جنود الجيش والشرطة وقوات الأمن الأخرى المصابين بلغ 6 آلاف و125، بالإضافة إلى مقتل 20 عسكريا بنيران صديقة أو حوادث أثناء القتال".

ويصر نتنياهو على مواصلة الحرب، على أمل الاستمرار في منصبه بعدها، عبر إعادة الأسرى الإسرائيليين، وإنهاء حكم "حماس" لغزة منذ صيف 2007، والقضاء على القدرات العسكرية للحركة التي تؤكد أنها تقاوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عقود.

وقال روجرز إن "قادة الجيش الإسرائيلي يتعرضون لضغوط هائلة لتحقيق النجاح. وهؤلاء القادة سيدركون الآن أنه على الرغم من كل خطابات نتنياهو، فإن حماس، أو على الأقل أفكارها، لا يمكن هزيمتها بالقوة العسكرية".

 

هجرة معاكسة

 

نشرت صحيفة "ذا كريدل" الأمريكية مقالا يوم 14 ديسمبر تحت عنوان "الهزيمة الديموغرافية" جاء فيه:

ما زالت الحرب الإسرائيلية على غزة، والمستمرة منذ 7 أكتوبر، تبرهن يوميا على هشاشة الداخل الإسرائيلي والشروخ المجتمعية الضاربة فيه. فمنذ اندلاع المواجهات، غادر نحو 470 ألف إسرائيلي إسرائيل، ومن غير المعلوم ما إذا كانوا يعتزمون العودة بعد انتهاء الحرب أم لا.

وتشير البيانات أيضا إلى انخفاض كبير، حوالي 70 في المئة، في عدد اليهود المهاجرين إلى إسرائيل.

وفي نوفمبر، وصل 2000 مهاجر يهودي إلى إسرائيل مقارنة بـ 4500 مهاجر شهريا منذ بداية العام.

اعتادت إسرائيل على استقبال هجرات يهودية سنويا، إلا أن ظاهرة الهجرة العكسية تلك باتت تؤرق الدولة ذات التعداد السكاني المحدود. ودعت الحكومة الإسرائيلية عبر مجلس الأمن القومي المواطنين الإسرائيليين إلى إعادة النظر بالسفر إلى خارج البلاد.

ودشن مجموعة من الإسرائيليين حملة بعنوان "فلنغادر البلاد معا". يدعون من خلالها لمغادرة إسرائيل، ويتعاونون على تسهيل الأمر على كل من يريد مغادرة إسرائيل. ويتضاعف عدد المشاركين في الحملة، إذ وصل إلى عدة آلاف خلال فترة قصيرة.

 

حرب غزة تهدد إسرائيل

 

جاء في تقرير نشر يوم الجمعة 22 ديسمبر في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني:

"نتنياهو أراد تدمير حماس، لكن هذه الحرب يمكن أن تؤدي إلى انهيار إسرائيل"، بهذه الجملة لخص الكاتب البريطاني البارز ديفيد هيرست رؤيته لتداعيات الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.

ويرى هيرست، أن حرب غزة كانت "بمثابة خطأ كبير في الحسابات بالنسبة لإسرائيل"، و"فضلا عن كونها كارثة أخلاقية وعسكرية، فإنها تؤجج المقاومة وتشعل جمر الغضب في جميع أنحاء العالم العربي".

ويضيف: "لقد منحت حرب إسرائيل الحالية المقاومة شعبية ومكانة في العالم العربي لم يسمع بها أحد منذ عقود عديدة، وحتى الانتفاضة الأولى والثانية لم تحققا نفس النجاح الذي حققته حماس في غزة خلال الشهرين الماضيين".

ويردف الكاتب: "لقد أشعلت غزة من جديد جذوة الغضب العربي بسبب ما فعله بها المهاجرون اليهود".

وقد فعلت إسرائيل في غزة خلال شهرين أكثر مما فعلته في لبنان خلال الثمانينيات من القرن الماضي، في أربعة أشهر، من حيث عدد الضحايا وكمية الدمار، لدرجة أن محللين عسكريين يقارنون ما فعله الإسرائيليون بغزة بما حدث على أيدي الحلفاء في الحرب العالمية ضد مدن هامبورج وكولونيا ودريسدن، والتي تم تدميرها بشكل مروع، يقول هيرست.

ويتابع: "على عكس حصار بيروت أو مجازر عام 1982 في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين، فإن القصف الليلي على غزة يتم بثه مباشرة على قنوات التلفزة، وبات ملايين العرب لا يستطيعون الابتعاد عن مشاهد الرعب اليومية عبر الشاشات من غزة".

ويقول الكاتب إن الدمار الذي لحق بغزة يرسي الأساس لخمسين سنة أخرى من الحرب، ولن تنسى أجيال من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أبدا الهمجية التي تقوم بها إسرائيل وهي تفكك القطاع اليوم.

ويمضي بالقول: "إن غزة، وهي في حد ذاتها مخيم كبير للاجئين، أصبحت أرضا مقدسة".

وينقل هيرست عن آرون ديفيد ميلر، وهو محلل أمريكي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، أنه في حين يرى جيش الاحتلال الإسرائيلي النصر من خلال منظور "القوة الصلبة" – أي أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين قتلوا ودمر المزيد، كلما زاد اعتقاده بأنه فاز - فإن حماس تنظر إلى النصر من خلال منظور "القوة الناعمة"، أي أنها كلما اكتسبت المزيد من القلوب والعقول، كلما كان النصر أعظم.

 

غزة في مكانة جديدة

 

ويقول الكاتب إن الحرب الحالية وضعت غزة في مكانة جديدة.

ويضيف أنه لمدة 17 عاما، ظلت غزة منسية أو متجاهلة من قبل بقية العالم باستثناء حروب الأعوام 2009 و2012 و2014 و2021، حيث بذلت أمريكا والقوى الأوروبية الكبرى قصارى جهدها لتعزيز الحصار الذي فرضته إسرائيل.

ويؤكد هيرست أنه إذا كانت السياسة التي تنتهجها إسرائيل طيلة سبعة عشر عاماً تتلخص في مبدأ "قسم تسد" من خلال فصل غزة عن الضفة الغربية وإزالة كل احتمالات المشاركة في حكومة وحدة وطنية، فإن غزة والضفة الغربية سوف يتوحدان من جديد على نحو لم يسبق له ويشير الكاتب إلى أن حرب غزة أفشلت فلسفة مهمة كانت أمريكا تسوقها ضمن اتفاقيات التطبيع بين دول خليجية وعربية وإسرائيل، والتي عرفت بـ"اتفاقيات أبراهام"، وهي فصل الفلسطينيين عن تلك الاتفاقية.

ويقول هيرست إنه لم يعد أمام نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف سوى طريق واحد للمضي قدما - وهو المضي في الحرب، وهم لا يمكنهم التراجع. ومن أجل بقائه السياسي والقانوني، يتعين على نتنياهو مواصلة الحرب.وكذلك الأمر بالنسبة للصهيونية الدينية القومية.

ويضيف: يعلم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أنهما سيخسران فرصة العمر لتغيير التوازن الديموغرافي لليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية إذا أجبر الرئيس الأمريكي جو بايدن نتنياهو على إنهاء الحرب.

وربما تنتهي الحرب تحت ضغط الولايات المتحدة، وتستمر كنزاع يتسم بضربات يشنها الجيش الإسرائيلي ضد قيادة "حماس" وحرب عصابات طويلة الأمد ينفذها مقاتلون يعملون في وحدات صغيرة.

لكن هذا لا يعني قيام إسرائيل بالاستيلاء على معبر رفح وإغلاق الأنفاق لمنع حماس من إعادة التزود بالأسلحة المهربة عبر الحدود فحسب، بل يعني أيضاً قيام إسرائيل بتوفير الإدارة المدنية لشمال غزة الذي دمرته بالكامل، يقول الكاتب.

 

توسع الحرب في الإقليم

 

ويقول الكاتب إنه من الممكن أن تكون نتيجة هذه الحرب حالة مستمرة من الصراع، الأمر الذي سيحرم إسرائيل من الادعاء بأنها أصبحت دولة عادية على النمط الغربي. 

ويضيف: في ظل هذه الظروف، فإن توسع الحرب سيكون خطرا موجودا دائما، كما تظهر هجمات الحوثيين في اليمن على السفن الغربية التي تمر عبر البحر الأحمر.

ويختتم هيرست مقاله بالقول: "ميتوت حماس (انهيار حماس) هو الشعار باللغة العبرية وهو هدف حكومة الحرب الإسرائيلية، وبعد شهرين من هذا التدمير، يمكنهم أيضا تعديل هذا ليصبح ميتوت إسرائيل، لأن هذا هو التأثير الذي قد تحدثه هذه الحرب".

يذكر أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، كان قد قال خلال كلمة ألقاها في منتدى ريغان للدفاع الوطني الذي انعقد بداية شهر ديسمبر 2023 في كاليفورنيا، إن إسرائيل قد تواجه هزيمة استراتيجية في قطاع غزة. مضيفا: "في هذا النوع من القتال، يكون السكان المدنيون هم مركز الثقل. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فسوف تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية".

 

دروس التاريخ

 

جاء في تقرير نشره يوم الاربعاء 20 ديسمبر 2023 موقع ريسبونسبل ستيتكرافت الامريكي: 

يثبت التاريخ، عبر حروب احتلال عديدة، ولاسيما التجربة الأمريكية في فيتنام وأفغانستان والإسرائيلية في لبنان، أنه لا يمكن لإسرائيل أن تنتصر في حرب احتلال قطاع غزة.

التحليل أكد إن "حماس ليس لديها جيش، بل جناح عسكري (كتائب القسام) جيد التنظيم والتمويل، ويتألف من مقاتلين فدائيين".

وشدد على أن "الجيش الإسرائيلي لا يخوض حربا لمكافحة تمرد في غزة، بل حرب احتلال، فقد غادر الإسرائيليون غزة عام 2005 (بعد احتلالها في عام 1967)، والآن عادوا كمحتلين".

ومقارنا بين حرب مكافحة التمرد وحرب الاحتلال، قال محرر التقرير مارشال بو إنه "في حرب الاحتلال (كما في غزة)، يوجد مقاتلون ومدنيون معادون للاحتلال. وهؤلاء المدنيون هم الفارق الحاسم، فمهما كانت ميولهم السياسية، فإنهم يرفضون قوات الاحتلال".

وتابع: "قد لا يكون المدنيون مقاتلين نشطين، ولكن من المرجح، على أسس قومية، أن يقدموا المساعدة للمقاتلين"، بينما في "حروب مكافحة التمرد" لا يتمتع المقاومون بأي دعم من المدنيين.

و"من هذا المنطلق، فإن حروب الاحتلال، التي تطلق عليها قوى الاحتلال في أحيان كثيرة "حروب مكافحة التمرد"، كانت شائعة ومميتة في العصر الحديث، كما حدث مع البريطانيين في ماليزيا، والأمريكيين في فيتنام، والفرنسيين في فيتنام والجزائر، والسوفييت في أفغانستان، والأمريكيين في العراق وأفغانستان"، كما أكد بو.

وأردف: "في هذه الحالات، كان من الصعب تحديد هوية المقاتلين، ولكن، وهو أمر مهم للغاية، كان الكثير من السكان معاديين لقوات الاحتلال، ما جعل العمليات العسكرية أكثر صعوبة".

بو مضى قائلا إن "حرب فيتنام توضح بشكل أفضل مدى صعوبة خوض حرب احتلال، ناهيك عن الفوز فيها، على الرغم من كل ما فعلته الولايات المتحدة".

وأوضح أن واشنطن "أرسلت 2.6 مليون عسكري إلى فيتنام الجنوبية على مدار الحرب، وفي ذروة العمليات، كان يوجد أكثر من نصف مليون، واحتلت جزءا كبيرا من فيتنام الجنوبية".

وزاد بأن "أحد الأماكن التي احتلتها كانت مقاطعة كوانغ نغاي على الساحل الشمالي الشرقي لفيتنام الجنوبية، ومن الواضح أن هذا هو المكان الذي وقعت فيه مذبحة ماي لاي".

وتابع أن "القوات البرية الأمريكية في كوانغ نغاي طاردت واشتبكت مع مقاتلي "الفيتكونغ" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام)، لكن الأمريكيين واجهوا سكانا معاديين بشدة لهم، فقنصوا الأمريكيين وزرعوا الفخاخ المتفجرة والألغام، وساعدوا "الفيتكونغ"، ضمن أعمال المقاومة المناهضة لأمريكا".

 

متاهة مميتة

 

و"في غزة، يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في وضع مماثل لما واجهه الجيش الأمريكي في مقاطعة كوانغ نغاي، فالإسرائيليين يخضوون حرب احتلال لغزة"، بحسب بو.

وأوضح أن "حماس ترفض وجود القوات الإسرائيلية في غزة، وكذلك معظم السكان يكرهون الجيش الإسرائيلي ولا يريدونه في القطاع".

ولفت إلى أن نتائج استطلاع للرأي أجراه مؤخرا المركز الفلسطيني لمسح السياسات والأبحاث أظهرت أن 57 في المئة من سكان غزة يرون أن "حماس" كانت "على حق" في مهاجمة إسرائيل يوم 7 أكتوبر، وقال 97 في المئة إن الإسرائيليين يرتكبون "جرائم حرب" في غزة.

بو ذكر إن "وجود سكان معاديين بشكل موحد تقريبا يجعل العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي صعبة للغاية، إذ ينظر الجيش إلى جميع سكان غزة (2.4 مليون فلسطيني) على أنهم يشكلون تهديدا".

وتابع وفي العصر الحديث، لم تنته حروب الاحتلال بشكل جيد لقوات الاحتلال، و"يدرك الجيش الإسرائيلي هذه الحقيقة جيدا، إذ خاض حرب احتلال في جنوب لبنان وخسرها بشكل متقطع بين عامي 1982 و2000، ويتعين علينا أن نرى (في غزة) ما إذا كان الإسرائيليون قد تعلموا حقا هذا الدرس.

 

بناء نظام متعدد الأقطاب

 

حرر الكاتبان بات تشين ودرويان فيلدمان في معهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي (INSS)" تقريرا نشر يوم الثلاثاء 19 ديسمبر 2023 بينا فيه أن حرب إسرائيل ضد غزة تدخل في إطار أوسع عالميا:

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، يوم 7 أكتوبر، اتخذت روسيا موقفا مؤيدا لحركة "حماس"، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربط بين مصير روسيا ومصير الشعب الفلسطيني، إذ يؤمن بدور للعالم الإسلامي في الانتقال من نظام عالمي أحادي القطب، تقوده الولايات المتحدة حليفة إسرائيل، إلى نظام متعدد الأقطاب.

واستند بات تشين ودرويان فيلدمان، إلى تحليل خطاب بوتين وآراء خبراء مقربين من الكرملين.

وقال بات وفيلدمان إنه "وفقا لتوجه بوتين، فإن إسرائيل تنتمي إلى الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، وهي بالتالي جزء من القطب المعادي لروسيا. ويكشف الخطاب بين الأكاديميين وأصحاب الرأي وخبراء السياسة الخارجية الروس عن إجماع في وجهات نظرهم بشأن هذا التصور".

وتابعا: "لذلك، وعلى خلفية التوترات المتزايدة بين روسيا والولايات المتحدة، يجب على إسرائيل أن تفهم المعتقدات التي تشكل السياسة الروسية".

وأضافا أنه "يتعين على إسرائيل أيضا أن تدرك الدور الحاسم الذي تسنده روسيا إلى العالم الإسلامي في النظام العالمي الجديد الذي تسعى إلى تأسيسه".

 

هيمنة أمريكية 

 

إن "الروايات التي يقدمها بوتين بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس، تزعم أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، هو المسؤول عن هذا الصراع وعن صراعات إقليمية أخرى"، بحسب بات وفيلدمان.

وزادا بأن "بوتين يحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن الحرب، فضلا عن فشل العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، بمجرد أن استحوذت واشنطن على دور الوسيط الوحيد وعملت على تهميش اللجنة الرباعية (الدولية للسلام وتتألف من الولايات المتحدة، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي وروسيا)".

وأردفا: "كما يتهم بوتين الولايات المتحدة بتأجيج نيران الحرب ومحاولة استخدام الفوضى اللاحقة لإضعاف منافسيها، وبينهم روسيا، لإحباط ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، ولضمان بقاء نظام القوة العظمى الواحدة الذي تقوده واشنطن".

و"يؤكد بوتين أن روسيا لا تقف مكتوفة الأيدي، وأنها أطلقت حملة تحرير وطني ضد "الهيمنة الأمريكية" في ساحات القتال في أوكرانيا، حيث سيتم كما يقول تحديد مصير روسيا، والعالم أجمع، بما فيه مصير الشعب الفلسطيني"، كما أضاف بات وفيلدمان.

 

العالم الإسلامي 

 

ووفقا للنظرة الروسية، بحسب بات وفيلدمان، "يعد العالم الإسلامي جزءا مهما من البنية المتعددة الأقطاب، وهو قطب سيكون ودودا تجاه روسيا. ومن هنا جاءت جهود موسكو لتعزيز علاقات أقوى مع الدول الإسلامية".

ولفتا إلى تصور ألكسندر دوغين، أحد أبرز المنظرين القوميين الروس، أن الحرب في غزة جزء من صراع أوسع بين روسيا والغرب، وبعد أن تهاجم الدول الغربية ووكيلها الإسرائيلي العالم الإسلامي، ستدرك الدول الإسلامية أن الصراع بين إسرائيل و"حماس" هو جزء من المعركة حول النظام العالمي الجديد، وستفهم حينها بشكل أفضل حرب روسيا في أوكرانيا.

ويعتقد دوغين أن روسيا والصين حليفتان للعالم الإسلامي في المعركة حول عالم متعدد الأقطاب، وسيكون لزاما على كل من هذه الأقطاب أن يثبت حقه في الوجود عبر الصراع: روسيا ضد أوكرانيا، والصين ضد تايوان، والعالم الإسلامي بإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وإذا لم يتمكن العالم الإسلامي من الالتقاء لتشكيل قطب موحد، فستتأخر عملية التحول إلى عالم متعدد الأقطاب.

وقدر بات وفيلدمان أنه "يتعين على إسرائيل أن تفهم مواقف روسيا التي تسعى إلى خرق النظام العالمي القائم، وأن تفسر تصرفاتها تجاه تل أبيب والحرب في غزة من هذا المنظور".

واعتبرا أن "الموقف المناهض لإسرائيل الذي اتخذته روسيا منذ 7 أكتوبر هو دليل على أن تل أبيب يجب أن تبدأ بالنظر إلى علاقات موسكو مع مختلف الدول والمنظمات في سياق العالم متعدد الأقطاب الذي تطمح روسيا إلى خلقه".

 

حرب أمريكية إسرائيلية

 

كتب جيريمي سكاهيل في موقع "ذا إنترسبت" (The Intercept) الأمريكي يوم 13 ديسمبر:

يتعين علينا أن ننهي التمثيلية القائلة إن الحرب الإسرائيليةالمتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، هي حربإسرائيلية ضد حركة "حماس"، وعلينا أن نسميها كما هي: "حربأمريكية إسرائيلية مشتركة ضد شعب غزة". 

سكاهيل أضاف، في المقال، أن "إدارة (الرئيس الأمريكي جو)،وبايدن شخصيا، لم تكن أبدا مراقبا خارجيا أو صديقا يشجعالاعتدال خلال حملة صليبية عادلة".

وشدد على أنه "لم يكن من الممكن أن تحدث هذه المذبحة لو كانبايدن يفضل حياة الفلسطينيين على روايات إسرائيل الكاذبةوحروب الإبادة العرقية القومية الدموية التي أُعيد تقديمها علىأنها دفاع عن النفس".

و"ينبغي لأحداث الأيام الأخيرة أن تزيل أي شك في أن الحربضد الفلسطينيين في غزة هي عملية مشتركة بين الولايات المتحدةوإسرائيل".

وأوضح أنه "بينما استخدمت إدارة بايدن حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاقالنار، كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن مشغولا بالتحايل علىمراجعة الكونغرس للموافقة على بيع طاريء لـ13 ألف قذيفة دبابةإلى إسرائيل".

وتابع أنه "لأسابيع، كان بلينكن يتجول في أنحاء الشرق الأوسطويظهر على عشرات شبكات التلفزيون في جولة علاقات عامةتهدف إلى ترويج فكرة مفادها أن البيت الأبيض يشعر بقلق عميقبشأن مصير سكان غزة".

وفي غزة يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني يعانون حتى من قبلهذه الحرب أوضاعا كارثية، جراء حصار إسرائيلي متواصلللقطاع منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام2006.

 

حربنا هي حربكم

 

و"على مدى الشهرين الماضيين، جادل (رئيس الوزراءالإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، بما في ذلك على القنوات الإخباريةالأمريكية، بأن "حربنا هي حربكم (الولايات المتحدة)"، وفقالسكاهيل.

وأردف: "كان نتنياهو يقول الحقيقة، فمنذ اللحظة التي تحدثفيها بايدن مع "صديقه العظيم" نتنياهو في 7 أكتوبر، زودتواشنطن إسرائيل بأسلحة إضافية ودعم استخباراتي وغطاءسياسي حاسم لحملة الأرض المحروقة لإبادة غزة".

في 7 أكتوبر، وردا على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي اليوميةبحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصىبمدينة القدس الشرقية المحتلة، شنت "حماس" هجوم "طوفانالأقصى" ضد مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في محيطغزة.

وقتلت "حماس" في هجومها نحو 1400 إسرائيلي وأصابتحوالي 5431 وأسرت قرابة 239 بادلت العشرات منهم، خلالهدنة إنسانية استمرت 7 أيام حتى 1 ديسمبر، مع الاحتلال الذييحتجز في سجونه 7800 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.

سكاهيل قال إن "الدعاية التي أطلقتها إدارة بايدن كانت أحيانامتطرفة للغاية، إذ ادعى بايدن زورا أنه رأى صورا لـ"إرهابيينيقطعون رؤوس الأطفال (الإسرائيليين)"، وشكك علنا في عددالقتلى من المدنيين الفلسطينيين".

وشدد على أنه "لا شيء من هذا يأتي من قبيل الصدفة، ولا يمكنأن يعزى إلى ميل بايدن إلى المبالغة أو الوقوع في الزلات.. كل مانعرفه عن تاريخ بايدن (السياسي) الممتد لخمسين عاما في دعموتسهيل أسوأ الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل، يؤديإلى نتيجة واحدة، هي أنه يريد أن تستمر إسرائيل في تدميرغزة، حتى بعد مقتل أكثر من 7 آلاف طفل".

 

فكرة ملتوية 

 

وبأي حال من الأحوال، بحسب سكاهيل، فإن هجوم "حماس" في7 أكتوبر لا يمكن أن يبرر، أخلاقيا أو قانونيا، ما فعلته إسرائيلبالسكان المدنيين في غزة، وهو "يتجاوز بكثير أي مبادئ أساسيةتتعلق بالتناسب أو الشرعية".

وأكد أنه "على الرغم من ذلك، يواصل بايدن وغيره من المسؤولينالأمريكيين الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه من خلال طرح فكرتهمالبالية والملتوية حول حق إسرائيل في "الدفاع عن النفس".

وتابع: "إذا طبقنا هذا المنطق، الذي روجت له كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، على 75 عاما من التاريخ (بداية الاحتلاللفلسطين) قبل 7 أكتوبر، فكم مرة خلال تلك الفترة كان من الممكنأن نبرر للفلسطينيين ذبح الآلاف من الأطفال الإسرائيليينوالهجوم على مستشفياتهم ومنشآتهم ومدارسهم (كما فعلتإسرائيل في غزة)؟".

و"كم مرة كانوا سيتصرفون دفاعا عن النفس عندما سوتإسرائيل أحياء بأكملها بالأرض وحولتها إلى أنقاض.. لكن هذاالتبرير لا يصلح إلا لإسرائيل، فالفلسطينيين لا يستطيعون فرضمثل هذا الدمار على إسرائيل وشعبها"، كما زاد سكاهيل.

وأضاف أنه ليس لدى فلسطين "جيش ولا بحرية ولا قوة جوية ولادول قوية (يقصد الولايات المتحدة) لتزويدها بأحدث المعداتالعسكرية وأكثرها فتكا، كما لا تملك مئات الأسلحة النووية. أماإسرائيل، فتستيطع أن تحرق غزة وشعبها وتسويها بالأرض، لأنالولايات المتحدة تسهل ذلك سياسيا وعسكريا".

الحصار البحري

 

أكدت مصادر أمريكية وإسرائيلية أن تل أبيب تواجه مشاكل اقتصادية كبيرة ليس بسبب الحرب وتكاليفها الضخمة فقط بل كذلك بسبب الحصار البحري الذي فرضه الحوثيون في اليمن على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وقد أصبح ميناء "أيلات" أم الرشراش مشلولا تماما.

يوم 20 ديسمبر نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا مطولا تحت عنوان "الحوثيون يرفضون التراجع وسط حرب غزة وهجمات البحر الأحمر"، تطرقت في تفاصيله إلى قدرات الجماعة وعملية "حارس الازدهار".

وتقول الصحيفة إن الحوثيين تعهدوا بعدم التوقف حتى ينتهي الحصار على غزة وأعلنوا تحديهم للتحالف الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة، مؤكدين أنه لا يمكنه ردع الهجمات.

وتضيف الصحيفة "عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها تقود فرقة عمل بحرية دولية لمواجهة الهجمات على السفن في البحر الأحمر، لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى رفض الحوثيون في اليمن ما تم إعلانه واعتبروه عملية خاسرة".

وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن بعض الجيوش الغربية أمضت بالفعل أسابيع في محاولة لردع الحوثيين دون جدوى لذلك أعلنت عن تحالف جديد هذا الأسبوع.

وذكرت في تقريرها أن المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام سخر من الإعلان وحذر من أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة اليمن مباشرة فقد تتحول الحرب في غزة إلى "كارثة عالمية".

وصرح عبد الله بن عامر، وهو مسؤول حوثي رفيع المستوى في وزارة الدفاع التابعة للحوثيين، لصحيفة "نيويورك تايمز": "الموقف اليمني واضح".

وأكد أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر سيتوقف عندما تتوقف الحرب الإسرائيلية على سكان غزة، مضيفا أن ما يحدث في باب المندب ليس سوى صدى أو نتيجة لما يحدث في غزة.

وصرح يوئيل جوزانسكي وهو مسؤول إسرائيلي سابق وباحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب "المشكلة مع الحوثيين هي أنه من الصعب للغاية ردعهم".

وتفيد الصحيفة بأن الحوثيين وعلى مدى عقود رسخوا أيديولوجيتهم على العداء تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية.

وتوضح "نيويورك تايمز" نقلا محللين يمنيين إن دوافع الجماعة وتاريخها يعقدان محاولات ردعهم وهو درس تم استخلاصة بعد ثماني سنوات من الحرب.

وتبين الصحيفة أن خطر نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقا يلوح في الأفق بسبب الجهود المبذولة للتصدي للهجمات البحرية، حيث قال مسؤولان أمريكيان إن المخططين العسكريين الأمريكيين أعدوا أهدافا أولية ضد الحوثيين في اليمن إذا أمر كبار مسؤولي إدارة بايدن بشن ضربات انتقامية على الرغم من أن مسؤولين عسكريين يقولون إن البيت الأبيض لم يظهر أي رغبة في الرد عسكريا على الحوثيين والمخاطرة بتصعيد أوسع.

وتذكر الصحيفة الأمريكية أنه يبدو أن التحالف الجديد يخضع لمعايير دقيقة لتجنب شن ضربات.

 

نهاية عصر سيطرة..

 

كتب الخبير السياسي الروسي ألكسندر نازاروف يوم 24 ديسمبر في موقع روسيا اليوم:

اليمنيون ينهون رسميا عصر سيطرة الحضارة الغربية ويبدأون قرونا وسطى جديدة.

وقال نازاروف: "بشكل عام، كتبت قبل أسبوع فقط أننا سنرى قريبا كيف ستهاجم الطائرات بدون طيار والقوارب المسيرة التابعة للأطراف المتحاربة السفن التجارية في أعماق المحيطات، وستتوقف التجارة البحرية بالشكل الذي اعتدنا عليه".

وأضاف: "لم أكن أتوقع أن يبدأ هذا قريبا، فالحادث الذي وقع مع الناقلة الهندية هو بالضبط ما حذرت منه، وسيزداد عدد مثل هذه الحوادث".

وأشار نازاروف إلى أن ناقلة النفط "Chem Pluto" التي تعرضت لهجوم بمسيرة، مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيدان عوفر، وكانت ترفع علم ليبيريا، وأن الحوثيين يتجاهلون الأعلام المرفوعة على السفن، ويعتبرون هيكل الملكية أولوية، فإذا كان المالك مرتبطا بإسرائيل، تصبح السفينة على الفور هدفا محتملا لهم.

وذكر الخبير الروسي إنه بالنسبة للناقلة الهندية، فمن الواضح أن الهجوم لم يكن ليحدث دون مشاركة طرف ثالث قدم معلومات استخباراتية ومراقبة عبر الأقمار الصناعية.

وتساءل: "هل تمتلك إيران مثل هذه القدرات في المحيطات؟ علىأي حال، يمكننا الآن أن نتوقع هجمات على السفن الإسرائيلية في أي مكان في العالم، وسيكون البحر الأبيض المتوسط هو التالي".

وفي وقت سابق أشار نازاروف إلى أن العالم يدخل تدريجيا عصر القرون الوسطى الجديدة، وهو انتقال من عصر قيادة الحضارة الأوروبية إلى عصر جديد لم تتضح معالمه بعد، مؤكدا أن اليمنيين في كل هذا ليسوا أكثر من أداة للتاريخ، لكنها أداة فعالة للغاية.

 

تحدي خطير

 

توقفت كبرى شركات الشحن العالمية عن نقل البضائع عبر قناة السويس حتى تصبح الملاحة في البحر الأحمر آمنة.

تم اتخاذ مثل هذا القرار من قبل كبرى شركات نقل الحاويات في العالم MSC (سويسرا/إيطاليا)، وكبرى شركات النقل البحري Maersk (الدنمارك)، وHapag-Lloyd (ألمانيا)، وCMA CGM(فرنسا)، وZIM (إسرائيل). كما أعلنت شركة تشغيل الحاويات OOCL المملوكة لشركة COSCO الصينية وقف رحلاتها إلى إسرائيل.

تم تشكيل تحالف من الولايات المتحدة ودماها لمحاربة الحوثيين. سيطول القتال على الأرجح، على الرغم من أنه لا يمكن استبعاد استئناف الشحن بعد فترة من الوقت، ولكن على الأرجح ليس لفترة طويلة، والسبب فيما يلي.

إن التجارة (التقسيم الدولي للعمل) هي محرك تطور الحضارة الإنسانية، وقد خلقت طرق التجارة دولا مرت بها، وعلى العكس من ذلك، أدى توقف التجارة إلى ضياع حضارات بأكملها في غياهب النسيان.

ولا يزال طريق الحرير العظيم، طريق التجارة بين آسيا وأوروبا، هو القلب الاقتصادي للإنسانية الحديثة. وخلال عصور الظلام، عندما عرقل القراصنة التجارة البحرية، انتقلت التجارة برا، ما أدى إلى إنشاء قوى برية غنية وقوية. وخلال الفترات التي ضمنت فيها أوروبا، ومن ثم بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، الأمن وسيطرتها على التجارة البحرية العالمية، أصبحت القوى البحرية، وشبه الجزيرة الأوروبية الصغيرة، ثم بقية الجزر مهيمنة، وضعفت القوى البرية.

وبغض النظر عن كيفية تطور الوضع حول اليمن والبحر الأحمر الآن، في السنوات المقبلة، فإن التنافس والقتال الرئيسي في العالم سيحدث في البحر. إن الصين والولايات المتحدة كبيرتان وبعيدتان عن بعضهما البعض، بحيث لا يمكنهما الحديث عن حرب برية. ستتخذ حرب الولايات المتحدة (وتحالف AUKUS) ضد الصين شكل حصار عسكري بحري بهدف التسبب في انهيار الاقتصاد وانهيار الصين من الداخل.

وسيتم شن هذه الحرب في جميع المحيطات، بما في ذلك ضد السفن التجارية، وستنخفض التجارة البحرية في جميع أنحاء العالم بشكل كبير أو بعشرات الأضعاف، إذا لم تتوقف تماما.

والواقع أن الانهيار الموازي لهرم الديون العالمية والتضخم المفرط في العملات الغربية الرئيسية لا بد أن يؤدي أيضا إلى توقف أو ما يقرب من توقف التجارة العالمية لبعض الوقت. إلا أن هذا ليس جوهر القضية الآن.

سيؤدي تطوير المسيرات وانخفاض تكلفتها في السنوات المقبلة، لا سيما القوارب المسيرة، إلى تغيير جذري في الوضع في البحر.

فالآن، تقوم القوارب المسيرة المحملة بالمتفجرات، التي بنتها أوكرانيا بمساعدة بريطانيا، بمهاجمة السفن الحربية الروسية أو جسر القرم. وفي حالة نشوب حرب بين القوى العظمى، سيقوم عدد من القوارب المسيرة برصد وإغراق السفن التجارية المعادية بعيدا في المحيط. ونحن نرى فقط الآن الخطوات الأولى لأساطيل الدول المختلفة في هذا المجال، وسوف يتطور هذا المجال بسرعة الآن.

علاوة على ذلك، وبغض النظر عن نتيجة المواجهة الصينية الأمريكية، ففي غضون 10 سنوات، سيتمكن الصوماليون والماليزيون وأي قراصنة آخرون يجلسون على الشاطئ من الاتصال بمقرات شركات النقل العالمية (إن وجدت حينها) والمطالبة بدفع مقابل للحصول على إذن بالمرور بجانبهم. وسيكون لكل قرية صومالية ويمنية على الساحل عدد من العصابات التي يمكنها أن تملك أسطولا من القوارب أو الطائرات المسيرة الانتحارية، التي لا تستطيع حاملة طائرات واحدة إيقافهم.

إن عصر التجارة البحرية يتركنا لبعض الوقت ومعه تتركنا الهيمنة الحالية للحضارة الأنغلوساكسونية.

إننا نعتبر الوضع الراهن طبيعيا لأننا اعتدنا عليه، ولكنه في الواقع نادر إلى حد ما، كما أن درجة الأمان الحالية للتجارة البحرية فريدة من نوعها. ففي معظم تاريخ البشرية، لم تكن الطرق البحرية آمنة. ونتيجة لذلك، سوف تتطور طرق التجارة البرية بسرعة في العقود المقبلة. 

ربما ستتمكن الصين، في غضون 20 عاما، أو الهند في غضون 50 عاما، أو أي أحد آخر في غضون 100 عام من إعادة توحيد العالم تحت حكمه، وضمان أمن التجارة العالمية، لكن في العقود المقبلة، لا أعتقد أن هذا سيحدث.

وهذا يعني أنه لن يكون هناك مثل هذا النقل الرخيص، ومثل هذا التقسيم الواسع للعمل بين البلدان المختلفة. وستصبح السلع أكثر تكلفة، وسينخفض مستوى رفاهية الإنسان. ومرة أخرى ستعتمد البلدان على مواردها الخاصة، وستشهد البلدان التي تعاني من نقص الموارد صدمة اقتصادية واجتماعية. وسيشهد العالم ثورات عنيفة وحروبا أهلية وهجرات ضخمة. سينخفض تعداد السكان في العالم، وسينتقل مئات الملايين من الأشخاص من المناطق التي لا تتمتع بموارد كافية إلى أراض جديدة. 

باختصار، يدخل العالم تدريجيا عصر القرون الوسطى الجديدة، وهو انتقال من عصر قيادة الحضارة الأوروبية إلى عصر جديد لم تتضح معالمه بعد.

واليمنيون في كل هذا ليسوا أكثر من أداة للتاريخ. ومع ذلك فهي أداة فعالة للغاية.

 

عمر نجيب

[email protected]