الطرف الأقوى ماديا من حيث نوعية السلاح والثقل الديموغرافي والقدرة المالية وأشكال التحالفات على الصعيد العالمي وضع فيحربه التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 على قطاع غزة مجموعة من الأهداف التي أكد أن لا محيد عنها، ولكن ومع دخول حرب تل أبيب ضد غزة شهرها الثالث ظهرت شروخ وتراجعات في لائحة الأهداف المعلن عنها، وكذلك تباينات وخلافات متوسعة في الجهاز السياسي والعسكري الذي يسير النظام الإسرائيلي.
الأمر يمكن أن يكون عابرا أو مرحليا ولكن تجارب سابقة للتحالف الغربي الذي يساند إسرائيل بكل الوسائل وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية ترجح أن الصراع الحالي الدائر على جزء من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والذي يمتد جنوبا عند باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، قد يعرف نتائج صادمة تقلب رأسا على عقب معادلات الطرف الأقوى ماديا.
في سنة 1964 دخلت أمريكا رسميا المواجهة البرية المباشرة أمام مقاتلي الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، المعروفة بـ"فيت كونغ" وأكدت أن هدفها النهائي هزيمة الفيت كونغ ومنع سقوط جنوب الفيتنام.
أخذ الوجود الأمريكي في فيتنام بالتصاعد، ليصل مع حلول سنة 1968 إلى نصف مليون جندي، في حرب استنزاف لا تفشي عن أي انتصارات واضحة لواشنطن وحلفائها الجنوبيين. حيث كان المقاتل الفيتنامي دارسا لأرضه، ما مكنه من أفضلية قيادة حرب عصابات ناجعة.
سنة 1968 وتزامنا مع احتفالات السنة القمرية لدى الفيتناميين، نظم جيش فيتنام الشمالي ورفاقهم من مقاتلي "فيت كونغ" هجوما كاسحا سمي بـ"هجوم تيت"، استهدفوا به أكثر من 90 مدينة ونقطة حساسة.
ما دفع الرئيس الجديد وقتها، ريتشارد نيكسون، إلى خيار "فتنمة الحرب"، أي رد الحرب إلى أصحابها، في قرار سيكون القشة التي كسرت ظهر بعير الحملة الأمريكية على فيتنام. طوال 1970 خفض عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام إلى أكثر من النصف، كما انطلقت بعدها سنة 1972 محادثات سلام عسيرة ضمت الأطراف المتقاتلة بباريس الفرنسية، ارتكبت بالتزامن معها مجزرة a$ هانوي لإجبارها على البقاء على طاولة المفاوضات، فأفرزت معاهدة لوقف إطلاق النار وقعت سنة 1973.
اتفاق سرعان ما أن سقط، وشنت قوات "فيت كونغ" هجوماكاسحا تهاوت أمامه خطوط جيش الجنوب واحدة تلو الأخرى. رغم قوة وتطور سلاح قوات سايغون، حيث كانوا يفوقون أعداءهم بثلاثة أضعاف من المدفعية وضعف عدد من الدبابات والعربات المدرعة إضافة إلى 1.400 طائرة وتفوق عددي بنسبة عشرة إلى واحد في القوات القتالية.
وصولا إلى 30 ابريل 1975، حيث ربح "الفيت كونغ" كل معارك هجومهم، ودخلوا إلى العاصمة الجنوبية سايغون وإنتهت الحرب.
يوم 7 أكتوبر 2001 تدخلت الولايات المتحدة عسكريا مدعومة بقوات من حلف الناتو في أفغانستان فاحتلت أجزاء كبيرة من أراضيها ونصبت تباعا حكومات موالية وأجرت انتخابات تحت إشرافها مؤكدة أن حكم طالبان لن يعود نهائيا إلى كابل، قاتل مئات آلاف الجنود الحلفاء مقاتلي طالبان وأنفقت الخزينة الأمريكية وحدها أكثر من 1280 مليار دولار على الحرب، ولكن بعد أكثر من عشرين سنة تفاوضت واشنطن مع طالبان. التي اعتبرتها ارهابية.
الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كان قد استبعد سابقاً تكرار مشهد فيتنام، قائلا: "طالبان ليست بقوة جيش فيتنام، واحتمالية قيامهم بالسيطرة على أفغانستان مستبعدة تماماً".
ولكن القوات الأمريكية انسحبت في 30 أغسطس 2021 وعادت كابل لهؤلاء الذين تصور البعض أنه لن تكون لهم قائمة بعد يوم 7 أكتوبر 2001.
العودة إلى التفاوض
نقلت وكالة رويترز، عن مصدرين أمنيين مصريين، يوم الأحد 17 ديسمبر 2023، أن إسرائيل وحركة المقاومة حماس منفتحتان على تجديد وقف إطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين، لكن لا تزال هناك خلافات بشأن كيفية تنفيذه.
وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، ونظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، اللذان عارضا أي وقف للقتال ادخلا تعديلا طفيفا على موقفهما حين قالا في مقال لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، يوم السبت 16 ديسمبر إن هناك "حاجة عاجلة لوقف إطلاق نار مستدام" في قطاع غزة، مشيران في الوقت ذاته إلى "حق إسرائيل في القضاء على حماس"، وضرورة أن تلقي الحركة الفلسطينية أسلحتها.
عدد كبير من المحللين خاصة في الغرب أخذوا يشيرون إلى أن تبدل لهجة الغرب كان نتيجة التطورات العسكرية في غزة.
جاء في تقرير نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية يوم 15 ديسمبر:
أكد خبير في شؤون حركة حماس للمجلة أن "قدرة إسرائيل على هزيمة حماس أو القضاء عليها عسكريا فكرة غير واقعية وأن أيدولوجية الحركة ستظهر في حركة أخرى".وأضاف "لا يمكن تدميرها وأنها قوة ذات جذور في المجتمع الفلسطيني، وأفكارها متجذرة في عقول وقلوب الناس".
وأضاف المحلل العسكري أن "التعامل مع هذا الأمر يمكن مقارنته بتطهير ألمانيا بعد الحرب، أي أنها عملية ستستغرق عقودا".
وأضافت المجلة أن حماس قد تخرج من هذه الحرب وقد تم إضعافها عسكريا، لكنها بالمقابل ستصبح أكثر قوة على المستوى الاستراتيجي.
وأوضحت أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، شكل نقطة تحول في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفتح الباب أمام صدمات جديدة وقديمة، فالإسرائيليون تذكروا المحرقة والفلسطينيون تذكروا النكبة.
وذكرت إن هجوم حماس أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي، وإن حماس باتت القوة الرئيسية في مواجهة إسرائيل بالنسبة للكثير من الفلسطينيين حسب أحد استطلاعات الرأي.
ونقلت الصحيفة الألمانية عن مايكل كوبي الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الداخلي “الشين بيت” قوله: “استجوبت يحيى السنوار لمدة تتراوح ما بين 150 إلى 180 ساعة لم يبتسم خلالها مرة واحدة وحين سألته عن عائلته قال إن حماس هي عائلته".
وأضاف “السنوار له شخصية مؤثرة وهو ذكي للغاية وقد تعلم العبرية في غضون بضعة أشهر”، وأذكر أنه قال لي سيأتي يوم نخرج فيه من السجن لتدمير إسرائيل.
شوارع غزة.. متاهة مميتة
جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز يوم 16 ديسمبر:
منذ بدء الحملة البرية الإسرائيلية قتل نحو 110 من الجنود الإسرائيليين عندما توغلت الدبابات في غزة.
ارتفع عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة إلى ما يقرب من المثلين مقارنة بالخسائر التي تكبدها في هجومه البري في عام 2014، وهو ما يعكس حجم توغله في القطاع ومدى نجاح مسلحي حماس في استخدام أسلوب حرب العصابات وترسانتها الكبيرة من الأسلحة.
وكشف خبراء عسكريون إسرائيليون وقائد إسرائيلي ومصدر من حماس كيف أن الحركة الفلسطينية تستخدم مخزونها من الأسلحة وتستفيد من معرفتها بالتضاريس وشبكة الأنفاق الكبيرة لتحويل شوارع غزة إلى متاهة مميتة.
وتستخدم الحركة أسلحة مثل الطائرات المسيرة المزودة بالقنابل اليدوية وأسلحة مضادة للدبابات بعبوات متفجرة مزدوجة تنفجر على مرحلتين في تتابع سريع.
وصرح يعقوب عميدرور، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد ومستشار سابق للأمن القومي ويعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي "لا يمكن مقارنة نطاق هذه الحرب بعام 2014".
وأضاف أن الجيش "لم يجد بعد حلا جيدا للأنفاق"، وهي شبكة توسعت بصورة كبيرة في العقد الماضي.
وصرح أوفير فولك، مستشار نتنياهو للسياسة الخارجية، في تصريحات لرويترز "لقد كان تحديا منذ اليوم الأول"، مضيفا أن الهجوم كان له "ثمن باهظ" في صفوف القوات الإسرائيلية.ومضى قائلا "نعلم أنه سيتعين علينا على الأرجح دفع ثمن إضافي لإكمال المهمة".
وذكر قائد إسرائيلي قاتل في عام 2014 إن اتساع نطاق هذه العملية يشير إلى وجود المزيد من القوات على الأرض، مما يمنح حماس "مزايا الطرف المدافع"، لذلك كان من المتوقع وقوع خسائر أكبر في صفوف القوات. وطلب القائد عدم ذكر اسمه لأنه لا يزال ضمن قوات الاحتياط في هذه الحرب.
ولا يعلن الجيش الإسرائيلي عن أعداد القوات المشاركة أو أي تفاصيل أخرى خاصة بالعمليات.
جنرال أمريكي خسائر باهظة
إيال بينكو، وهو مسؤول كبير سابق في أجهزة الأمن الإسرائيلية ويعمل حاليا في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان صرح "اتخذت حماس بعض الخطوات الكبيرة لبناء قوتها منذ عام 2014".
وأضاف أن إيران، حليفة حماس، ساعدت في تهريب بعض الأسلحة المتطورة، مثل صواريخ كورنيت الروسية الصنع المضادة للدبابات، إلى الحركة. لكنه أشار إلى أن حماس أتقنت صنع أسلحة أخرى في غزة، مثل القذائف الصاروخية من طراز آر.بي.جي-7، وأن المسلحين أصبح لديهم الآن احتياطي أكبر من الذخائر.
من جانبه أكد أحد أبرز الجنرالات الأمريكيين الذي خدم في منطقة الشرق الأوسط، أن مهمة الجيش الإسرائيلي في غزة هي أصعب مهمة تلقى على عاتق جيش، مرجحا أن تكون هناك معارك قاسية بخسائر باهظة.
وصرح الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس، في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية خلال شهر نوفمبر إن "بنيامين نتنياهو والكابينيت أعلنوا عن هدف لا يوجد أكبر منه، وهو تدمير الذراعين السياسية والعسكرية لحركة حماس، ومن هنا تبدأ مهمة الجيش.المشكلة أنه لا يمكن أن يكون شيء أصعب من هذا نظرا للظروف الميدانية لغزة".
وأضاف أن "المهمة الموكلة إلى الجيش الإسرائيلي هي أصعب مهمة يمكن أن توكل إلى جيش"، وقال: "خضنا معارك ضارية كثيرة في مدن كبرى ضد مقاتلي القاعدة وعناصر في ميليشيات تدعمها إيران، ولا واحدة من هذه المعارك تقترب من التحدي الذي ينتظر الجيش الإسرائيلي في غزة".
وتابع بتريوس أنه "لا مفر أمام الجيش الإسرائيلي إلا تطهير كل مبنى، كل طابق، كل غرفة، كل قبو وكل نفق" لكن هذا لا يكفي، ويضيف، "عليهم إبقاء جنود في كل منطقة وكل شارع وكل حي، للحفاظ على المباني التي تم تطهيرها وضمان ألا يعود المقاتلون إليها"، وأضاف أنه "إلى هذه التحديات تضاف تحديات أخرى: الانتحاريون، العبوات الناسفة، منظومة الأنفاق المعقدة، الأسرى، وصعوبة القتال في مناطق مكتظة".
وختم بالقول: "ستكون معارك قاسية بخسائر باهظة".
وديفيد بتريوس هو جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي، خدم لعقود في بعض المناصب العسكرية والحكومية رفيعة المستوى كمسؤول عن السياسة الأمريكية في العراق والشرق الأوسط الأوسع نطاقا، بدءا من قائد "القيادة المركزية الأمريكية" و"القوة متعددة الجنسيات في العراق" إلى مدير "وكالة المخابرات المركزية".
وتضمنت مسيرته العسكرية أيضا قيادة مهمات قتالية متعددة خلال الحرب ضد العراق. ويشغل حاليا منصب رئيس "معهد كولبرج كرافيس روبرتس العالمي".
تحديات تعترض العملية البرية
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 13 ديسمبر:
شهد يوم الثلاثاء 12 ديسمبر اكبر حصيلة قتلى في صفوف العسكريين الإسرائيليين منذ بدء الهجوم البري على غزة.
يكشف الكمين الذي أسفر عن مقتل الجنود الإسرائيليين، حجم التحديات التي باتت تعترض عمليات الجيش الإسرائيلي على الأرض، ويسلط الضوء على مرحلة من القتال مختلفة عن سابقاتها، من زاوية المخاطر والمواجهة والمسافة التي تفصل بين جبهات العدوين، حسب ما يشير إليه محللون عسكريون.
وتتركز عمليات الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي في ثلاث مناطق رئيسية هي: خان يونس جنوب القطاع وجباليا في شماله وعلى أطراف الشجاعية.
ولا تتوقف التحديات التي باتت تواجه الجيش الإسرائيلي حسب مقال للمحلل العسكري، رون بن يشاي، عند عمليات "التفخيخ" التي تقوم بها حماس بالأبنية وعلى البوابات، بل تنسحب إلى طبيعة القتال بصورته العامة.
يشير المحلل في صحيفة "يديعوت أحرنوت" إلى حادثة مقتل الجنود التسعة من لواء "غولاني" أحد ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي، ويوضح أن حي الشجاعية كثيف البناء ومترامي الأطراف ويضم مجموعة ضيقة من المباني والأزقة.
ومن المستحيل تقريبا في مثل الحالة المذكورة إدخال جرافة إليه، "الأمر الذي كان من شأنه أن يخدم جيش الدفاع الإسرائيلي جيدا في تطهير خطوط الرؤية، ويسمح له بالمزيد من التقدم وزيادة التخطيط لمنع مثل الخسارة التي حصلت"، وفق المحلل.
بن يشاي حذر من التحديات المذكورة وسلط الضوء من جانب آخر على شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس، معتبرا أن "إمطارهم بالجحيم لم يخدم أي غرض يذكر"، في إشارة منه إلى القصف الجوي المكثف.
وأضاف أن "حماس على دراية جيدة بهذا النوع من التهديد، إذ يندفع (مسلحوها) تحت الأرض قبل أن تسقط القنابل ويطفون على السطح مرة أخرى عندما ينتهي التهديد".
وفي ذات السياق، اعتبر محلل الدفاع الشهير في إسرائيل، عاموس هاريل، الأربعاء، أن "التفوق العسكري الإسرائيلي على حماس يتضاءل في المناطق الحضرية المزدحمة في شمال غزة".
من جانبه يوضح اللواء الفلسطيني المتقاعد، واصف عريقات، أن "حرب المدن والمناطق المبنية والمأهولة بالسكان والشوارع الضيقة دائما ما تكون من أصعب المعارك".
ورغم أن الجيش الإسرائيلي حاول أن يتجنب هذا النوع من المعارك في السابق يقول عريقات لموقع "الحرة" إنه "وصل إلى نقطة اضطرته للانخراط، وخاصة في المناطق التي يقول إن قيادات حماس تتمركز بها".
وقبل عقود، خاض الجيش الإسرائيلي عدة حروب في "حي الشجاعية وخسر"، كما يضيف اللواء الفلسطيني المتقاعد.
درس 2014
ويشير إلى عام 2014 حين "كان هذا الحي سببا مباشرا في اضطرار الجيش الإسرائيلي للانسحاب من غزة، بعد سقوط عدد كبير من قواته بين قتيل وجريح"، على حد قوله.
ويتابع عريقات: "الجندي الإسرائيلي الآن بات بعيدا عن إسناد الطائرة والدبابة والمدفع، ويضطر أن يواجه المقاومة وجها بوجه في الحارات الضيقة وفي المناطق المبنية والمأهولة بالسكان".
ويشير هاريل إلى أن "المناطق المبنية مع العديد من الأنفاق التي لا تزال قيد الاستخدام تمكن مجموعات من مقاتلي حماس من الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي في بعض الحالات على مسافة بضعة أمتار فقط"، وهو ما اصطلح على تسميته بـ"المسافة صفر".
وتقلل هذه الظروف "من بعض الأفضلية النسبية التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي في مجال التكنولوجيا والاستخبارات، وتزيد من عدد القتلى الإسرائيليين".
من جانبه يشير المحلل الإسرائيلي في "يديعوت أحرنوت" بن يشاي إلى أن التحديات التي تعترض عمليات الجيش الإسرائيلي لا تقتصر على شمال القطاع، بل تشمل جنوبه أيضا.
ويورد المحلل حادثة مقتل 5 من ضباط وجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بسبب عبوة ناسفة في خان يونس.
ويقول إن مسلحي حماس "ينصبون الفخاخ بالآلاف في جميع أنحاء الجيب"، وفي المقابل "لم تتوصل القيادة العليا في جيش الدفاع الإسرائيلي بعد إلى مسار أكثر فائدة لتأمين الدخول إلى هذه المباني".
ويضيف خاتما مقاله التحليلي بتحذير: "إذا كنت تعتقد أن القتال فوق الأرض قد يبدو ضيقا، فهذا مجرد مقدمة لأشياء قادمة.يتعين على أفضل العقول العسكرية أن تفكر في طريقة أفضل لتحييد التهديد المتفجر، أو الوقوف بلا حول ولا قوة بينما يستمر عدد القتلى من جنود الجيش الإسرائيلي في الارتفاع المؤسف".
الأهداف السياسية
نشر موقع "The Nation" ذا نيشين الأمريكي يوم 9 ديسمبر تحليلا للكاتبين توني كارسون ودانييل ليفي خلصا فيه إلى أن إسرائيل في طور خسارة المعركة التي تقودها ضد حماس في قطاع غزة، معتبرين أن حماس مع قلة عديدها وعتادها أضحت ندا لتل أبيب.
وأشار كارسون وليفي في المقال إلى أن مجرد التفكير في هذا الأمر يبدو "ضربا من ضروب اللامعقول"، وخاصة أن مجموعة من المسلحين غير النظاميين، والذين لا يتجاوز عددهم عشرات الآلاف، والمحاصرين الذين لا يملكون سوى القليل من القدرة على الوصول إلى الأسلحة المتقدمة، أضحوا بمثابة الند لواحد من أقوى الجيوش في العالم، تدعمه وتسلحه الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم كل تلك الصفات التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، فإن عددا متزايدا من المحللين الاستراتيجيين في المؤسسة العسكرية يحذرون من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب ضد الفلسطينيين على الرغم من العنف الكارثي الذي أطلقته منذ هجوم "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر.
ولفت مقال الكاتبين إلى أنه من خلال استثارة الهجوم الإسرائيلي، ربما قد تكون حماس في طور تحقيق العديد من أهدافها السياسية.
وذكر المقال أن كلا من إسرائيل وحماس، على ما يبدو، تعيدان ضبط شروط تنافسهما السياسي ليس على الوضع الراهن الذي كان قائما قبل تاريخ السابع من أكتوبر، وإنما على الوضع الذي كان قائما في عام 1948. وليس من الواضح ما سيأتي بعد ذلك، ولكن لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق. بحسب المقال.
وذكر المقال: "إن السهولة الصادمة التي اخترقت بها حماس الخطوط الإسرائيلية حول قطاع غزة ذكرت الكثيرين بهجوم تيت (في فيتنام) عام 1968".
ويرى جون ألترمان، في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" ذي الصبغة اليمينية في واشنطن العاصمة، أن "إسرائيل معرضة لخطر كبير بالخسارة أمام حماس".
وكتب ألترمان أن حماس تسعى إلى "استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمة إسرائيل. إن قوة إسرائيل تسمح لها بقتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية الفلسطينية، وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس. كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس الحربية".
تكلفة حرب
التكاليف الاقتصادية للحرب عندما تضاف إلى التكاليف الأخرى بشرية وغيرها تفرض نفسها على مسار كل صراع والسؤال الذي يطرحه بعض المحللين وخاصة في واشنطن هو: هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود؟.
مع استمرار الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، تتزايد التحذيرات اليومية التي تطلقها العديد من التقارير الاقتصادية بشأن تضرر الاقتصاد الإسرائيلي من طول أمد الصراع.
وأحدثت الحرب على غزة هزات صادمة في اقتصاد إسرائيل البالغ حجمه 488 مليار دولار، ما أدى إلى تعطيل آلاف الشركات، وإرهاق المالية العامة، وإغراق قطاعات بأكملها في أزمة، حسبما أشارت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وانخفض الشيكل الإسرائيلي بالفعل إلى أدنى مستوى له منذ 14 سنة، وخفض البنك المركزي توقعات النمو الاقتصادي هذا العام من 3 في المئة إلى 2.3 في المئة، وتواجه الصناعات البارزة اضطرابات عدة، وفقا لمجلة "فورين بوليسي. وقد انفق البنك المركزي 30 مليار دولار لمنع انهيار الاقتصاد".
دخلت إسرائيل الحرب باحتياطيات بقيمة 200 مليار دولار ومساعدات بقيمة 14 مليار دولار، معظمها للتمويل العسكري، من الولايات المتحدة. ومع ذلك، يقول الخبراء للمجلة إن الصراع المستمر سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي مليارات إضافية وسيستغرق وقتا أطول بكثير للتعافي مما كان عليه في الماضي.
وحذرت وكالتان للتصنيف الائتماني من إمكانية خفض تصنيف ديون إسرائيل، اعتمادا على شدة الصراع وطول مدته. وأوضحت الصحيفة أن من شأن خفض التصنيف الائتماني أن يزيد تكاليف الفائدة التي تتحملها الحكومة الإسرائيلية عندما تقترض المال.
السياحة توقفت
وتشير تقارير صحفية عدة إلى أن الصراع يؤثر سلبا على النشاط التجاري، خاصة قطاعات البناء والزراعة والنفط والغاز والسياحة والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والتكنولوجيا.
ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن رئيس رابطة المصنعين في إسرائيل، رون تومر، قوله: "لقد أغلقت البلديات الكثير من مواقع البناء.
وتتزايد الأدلة بالفعل على التأثير المدمر للحرب على النشاط الاقتصادي، بحسب الصحيفة. ووجدت دراسة استقصائية للشركات الإسرائيلية أجراها مكتب الإحصاء المركزي أن واحدة من كل ثلاث شركات أغلقت أبوابها أو كانت تعمل بطاقة 20 في المئة أو أقل منذ بدايتها، في حين أبلغ أكثر من النصف عن خسائر في الإيرادات بنسبة 50 في المائة أو أكثر.
وكانت النتائج أسوأ بالنسبة للجنوب، المنطقة الأقرب إلى غزة، حيث أغلقت ثلثا الشركات عملياتها أو خفضتها إلى الحد الأدنى، وفقا للصحيفة.
وفي هذه الأثناء، تقول وزارة العمل إن 764 ألف إسرائيلي، 18 في المئة من القوى العاملة، لا يعملون بعد استدعائهم للخدمة الاحتياطية، أو إجلائهم من مدنهم أو إجبارهم بسبب إغلاق المدارس على رعاية الأطفال في المنزل.
وتوقفت العديد من شركات الطيران عن الرحلات إلى إسرائيل، كما تعرضت السياحة، وهي القطاع الذي يشكل 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ويوفر بشكل غير مباشر 6 في المئة من إجمالي الوظائف، لضربة قاتلة، وفقا للمجلة.
وتلقى العملاء الأوفياء لفنادق أطلس الإسرائيلية مؤخرا رسالة بريد إلكتروني غير عادية، وهي نداء يائس للتبرع لإنقاذ الشركة من الانهيار، بحسب "فاينانشيال تايمز".
ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن رئيس رابطة المصنعين في إسرائيل، رون تومر، قوله إن "الحكومة تتخلى عن شعبها".وأضاف أن "العديد من أصحاب الأعمال لم يحصلوا على تعويض كامل عن أرباحهم المفقودة، وسيتعرضون لصدمة سيئة عن دفع حزم الرواتب القادمة".
تقويض النفوذ الأمريكي
ذكرت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية يوم 13 ديسمبر 2023 أن أكبر قائدين للجيش الأمريكي توجها إلى إسرائيل لتقديم نصائح بشأن المرحلة التالية من الحرب على غزة، وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم الاثنين 18 ديسمبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال سي كيو براون. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن قبل ذلك، أن رئيس القيادة المركزية الأمريكية "سينتكوم" مايكل كوريلا زار إسرائيل يوم الجمعة 15 ديسمبر، حيث التقى برئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي.محللون اشاروا أن هذه الزيارات تعكس قلق واشنطن من تبعات الحرب وإمكانية اتساعها.
نشر موقع مودرن دبلوماسي الأمريكي "Modern Diplomacy" تقريرا عن أن تحطيم هيبة إسرائيل في حرب غزة مفيد لكل من الصين وروسيا لأنه سيقوض ما تبقى من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
يقول التقرير: سلطت أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، نادية حلمي، الضوء على ما تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة على نفوذ الصين وروسيا بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن كلا الدولتين تجدان في الحرب فرصة سانحة لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط عبر استغلال، إذ أثبتت أن "الهيبة التي كانت تتمتع بها إسرائيل قد تحطمت إلى الأبد ولن تعود".
وذكرت الأكاديمية المصرية، في تحليل نشر بموقع "مودرن دبلوماسي"، أن الصين وروسيا تحاولان استغلال ضياع الهيبة الإسرائيلية لإعادة التقدم إقليميا ودوليا كطرف رئيسي في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام الرسمية في كلا البلدين باتت تؤكد أن "الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد القوة العظمى الوحيدة".
وأضافت أن تحدي الصين وروسيا المفتوح لسياسات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية بدا واضحا، في الوقت الذي تحالف فيه الغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في مواجهة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، بحجة دعم جيش تل ابيب في القضاء على حركة حماس، ودعم ومساندة الرواية الإسرائيلية، بما لها من تداعيات عسكرية وسياسية في فلسطين والمنطقة.
وفي هذا الإطار، اتخذت الصين وروسيا مساراً مشتركا وأكثر وضوحا ضد مواقف دول الغرب الداعمة لإسرائيل، ما يخلق واقعاجديدا في مواجهة سياسات الهيمنة، ويحقق تقارب روسي صيني مشترك مع دول المنطقة.
ولتحقيق المصلحة الروسية الصينية المشتركة في طرد الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط بأكمله، دعت كل منهما لإعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وأعلنا قيادتهما لجهود المجتمع الدولي في إعادة إعمار غزة ودفع إسرائيل للموافقة على مبدأ حل الدولتين.
العلاقات مع حماس
وهنا تشير الأكاديمية إلى أن التحدي الصيني الروسي للرؤية الأمريكية والإسرائيلية وصل إلى أقصى حد، بعد رفضهما المشترك إدانة حركة حماس، واعتبارها محورا للمقاومة الفلسطينية وليست جماعة إرهابية.
ووصل التحدي الروسي إلى مستوى مكشوف ضد الولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب باستضافة مسؤول لجنة العلاقات الخارجية لحماس، موسى أبو مرزوق، في موسكو بعد تنفيذ عملية "طوفان الأقصى".
وخلال عام 2022 وحده، توجه وفدان رفيعا المستوى على الأقل من حماس إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وفي السياق، جاء التحدي الروسي الصيني المشترك للموقف الأمريكي والإسرائيلي الرافض بشكل قاطع لوجود حركة حماس في المشهد السياسي لقطاع غزة، من خلال تأكيدهما على أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل قطاع غزة في غياب لحماس، لقناعتهما بأن الحركة أصبحت قوة سياسية وعسكرية تسيطر على مجريات الأحداث داخل قطاع غزة وفلسطين، وهو ما ترفضه واشنطن وتل أبيب شكلا ومضمونا.
كما رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إدانة الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، مؤكدة أن "الصين تدعم دائما قواعد الإنصاف والعدالة"، وكررت دعوتها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، الأمر الذي أثار غضب السفارة الإسرائيلية في بكين والسياسيين الأمريكيين.
كما واصلت موسكو تحديها العلني للسياسات الأمريكية والإسرائيلية فيما يتعلق بقطاع غزة، من خلال استضافة الرئيس الروسي، بوتين، لنظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، يوم 30 نوفمبر 2023 في موسكو، وتصريحات الأخير التي تنتقد "النظام العالمي الظالم"، وإدانته الصريحة من قلب موسكو الحرب الإسرائيلية على غزة، معتبرة إياها "جريمة ضد الإنسانية".
ووصف رئيسي روسيا والصين بأنهما دولتان صديقتان، وأكد أن لقاءه بوتين سيخلق ظروفا جديدة مواتية للتعاون بين الطرفين في مواجهة "سياسات البلطجة وفرض القوة الغاشمة الأمريكية".
الموقف من إسرائيل
ومن هذا المنطلق، ترى الأكاديمية المصرية أن عملية "طوفان الأقصى"، التي قادتها حركة حماس ضد إسرائيل، صبت في مصلحة الصين وروسيا لإثبات قدرتهما على قيادة الشرق الأوسط وإقصاء أو تقليص حجم ونفوذ واشنطن فيه.
وفي هذا الإطار، سارعت بكين وموسكو إلى انتقاد رد إسرائيل على "طوفان الأقصى"، ودعت كل منهما إلى وقف إطلاق النار، في محاولة لخلق موقف يظهر قيادتهما العالمية، التي تراعي التوازن والمصالح في التعامل مع الأزمات الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، كبديل للهيمنة الأمريكية المنحازة لإسرائيل.
ولا تستبعد نادية حلمي فتح الصين وروسيا جبهات حرب جديدة ضد إسرائيل وحليفتها الأمريكية الداعمة لها، في لبنان أو سوريا، حال تفاقم الوضع في غزة عسكريا وأمنيا وإنسانيا، وذلك عبر الميليشيات المسلحة الداعمة للفلسطينيين.
ويلفت البحث، في هذا الصدد، أن الصراع آخذ في تجاوز فلسطين والفلسطينيين، ليكون صراعا "حضاريا" بين الغرب والعالم الإسلامي، من خلال استغلال المآسي الجارية لتوسيع نطاق القوى المعارضة للغرب ونفوذها، بقيادة صينية روسية مشتركة ودعم لدول الشرق الأوسط برمته.
وأضاف: "من يستهين بالنتائج السياسية التي حققتها حركة حماس أو محور المقاومة، كمجموعة مدعومة بالدرجة الأولى من الصين وروسيا، فهو مخطئ"، مشيرا إلى أن هذا المحور حقق إنجازا سياسيا متميزا فاق كل حسابات واشنطن وتل أبيب.
واعتبر التقرير أن الزيارة التي أجراها بوتين إلى منطقة الخليج العربي بعد عملية "طوفان الأقصى"، يوم الأربعاء 6 ديسمبر، جاءت بمثابة تحد علني مباشر لواشنطن وحلفائها الغربيين، وأظهرت محادثاته في الرياض وأبو ظبي نجاحه في التقارب مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الخليج الغني بالنفط، الذين انتقدوا علنا عدوان إسرائيل على غزة.
ويشير البحث إلى أن هذا السياق يفسر أيضا طلب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من نظيره الصيني، وانغ يي، أن تستخدم الصين نفوذها وشراكاتها وقربها من إيران ومحور المقاومة لمنع توسع الحرب بدخول ميليشيا الحوثي في اليمن وحزب الله في جنوب لبنان على خط الحرب، فضلا عن الحركات المسلحة الأخرى في العراق وسوريا.
قوة تفاوضية
ويضيف البحث أن هكذا تطورات ترسم ملامح "خطة صينية روسية مشتركة" لطرد الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط وتقييد نفوذها وهيمنتها على شؤون المنطقة، مشيرا إلى أن تدخل الصين في الشرق الأوسط أعطى لرئيسها، شي جين بينغ، مصداقية كرجل دولة عالمي، بالإضافة إلى شعبيته المتزايدة بين دول وشعوب الشرق الأوسط كصانع للسلام، بعد نجاحه في تحقيق المصالحة السعودية الإيرانية.
كما منحت تحركات بكين الأخيرة في الشرق الأوسط القادة العرب بعض القوة التفاوضية ضد واشنطن، في حين أعطت الصين دفعة دبلوماسية مع حليفتها الروسية.
ويخلص البحث إلى أن روسيا والصين تستفيدان بقوة من الأخطاء الأمريكية والإسرائيلية، لزيادة شعبيتهما بين شعوب الشرق الأوسط وقادته، ومحاولة عرقلة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وبالتالي صعود كل منهما كقوتين صديقتين، تعملان لصالح شعب فلسطين والقضية الفلسطينية وقطاع غزة.
عمر نجيب