كارل فون كلاوزفيتز الذي ولد سنة 1780 في ماغدبورغ الألمانية وتوفي سنة 1831 في بريسلاو جنرال ومؤرخ حربي بروسي. من أهم مؤلفاته كتاب (Vom Kriege) أي: الحرب. تركت كتاباته حول الفلسفة والتكتيك والإستراتيجية أثرا عميقا في المجال العسكري في البلدان الغربية. تدرس أفكاره في العديد من الأكاديميات العسكرية كما أنها تستعمل في عدة مجالات مثل قيادة المؤسسات والتسويق. ويعتبر من أحد أكبر المفكرين العسكريين شهرة وتأثيرا منذ القرن التاسع عشر.
اشتهرت أطروحات كلاوزوفيتز في الحرب كونها امتدادا للسياسة لكن بوسائل أخرى، كما يقول في الحرب إن الهدف منها هو جعل العدو ينفذ إرادته.
لا تتغير أبداً طبيعة الحرب. فهي تخاض لأهداف سياسية. لكن الأكيد أن خصائص الحرب تتغير تبعا للتغييرات في الأبعاد الاقتصادية والسياسية كما الاجتماعية، لكن من دون أن ننسى التكنولوجية منها.
كانت الملاحظة الأكثر شهرة لكلاوزفيتز حول طبيعة الصراع نفسه. فالحرب والسياسة متشابكان، ويقول: "الحرب في حد ذاتها لا تعلق العلاقات السياسية ولا تصيرها إلى شيء مختلف تماما. العلاقات السياسية تستمر بغض النظر عن الوسائل التي نستخدمها".
بعبارة أخرى، كان كلاوزفيتز يعتقد بأن الحرب هي جزء من سلسلة متصلة تشمل التجارة والدبلوماسية وكل التفاعلات الأخرى التي تقع بين الشعوب والحكومات. وقد تحدت هذه النظرية معتقدات الأجيال الأكبر سنا من الجنود والمنظرين العسكريين الذين كانوا ينظرون إلى الحرب بوصفها "حدثا يبدأ ثم ينتهي"، ودفعت بالمقاتلين إلى واقع بديل تحكمه مجموعة مختلفة من القواعد. كانت الحرب بالنسبة لكلاوزفيتز ببساطة وسيلة أخرى للحصول على شيء تريده.
كان النصر وفق كلاوزفيتز مسألة إيجاد وتحييد "مركز ثقل" الخصم، ويعني ذلك غالبا هزيمة الجيش المنافس، لكن تلك الطريقة ليست الأكثر فعالية دوما، حيث يرى بأن "العناصر الأخلاقية هي من أكثر العناصر أهمية في الحرب. فهي تشكل الروح التي تتخلل الحرب ككل، وتؤمن ارتباطا وثيقا بالإرادة التي تحرك وتقود كتلة تامة من القوة". لقد أبان كلاوزفيتز عن كيفية تشكيل أو تحطيم روح منافسك، وكيفية النصر في حرب بتجنب جيش العدو بالكامل.
خلال سبعينيات القرن العشرين وفي تعليقه على مسار الحرب الأمريكية ضد الفيتنام كتب أحد أهم مهندسي السياسة الأمريكية هنري كيسنغر: "لقد خضنا حربا عسكرية، خصومنا خاضوا معركة سياسية. سعينا للاستنزاف الجسدي. كان خصومنا يهدفون إلى إنهاكنا نفسيا. وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: إن حرب العصابات تفوز إذا لم تخسر. والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر".
متى تنهي الحرب الاسرائيلية على غزة ؟. سؤال يتكرر طرحه بإلحاح عبر العالم كله خاصة بعد انتهاء هدنة السبعة أيام يوم الجمعة الأول من ديسمبر 2023، وينضاف إليه سؤال آخر هو ماذا ستكون نتائج هذا الصراع ؟.
منذ انطلاق المواجهة الكبرى يوم 7 أكتوبر 2023 بعملية طوفان الأقصى، تكثر التحليلات والدراسات عن مسار هذه المواجهة المسلحة التي تدور بين فريق صغير لا يتعدى عدد أفراده الذين يحملون السلاح على ما بين 40 و 60 ألف وسط سكان مدنيين يفوق عددهم 2.4 مليون نسمة في مواجهة جيش نظامي جند للحرب 360 ألف جندي ويعتبر في الغرب الأقوى في منطقة الشرق الأوسط ويحصل على الدعم المطلق عسكريا واقتصاديا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية واغلب حلفائها في الناتو.
جزء كبير من التحليلات خاصة الصادرة في الغرب اتفقت في الأسابيع الأربع أو الخمسة الأولى من المواجهة على أن النصر سيحالف تل أبيب، وتركز النقاش في ذلك الوقت على ماذا سيكون شكل المستقبل في قطاع غزة، وهل ستنجح خطط تهجير سكان القطاع الفلسطينيين إلى شبه صحراء سيناء المصرية ؟.
بعد أن دخلت الحرب على غزة شهرها الثالث، بدأت التحليلات والتقديرات والمواقف تتبدل خاصة بعد أتفق أغلب المحللين عن أن تل أبيب ورغم الدعم الأمريكي الهائل والدمار الواسع في غزة بشرا وحجرا لم تنجح في تحقيق مكسب كبير واضح أو جزء من الأهداف التي أعلنت عنها عندما قررت شن الحرب رسميا على حركة حماس.
في محاولة لكسب الوقت لتل أبيب على أمل أن تتمكن من تدمير المقاومة الفلسطينية في غزة والضغط على سكان القطاع لدفعهم نحو الحدود المصرية وتجربة مدى استعداد القاهرة لمواجهة محاولة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء اتبعت إدارة البيت الأبيض وخاصة الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن أسلوب المماطلة بإتخاذ مواقف شفهية عن حماية المدنيين وفي نفس الوقت معارضة أي وقف لإطلاق النار. مشكلة هذا التكتيك هو أنه سيكون كارثيا عندما ترتفع خسائر القوات الإسرائيلية إلى الحجم الذي لا يقبل من طرف الجيش أو المستوطنين وحينما يبدأ الجنود في الفرار أو الاستسلام لقوات المقاومة الفلسطينية أو اللجوء إلى مصر، أو حينما لا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمل خسائر يومية تفوق 1.4 مليار دولار.. الواقع أن الأمر يعتمد على قدرة المقاومة الفلسطينية في مواصلة المعركة لمدة طويلة دون تكبد خسائر كبيرة والمحافظة على تماسك وحداتها.
مخططو سياسة واشنطن وتل أبيب يدركون أن حماس تدرج "طوفان الأقصى" في "إستراتيجية التحرير"، ولكنها ليست "واهمة" أو "حالمة" لتعتقد بأن تحرير أرض فلسطين وإنسانها، هو النتيجة المترتبة على السابع من أكتوبر أو الهدف منه.
نهاية سنة 2023
يوم الجمعة 8 ديسمبر 2023 أفادت القناة 12 الإسرائيليةالتلفزية، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن حدد لإسرائيل نهاية عام 2023 سقفا زمنيا لإنهاء الحرب في غزة.
جاء هذا بعد ساعات من تأكيد معاون الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون فاينر، أن الولايات المتحدة لم تعطِ إسرائيل موعدا نهائيا محددا لإنهاء العمليات القتالية مع حركة حماس في غزة، وأن الحرب إذا توقفت الآن، ستظل حماس تشكل تهديدا.
وصرح فاينر خلال منتدى آسبن الأمني في واشنطن، مساء الخميس 7 ديسمبر، "لم نعطِ إسرائيل مهلة محددة، فليس هذا دورنا في الواقع. هذا صراعهم. نقول ذلك، ولدينا تأثير، حتى إن لم تكن لدينا سيطرة مطلقة على ما يحدث على الأرض في غزة".
كما أضاف فاينر أن لإسرائيل هدفين في غزة هما ضمان ألا تتمكن حماس من حكم قطاع غزة بعد الآن، وألا تشكل تهديدا على إسرائيل عقب هجوم السابع من أكتوبر.
وتابع فاينر "بصدق، إذا توقفت الحرب اليوم، فستستمر حماس في تشكيل تهديد، وهذا هو السبب في أننا لم نطلب من إسرائيل بعد التوقف أو فرض وقف إطلاق النار".
إسرائيل تخسر..
جاء في تحليل نشر بمجلة "ذا نيشن" الأمريكية يرى جون ألترمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن العاصمة والباحثين توني كارون ودانييل ليفي، أن إسرائيل معرضة لخطر كبير بالخسارة أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس في الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر.
ألترمان اعتبر أن "مفهوم حماس للنصر العسكري يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد، فهي لا ترى النصر في عام واحد أو خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة إسرائيل".وأضاف أنه "في هذا السيناريو، تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة (نحو 2.4 مليون فلسطيني) حولها بغضب".
وأردف: "في الوقت نفسه، تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع مع إسرائيل، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا بسبب تجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويندلع نقاش أمريكي حول إسرائيل، مما يؤدي إلى تدمير الدعم الحزبي الذي تتمتع به في الولايات المتحدة منذ أوائل السبعينيات".
وتسعى حماس إلى "استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمة إسرائيل نفسها، فقوتها تسمح لها بقتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية، وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس. وكل هذا يخدم أهداف حماس"، كما زاد ألترمان.
استكمال النكبة
قال كارون وليفي إن "الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر 2023 تؤكد أنه لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما، وهذا على الأرجح هو هدف حماس من شن هجومها. وقبل ذلك، كان كثيرون في القيادة الإسرائيلية يدعون علنا إلى استكمال النكبة (لعام 1948)، أي التطهير العرقي للفلسطينيين، والآن تضخمت تلك الأصوات".
وأردفا أنه "عندما استأنفت إسرائيل هجومها العسكري وعادت حماس إلى إطلاق الصواريخ (بعد هدنة انتهت في 1 ديسمبر كان من الواضح أن حماس لم تهزم عسكريا".
و"تشير المذبحة والدمار الشاملين اللذين أحدثتهما إسرائيل في غزة إلى نية لجعل القطاع غير صالح للسكن، والضغط لتهجير الفلسطينيين عبر كارثة إنسانية مدبرة عسكريا"، كما تابع كارون وليفي.
واستطردا: "والحقيقة أن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنه قضى حتى الآن على أقل من 15 في المئة من قوة حماس القتالية".
ويصر قادة إسرائيل على استمرار الحرب، على أمل إنهاء حكم "حماس" المتواصل لغزة منذ صيف 2007، والقضاء على القدرات العسكرية للحركة التي تقاوم احتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عقود.
"وتتمتع حماس بمنظور فلسطيني شامل، وليس منظورا خاصا بغزة، ولذلك قصدت أن يكون لـ7 أكتوبر تأثيرات تحويلية في جميع أنحاء فلسطين، عبر ربط نضالات الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وغزة وداخل إسرائيل (أراضي 1948)"، كما أردف كارون وليفي.
وتابعا: "والآن، تعمل إسرائيل على تسريع هذا الارتباط من خلال حملة قمع مذعورة ضد أي تعبير عن المعارضة بين مواطنيها الفلسطينيين".
وقالا إنه "ربما تكون إسرائيل والولايات المتحدة أقنعتا نفسيهما بأن العالم تجاوز المحنة الفلسطينية، ولكن الطاقات التي أطلقتها أحداث 7 أكتوبر تشير إلى أن العكس هو الصحيح، إذ ترددت أصداء دعوات التضامن مع فلسطين في شوارع العالم العربي".
و"وفي جميع أنحاء الجنوب العالمي وفي مدن الغرب، تحتل فلسطين الآن مكانا رمزيا باعتبارها تجسيدا للتمرد ضد النفاق الغربي ونظام ما بعد الاستعمار الظالم. ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق 2003، لم يخرج هذا العدد الكبير من الملايين في أنحاء العالم إلى الشوارع للاحتجاج"، بحسب كارون وليفي.
ولفتا إلى أن "العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا قطعت أو جمدت علاقاتها مع إسرائيل، كما أدى القصف المتعمد للمدنيين ومنع الوصول إلى المأوى والغذاء والماء والرعاية الطبية إلى إصابة العديد من حلفاء إسرائيل بالذعر".
واعتبرا أنه "عندما يناشد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إسرائيل أن تتوقف عن "قصف الأطفال"، فإنها معرضة لخطر خسارة أجزاء من الغرب، كما أصبح من الصعب على الدول العربية والإسلامية على المدى القصير الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل، ناهيك عن توسيعها".
نفاق أمريكي
"كما أدى التلاعب برد فعل إسرائيل على أحداث 7 أكتوبر إلى تفجير فقاعة الأوهام الأمريكية المتمثلة في استعادة الهيمنة في الجنوب العالمي تحت عنوان "نحن الأخيار"، كما أضاف كارون وليفي.
وأوضحا أن "التناقض بين استجابة الولايات المتحدة للأزمتين الروسية الأوكرانية حرب روسيا على أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022 والإسرائيلية الفلسطينية على التوالي أنتج إجماعا على وجود نفاق في قلب السياسة الخارجية الأمريكية".
كارون وليفي قالا إن "حماس حركة سياسية متعددة الأوجه متجذرة في نسيج المجتمع الفلسطيني وتطلعاته الوطنية، وتجسد اعتقادا أكدته عقود من الخبرة الفلسطينية بأن المقاومة المسلحة تشكل عنصرا مركزيا في مشروع التحرير الفلسطيني بسبب فشل عملية أوسلو للسلام والعداء المستعصي من جانب إسرائيل".
وشددا على أن "نفوذ وشعبية حماس نمتا مع استمرار إسرائيل وحلفائها في إحباط عملية السلام وغيرها من الاستراتيجيات السلمية لتحقيق التحرير الفلسطيني".
فشل متصاعد
ذكرت مجلة ذا نيشن الأمريكية في تقرير لها نشر يوم 8 ديسمبر في واشنطن: إنه بالرغم من الحرب العنيفة التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فإنها فشلت في تحقيق أهدافها السياسية.
وأوضحت المجلة في تقرير إخباري نُشر في عددها الأسبوعي الجديد يوم الجمعة، أن المقاومة الفلسطينية التي تتكون في غالبيتها من “قوات مسلحة غير نظامية لا يتجاوز عدد أفرادها عشرات الآلاف، وقفت ندا قويا في وجه واحد من أقوى الجيوش في العالم”.
وقالت إن أعدادا متزايدة من المحللين الاستراتيجيين الغربيين يحذرون من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب على الرغم من أعمال العنف القوية والانتهاكات الكارثية التي ارتكبتها منذ الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
واعتبرت المجلة المعروفة بتوجهاتها اليسارية، أن الصراع المحموم بين حماس وإسرائيل لا يقف فقط عند الوضع الراهن، بل يمتد لأبعد من ذلك بكثير، مضيفة أن ليس من الواضح ما سيكون عليه المشهد العام لاحقا، لكن المؤكد هو أنه لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق.
وأضافت أن الهجوم المفاجئ لحماس وتمكن عناصرها من تحييد المنشآت العسكرية الإسرائيلية، وكسر بوابات أكبر سجن مفتوح في العالم، إلى جانب قتل نحو 1400 إسرائيلي، والسهولة الصادمة في اختراق الخطوط الأمنية والتكنولوجية الإسرائيلية، أمور كشفت عن جوانب جد متقدمة من التكتيك العسكري للمقاومة الفلسطينية لم تألفه إسرائيل في حروبها السابقة.
وأكدت المجلة أن مفهوم حماس للنصر العسكري يعتمد على تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد، وأنها لا ترى النصر في عام واحد أو عامين أو حتى خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال العسكري والسياسي الذي يزيد من التضامن الفلسطيني، وفي الوقت نفسه يزيد من عزلة إسرائيل.
الفخ الوجودي لإسرائيل
وصفت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلي تصريحات المؤسستين الأمنية والعسكرية عن أن "إسرائيل لا تعيش خطراوجوديا" بأنها منفصلة عن الواقع وتزيد من قلق الجمهور الإسرائيلي.
وكشف تقرير نشر في وسائل إعلام عبرية، أن إسرائيل إن لم تنتصر في حربها ضد حماس وبعدها ضد حزب الله فإنها ستخسر منطقتي النقب والجليل، مضيفا أن هذه الحرب حاسمة بشأن وجود إسرائيل.
في السياق نفسه، اعترف رئيس شعبة الاستخبارات في "الجيش" الإسرائيلي أمان، أهارون هاليفا بمسؤوليته عن الفشل الاستخباري والعملياتي الخطير في 7 أكتوبر، مؤطدا أن "ما تعيشه إسرائيل ليس حربا وجودية لأن وجودها ليس على المحك"، مؤكدا أنها حرب على وجود "إسرائيل" في المنطقة. وهو تصريح أيده رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين.
وأضافت الصحيفة أن مثل هذه التصريحات تدل على الفشل الفكري الذي يحكم تصور المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل، الُمدمنة على مفاهيم اتفاقية أوسلو إسرائيل هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أية عدوان خارجي.
ووفق الصحيفة فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو أعلن في وقت سابق عن أن الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة بأنها "حرب وجودية"، ومن الممكن ألا "تهدأ" هذه الحرب، لذلك، ومن كلام هليفا وكوهين، نقف على طبيعة اللامبالاة العقائدية وسوء الفهم الأساسي الذي أدى على ما يبدو إلى التسيب الاستخباري والعملياتي.
ولفتت "إسرائيل هيوم" إلى أن هذه الحرب اليوم تشن على نفس وجود المستوطنين الاجتماعي، أي على كيان إسرائيل، مشيرة إلى أنه "لا يوجد أي أحد يقامر بحياة عائلته سواء في النقب الغربي أو في الجليل الأعلى، لذلك نحن مضطرون إلى اقتلاع حماس وحزب الله من الحدود على الرغم من أن هذه المهمة قد تكون طويلة عسكريا ومعقدة سياسيا".
وأشارت الصحيفة إلى أن الفخ الوجودي الذي يمكن أن تقع فيه إسرائيل هو تأسيس جيش عربي فلسطيني للدفاع عن الأمن، واصفة هذا الأمر بالتهديد الوجودي لإسرائيل ولاسيما أنه نابع عن نظام أوسلو.
واقع الميدان والعتاد..
في الأوساط الأشد دعما لإسرائيل ولكن التي لا تزال تقدر أنه من الممكن تحقيق هدف إزاحة غزة كموقع لنضال شعب يريد استعادة وطن، يتم الاعتراف بصورة ملتوية بتعثر الحملة العسكرية على قطاع غزة.
جاء في تقرير نشر يوم 6 ديسمبر في العاصمة الأمريكية واشنطن وفي موقع الحرة التابع لحكومة واشنطن:
مع قرب دخول الحرب شهرها الثالث، وبينما فتحت جبهة جديدة نحو جنوب غزة، لا تزال إسرائيل "بعيدة" عن تحقيق هدفها العسكري المعلن: التدمير الكامل لحركة حماس، وفق صحيفة "واشنطن بوست".
وفيما قتل ما لا يقل عن 6 آلاف من مقاتلي حماس، في حرب غزة وفقا لثلاثة مسؤولين أمنيين إسرائيليين، لا يزال معظم عناصر الحركة الذين يقدر عددهم بـ60 ألفا، يقاتلون ضد الجيش الإسرائيلي في محاور مختلفة بالقطاع.
وتحدث مسؤولون إسرائيليون للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة العمليات العسكرية الجارية وتفاصيل لم يتم الإعلان عنها.
وكشف الرئيس السابق للقسم الفلسطيني في وكالة المخابرات العسكرية الإسرائيلية، مايكل ميلشتاين، أن حوالي ثلث مدينة غزة لا يزال خارج سيطرة القوات الإسرائيلية، بما في ذلك بعض المناطق التي من المتوقع أن تكون شديدة التحصين.
في المقابل، حاول موقع "الحرة" التواصل مع الجيش الإسرائيلي للتعليق على المساحة الخارجة عن سيطرته في مدينة غزة، لكنه لم يرد حتى تاريخ نشر هذه المادة.
وخلال فترة التوقف الأخيرة للقتال، ظهر عشرات من مسلحي حماس في ساحة رئيسية بمدينة غزة لتسليم الأسرى، ما يكشف بحسب الصحيفة، "استمرار حضور الجماعة في ما كان ذات يوم أكبر مدينة في القطاع".
وفيما قام الجيش الإسرائيلي حتى الآن بالالتفاف حول معاقل حماس العسكرية المعروفة هناك، يقول ميلشتاين، إن "معارك محتملة صعبة للغاية متوقعة في هذه المنطقة"، مشيرا إلى أن الحركة "جهزت بالفعل كل بنيتها التحتية".
وصرح مايكل أ. هورويتز، رئيس قسم الاستخبارات في شركة استشارات المخاطر "لو بيك إنترناشيونال": "قد تكون المعركة الأكثر دموية أمامنا"، مضيفا يبدو أن حماس تجنبت المواجهات المباشرة حتى الآن، لكنها "ستكون محاصرة وسيتعين عليها القتال".
وبالرغم من أن إسرائيل تقصف الجنوب حاليا بغارات جوية وفي ظل ارتفاع عدد الضحايا، يتزايد الضغط الدولي ما يجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي تكرار استراتيجيته الشمالية على المدى الطويل، وفقا لهورويتز.
وأكد مسؤول أمني إسرائيلي هذا التقييم، قائلا: "ستكون عملياتنا مختلفة تماما عن الطريقة التي عملنا بها في مدينة غزة، لأنها أكثر اكتظاظا بكثير".
المقاتلون
ويعترف مسؤولو الأمن الإسرائيليون، بأن رقم الخمسة آلاف الذي تم تقديمه لعدد عناصر حماس الذين جرى قتلهم يبقى "مجرد تقدير".
وذكر أحد المسؤولين: "نحن نعمل بناء على معلومات استخباراتية، نحللها ونفهم عدد القتلى وأين قتلوا".
ولم يكشف مسؤولو حماس عن أرقام قتلى الحرب في صفوف عناصر الحركة، ورفضوا التعليق على المعطيات التي أوردها التقرير، وفقا للصحيفة الأمريكية.
ويقول هورويتز: "لدينا مصدر واحد فقط للمعلومات وهو الجيش الإسرائيلي الذي يهتم، من نواح كثيرة، بزيادة الأرقام".
ويعتقد أن لدى حماس ما بين 27 ألف إلى 40 ألف مقاتل، ويقول محللون، إن للحركة سهولة في "الوصول إلى المجندين".
ويبقى عدد المقاتلين الإجمالي الذين قتلوا أقل أهمية لإسرائيل مقارنة بتصفية قيادات حماس بالقطاع، ولاسيما يحيى السنوار، قائد الحركة في غزة الذي وصفه الجيش الإسرائيلي، بأنه "رجل ميت يمشي"، قاصدا الهدف المتعلق بقتله.
وخصص الجيش الإسرائيلي، موارد استخباراتية كبرى لتحديد مكان وجود السنوار، بالإضافة إلى قادة رئيسيين آخرين، مثل محمد ضيف، رئيس الجناح العسكري لحماس، بحسب "واشنطن بوست".
وصرح هولاتا، "يمكن أن تتغير أشكال هذه الحرب، وأن تكون بمستويات مختلفة من الشدة، لكننا سنواصل خوضها حتى نصل إليهم"، في إشارة إلى قيادات الحركة.
الأنفاق
يعتقد أن لدى حماس مئات الكيلومترات من الأنفاق التي تمتد تحت غزة، وهي من بين أصولها العسكرية الأكثر أهمية، إذ تسمح لها بنقل الأسلحة وضمان تحرك المقاتلين دون كشفهم.
وذكر هورويتز: "أحد أهداف هذه الحرب هو الوصول إلى مكان وجود الأنفاق".
وقدر مسؤولون عسكريون إسرائيليون عدد فتحات الأنفاق التي تم اكتشافها حتى الآن بـ 800، مع تدمير 500 منها بالفعل. وقد رفضوا التعليق على التقارير التي تفيد بأنه يتم النظر في خطة لغمرها بمياه البحر في محاولة لإخراج المقاتلين منها.
وفي سياق متصل، يقول هورويتز، إنه من الصعب قياس مدى التأثير الذي تمكنت إسرائيل من إحداثه على نظام الأنفاق ككل، مضيفا: "لا نعرف عدد الفتحات في كل نفق".
وفي حين أن بعضها قد يكون صغيرا، ومخصصا لهجمات مباغتة، يعتقد أن عمق بعضها الآخر يصل إلى عشرات الأمتار ويتصل بشبكات أكبر. وتقدر شركة استشارات المخاطر "لو بيك إنترناشيونال"، أن حوالي ثلث نظام الأنفاق في غزة لا يزال سليما.
الصواريخ
وعلى الرغم من دخول الحرب شهرها الثالث، لا تزال حماس قادرة على إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل ومن شمال القطاع الذي ذكر الجيش الإسرائيلي أن سيطر عليه بشكل كامل.
في هذا الجانب، يقول هورويتز: "كان هناك انخفاض حقيقي"، غير أن أسئلة تطرح عن أسباب هذا التراجع، وتتعلق بشأن ما إذا كانت "إسرائيل تضرب حماس بقوة شديدة، وأن ترسانة حماس الصاروخية تتناقص بشكل كبير للغاية، أو أن حماس قلصت ضرباتها بشكل مقصود".
وقبل الحرب، قدرت المخابرات الإسرائيلية، أن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة، تمتلك ترسانة تبلغ نحو 30 ألف صاروخ.
وتقول السلطات الإسرائيلية إن المسلحين أطلقوا أكثر من 11500 صاروخ تجاه إسرائيل منذ 7 أكتوبر.
في هذا الجانب، يقول هورويتز، إنه سيكون من الصعب على إسرائيل تدمير قدرات حماس الصاروخية بشكل كامل، حيث يتم إنتاج الكثير منها محليا.
ومع توسيع العمليات جنوبا، كشف مسؤولون إسرائيليون أن العمليات في الشمال "لم تنته بعد"، حيث لم تستطع القوات الإسرائيلية، اختراق بعض معاقل حماس الرئيسية بمدينة غزة، على الرغم من أن مناطق واسعة فيها، سويت بالأرض، وفقا للمصدر ذاته.
وصرح اللفتنانت كولونيل، ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، "ستكون هذه فترة طويلة.. نحن بحاجة إلى الوقت"، معترفا بأن "الساعة الدبلوماسية تدق"، في إشارة إلى الضغوط الدولية على إسرائيل.
سلاح ذو حدين
استخدمت إسرائيل أحدث المعدات الحربية الأمريكية والغربية في عملياتها العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وشكل ذلك مجالا خصبا لخبراء الأسلحة الروس والصينيين وغيرهم ممن لهم علاقات تعاون مع المقاومة الفلسطينية أو خلاف مع واشنطن للإطلاع على أحدث التقنيات الغربية خاصة تلك التي لم يزودالناتو بها أوكرانيا من طرف الولايات المتحدة وحلفاءها.
وتقول مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن عمليات الاستطلاع التي تقوم بها الطائرات المسيرة الأمريكية ومثيلاتها البريطانية وتلك التابعة لحلف الناتو في سماء قطاع غزة تحاول وبدون نجاح حتى يوم 7 ديسمبر 2023 تحديد مكان ما قيل أنها وحدات معادية تجمع المعلومات عن الأسلحة الغربية من داخل قطاع غزة وتبثها بشكل مباشر إلى خارج القطاع سواء عن طريق الأقمار الصناعية أو المواقع الأرضية الحليفة القريبة وكذلك قطع البحرية غير الصديقة التي تراقب تحركات الأسطول السادس الأمريكي في المتوسط والذي تعزز بحاملة طائرات إضافية.
القت القوات الإسرائيلية حتى موعد وقف إطلاق النار في غزة وحسب تقديرات أمريكية ما قدره 40 الف طن من المتفجرات من مختلف الأنواع، وأضافت اليها حوالي 4.8 الف طن حتى 10 ديسمبر.
تقول دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالقذائف والألغام، وخبراء، إنه بشكل عام، واحدة من كل 10 ذخائر لا تنفجر، على الرغم من أن الرقم يختلف بشكل كبير حسب نوع السلاح، لكن هذا يشير إلى أن عددا كبيرا منها لا ينفجر في حينه.
في الصدد، قال جيمس كوان، الذي يقود منظمة HALO Trust، وهي منظمة غير ربحية تعمل على إزالة الألغام "هناك معدلات كبيرة لفشل انفجار بعض الذخائر، خصوصا بالمناطق الحضرية لأن الكثير من أنواع الذخيرة ستهبط بسلاسة من خلال السقف أولا، ثم من خلال عدة طوابق لتستقر في مكان ما بهدوء".
وفي بداية نوفمبر، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن إسرائيل أسقطت 10 آلاف قنبلة على مدينة غزة، وهو رقم لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل.
ويقول خبراء إن تدمير البنية التحتية الثقيلة يشير إلى استخدام قنابل كبيرة مثل قنبلة مارك 84 التي يبلغ وزنها 2000 رطل، وهي "قنبلة غبية" غير موجهة، تم تحديثها باستخدام نظام JDAMالذي قدمته الولايات المتحدة لتصبح سلاحا دقيقا.
قوى المقاومة في غزة ومنذ 27 ديسمبر سنة 2008 أولى ما يمكن وصفه بالمواجهة المسلحة الأوسع وهي تتعرف في المواجهات العسكرية مع إسرائيل على مختلف أنواع الأسلحة والذخائر التي تستخدمها تل أبيب، وتشير تقارير استخبارية غربية وإسرائيلية خاصة أن نسبة الانفجارات غير متحكم فيها للذخائر الراكدة في غزة خلال السنوات 16 عشرة الماضية كانت منخفضة للغاية بالمقارنة مع ساحات حرب أخرى رغم التصور السائد لدى البعض وخاصة في الغرب بمحدودية امكانيات المقاومة الفلسطينية. وهذا يعني أن سلاح الهندسة الفلسطيني في القطاع أصبح قادرا على التعامل مع أخطار المتفجرات بمختلف انواعها بمهنية عالية. زد على ذلك أن تقارير من الميدان بينت لخبراء أسلحة أمريكيين عملوا مع الجيش الإسرائيلي في عمليات تقدير فعالية أنواع مختلفة من الأسلحة خلال مواجهات الجيش الإسرائيلي سواء مع المقاومة الفلسطينية أو مع حزب الله اللبناني كشفت أن سلاح الهندسة في قطاع غزة استخدم كميات كبيرة من مكونات الذخائر غير المتفجرة التي أطلقها الجيش الإسرائيلي لتصنيع معدات استخدمها لاحقا بنجاح ضد خصومه.
الخطر الوجودي
كشفت بيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، مغادرة قرابة 370 ألف إسرائيلي البلاد منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، فضلاعن تراجع موجهات الهجرة إلى إسرائيل.
نقلت صحيفة "زمان إسرائيل" عن سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية (حكومية)، أنه منذ بداية الحرب غادر نحو 370 ألف إسرائيلي البلاد، منهم 230 ألفا و309 منذ بداية الحرب وحتى نهاية أكتوبر و139 ألفا و839 خلال نوفمبر 2023.
وأشارت الصحيفة إلى أن "الحرب لم توقف الهجرة إلى إسرائيل، لكنها قللتها بشكل كبير".
وذكرت: "حسب بيانات وزارة الاستيعاب، فإنه في الفترة من 7 أكتوبر إلى 29 نوفمبر هاجر نحو 2000 شخص إلى إسرائيل". وأضافت: "أي نحو ألف مهاجر شهريا، مقابل نحو 4500 شهريافي المتوسط منذ بداية عام 2023 حتى اندلاع الحرب، وهو انخفاض يزيد على 70 في المئة في نطاق الهجرة".
ووفقاً لبيانات وزارة الاستيعاب، وصل إلى إسرائيل شهرياً 6100 مهاجر في عام 2022، حسب الصحيفة. وتابعت: "انخفض عدد المهاجرين من نحو 20 ألفا في الربع الأول من 2023 إلى نحو 11 ألفا في الربع الثالث".
عمر نجيب