خريطة الأوهام والحقائق في صراعات القوى العظمي لفرض نظام عالمي... تبعات تعديل حدود دول شرق أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية تعود إلى الواجهة

أربعاء, 2023-07-26 18:05

من اللافت أن هناك لدى الطبقة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تحكم أو التي توجه الساسة وتقدم لهم المشورة عبر أغلب دول الأرض، اتفاق وإجماع على أن الحرب الدائرة في جولتها الثانية في وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022 تشكل نقطة مفصلية في التطورات والصراعات العالمية وهي التي ستحدد شكل النظام العالمي.

غالبية المراقبين يؤكدون أن خسارة أوكرانيا والناتو للحرب ضدروسيا هي كارثة إستراتيجية للغرب ويعتقدون أن أبعادها ستكون أكبر بكثير من الفشل الذريع في أفغانستان. في حين ستكون هزيمة روسيا انتصارا ساحقا لواشنطن وضمانا لاستمرار النظام العالمي القائم على القطب الواحد.

في الولايات المتحدة الأمريكية وفي عواصم دول حليفة أخرى ضمن تشكيلة الناتو العسكرية خاصة باريس وبرلين، ومع استمرار الحرب في وسط شرق أوروبا، ترتفع أصوات سياسيين وعسكريين تحذر من تكرار الأخطاء التي ارتكبها التحالف الغربي في المواجهات العسكرية التي خاضها ضد خصومه ولم يحسمها لصالحه أو خسرها بدأ من الحرب الكورية من 1950 إلى 1953 أو حرب الفيتنام التي انتهت بنكسة واضحة للغرب قبل حوالي 48 سنة، وحرب العراق 2003، والحرب شبه الدولية في بلاد الشام التي فشلت في إسقاط دمشق أو الحرب ضد ليبيا سنة 2011 والتي لا تزال تراوح مكانها دون أن تسجل نصرا للذين حاولوا إضفاء الشرعية عليها.

يرى عدد من المحللين أن التكتل الغربي مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين يعيش أمام تكرار مستحدث للتصرفات والقرارات القديمة التي تحمل في طياتها مخاطر انتكاسة أو هزيمة. وبشكل عام تتخذ الكثير من القرارات الخاطئة بسبب تسييس أجهزة المخابرات في العديد من الدول الغربية حيث تقدم تقارير تساير رغبات أجهزة الحكم وتتجاهل غيرها.

يوم 7 أبريل 1965 أعلن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون أنه سيلبي كل طلبات قائد القوات الأمريكية في الفيتنام وليام ويستمورلاند من الرجال والعتاد حتى تحسم الحرب لصالح واشنطن مؤكدا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإجبار الخصوم الشيوعيين على قبول السلام العادل. وكان ويستمورلاند قد تبنى سياسة الاستنزاف ضد جبهة التحرير الوطني لفيتنام الجنوبية والجيش الفيتنامي الشمالي، واعتمد أسلوب إحصاء قتلى الأعداء ليعكس ما قدمه في حينه على أنه النصر في الحرب.

تم تعين ويستمورلاند رئيسا لأركان الجيش الأمريكي من عام 1968 حتى 1972 بعد تركه قيادة القوات الأمريكية في جنوب شرقي أسيا، وكان في التقاعد عندما سقطت سيغون في 30 أبريل 1975، واستسلم زهاء 1.98 مليون جندي من جيش سيغون لقوات الفيتكونغ وجيش هانوي دون قتال يذكر وتم توحيد شطري البلاد.

خلال شهر نوفمبر 2001 وبالتوالي صدرت التصريحات التالية من قادة الغرب:

الرئيس الأمريكية بوش يؤكد أن حركة طالبان تنهار ببطء ورئيس وزراء بريطانيا بلير يقول إن الضربات الجوية وحدها لن تكون كافية لهزيمتها.

الرئيس الفرنسي شيراك يشدد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي بأفغانستان تصادق عليه الأمم المتحدة ويفسح في المجال لعملية انتقال سياسي.

مسؤول عسكري أمريكي يؤكد أن التحالف الشمالي أحرز تقدما في المعارك التي يخوضها ضد طالبان في محيط مزار الشريف.

بعد ثمان سنوات من الحرب ويوم 30 أكتوبر 2009 أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في نيودلهي انه لا بد من تحقيق النصر في الحرب على طالبان في أفغانستان تفاديا لعودة "الاضطهاد الوحشي"، على حد قوله.

يوم 30 أغسطس 2021 أكمل الجيش الأمريكي وقوات حلف الناتو في عملية فوضوية الانسحاب من أفغانستان.

خلال شهر أغسطس 2021 وفي مقال منشور بمجلة "فورين أفيرز"، ناقشت فاندا فِلباب - براون، خبيرة في شؤون الجريمة المنظمة، وباحثة مرموقة بمركز الأمن والاستخبارات للقرن الحادي والعشرين التابع لمعهد بروكينغز بالولايات المتحدة، أسباب انتصار طالبان السريع، وكيف صنعته سنوات من السياسات الأمريكية غير الملائمة لأفغانستان، وحجم فشل الأجهزة الأمنية الأمريكية التي كانت في تقاريرها المقدمة للبيت الأبيض تعيش خارج الواقع وتغوص في أوهام التمنيات.

يوم الاثنين 12 ديسمبر 2023 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن أكد لنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التزام واشنطن بمواصلة تقديم المساعدات الأمنية والاقتصادية والانسانية لكييف، مرحبا بانفتاح الأخير على سلام قائم على مبادئ الأمم المتحدة.

يوم الأربعاء 12 يوليو 2023 ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابا، أمام حشد في العاصمة الليتوانية فيلنيوس تعهد فيه عدم تخلي الغرب عن أوكرانيا في حربها ضد "الغزو الروسي".

وقال بايدن في باحة جامعة فيلنيوس "لن نتردد" في دعم أوكرانيا، مشيرا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يتوقع أن "ينكسر" حلف شمال الأطلسي (ناتو) لكنه "أخطأ في ظنه".

 

المخابرات وخيارات السياسة

 

يوم الخميس 20 يوليو 2003 دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ليصبح عضوا في حكومته. وذكر بايدن في بيان نشر على موقع البيت الأبيض على الانترنت: "يسعدني أن أعلن أنني دعوت مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، للعمل كعضو في حكومتي".

وأضاف بايدن إن بيرنز "سخر المعلومات الاستخباراتية لمنح بلدنا ميزة إستراتيجية حاسمة" وأثنى على "تحليله الواضح والمباشر الذي يعطي الأولوية لسلامة وأمن الشعب الأمريكي".

من المعروف أن بيرنز يلتقي بايدن بانتظام، وغالبا ما يطلعه مباشرة على أزمة أوكرانيا وغيرها من القضايا العالمية. بصفته عضوا في مجلس الوزراء، وهو يعمل جنبا إلى جنب مع مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز.

وذكر بيرنز في بيان: "إعلان الرئيس اليوم يعترف بالمساهمات الأساسية للأمن القومي التي تقدمها وكالة المخابرات المركزية كل يوم، ويعكس ثقته في عملنا".

صحيفة "واشنطن بوست"، أفادت نقلا عن مسؤولين أمريكيين، أن بيرنز نجح مؤخرا في لعب أدوار مهمة في مشاكل صعبة، حيث أفادت الصحيفة أنه بالرغم من مزاعم مدير وكالة المخابرات المركزية بأنه "لا يشارك في الدبلوماسية"، إلا أنه في الواقع كان الممثل الرئيسي لواشنطن في موسكو قبل وقت طويل من بدء العملية الخاصة في أوكرانيا في عام 2022، علما بأنه الوحيد من بين زملائه الأمريكيين الآخرين، الذي كان بإمكانه إجراء اتصالات "مباشرة" مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

صحيفة "واشنطن بوست" اعتبرت أن ضم وليم بيرنز إلى مجلس وزراء الرئيس الأمريكي، يؤكد مدى تأثير الأخير وتفانيه في دعم كييف.

ولكن الصحيفة قدرت إن هذه الخطوة، التي تعتبر رمزية في الغالب، لن تمنح بيرنز صلاحيات جديدة، لكنها تشير إلى مدى تأثير بيرنز على قرارات الإدارة، وسوف ينظر إليها على أنها "انتصار لوكالة المخابرات المركزية".

كان بيرنز شخصية محورية في إدارة بايدن، لا سيما في استراتيجية البيت الأبيض لرفع السرية عن نتائج الاستخبارات التي تفيد بأن روسيا كانت تنوي شن غزو شامل لأوكرانيا.

وفي وقت سابق، ذكر الصحفي الحائز على جائزة "بوليتزر"، سيمور هيرش، نقلا عن مصدر استخباراتي، أن بيرنز يطمح بالوصول لمنصب وزير الخارجية الأمريكية، كما أشار هيرش إلى أن الرئيس الحالي لوكالة المخابرات المركزية شغل في عهد الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، منصب سفير الولايات المتحدة في روسيا، كما عمل في عهد باراك أوباما نائبا لوزير الخارجية.

مسؤولون سابقون في أجهزة المخابرات الأمريكية وفي البنتاغون أكدوا أن قرار بايدن بشأن وليم بيرنز نابع أساسا من أنه يقدم للبيت الأبيض من التقارير ما يقوى اقتناعهم بأن سياستهم ستقود إلى هزيمة روسيا.

في الوقت التي أكدت فيه أغلب المصادر الغربية مع قرب نهاية الشهر السابع من سنة 2023 تعثر أو فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي أنطلق في شهر يونيو وعدم تمكنه من التقدم سوى لأمتار قليلة في بعض المواقع، أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الأحد 23 يوليو، أنه بالرغم من صعوبة الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية، فإن كييف استعادت نصف الأراضي التي احتلتها نظيرتها الروسية.

وقال بلينكن، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن"، إن "الهجوم الأوكراني المضاد صعب وسيستمر عدة أشهر". وتابع: "ما زلنا إلى حد ما في الأيام الأولى من الهجوم المضاد. إنه قوي.. لن ينتهي الأمر خلال أسبوع أو أسبوعين. نظن أنه سيستمر عدة أشهر".

وجاءت تصريحات بلينكن، في وقت اعتبر فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الهجوم المضاد "مُني بالفشل التام"، وذلك في بداية مباحثات مع نظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشنكو، يوم الأحد وإشارته إلى احتمال التقدم في غرب أوكرانيا لمنع بولندا من ضم المنطقة لسلطتها تحت غطاء حمايتها من الفوضى.

 

خيبت أمل الغرب

 

كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية خلال الثلث الأخير من شهر يوليو 2023 أن توقعات الغرب ورهاناته على شجاعة الأوكرانيين وحنكتهم في القتال خابت، بعد أن خذلت قوات كييف حلفاءها بفشل هجومها المضاد.

وأضافت الصحيفة أنه عندما شنت أوكرانيا هجومها المضاد، كان المسؤولون الغربيون يعلمون أن قوات كييف لا تتمتع بالقدرات اللازمة لمواجهة الجيش الروسي، لكنهم كانوا يعولون على شجاعة الأوكرانيين وحنكتهم إلا أن ذلك لم ينفع.

ولفتت الصحيفة إلى أن مواجهة حقول الألغام والتحصينات القوية وتفوق الطيران الروسي ستؤدي إلى مزيد من الخسائر في صفوف القوات الأوكرانية.

وفي ظل انخفاض احتمال حدوث اختراق واسع من قبل القوات الأوكرانية، يواجه الغرب احتمال إطالة أمد القتال والحاجة إلى أموال إضافية، وهو ما ستتردد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيه.

كما أشارت الصحيفة إلى مخاوف جو بايدن أن يؤثر استمرار النزاع على فرص إعادة انتخابه، واحتمال تنامي مشاعر التذمر في الاتحاد الأوروبي والتخلي عن دعم كييف في نهاية المطاف.

يوم 23 يوليو 2023 أشار العقيد الأمريكي المتقاعد دانيال ديفيس إلى أن قوات كييف اعتمدت تكتيكا جديدا محكوما عليه بالفشل، سيؤدي لسقوط مدن أوكرانية كبرى أخرى كأوديسا، أو خاركوف.

وأضاف أن أوكرانيا انتقلت من تكتيك "إرهاق العدو" إلى استخدام مجموعات صغيرة من المشاة للتوغل في المواقع الدفاعية الروسية، لكن هذا لن يساعدها، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى سقوط مدن أوكرانية إضافية كبرى كأوديسا وخاركوف.

وأكد أن اتباع كييف هذا التكتيك "سيفشل بالتأكيد حيث تتميز جغرافية أوكرانيا من وجهة نظر عسكرية بتضاريس مسطحة مفتوحة تتخللها بقاع غابات متفرقة. نظرا لأن روسيا تسيطر جويا ولديها عدد كبير من الطائرات بدون طيار، ففي كل مرة يخرج فيها الأوكرانيون إلى القتال، يتعرضون لنيران المدفعية الروسية.

وأكد أن القوات الأوكرانية لم تحقق ولا يمكنها تحقيق أي من الأهداف التكتيكية التي حددتها بسبب نقص الموارد البشرية والبنية التحتية اللازمة بعد المواجهات مع الجيش الروسي.

وأضاف ديفيس أنه رغم أن الأمر غير سار لمؤيدي كييف، إلا أن الحل الأمثل يكمن في بدء المفاوضات للحفاظ على ما تبقى من أوكرانيا.

وخلص إلى أنه "حتى هذا ليس ضمانا للنجاح، ولكن كلما تأخرت أوكرانيا في التوصل إلى هذه النتيجة، زاد احتمال استمرار حشد روسيا وزحفها هذا الصيف أو الخريف المقبل، للسيطرة على خاركوف أو أوديسا".

 

طمأنة الحلفاء

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 23 يوليو 2023:

سعى الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، إلى طمأنة الحكومات الغربية القلقة من التقدم البطيء للهجوم العسكري المضاد الذي تشنه كييف على القوات الروسية، مشيرا إلى أن العملية على وشك أن "تزيد في السرعة".

وفيما أكد زيلينسكي، السبت، على استمرار جهود صد القوات الروسية في أوكرانيا منذ أسابيع، أشار إلى أن تأخر إطلاق الهجوم المضاد، يرجع لعدم كفاية الذخائر والأسلحة والألوية المدربة بشكل جيد، مما منح روسيا الوقت لتقوية دفاعاتها.

وأصر الرئيس الأوكراني، حسبما نقلته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، على أن الأوضاع على جبهات القتال الأمامية على وشك "التحول"، مكررا دعوته للحلفاء لتزويده قواته بالمزيد من الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المقاتلة المتطورة.

وقال: "نحن نقترب من لحظة يمكن فيها للإجراءات ذات الصلة أن تتسارع، لأننا نتجاوز بالفعل بعض مواقع الألغام ونقوم بإزالتها".

وجاءت تطمينات ودعوات زيلينسكي الجديدة، خلال حديثه إلى قادة الأمن الدوليين في منتدى "آسبن" بالولايات المتحدة، والذي سيطرت المناقشات المرتبطة بوتيرة الهجوم المضاد لأوكرانيا لصد القوات الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا، على جدول أعماله.

وقالت نائبة رئيس الوزراء الكندي، كريستيا فريلاند، موجهة الكلام للرئيس الأوكراني إن تقدم الهجوم المضاد "كان السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هنا.. وما يشغل جميع أصدقائك في العالم".

وبينما، ينظر مجموعة من المسؤولين بـ"نظرة تفاؤل" للتقدم العسكري الأوكراني، عبر آخرون عن تحفظهم من قدرة القوات الأوكرانية على تحقيق أي اختراقات كبرى.

في هذا الجانب، يبرز أستاذ التاريخ بجامعة فيرجينيا والدبلوماسي السابق، فيليب زيليك، أن "الأوكرانيين يتجهون نحو ما يمكن أن يكون شتاء من السخط"، لافتا إلى التأثير الاقتصادي الحاد للحرب والتكلفة الباهظة التي تتحملها الولايات المتحدة وحلفاء آخرون لإبقاء حكومة كييف واقفة على قدميها.

وصرح وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، لصحيفة فاينانشيال تايمز، إن عدم التوافق بين التوقعات الأوكرانية والالتزامات الغربية "كان مفهوما لأن الغرب لديه أولويات أخرى، بينما كان لأوكرانيا تركيز محدد".

وأشار المسؤول البريطاني "سيكون هناك دائما اختلاف طفيف في النهج بين القيادة الأوكرانية والبلدان الأخرى، فيما يتعلق بما نريد تحقيقه".

بالمقابل لفتت الصحيفة إلى ما اعتبرته "الإحباط الواضح" لمسؤولي إدارة بايدن من انتقادات كييف وحلفاء الناتو الآخرين، فيما يتعلق بوتيرة ونوع المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا.

في هذا الجانب، صرح السيناتور جيم ريش، كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بأن "إدارة بايدن كانت بطيئة للغاية في إرسال أنظمة مثل دبابات القتال الرئيسية والذخائر العنقودية التي وصلت في النهاية إلى ساحة المعركة".

وأضاف: "لقد سئمت من سماع التصعيد.. توقف عن الحديث عن التصعيد، لأنك إذا لم تفعل فستخسر الحرب".

بالمقابل، نفى جيك سوليفان، مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي أمام مؤتمر "آسبن" للأمن، الانتقادات القائلة بأن إدارة بايدن لم تتحرك لتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا بسبب قلقها من روسيا، مبرزا أن "الحجم الهائل" للمساعدات التي تم تقديمها "يوضح أن الولايات المتحدة "مستعدة للمخاطرة وسنواصل الاستعداد للمخاطرة دعما لكييف".

كما رد على الانتقادات بأن القلق بشأن التصعيد النووي الروسي علامة على الضعف، مشيرا إلى أن "من مسؤولية كل عضو في الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة، التفكير في رد الفعل الروسي قبل القيام بأي خطوة، لأن هذا مهم لأمننا، وللاستقرار العالمي".

 

المأزق يزداد تعقيدا

 

رغم تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين المتفائلة بالنسبة لقوات كييف والتي تذكر بما كان يقال قبل أشهر قليلة حول أفغانستان وقدرة جيش حكومة كابل على مواجهة طالبان، تكشف تقارير أمريكية عن ثغرات كبيرة.

يوم الاثنين 24 يوليو جاء في تحليل نشر في واشنطن:

مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها السابع عشر، يبدو الروس والأوكرانبون عالقين على طرفي تبادل مميت للهجوم والدفاع، من دون بوادر نصر قريب لأي منهما، كما يشير تقرير كتبه أربعة من صحفيي نيويورك تايمز في أوكرانيا.

يقول مراسلو الصحيفة إنه فيما لم تعد المدفعية الروسية تمنح قوات الكرملين ميزة واضحة، كما كان الأمر في بداية القتال، فإن القوات الأوكرانية تكافح من جانبها لاختراق الدفاعات الروسية القوية، وتعبر ببطء كيلومترات مربعة كثيرة من حقول الألغام.

وكلما اقترب الطرفان من بعضهما، يزداد "المأزق" تعقيدا، يشير التقرير.

وحتى المكاسب المحلية التي يحققها الطرفان هنا وهناك، تأتي بتكاليف ضخمة من الخسائر البشرية والمادية.

ونقل الصحفيون عن قائد أوكراني، لم يذكر اسمه، إنه "خسر جنودا بقدر عدد فصيله مرتين" منذ بدء الهجوم الأوكراني.

أحرزت أوكرانيا كثيرا من الانتصارات الميدانية خلال معاركها الدفاعية، وأثبت جنودها أنهم استطاعوا تحييد القوة الروسية الضخمة التي هاجمت خطوطهم بلا هوادة، لكن مع التحول الأوكراني نحو الهجوم، يشير تقرير نيويورك تايمز إلى مشاكل "دائمة" وطويلة الأمد يعاني منها الأوكرانيون.

ويقول التقرير إن التحسن في قدرات أوكرانيا على التنسيق بين خطوط هجومها المختلفة تحسن، لكن "بشكل هامشي".

وفيما ينجح الأوكرانيون بصعوبة في طرد الروس من خنادقهم الدفاعية، فإن الخسائر الهائلة تعني غالبا إن قوات كييف ستدافع عن هذه الخنادق بجنود أقل خبرة، مما يعني أن الخنادق يمكن أن تعود إلى الروس بسرعة.

ويعاني الأوكرانيون، أيضا، نقصا في الذخيرة، وأن تنوع بلاد المنشأ للقذائف يخلق مشكلة الأداء المتباين ونقص الدقة – خاصة بالنسبة للمدفعية – كما أن هناك قذائف وصواريخ قديمة مرسلة لأوكرانيا تنفجر أحيانا عند الإطلاق وتلحق أضرارا بالجنود الأوكرانيين والمعدات الأوكرانية.

وتعيق مشاكل الاتصالات، التي تعتمد على الإنترنت المجهز من أقمار ستارلنك، الكثير من التواصل الحيوي خلال المعارك.

ويقول الصحفيون إن الأوكرانيين يعانون كذلك من مشاكل تتعلق بنقص التمويه، مما يجعل مدرعاتهم عرضة لهجمات الطائرات الروسية بدون طيار.

وقد أجبرت طائرات "الكاميكازي" الانتحارية الروسية أطقم المدفعية والدبابات الأوكرانية على اتخاذ تدابير واسعة النطاق لإخفاء مواقعها.

حتى أن بعض أطقم الدبابات قامت بلحام دروع محلية الصنع بأبراجها في محاولة لإيقاف تلك الطائرات.

وفي ظل كل هذه الصعوبات، يشير التقرير إلى أن "من الصعب جدا" التنبؤ بشكل نهاية هذه الحرب، أو ما إذا كانت ستنتهي في أي وقت قريب.

 

بولندا ومعضلة الحدود

 

بينما يتعثر الهجوم الأوكراني المضاد يتصاعد التوتر بين موسكو ووارسو التي تعتبر روسيا التهديد الأخطر للناتو.

وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبارات تهديد إلى بولندا، عقب الإعلان عن إعادة نشر قوات بولندية تجاه الحدود الشرقية للبلاد مع بيلاروسيا، حليف لموسكو، فيما قال وزير الدفاع الألماني إن بلاده وحلف الناتو مستعدان لدعم بولندا. 

وصرح بوتين في اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي، إن "بيلاروسيا جزء من الدولة الاتحادية (لروسيا وبيلاروسيا). وشن عدوان على بيلاروسيا سيعني عدوانا على الاتحاد الروسي. وسنرد على ذلك بكل الوسائل المتاحة لدينا"، متهما بولندا بأن لديها أطماعا في اراضي دول الاتحاد السوفيتي السابق.

وخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، أكد بوتين كذلك أن المناطق الغربية في بولندا الحالية كانت "هدية من ستالين" للبولنديين في نهاية الحرب العالمية الثانية.

والمعروف أنه تطبيقا لقرارات اتخذتها القوى العظمى في العام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تم نقل حدود بولندا نحو 300 كيلومتر في اتجاه الغرب، مقارنة بخريطة ما قبل الحرب.

وعليه احتفظ الاتحاد السوفياتي بالأراضي التي ضمها في العام 1939 في شرق بولندا، بينما أُلحقت بعض المناطق التي كانت تابعة لألمانيا ببولندا.

وتنفي بولندا أي طموحات للاستيلاء على أراض في بيلا روسيا.

وسبق أن أعلنت حكومة بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، عزمها نقل عدد غير محدد بعد من قواتها نحو الشرق أكثر، بسبب وجود قوات مجموعة فاغنر الروسية في بيلاروسيا المجاورة.

وظهر يفغيني بريغوجن قائد فاغنر في مقطع فيديو يوم الأربعاء وهو يرحب بمقاتليه في بيلاروسيا ويخبرهم بأنهم لن يشاركوا حاليا في الحرب في أوكرانيا، لكنه أمرهم بحشد قوتهم للقيام بعمليات إفريقيا، علاوة على تدريب جيش بيلاروسيا.

وبدأت روسيا في الأسابيع الأخيرة في نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا لأول مرة. واجتمع بوتين يوم الأحد 23 يوليو برئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو.

وذكر بوتين أن هناك تقارير صحفية عن خطط لاستخدام وحدة بولندية-ليتوانية في عمليات بغرب أوكرانيا لاحتلال أراض هناك في نهاية المطاف. وقال "من المعروف أنهم يحلمون أيضا بأراضي بيلاروسيا ".

وفي خضم الحرب على أوكرانيا، اتهم بوتين بولندا أيضاً بوجود نوايا لديها لاحتلال غرب أوكرانيا. وذكر أن هناك تقارير تتحدث عن تشكيل مزمع لوحدة عسكرية أوكرانية بولندية ليتوانية.

وأكد بوتين إن الوحدة سيجري نشرها في أوكرانيا "لضمان أمن ما هو الآن غرب أوكرانيا.. لكن بشكل أساسي، إذا كنت تسمي الأشياء بأسمائها، فإن الأمر يتعلق بالاحتلال اللاحق لهذه الأراضي".

بدوره، صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس يوم الجمعة 21 يوليو إن ألمانيا وحلف شمال الأطلسي مستعدان لدعم بولندا في الدفاع عن الجناح الشرقي من التحالف.

من جانب آخر، قالت وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة إن أسطولها في البحر الأسود يتدرب على إطلاق صواريخ على "أهداف عائمة" واحتجاز سفن، فيما نفى سفير روسيا لدى الولايات المتحدة وجود أي خطة لمهاجمة سفن.

 

ممر سوالكي

 

جاء في تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" (Newsweek) الأمريكية يوم السبت عن تصاعد التوتر بين موسكو ووارسو، أن بولندا، التي تشترك في حدود شمالية شرقية مهمة إستراتيجيا مع بيلاروسيا، قد نقلت ألف جندي من جيشها بالقرب من حدودها مع بيلاروسيا في وقت سابق من الشهر الجاري بسبب المخاوف المتعلقة بوجود فاغنر في أراضي جارتها الشرقية.

في موسكو اعتبر التحرك البولندي استعدادا لشن هجوم على ممر سوالكي الذي يربط أراض الاتحاد الروسي بمنطقة كالينينغراد الروسية على بحر البلطيق والذي تكررت قيود دول البلطيق بخصوص التنقل عبره منذ فبراير 2022.

يفصل ممر سوالكي بين منطقة كالينينغراد الروسية في بحر البلطيق وبيلاروسيا. ويمثل هذا المعبر الطريقة الوحيدة من بولندا وأوروبا الوسطى للوصول عن طريق البر أو السكك الحديدية إلى دول البلطيق.

يبلغ عرض ممر سوالكي أربعين ميلا في خط مباشر، ولا يعد ممرا كبيرا على الأقل من حيث الحدود الطبيعية مثل الأنهار أو السواحل أو الجبال.

ونقلت مجلة "نيوزويك" عن كارتابولوف -الذي سبق أن شغل منصب نائب وزير الدفاع الروسي قبل أن يصبح نائبا في البرلمان الروسي- قوله "أعتقد أن الرئيس فلاديمير بوتين حول مجموعة فاغنر إلى بيلاروسيا للتحضير لهجوم على بولندا إذا حاولت دخول ممر سوالكي وعزل الأراضي الروسي عن الرابط الأرضي".وقال كارتابولوف إن "من الواضح أن شركة فاغنر العسكرية الخاصة ذهبت إلى بيلاروسيا لتدريب القوات المسلحة البيلاروسية، لكن ليس لهذا فقط هناك شيء مثل ممر سوالكي، وأنت تعرف جيدا ما هو، إذا حدث أي شيء فنحن بحاجة إلى هذا الممر".

كالينينغراد - المعروفة سابقا باسم كونيغسبيرغ - تابعة للأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي حاليا موطن لقوات قتالية روسية كبيرة العدد بما في ذلك أسطول البلطيق الروسي والدفاعات الجوية المتقدمة وصواريخ "إسكندر إم" المحمولة ذات القدرة النووية. بالنظر إلى ذلك، فإن روسيا حساسة بشكل خاص لأي تهديدات متصورة لسيطرتها على المنطقة غير المجاورة وقد تخاطر بالتصعيد إذا أساءت تفسير تصرفات الناتو بالقرب من كالينينغراد خاصة أن الناتو حاول منذ سنة 2022 وضع العراقيل أمام موسكو في الممر.

 

نقطة ضعف الناتو

 

أغلقت ليتوانيا النقل بالسكك الحديدية أمام جزء من البضائع الروسية من وإلى الجيب الروسي "كالينينغراد"، تطبيقا للعقوبات الغربية، مما أعاد المخاوف من اتساع نطاق الصراع الأوكراني إلى بحر البلطيق من جديد. تعد ليتوانيا ممرا إلزاميا للاتصالات بين موسكو عبر بيلاروسيا و"كالينينغراد".

تعتبر مقاطعة "كالينينغراد" الروسية إحدى مقاطعات الاتحاد الروسي خارج حدودها، وتقع بين بولندا وليتوانيا مع منفذ إلى بحر البلطيق على بعد 160 كيلومترا شرق "غدانسك". في عام 1945، بعد تقدم الجيش الأحمر، تم ضم "كونيغسبرغ"، الاسم التاريخي للمدينة البروسية المطابقة لمدينة "كالينينغراد" الحالية، إلى موسكو.

تبدو كالينينغراد، التي تزيد مساحتها عن 15000 كيلومتر مربع، وكأنها قلعة عسكرية أكثر من كونها منطقة. هنا أنشأ الروس ما يسمى في المصطلحات العسكرية بفقاعة منع الوصول / المنطقة المنعزلة (A2 / AD)، وهي منطقة مانعة لتسرب "المياه" من أي هجمات لحلف شمال الأطلسي، وتتميز بوجود أنظمة صواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات / مضادة للصواريخ الباليستية ومضادة للغواصات بالإضافة إلى أنظمة الحرب الإلكترونية ورادار OTH والمركبات البحرية وتحت الماء والجوية.

وفقا لبعض المحللين، سيكون هذا الممر نقطة الضعف الحقيقية للناتو، لأنه في حالة حدوث نزاع، فإن القوات الروسية في "كالينينغراد" ستنضم مجددا إلى تلك الموجودة في بيلاروسيا، مما يؤدي إلى عزل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا بشكل فعال، بحيث "يمكن لروسيا أن تسيطر على دول البلطيق أسرع مما يمكن أن يدافع عنها الناتو. وهذا ما كان يخشاه أيضا الجنرال «بن هودجز» (Ben Hodges)، القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا.

لكن "ممر سوالكي" هو أيضا ممر مهم جدا للبنية التحتية. هذا الشريط من الأرض، في الواقع، يتقاطع مع طريق اتصالات مهم واستراتيجي، وهو الطريق الأوروبي E67 أو طريق البلطيق، الذي تم تشكيله بواسطة الطريق السريع S61 للجزء البولندي وبواسطة "ماجيسترالينيس كيلياس A5" للجزء الليتواني، وهو جزء من الممر البحري: شمال البلطيق، أحد البنى التحتية للطرق الرئيسية لشبكة النقل عبر أوروبا (TEN-T)، التي تربط فنلندا ودول البلطيق ببقية أوروبا.

السكك الحديدية الوحيدة التي تربط دول البلطيق ببقية دول الاتحاد الأوروبي تمر أيضا عبر "ممر سوالكي"، في انتظار إنشاء خط السكك الحديدية البلطيق الذي سيربط الجمهوريات الثلاث بهلسنكي ووارسو وبرلين.

تعتبر الطبيعة الإستراتيجية لهذه المنطقة موضع أهمية كبير لروسيا، التي نظمت في السنوات الأخيرة العديد من التدريبات. في عامي 2017 و 2021، أعدت موسكو ومينسك مناورات "زاباد"، والتي تعني بالروسية "الغرب"، حيث تدربت القوات الروسية والبيلاروسية على إغلاق "ممر سوالكي" بالهجوم من بيلاروسيا في اتجاه "كالينينغراد". تم التمرين الأخير، المطلق عليه إسم "قرار الاتحاد 2022"، والذي كان له سيناريو مشابه، قبل وقت قصير من حرب أوكرانيا.

أجرى الحلف الأطلسي أيضا تدريبات في منطقة "ممر سوالكي": في عام 2017 كانت هناك تدريبات "الذئب الحديدي" لتقييم الاستعداد للتخطيط للعمليات العسكرية وتنفيذها في المنطقة وعزل روسيا عن بحر البلطيق، ويتم تنفيذ عملية "Sabre" كل عامين. لكن ردع الناتو يعتمد على الوجود الأمامي المعزز الذي نشأ بعد استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

في مقابلة أجريت مع راديو وتلفزيون ليتوانيا، قال القائد العسكري لإستونيا، الجنرال "مارتن هيرم"، إنه إذا قامت روسيا "بحصار ممري "سوالكي"، فإن الناتو سيغلق خليج فنلندا أمام روسيا." ثم أضاف: "ممر سوالكي" ليس مشكلتنا فقط. في المستقبل ستكون لدينا القدرات لإحداث معضلة استراتيجية لروسيا. يمكننا إغلاق خط الاتصال على بحر البلطيق بين "كالينينغراد" و"سانت بطرسبرغ".

 

عمر نجيب

[email protected]