السياسة الخارجية الفلسطينية تضعها السلطة الفلسطينية وهى الحكومة التي تتبع الدولة الفلسطينية وهى التي تشرف على التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في الخارج وتحدد السياسة الخارجية الفلسطينية وبأسم رئيس السلطة تصدر أوراق الاعتماد للسفراء الفلسطينيين في الدول الأجنبية. ومن الناحية القانونية كان يجب أن تتحول السلطة منذ عام 2012 إلى حكومة عادية منذ أن اعترفت الأمم المتحدة بدولة فلسطينية وهذا يرتب على المستوى القانوني مسألتين الأولى هي تحول السلطة إلى حكومة عادية يعينها الرئيس الفلسطيني وعلاقة ذلك باتفاق أوسلو ودلالاته بالنسبة لهذا الاتفاق وفى هذا المقام نبدد وهما لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بأن السلطة الفلسطينية ناجمة ومؤسسة على اتفاق أوسلو فإذا زال هذا الاتفاق زالت السلطة وهذا غير صحيح فاتفاق أوسلو مجرد اعلان مبادئ بتفاوض عليها الطرفان خلال خمس سنوات وحدد المسائل الاساسية الخمسة للمفاوضات النهائية ومعنى ذلك أن السلطة عبارة عن حكم ذاتي فلسطيني يماثل ما ورد في اتفاق الحكم الذاتي الذى وقع في كامب دايفيد ولا ينص اتفاق اوسلو على أن المفاوضات سوف تنشيء دولة فلسطينية لأن الدولة قررتها الأمم المتحدة بعد عقود من اتفاق اوسلو كما أن فكرة الدولة الناشئة أو في طور النشأة نظرية تنطبق على الحالة الفلسطينية ومعنى ذلك أن الدولة الفلسطينية قائمة بارادة الفلسطينيين والعرب واعترفت بها أكثر من مائة دولة وقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة على أساس أن منظمة التحرير تتمتع بالشخصية القانونية الدولية.
والمسألة الثانية هي علاقة الكيانات الثلاثة ببعضها وهى السلطة والدولة والمنظمة فالمنظمة هي التي تفاوضت مع إسرائيل نيابة عن الشعب الفلسطيني ثم قامت الدولة والدولة تتكون من عناصر ثلاثة الاقليم والشعب والسلطة السياسية فيفترض أن الدولة تحل محل السلطة والمنظمة معا ولذلك فإن مطالبة الفلسطينيين بإحياء منظمة التحرير الفلسطينية وادخال حركات المقاومة ضمن المنظمة أمر لا معنى له . فقد أشرنا إلى أن السلطة يجب أن تتحول إلى حكومة أو سلطة سياسية تجمع بين الاذرع التنفيذية والقضائية والتشريعية وتعتبر الدولة الفلسطينية دولة محتلة فتتصرف في المحيط الدولي على هذا الاساس ولكن المشكلة هي أن السلطة الفلسطينية إذا حلت ترمز عند إسرائيل إلى انهاء اتفاق أوسلو مع أن إسرائيل لم تحترم هذا الاتفاق يوما وعلى كل حال انقضي هذا الاتفاق بمرور الفترة الانتقالية ومدتها خمس سنوات لأن إسرائيل كشفت عن نيتها الحقيقية للحصول على كل فلسطين وليس اقتسامها. وتسمي هذه الحالة في القانونdesuetude ومن ناحية أخرى فإن السلطة والمقاومة على طرفي نقيض :المقاومة تدعى إنها تمثل الشعب الفلسطيني يقابلها ادعاء السلطة . والمقاومة تعتبر خصما سياسيا للسلطة ومنافسا عند الشعب الفلسطيني كلما تعنتت إسرائيل وتوحشت وأصبحت المقاومة ضرورة وفى هذه الحالة فإن الدبلوماسي الفلسطيني لا يعترف بالمقاومة ولا يروج لها ويلتزم بخط حكوماته في ادانتها بالارهاب على المستوى العربي وكنت قد وضعت اختبارا لنوايا قمة جدة العربية في منتصف مايو 2023وهو رفع القرار الخاص بوصف المقاومة بالارهاب وإلا فإن القمة تضع نفسها في موضع المتآمر على المقاومة وقد نشرت مقالا صريحا في هذا الموضوع بناءا على المعطيات الجيوبوليتيكية التي حكمت العلاقة بين معسكر المقاومة والمعسكر الآخر.
ومعنى ذلك أن الدبلوماسي الفلسطيني ليس كالاسرائيلي الذى يتعلم أن يكون ايديولوجيا بمعنى أن يكون أداة مقتنعة بتحقيق المشروع الصهيوني وهو جلب اليهود من كل دول العالم إلى فلسطين ليحلوا محل الفلسطينيين في أرضهم ورغم الاشارات المتكررة في بعض الظروف للمسؤولين في السلطة عن دعمهم للمقاومة إلا أن السلطة قيدت نفسها بنفسها بالتعاون مع إسرائيل ضد المقاومة تحت ستار التنسيق الأمني حرصا علي بقاء السلطة على حساب القضية المركزية للشعب الفلسطيني وقد نصحت كثيرا جميع الفصائل الفلسطينية بأن إسرائيل تستهدف العرق الفلسطيني أىا كان موقعه وأنها تقوم بعملية ابادة منظمة لهذا العرق طمعا في دفعه إلى متحف التاريخ ضمن الأمم البائدة.
ولذلك لابد من مراجعة مفهوم المصالحة واسس العلاقة بين السلطة والمقاومة واقترح أن ينضم بعض الشباب المقاوم إلى وزارة الخارجية الفلسطينية بعد أن تصبح السياسة الخارجية مرآة للعقيدة العامة للشعب الفلسطيني وهناك نقطة أخرى ملتبسة على الجميع وهى أن المقاومة تنتقد السلطة في استمرار التفاوض مع إسرائيل رغم وضوح الخط الإسرائيلي الذي يعتبر المفاوضات للمفاوضات.
الواقع أن التناقض ليس بين المقاومة والمفاوضات ذلك أن المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة في نهاية المطاف لتسوية القضية فالمفاوضات وسيلة وليست غاية كما اعتبرتها إسرائيل غاية في ذاتها ولذلك تبحث إسرائيل في استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني لتحقيق هذف واحد وهو توقيع الممثل الفلسطيني على وثيقة تسليم فلسطين لليهود وأظن أن المسألة تحتاج إلى وقت طويل خصوصا وأن المقاومة تستبعد هذا الاحتمال.
هذا الموضوع يذكرنا بالنموذج الفيتنامي حيث كانت المقاومة هي التي تفاوض الأمريكيين ولم يكن هناك انقسام بين صفوف الفيتناميين ولذلك انتصرت المقاومة وجعلت هم المفاوض الأمريكي اخراج القوات الأمريكية من هذه الورطة ولذلك كوفيء كيسنجر لجهوده في المفاوضات السرية لخمس سنوات في باريس بجائزة نوبل للسلام كما حظى بتقدير الأمة الأمريكية وتفرغ بعدها لتوريط السادات عام 1973 لصالح إسرائيل حتى خلال الحرب حيث أشرف شخصيا على الثغرة وعلى مفاوضات فك الاشتباك المعروفة بمفاوضات الكيلو 101 التي خيرت مصر بين ابادة الجيش الثاني الميداني المحاصر وبين توقيع الاتفاق للانسحاب من المساحات التي تقدمت فيها القوات المصرية
في ذلك الوقت.
والخلاصة ان المطلوب هو وضع سياسة خارجية تعتمد المقاومة كورقة قوة في المفاوضات وتنشئة جيل من الدبلوماسيين علي ذلك.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب مصري