حقائق خمسة لا يمكن إغفالها والقفز عليها وإلا غادرنا الحقائق إلى الأساطير والتمنيات:
الحقيقة الأولى هى أن واشنطن تعتبر إسرائيل ودعمها وتمركزها فى المنطقة وتصدرها للتفاعلات الإقليميةمصلحة امريكية محققة. قال بايدن أن إسرائيل هى مركز المصالح الأمريكية قي الشرق الأوسط وقد ثبت لروسيا تدخل إسرائيل فى الحرب فى أوكرانيا لصالح الغرب.
وأكد بايدن أن الإنجاز الوحيد لإدارته خلال هذه السنوات هو تسهيل واشنطن الاختراق الدبلوماسى الإسرائيلى للعالم العربى . ويلحق بهذه الحقيقة أن واشنطن غير مستعدة للقبول بأن إيران ومعسكر المقاومة قد انتصر عليها، كما أن واشنطن لاتنوى مغادرة الشرق الأوسط كما أنها غير مستعدة لتخفيف قبضتها على حلفائها فى المنطقة. ومعنى ذلك أن أقدام الجامعة العربية على طرد سوريا أو تجميد عضويتها لأكثر من عشر سنوات واقدام الجامعة على وصم المقاومة بالإرهاب، لم يكن امرا شتذا عربيا ويبدو أن الجامعة سعدت باختراق إسرائيل للصف العربى ومحاصرة مصر من جميع النواحى شرقا وغربا وجنوبا. لذلك لايمكن أن تكون أحداث السودان مشكلة محلية منقطعة الصلة عن بقية التفاعلات فى الشرق الأوسط.
الحقيقة الثانية أن الثورة الإسلامية فى إيران وجهت ضربة  قوية قاصمة للاستراتيجية الأمريكية كما أنها موجهة إلى واشنطن وإسرائيل معا. وأعلنت إيران أن هدفها النهائى إزالة إسرائيل وتحرير الأقصى. وقد فشلت كل محاولات واشنطن إحباط الثورة وحصارها مع حلفائها فى المنطقة والغاية الأساسية للثورة إزاحة الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج عبر قيادتها لمحور المقاومة. أما إسرائيل وواشنطن فهمهما القريب هو تحجيم إيران عسكريا وسياسيا وتجميد المشروع الإيرانى والهدف النهائى هو إعادة إيران إلى أسرة الشاه. ولاشك أن إيران وإسرائيل هما مركز التفاعلات فى المنطقة بعد إخراج مصر بالتقارب مع إسرائيل من خريطة القوى الإقليمية وتجريدها من أوراق القوة جميعا والتأمر على وجودها من خلال سد النهضة رغم تقاربر يالتآمر الحثيث مع واشنطن  وإسرائيل.
الحقيقة الثالثة هى أن إسرائيل تصر على إفراغ فلسطين من سكانها واحلال يهود العالم محلهم ولذلك يدها فى كل المآسى العربية وأن إسرائيل مقدمة على المرحلة الختامية من إسرائيل الكبرى وهو ما أطلق عليه صفقة القرن بين ترامب ونتانياهو.
الحقيقة الرابعة هى أن إيران صمدت ضد كل محاولات قمعها حتى الآن ولاتزال المؤامرة مستمرة ونجحت إيران ولاتزال في ان تكون التهديد الأكبر لإسرائيل. لأنها رأس معسكر المقاومة وسوريا هى الحلقة الوسطى. وقد حاولت واشنطن وإسرائيل إنهاء العراق وسوريا والضغط على لبنان بهدف تجريد إيران من معسكر المقاومة، كما حاولت واشنطن فك التحالف الإيرانى- السورى الذى نكون 1979 فى اللحظة التى تركت مصر سوريا وحدها وفرت إلى المعسكر الصهيوأمريكى على يد السادات الذى كاد للثورة الإسلامية فاستقبل الشاه الذى توفى فى مصر ودفن إلى جانب والده. وكانت إيران قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع مصر أملا فى حملها على التراجع عن التقارب الأمريكى الإسرائيلى.

الحقيقة الخامسة أن مصالح واشنطن متجذرة فى المنطقة من أجل إسرائيل، كما فشلت واشنطن في فك  التحالف السورى الإيرانى بكل الوسائل وظنت واشنطن أنها كسبت سوريا عندما انضمت إلى التحالف الدولى الذى قادته واشنطن ضد الاحتلال العراقى للكويت، وذلك حتى يمكن فصل سوريا عن إيرن. ولما كان العراق هو المعتدى على إيران لصالح واشنطن وحلفائها فى الخليج فقد نجحت واشنطن فى احتلال العراق  والقضاء عليه. كقوة عربية بل إنها استغلت تأييد عرفات لصدام فى احتلال الكويت لوضع القضية الفلسطينية فى طريق التصفية والانفراد الإسرائيلى بفلسطين.

وفى ضوء هذه الحقيقة ما الذى تغير فى المعسكرين المقاومة والآخر حتى تقبل السعودية على إيران وسوريا ويقرر وزراء الخارجية العرب إعادة سوريا إلى الجامعة، وأن تتم إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، والسعودية وسوريا من خلال الصين .

 بالمعايير الظاهرة هى هزيمة للمعسكر الآخر وسط  تغول إسرائيل وهزيمة لواشنطن وانتصار للصين. ومادامت واشنطن معروفة بالمناورة فإننى أشك فى نوايا واشنطن ولايمكن أن يكون تحرك الحلفاء صوب سوريا وإيران بغير موافقة واشنطن أو رغما عنها فلا تزال واشنطن لديها عشرات الوسائل لضبط سلوك الحلفاء، ولا أوافق على مبالغة الإعلام التابع  لمعسكر المقاومة بأن واشنطن فى طريقها إلى الزوال وبأن إسرائيل يتطوراتها الداخلية قد وضعت على طريق الانقراض.

أخشى أن يكون الاندفاع صوب إيران ودمشق هدفه الاساسى تفكيك معسكر المقاومة الذى يضم إيران وسوريا والمقاومة فى غزة ولبنان. والطريق هو إقناع إيران وسوريا  بالمثل العربى إذا لم تستطع أن تعض يد عدوك فقبلها هو التفسير الصحيح ودفع إيران وسوريا إلى التطبيع مع إسرائيل وتحول منظمات المقاومة فى غزة وحزب الله إلى أحزاب سياسية مدنية والتوقف عن المقاومة لأنها العقبة الوحيدة فى سبيل الانطلاق إلى المرحلة الأخيرة من المشروع الصهيونى .

أما إخراج المشهد فتدعى واشنطن أن إسرائيل تريد السلام وفق المشروع العربى السعودى فتقلب الخطة، بدلا من إذا فعلت إسرائيل كذا وكذا فإن العرب سيعترفون ويوقعون معاهدانت السلام معها. فتكون الصيغة الجديدة هى استكمال التطبيع مع إسرائيل بدفع أمريكى حتى تغزى إسرائيل بالاتفاق مع الفلسطينيين ومادامت إسرائيل تستعد لطرد بقية الفلسطينيين إلى البلاد المجاورة فإنها غير مستعدة لاقتسام فلسطين بينه وبينهم.

خاصة وأن واشنطن تريد توسع إسرائيل فى استيعاب العرب حتى تعتمد عليها فى التصدى للتحدى الروسى والصينى لنفوذها فى المنطقة.

الخطة الأمريكية تستخدم المرونة لابعاد إيران وسوريا عن المقاومة لتنفرد بها إسرائيل بعد وقف الدعم الإيرانى عبر سوريا. ونذكر بسياسة واشنطن تجاه إيران والعراق فلما فشلت سياسة الاحتواء المزدوج كانت الحرب لابادنهما معا.

السفير د. عبدالله الأشعل كاتب مصري