التساؤل اليوم هو عن مصائر هذهِ التفسيرات و التدخلات التحريضية التي أشعلت و أجَجَّت العداء السوري السوري و التي بضراوةٍ مقيتةٍ حَوَّلتْ السوريين للتوَحُشِّ المذهبي و الطائفي بل أنها أعادت مناطق شاسعةً في سوريا لجاهليةٍ لم تعرفها سوريا و المنطقة إلاَّ في أضيق حدود التعادي منذ قرون. أين رجالاتُ هذه التفسيرات التحريضية التي انطلقت عبر محطاتٍ إعلاميةٍ دينيةٍ عربيةٍ تحديداً و قد ازدانت بعلم ما سُميَّت بالثورة السورية و ازدحمت بظهورٍ متنافسٍ في لعنِ نظام الحكم السوري و التبشير ببديلهِ المؤمن؟ أين هم من المؤشر السياسي العربي، باستثناء قطر، و هو يعودُ ليتجه نحو دمشق؟ إلى أينَ سيذهبون و ما هو دورهم القادم إن كان لهم من دور؟
تحتفظُ مدونات العرب التاريخية، و الإسلامية غير العربية، بِقٍصصً عن أدوارٍ قامت بها هيئاتٌ دينيةٌ لمناصرةِ هذا و ذاك من الحكام و شيطنةِ هذا و ذاك من الخصوم. لم تتوقف هذه الهيئات عن استخدام القرآن و الحديث لدعمِ قضيتها و لو كان في غيرِ مكانهِ. و ربما الذي نتذكرهُ مثالاً ساطعاً هو رفعَ المصاحف علي الرماح بمعركة صِفِّين و الفتوى حول الفئةِ الباغية التي قتلت الصحابي عمَّار بن ياسر. لكن السردَ لأقاصيصَ و حوادث أخرى بالآلاف لم يتوقف منذ أُخرياتِ أيام الخلافة الراشدة و لليوم. قَلَّ أن تجدَ هيئةً دينيةً لا تدورَ في فَلِكِ سلطانٍ ما، أو تدورَ عكسَ إرادته. و ما نتجَ عن هذا الدوران كانَ في الغالبِ سيلاً من الدمِ المُراق بين الخصوم المُتَحَزِّبينَ لهذا أو ذاك. لم يسلم العالم و الباحث و الحاكم و المحكوم و لا الشريف والوضيع من هذه الوقيعةِ المتكررةِ بإسم الدينِ.
السؤال الإضافي و الأعظمَ وطأةً هو عن مصيرِ مئاتِ الألوف من السوريين الذين انتهت حياتهم غيلةً و غدراً علي طرفي القتال بناءً علي فتاوي مشيخية حَللَّتْ سفك الدماء باسم الدين و المذهب و الطائفة و العرق و الانتماء؟ عندما تندفعُ السياسةُ العربيةُ لتطييب الخواطر و رأبِ الصدعِ و تبادلِ السفارات حريٌّ بها أن يكونَ هذا المصيرَ الدموي للضحايا حاضراً أمامها لتصْدِرَ فيهم الفتوى: من سيدفع الديةَ؟ من سيحاكم القتلة؟ من سيقول كلمةَ حق في شأنِ “شيوخ” دينٍ أُهْريرَقَ الدمَ أنهاراً من وراءِ أقوالهم و بسببها؟
إن من أدبياتِ التصالحِ أن تسودَ العدالة، انتقاليةً هي أم مستديمةً، و قد يكون من الشروط للتصالح العربي السوري أن تُعتَبَرَ العدالةَ شأنُ سوريا الداخلي، لكنهُ ليس تماماً كذلك. متداخلةٌ فتاوي سفك الدم السوري بين العرب و السوريين و دلائلها منثورةٌ سهلةُ المنالِ و تجميعها لا يحتاج لجهد بل لقرارٍ شجاعٍ من سوريا و العرب، و من غيرهم مثل تركيا و إيران، في الميزان الإسلامي، لتمييز سافكي الدم من المُفتيينَ و من كانَ وراءهم سياسياً. فهذا هو حقُّ الدم المهدور. و الحقُّ في الحساب.
إنَّ أَلْفَ ابتهاجٍ بعودةٍ بين سوريا و العرب لن يَمْحوَ عارَ الفتاوي لو لم تَسُدْ العدالة.
علي الزعتري دبلوماسي أُممي سابق الأردن