تستفحل منذ بداية سنة 2022 حدة الأزمات المختلفة التي يواجهها التكتل الموصوف بالغربي والذي يضم أساسا إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والأعضاء في تحالف الناتو اليابان واستراليا وكوريا الجنوبية، هذه الأزمات تنعكس بأشكال مختلفة على بقية دول العالم وبدرجات متباينة. جزء من تلك المشاكل يعود إلى إسقاطات الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري الدائر في وسط شرق أوروبا بين روسيا من جهة ودول التحالف الأطلسي من جهة أخرى منذ 24 فبراير 2022 مع بدء الجولة الثانية من الحرب في أوكرانيا، وجزء آخر ناتج عن استفحال الاختلال في النظام الاقتصادي الدولي ومواصلة الأنظمة الاقتصادية الليبرالية في الدول الصناعية الغربية الكبرى سياسة الاستنزاف غير العادل لثروات دول العالم الثالث أو المسماة أحيانا بالدول النامية.
رفض الولايات المتحدة تعديل ما يسمى بالنظام العالمي القائم على هيمنة قطب واحد يشكل تهديدا بنشوب حرب عالمية ثالثة وكذلك عقبة خطيرة أمام جهود مجموعة متنوعة من القوى الكبرى والإقليمية لإقامة نظام دولي قائم على قواعد مختلفة عن تلك السائدة والتي تعطي الأكثر قوة السلطة للتحكم في الأضعف منه. قبل نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 استطاعت الولايات المتحدة فرض سيطرتها على مقدرات المنطقة الشرق أوسطية النفطية أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد العالمي وظلت مستمرة في ذلك حتى وقت قريب ودمرت العديدين من الذين حاولوا كسر هذه الهيمنة. أسقطت حكومة مصدق في إيران يوم 19 أغسطس عام 1953، واحتلت العراق سنة 2003 بعد حصار دام 12 عاما ودمرت ليبيا سنة 2011 وشنت حربا شبه دولية على سوريا سنة 2011 ومارست نفس الأساليب في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرهما. الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نهاية العقد التاسع من القرن العشرين أصبح يتطلع لاستعادة الهيمنة الكاملة على ثروات النفط ليس في الشرق الأوسط وحده بل كذلك على ثروات وسط آسيا وسيبريا. هذا الأمر أحد العناصر الأساسية في الصراعات الحالية.
بعد مرور الربع الأول من سنة 2023، يمكن تلخيص بعض التحديات العالمية والمتجذرة في الغرب ومنها، تراجع قدرة حلف الناتو على تعديل مسار الحرب في أوكرانيا لصالحه وتخبطه في البحث عن مخرج يحفظ ماء وجهه، زيادة تحديات الأزمة الاقتصادية من تضخم وركود اقتصادي وإفلاس بنوك ومؤسسات مالية كبرى ومواصلة طبع النقود الورقية خاصة عملتي الدولار واليورو دون تغطية، تخلي مزيد من الدول عن العملة الأمريكية الدولار كأداة في المعاملات الاقتصادية والتجارية أو كرصيد احتياطي أمن في البنوك المركزية.
كما تواجه الأنظمة السياسية في الدول الغربية التي توصف بالديمقراطيات الليبرالية أزمة حقيقية تهدد استقرار نظمها السياسية وتجعلها أكثر عدوانية وتطرفا في جهودها للاستحواذ على ثروات الدول الأضعف.
تمثلت أهم مظاهر هذه الأزمة في تصاعد شعبية التيارات اليمينية الشعبوية في العديد من الدول الديمقراطية في السنوات الأخيرة، وانقلاب هذه التيارات على العديد من ثوابت منظومة الديمقراطية الليبرالية كما عرفها الغرب. ومن الملفت أن النخب السياسية في الدول الغربية، وكذلك دارسو العلوم السياسة يقفون عاجزين أمام فهم هذه الأزمة، وذلك ربما لأنهم كانوا يؤمنون لفترة طويلة بأن الديمقراطية الليبرالية كما نشأت في الدول الغربية تمثل "نهاية التاريخ" أو النموذج الذي تتطلع له جميع دول العالم كما أدعى عالم السياسة الأمريكي "فرانسيس فوكوياما" بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
يعاني النظام الاقتصادي في الوقت الراهن من مشاكل عميقة نتيجة للتوزيع غير العادل للثروات وتكدس الأموال في شريحة معينة من الناس وعدم حصول الدول المنتجة للمواد الخام الأساسية لمقابل عادل بينما تدفع مبالغ مضخمة للمنتجات المصنعة من ثرواتها الخام والمستوردة من الدول الصناعية.
كشف تقرير عدم المساواة في العالم الذي صدر يوم الثلاثاء 7 ديسمبر 2021، عن أن عدم المساواة تفاقم خلال "أزمة كورونا" مع استمرار توسع الفجوة بين الأثرياء والفقراء في مختلف دول العالم.
وأشار التقرير، الذي نقلت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية مقتطفات منه، إلى أن أغنى 10 في المائة من الناس يمتلكون 76 في المائة من كل ثروة البشر، بينما أفقر 50 في المائة يمتلكون 2 في المائة فقط من ثروة العالم.
وذكر أحد مؤلفي التقرير، لوكاس تشانسيل، إن المليارديرات جمعوا 4.1 تريليون دولار من الثروة خلال أزمة يقدر فيها البنك الدولي أن نحو 100 مليون شخص وقعوا في براثن الفقر المدقع.
أرباح ضخمة
في عام 1972 كان سعر الزيت الخام من النفط حوالي 3 دولارات للبرميل، وبنهاية عام 1974 وكأحد نتائج حرب أكتوبر 1973 تضاعف إلى 12 دولارا للبرميل. الزيادات استمرت لفترات طويلة وقد عرفت تدنيا محسوسا خلال فترات قصيرة، المثير للانتباه هو أن الشركات الغربية الكبرى ودولها ورغم تقلبات الأسعار استمرت في تحقيق مكاسب ضخمة سواء ثابتة على حساب الدول المنتجة أو الدول المستهلكة زيادة على تصديرها للتضخم عبر سلعها الصناعية وسياساتها النقدية مما سمح بامتصاص جزء كبير من مداخيل الدول المنتجة سواء للنفط او غيره من المواد الخام الأساسية.
حققت شركة النفط الأمريكية إكسون موبيل صافي ربح قياسي خلال 2022، هو الأكبر بين أرباح شركات النفط الكبرى من حيث القيمة المطلقة، إذ بلغ 59.1 مليار دولار، مقابل 23.01 مليار دولار في 2021.
وقفزت أرباح إكسون موبيل بنسبة 157 في المائة على أساس سنوي، ما دفعها إلى تجاوز المستوى القياسي السابق المسجل في عام 2008، عند 45.2 مليار دولار.
وفي الربع الأخير من 2022، ارتفعت أرباح الشركة الأمريكية إلى أكثر من 14 مليار دولار، مقابل 8.79 مليار دولار في الربع نفسه من 2021، حسب نتائج الأعمال، التي تابعتها وحدة أبحاث الطاقة.
كما سجلت شركة شيفرون أرباحا صافية قياسية خلال عام 2022 بلغت 35.46 مليار دولار، بزيادة 127 في المائة على أساس سنوي، مستفيدة من صعود أسعار النفط، رغم تراجع الإنتاج.
شركة توتال إنرجي حققت أرباحا صافية قياسية بلغت 20.52 مليار دولار، بزيادة 28 في المائة على أساس سنوي.
تسعير النفط ومع تواصل الحرب في وسط شرق أوروبا خضع من طرف الدول الغربية لمعاملة مزدوجة تحفظ في النهاية هامش الربح لشركاتها وفي نفس الوقت تهدف إلى تخفيض دخل روسيا من صادراتها لمشتقات الطاقة.
هكذا نشبت المواجهة بين اوبك + والغرب في أكتوبر 2022 عندما رفضت المنظمة إغراق السوق بالإنتاج، بل وقررت خفض الإنتاج حفاظا على مداخيلها. في الأشهر الأخيرة من سنة 2022 وبداية سنة 2023 وبفضل إقدام واشنطن على إفراغ جزء من مخزونها الاستراتيجي من النفط في الأسواق، ونتيجة لفترة نمو منخفضة في الاقتصاد الصيني والهندي حدث خفض في الأسعار وقدرت إدارة البيت الأبيض أن تدني الأسعار في السوق الدولية سيخلق أزمة ثقة داخل الأوبك ويدفع إلى تخل أطرافها عن عملية التنسيق وهو الأمر الذي يسمح لها بتحقيق مجموعة من الأهداف.
صدمة النفط الجديدة
يوم الأحد الثاني من أبريل 2023 كشفت مجموعة من الدول الأعضاء في تحالف أوبك + عن خفض طوعي للإنتاج النفطي بحجم يفوق 1.15 مليون برميل يوميا كإجراء احترازي ضد تقلبات السوق. وبموجب القرار المعلن، قررت كل من روسيا والسعودية خفض الإنتاج طوعيا بنحو 500 ألف برميل يوميا لكل منهما بداية من مايو وحتى نهاية 2023.
ويأتي هذا القرار بجانب خفض الإنتاج المتفق عليه في الاجتماع الوزاري للمجموعة في أكتوبر 2022.
هذا وقرر العراق خفض الإنتاج النفطي 211 ألف برميل يوميا، والإمارات 144 ألف برميل يوميا على مدار نفس المدة.
فيما أعلنت الكويت خفض الإنتاج 128 ألف برميل يوميا، والجزائر 48 ألف برميل يوميا، بينما خفضت عمان الإنتاج 40 ألف برميل يوميا.
بفارق ساعات قليلة بعد إعلان القرار قفزت أسعار النفط بأكثر من 7 في المائة في مستهل تعاملات الأسبوع.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 6.8 في المائة إلى 85.40 دولار للبرميل، بعدما سجل 86 دولارا للبرميل في الدقائق الأولى من بدء التداولات، معوضا بذلك الخسائر التي تكبدها بسبب أزمة البنوك، إذ تراجع الخام دون مستويات 72 دولارا مقابل 86 دولاراقبل اندلاعها
كما صعدت عقود خام نايمكس بنسبة 7 في المائة مسجلة 80.94 دولار للبرميل بعدما تجاوزت مستويات 81 دولارا.
وتوقع رئيس شركة الاستثمار بيكرينغ إنرجي بارتنرز بأن يسهم قرار أوبك + في زيادة أسعار النفط العالمية بنحو 10 دولارات للبرميل.
فيما رفع بنك Goldman Sachs توقعاته لسعر خام برنت إلى 95 دولارا للبرميل لشهر ديسمبر 2023 مقابل التوقعات السابقة عند 90 دولارا. كما يتوقع وصوله إلى 100 دولار في ديسمبر 2024.
القرار شكل صدمة في واشنطن ودول غربية أخرى، وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن تخفيضات أوبك + غير منطقية في هذا التوقيت نظرا لعدم اليقين في السوق مضيفا أن الإدارة الأمريكية تنوي التفاعل مع المنتجين والمستهلكين للطاقة من أجل التأثير على السوق.
وأكد المتحدث أن السلطات الأمريكية "تركز على الأسعار للمستهلكين الأمريكيين"، وأشار إلى أن أسعار البنزين في البلاد قد انخفضت بشكل كبير خلال عام 2022.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن بيان لمجلس الأمن القومي الأمريكي قوله: "سنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان أن أسواق الطاقة توفر نموا اقتصاديا وأسعارا أقل للمستهلكين الأمريكيين".
ماذا ينتظر سعر النفط
في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن قال الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني، لموقع "الحرة" إن خفض الإنتاج الطوعي من قبل بعض الدول، وصل إلى مليون و628 ألف برميل يوميا، وهو رقم كبير غير متوقع"، معتبرا أن هذه الدول تعمل على المحافظة على استقرار الأسعار فوق 75 دولارا لما تبقى من عام 2023.
وفي موسكو، قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن موسكو ستمدد خفضا طوعيا قدره 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية 2023 "كإجراء احترازي للتحوط ضد المزيد من تقلبات السوق".
وقال المشهداني لموقع "الحرة" إن روسيا أعلنت في شهر فبراير أنها خفضت الإنتاج بنحو 500 ألف برميل، لكن ما شجع الدول الأخرى، هو إعلان السعودية تخفيض إنتاجها 500 ألف برميل أخرى، مشيرا إلى أن هذه "القرارات تأتي بعد الصدمة التي حدثت في الأسعار نهاية شهر مارس عندما انخفض سعر برميل النفط إلى ما دون الـ70 دولارا، وبالتالي فهذا رد فعل".
وتراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في 15 شهرا نتيجة للأزمة المصرفية التي أعقبت انهيار بنكين أمريكيين، وأدت إلى إنقاذ (يو.بي.إس)، أكبر بنك في سويسرا، لمنافسه الأصغر كريدي سويس.
وقالت أمريتا سين مؤسسة ومديرة إنرجي أسبكتس، يوم الأحد "أوبك تتخذ خطوات إستباقية تحسبا لأي انخفاض محتمل في الطلب"، بحسب ما نقلت عنها وكالة رويترز.
وأوضح المشهداني أن فكرة خفض الإنتاج الطوعي ربما ثبت نجاحها اليوم، "إذ كانت منظمة أوبك تصدر قرارا رسميا بخفض الإنتاج يجب أن يشمل الجميع، كل بما يناسب حصته، في حين أن دولا مثل فنزويلا كانت تعارض مثل هذا القرار، لكن هذه المرة جاء التخفيض طوعيا من قبل الدول التي تعتقد أن مصلحتها مع ارتفاع السعر، وبالتالي النتيجة كانت ربما أكثر من توقعات اجتماع أوبك بلس الذي كان الحديث بشأنه يدور حول تخفيض الإنتاج بواقع مليون برميل، لكن بالقرارات التي صدرت وصلنا إلى مليون و628 ألف برميل، وهذا رقم كبير جدا".
وأضاف: "استفادوا من تجربة 2020 عندما انهارت الأسعار بشكل كبير، وعندما اتفقت الدول المنتجة للنفط على تخفيض الإنتاج ارتفعت الأسعار مرة أخرى"، مشيرا إلى أن "كل دولة قامت بحساب مسألة رياضية، وخفضت بمستوى يعوضها عن الخسارة التي ستتحملها نتيجة بيع عدد براميل أقل، "وربما تكون الأرباح أكثر".
وذكر إن هذا سينعكس إيجابا على الدول المنتجة للنفط من خلال زيادة الفوائض المالية في موازناتها العامة.
أما بالنسبة للدول المستهلكة للنفط، "فبالتأكيد أي زيادة في أسعار برميل النفط ستنعكس سلبا على المواد الأساسية في السوق وتكاليف الطاقة"، وفقا للمشهداني.
تهديدات متجددة
يتوقع غالبية المراقبين أن يؤدي قرار دول الأوبك + خفض الإنتاج إلى زيادة التوتر في علاقاتها مع واشنطن وإحياء التهديدات بتطبيق مشروع قانون "نوبك" (NOPEC) الذي يقضي بمعاقبة الدول التي تمارس حسب واشنطن ما يمكن اعتباره ممارسات احتكارية مرتبطة بقطاع النفط.
وبالفعل، عقب إعلان تحالف "أوبك +" قرار خفض الإنتاج في أكتوبر 2022، حذر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر في بيان من أن "ما قامت به السعودية لمساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الاستمرار في شن حربه ضد أوكرانيا سيبقى في ذاكرة الأمريكيين طويلا".
وأكد شومر، وهو من الحزب الديمقراطي، أن جميع السبل التشريعية للتعامل مع هذا الإجراء قائمة، ومن بينها تشريع "نوبك".
وعلى مدار أعوام عديدة، فشلت محاولات لتمرير نسخ سابقة من "نوبك". ولكن لجنة في مجلس الشيوخ مررت نسخة لمشروع القانون في مايو 2022.
وإذا حظي التشريع المقترح بدعم مجلسي النواب والشيوخ، ووقعه الرئيس الأمريكي، سيغير من قانون مكافحة الاحتكار بالولايات المتحدة ليرفع الحصانة السيادية التي تحمي الدول الأعضاء "أوبك +" وشركاتها الوطنية من المقاضاة.
وليس من الواضح بعد طبيعة الآلية التي سيتم اللجوء إليها لمقاضاة الدول الأخرى، في حال إقرار التشريع، كما أن الولايات المتحدة نفسها قد تتهم بمحاولة التلاعب بالأسواق من خلال ضخ الملايين من البراميل من احتياطي النفط لديها لاحتواء ارتفاع الأسعار.
كما توجد مخاوف من أن يعود مشروع القانون بالضرر على منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة نفسها. فضلا عن مخاوف من لجوء بعض الدول المتضررة للتصعيد، وهو ما يفاقم التوتر ويرهق الاقتصاد العالمي المتضرر بالفعل من تبعات وباء كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا.
السعودية تحذر
يذكر أن الرياض حددت موقفها من التهديدات الأمريكية في 14 مارس 2023، فقد حذر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، من أنه في حال فرض سقف للأسعار على صادرات البترول السعودية، "فلن نبيع النفط إلى أية دولة تفرضه على إمداداتنا".
وردت تصريحات الوزير، ضمن مقابلة مع موقع "إنرجي انتلجنس" أوردت تفاصيلها وكالة الأنباء السعودية (واس)، رداعلى سؤال حول إعادة طرح مشروع قانون "نوبك".
وذكر الوزير أن بلاده "ستخفض إنتاج البترول، ولن أستغرب إذا قامت الدول الأخرى بنفس الإجراء".
وأضاف أن هناك اختلافا كبيرا بين مشروع قانون "نوبك" والتوسع في فرض سقف الأسعار، "ولكن تأثيرهما المحتمل على سوق البترول متشابه".
وزاد الوزير: "تضيف مثل هذه السياسات مخاطر جديدة وغموضا أكبر، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الوضوح والاستقرار.. أؤكد مجددا أن مثل هذه السياسات ستؤدي لا محالة إلى تفاقم عدم استقرار السوق وتقلباته".
وأضاف وزير الطاقة السعودي: "مشروع قانون نوبك لا يراعي أهمية امتلاك احتياطي من القدرة الإنتاجية، وتبعات عدم امتلاك هذا الاحتياطي على سوق البترول، ويضعف مشروع قانون نوبك الاستثمارات في القدرة الإنتاجية للبترول، كما سيتسبب في انخفاض العرض العالمي بشدة عن الطلب في المستقبل، وسيكون تأثير ذلك ملموسا في جميع أنحاء العالم، في الدول المنتجة والمستهلكة، وكذلك صناعة البترول".
وواصل: "هذا ينطبق أيضا على سقف الأسعار، سواء فرض على دولة أم مجموعة دول، وعلى البترول أو أي سلعة أخرى، حيث سيؤدي إلى ردة فعل معاكسة فرديا أو جماعيا، مع تداعيات غير مقبولة تتمثل بالتقلبات الكبيرة وعدم الاستقرار في الأسواق".
وأبان الأمير عبد العزيز بن سلمان أن "احتياطي القدرة الإنتاجية ومخزونات الطوارئ العالمية يشكلان شبكة أمان أساسية لسوق البترول في مواجهة الصدمات المحتملة"، مشيرا إلى تحذيره "مرارا وتكرارا من أن نمو الطلب العالمي سيفوق المستوى الحالي من احتياطي القدرة الإنتاجية العالمية، في الوقت الذي تعد فيه احتياطيات الطوارئ في أدنى مستوياتها على الإطلاق".
وزاد: "لهذا السبب من المهم أن تطبق سياسات تدعم الاستثمارات المطلوبة لزيادة القدرة الإنتاجية في الوقت المناسب، والحفاظ على مستويات مخزونات الطوارئ العالمية لتكون كافية ومناسبة".
وكشف وزير الطاقة السعودي أن بلاده شرعت بصورة استباقية في توسيع قدرتها الإنتاجية بحيث تصل إلى 13.3 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2027. مبينا أن العمل على هذا التوسع هو الآن في المرحلة الهندسية، ومن المتوقع أن تدخل الزيادة الأولى من هذه التوسعة حيز العمل في عام 2025.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية للسعودية حاليا نحو 12 مليون برميل يوميا.
حرب العملات
يحذر بعض الخبراء الاقتصاديين في الغرب أنه لو مضت الحكومة الأمريكية وبعض حلفائها في تنفيذ تهديداتهم ضد السعودية وبقية دول الأوبك التي ترفض طلبات الغرب برفع الإنتاج، فإن صدمة خطيرة قد تهدد الاقتصاد حيث أن عددا من منتجي النفط سيتخلون عن تسعير النفط بالدولار الأمريكي الأمر الذي يتناسب مع تطلعات عدد كبير من دول العالم للإفلات من فخ الدولار الذي يسمح لواشنطن بالتحكم في الاقتصاد العالمي وممارسة سياسة العقوبات والمصادرة على من تشاء.
جاء في تقرير نشره موقع يورونيوز الأوروبي يوم 30 مارس 2023تحت عنوان هل تتجه الدول إلى التخلص من الدولرة ؟.
يسلط الاتفاق الصيني البرازيلي الأخير الضوء على مسألة تخلي مجموعة من الدول عن الدولار الأمريكي في العلاقات التجارية الثنائية، واستخدام عملتي الدولتين المحليتين.
لم يعد هذا الأمر مجرد ظاهرة أو حدثا استثنائيا حيث هناك سعي واضح من قبل بكين وغيرها من الدول إلى التخلي عن الدولار ما يطرح تحديا كبيرا أمام الاقتصاد الأمريكي.
الاتفاق الأخير مع البرازيل سيتيح للصين، أكبر منافس للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وللبرازيل، أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، إجراء صفقاتهما التجارية الهائلة مباشرة واستبدال اليوان الصيني بالريال البرازيلي والعكس بالعكس، أي باستخدام اليوان، بدلا من الاعتماد على الدولار.
لقد أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 إلى تفكير العديد من الدول في خفض الاعتماد على العملة الأمريكية.
في بداية الحرب كما يذكر الجميع، أجبرت روسيا الدول التي تسميها "غير الصديقة" على دفع مستحقات الطاقة من غاز وبترول لها بالروبل الروسي بعد منع الغرب روسيا من التعامل مع النظام المالي الغربي. وفي أحيان أخرى، بدا أن هناك توافقا بين موسكو وشركائها التجاريين الآخرين لإلغاء الدولار من المبادلات التجارية بشكل كلي أو جزئي.
وهذا ما حدث في حالة الهند التي تتعامل حاليا مع روسيا بالروبية والروبل، والتي أبرمت صفقة كبيرة مع الكرملين يوم الاربعاء 29 مارس 2023، من أجل زيادة كبيرة في تجارة النفط.
روسيا أيضا أعلنت مؤخرا أنها ستتخلى عن الدولار كليا في مبادلاتها التجارية الدولية، لا فقط على صعيد المبادلات التجارية الثنائية، وستستبدل الدولار باليوان الصيني.
وطبقا لوكالة بلومبرغ، بدأت ما لا يقل عن 12 دولة في أمريكا الجنوبية في تجارب للتخلي عن الدولار.
شرارة الانقلاب على الدولار
في يناير 2023، قالت السعودية، المنتج العالمي الأكبر للنفط، إنها منفتحة على فكرة التداول بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، وهي في مفاوضات مع الصين من أجل استبدال الدولار باليوان.
هناك أنباء أيضا عن احتمال تأسيس تحالف اقتصادي صيني سعودي روسي إيراني، وعن احتمال انضمام طهران والرياض إلى مجموعة بريكس التي تضم خمسة أعضاء حاليا.
كما تخلت الصين عن التعامل بالدولار مع روسيا وباكستان وعدة دول أخرى.
وكثفت دول مثل بنغلادش وكازاخستان ولاوس مفاوضاتها مع الصين لتعزيز استخدام اليوان الصيني في التعاملات التجارية كما بدأت الهند منذ أشهر قليلة في تأمين آلية دفع ثنائية مع الإمارات العربية المتحدة بالروبية الهندي.
الدافع الرئيسي لهذه الخطط هو العقوبات الغربية ضد موسكو وتحرك الولايات المتحدة وأوروبا لعزل روسيا عن نظام الرسائل المالية العالمي المعروف باسم SWIFT وذلك في أعقاب الحرب في أوكرانيا، وهو ما أثار مخاوف من أن يصبح الدولار أداة سياسيةعقابية علنية بشكل دائم.
كذلك أدى قرار الولايات المتحدة باستخدام عملتها كسلاح سياسي واقتصادي إلى زيادة الضغط على اقتصاديات الدول الآسيوية التي لا تملك نظام دفع بديل وهو ما سيعرض تلك الدول أو غيرها لخطر الإجبار على الامتثال لأي عقوبات أمريكية محتملة ويؤدي إلى خسارتها للتجارة مع الشركاء الدوليين.
كيف سيؤثر ذلك على الولايات المتحدة؟
عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ موسكو يوم 20 مارس2023 ولمدة ثلاثة أيام والتقى ببوتين، تسرب مقطع فيديو قصير له خلال وداع بوتين. خلال الثواني المعدودة، قال شي لسيد الكرملين الذي يسميه دائما "صديقه المقرب"، "إن العالم يتغير كما لم يحصل منذ 100 عام ونحن أي بكين وموسكو نقود هذا التغيير".
ومع أن الكرملين لم يعلق على ما قاله شي، ذكرت وسائل إعلام أن ما جاء على لسانه لم يكن من المفترض أن يكون مصورا وأن يتسرب. مع ذلك، يرى خبراء أن الفعل كان مقصودا بهدف إرسال رسائل سياسية.
الأمريكيون من جهتهم يرون في السعي الصيني إلى وضع اليوان على الساحة الدولية كبديل للدولار، تهديدا كبيرا. وتقول مونيكا كرولي، إحدى المساعدات السابقات لوزير الخزانة في الولايات المتحدة، إن تخلي الاقتصاديات الناشئة عن الدولار "سيكون كارثيا على الاقتصاد الأمريكي".
وتضيف كرولي إن الدولار كان أكثر العملات أمانا منذ الحرب العالمية الثانية، وكان مدعوما بثلاثة أمور:
• الذهب الذي تخلى عنه الرئيس السابق ريتشارد نيكسون.
• الاقتصاد الأمريكي القوي.
• المبادلات النفطية التي كانت كلها بالدولار.
ويبدو أن السعودية تلعب دورا حاسما بالنسبة إلى كرولي التي ترى أنه إذا انتهت هذه المبادلات بالدولار، فذلك يعني نهاية عصر الدولار الأمريكي.
ومن أجل توخي الدقة، يجب التذكير أن كرولي مقربة من الجمهوريين وأنها عينت في منصبها السابق في وزارة الخزانة من قبل دونالد ترمب، وأنها عملت لفترة طويلة في فوكس نيوز المناوئة للرئيس الحالي جو بايدن.
وتنتقد كرولي السياسة الاقتصادية المالية للولايات المتحدة حيث طبعت الولايات المتحدة "الدولارات بطريقة جنونية" وتقول إن البلاد تواجه عاصفة اقتصادية حاليا، يؤججها النزاع في أوكرانيا وأسعار الطاقة والتكتل الجديد الذي تؤسسه الصين شيئا فشيئا.
وتضيف كرولي أن السعودية لو وافقت على التخلي عن الدولار في تجارة النفط ستشهد الولايات المتحدة "ارتفاعا حادا في التضخم" مضيفة "إذا كنت تعتقد أن التضخم سيء اليوم، عليك فقط أن تنتظر وسترى".
الهند وأوبك
في تحرك قد يعتبره محللون خاصة في الغرب دعما لسياسة الأوبك وللصادرات الروسية من مشتقات النفط. وسعت الهند يوم 1 أبريل 2023 من نطاق القيود التي تفرضها على صادرات البنزين والديزل للعام المالي الحالي، بحسب ما قالته الحكومة ونقلته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء.
وجاء في إخطار بتاريخ الأول من أبريل، أنه قد تم تعديل شرط السياسة إلى حد استبدال "العام المالي الحالي" بعبارة "العام المالي ذات الصلة" فيما يتعلق بتصدير البنزين والديزل.
وسيتعين على المصدرين بيع 50 في المائة من الصادرات من البنزين، و30 في المائة من صادرات الديزل، في السوق المحلية خلال "العام المالي ذات الصلة".
وتفرض الهند ضريبة استثنائية على شركات النفط، ما يؤثر في حصص الاعتماد، علما أن الطلب على النفط في الهند يشهد حالة من الانتعاش، في ظل توقعات الحكومة تسجيل استخدامات قياسية.
بعد عام على بدء الحرب في أوكرانيا، باتت الهند تشغل موقعا مهما في شبكة إمدادات النفط في العالم، باستيرادها النفط المخفض الثمن من موسكو لتكريره وإعادة تصديره للغرب، وهو ما يعد فرصة ثمينة.
قاومت نيودلهي الضغوط الغربية الرامية إلى تجفيف مصادر عائدات موسكو وعمدت في المقابل إلى تعزيز روابطها التجارية مع الدولة الحليفة، ما مكنها من تحقيق مدخرات كبيرة ساعدت على إبقاء التضخم فيها تحت السيطرة.
روسيا مورد الخام الأول للهند تحتل الهند المرتبة الثالثة بين مستهلكي النفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وهي تستورد 85 في المائة من حاجاتها. وبعدما كان مزودوها التقليديون في الشرق الأوسط، باتت روسيا تتصدرها اليوم، فيما أصبحت الصين والهند أكبر مستوردين من موسكو.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، استوردت الهند في مارس 2023 كمية قياسية من النفط الروسي بلغت 1.62 مليون برميل في اليوم تمثل 40 في المائة من وارداتها، مقارنة بـ70 ألف برميل في اليوم قبل الحرب كانت تمثل 1 في المائة من وارداتها.
وأعلنت مجموعة روسنفط العملاقة الروسية، اتفاقا يهدف إلى تحقيق "زيادة هائلة" في إمداداتها لـ"مؤسسة النفط الهندية" العامة، إثر زيارة لإيجور سيتشين، رئيس مجلس إدارة المجموعة الروسية، للهند. ولم تحدد "روسنفط" قيمة العقد الموقع ولا الكميات المقررة في إطاره.
وادخرت الهند 3.6 مليار دولار باستيرادها النفط الخام الروسي خلال الشهور العشرة التي تلت بدء الحرب على ما أفاد به نائب هندي في ديسمبر 2022.
وأوضح س. جايشنكار وزير الخارجية الهندي، في نوفمبر 2023 في موسكو أنه "بصفتنا ثالث دولة مستهلكة للغاز والنفط ودولة مستهلكة ذات مستوى دخل غير مرتفع كثيرا، من واجبنا الأساسي أن نؤمن للهنود الحصول على أفضل الشروط في الأسواق الدولية".
والهند رابع مركز لتكرير النفط في العالم، وتعد 23 مصنع تكرير للنفط يقع أكثر من نصفها على طول سواحلها، تعالج 249 مليون طن من النفط في العام، ما يجعل منها رابع مركز لتكرير النفط في العالم.
وتملك مجموعة ريلاينس إنداستريز، المملوكة للثري موكيش أمباني، أغنى أثرياء آسيا، أكبر مصنع للتكرير في العالم في ولاية جوجارات الغربية، وزاد المصنع مشترياته من النفط الروسي بسعر مخفض منذ عام 2022.
وبحسب بيانات مكتب فورتيكسا لتحليل سوق الطاقة، فإن النفط الروسي يشكل نحو نصف ما تستورده مجموعة ريلاينس ونيارا، ثاني مصانع تكرير النفط في الهند والمملوك بنسبة 49 في المائة لـ "روسنفط".
ويخصص قسم كبير من النفط المكرر في الهند للسوق المحلية، لكن النفط الروسي المتدني التكلفة سمح للعملاق الآسيوي أن يصبح مزودا مهما للدول الغربية وفي طليعتها الدول الأوروبية بالبنزين والديزل. وزادت صادرات الهند من المنتجات النفطية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 20.4 في المائة بين أبريل ويناير مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، لتصل إلى 11.6 مليون طن، بحسب صحيفة "إنديان إكسبرس" التي أوضحت أن مصانع التكرير الهندية تحقق "هوامش متينة" من الأرباح.
وهذه الأنشطة ليست مخالفة لقواعد الاتحاد الأوروبي رغم العقوبات المفروضة على روسيا، لأنه لا يتم الإعلان عن المواد المكررة على أنها روسية الأصل. يصعب "العيش دون نفط روسي" تسمح هذه الأنشطة للاتحاد الأوروبي بتفادي مشكلات الإمدادات في وقت يعاني فيه المستهلكون التضخم.
وذكر ديفيد ويش رئيس قسم الاقتصاد في فورتيكسا، إن "العالم سيجد صعوبة كبيرة في العيش دون نفط روسي"، معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى تضخم حاد.
وعلى الرغم من دور الهند، فإن التكاليف الإضافية المتأتية عن إرسال الخام بوساطة ناقلات نفط إلى الطرف الآخر من العالم يقتطع مبالغ كبيرة من أرباح التصدير.
عمر نجيب