خلال الأسابيع القليلة الماضية، زادت هجرة أكراد سورية إلى الدول الأوروبية، ليس هناك إحصائيات رسمية حول عدد الأكراد في سورية، وإن كانوا يقدّرون بنحو عشرة في المائة من السكان، حيث وجد الأكراد أنفسهم مرغمين على ترك بلادهم، فمناطق الشمال السوري باتت تحت قصف القوات التركية، لكنهم بدلاً من أن يهاجروا عبر تركيا، يغامرون بخوض رحلة تهريب أشد صعوبة وخطورة تمكنهم من الوصول إلى أوروبا. هذه المآسي جعلت الكثيرين يتساءلون عن الأسباب التي تدفع الأكراد إلى ترك بلدهم ومواجهة الموت، في محاولة الوصول للقارة العجوز.
في هذا السياق أرى إن الأسباب التي تدفع شباب الأكراد إلى الهجرة هي نفسها التي تدفع عموم السوريين لهذا الخيار، فهناك انعدام الأمان، والوضع الاقتصادي المتدهور، ووجود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وممارسات النظام التركي وفشله في إدارة المنطقة. بالإضافة الى تفاقم الفقر و تفشي الكوليرا في الأشهر الأخيرة، أدى إلى زيادة هجرة الأكراد من مناطقهم، وفي الاتجاه الأخر شكلت الأحداث الأخيرة في شمال شرق سورية سكانها حافزا إضافيا للمغادرة، من خلال تصعيد تركيا هجماتها على المناطق الكردية في سورية بعد تفجير في اسطنبول في نوفمبر الذي أسفر عن مقتل عدد من المواطنين.
ومن الدوافع الأخرى للهجرة هو الخوف من المستقبل، لأن المنطقة عموماً لا تشهد استقراراً سياسياً ، بالإضافة الى موضوع البحث عن الرفاهية والحياة الأفضل، لا سيما أن هناك اعتقاداً بأن دول الغرب فيها رفاهية كاملة، ولا خوف من المستقبل، ولا ننسى البعد الاجتماعي الذي يُعد أحد أسباب الهجرة، لأن هناك أزمات اجتماعية جراء العولمة والظروف الاقتصادية السيئة، وكلها أنتجت ظروفاً اجتماعية لها إفرازات سلبية كثيرة على المجتمع.
في المقابل هناك عوامل إقليمية لعبت دوراً في زيادة أعداد المهاجرين الأكراد إلى أوروبا تتعلق بموقف الولايات المتحدة منهم والعلاقة بين دول الخليج وتركيا، فهناك “حالة من الخوف” انتابت الأكراد من “تخلّي الحلفاء” عنهم، لذا شرعت العائلات في ترك الوظائف وبيع المنازل والسيارات التي لم تعد تعني شيئاً في ظل غياب الأمن والاستقرار هناك.
على الجانب الأخر، فإن للولايات المتحدة تقليد عريق في التخلي عن الأكراد في أحلك لحظاتهم. مثال عندما أعلنت انسحاب جزء من قواتها وسمحت لتركيا بشن عملية “نبع السلام” العسكرية ضد المجموعات الكردية في شمال سورية عام 2019، والنتيجة هي سقوط عدد كبير من الضحايا وفقدان سيطرة الأكراد على قطاع من أراضيهم وكذلك ظهور وانتشار المجموعات الإرهابية والمتطرفة في هذه المنطقة.
ومن الواضح أن القوات الأمريكية التي غادرت أفغانستان اليوم ستضطر عاجلا أو آجلا إلى مغادرة الأراضي السورية مستقبلا وسيترك الأكراد في مواجهة المشاكل العديدة التي لم يتم حلها فحسب بل على العكس أيضا تفاقمت بسبب السياسة الإجرامية للبيت الأبيض الذي يمنع مشاركة الشعب الكردي في عملية تسوية الأزمة السورية.
من هذا المنطلق يسافر المهاجرون إلى مصر بجوازات السفر، حيث يمكن للسوريين الدخول دون تأشيرة، ثم خوض رحلة أخرى إلى بنغازي الليبية التي مزقتها الحرب قبل الشروع في الرحلة إلى الجزائر عبر شبكة أخرى من المهربين. وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من أكراد سورية كانوا قد لقوا حتفهم في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، ولعل صورة الطفل عيلان الكردي ستظل محفورة في ذاكرتنا لسنوات طويلة. ووفقا لبيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) عبر 591 سورياً على الأقل البحر المتوسط من الجزائر والمغرب إلى إسبانيا في عام 2022، أي ما مثّل ستة أضعاف إجمالي العام الماضي.
عليه… نتمنى من الغرب وعملائه أن يرفعوا يدهم عن سورية وأن يتوقفوا عن التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يجرى اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة والقوى المتطرفة المتفاقمة، ولا بد من وقف كل أشكال الدعم الغربي لهذه المجموعات في سورية ووقف ضخ الإرهابيين بالمال والسلاح ، ومن هنا كانت الرسالة التي نقلها الشعب السوري لكل من يهمه الأمر، واضحة لا لبس فيها، قالت الرسالة: ” نحن نحب هذا البلد، ومهما كانت المتاعب والصعوبات، التي نعانيها فيه، فلن نسمح بتخريبه، أو تدميره أبداً”. لذلك يجب تفويت الفرصة على أصحاب الأجندات باستغلال الأزمات وإستثمارها لتحقيق مآربها، وعدم الوقوع في فخ الفوضى الهدامة، وتحقيق مصلحة سورية، والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على سورية وشعبه وبناء مستقبله الزاهر.
الدكتور خيام الزعبي كاتب سوري