أطلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر خلال زيارته للبحرين فى الأسبوع الأول من نوفمبر 2022 مبادرة للتوثيق بين الفقه الشيعى والسنى فى رحاب الأزهر ومبادرة شيخ الأزهر تستدعى أربعة ملاحظات .
الملاحظة الأولى خاصة بالأزهر نفسه الذى بناه الفاطميون أثناء بنائهم القاهرة عاصمة الدولة عام 969 لكى يكون الأزهر ساحة للفكر الشيعى ولكن الأزهر تحول لساحة لكل المذاهب الإسلامية السنية الشيعية على السواء. هو فى أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضى شكل الأزهر لكنة للتوثيق بين هذه المذاهب وربما كان ذلك بمناسبة زواج شاه إيران محمد رضا بهلوى من شقيقة الملك فاروق.
الملاحظة الثانية تتعلق بالبحرين
ثم حدث وفاق سياسى بين الشيعة والسنة فى المنطقة العربية قبل الحرب العراقية الإيرانية وقبل ثورة إيران ذلك أن ثورة إيران اقترنت بالعديد من التطورات التى كانت كافية بأن يكون عام 1979 عاما فاصلا فى تاريخ المنطقة فقد اقترنت الثورة الإسلامية فى إيران بتحدى أمريكا وإسرائيل والنظم الأسرية فى الخليج كما كانت هذه الثورة تحديا لكامب دايفيد ولذلك قطعت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع مصر السادات خاصة أن الثورة قامت فى فبراير 1979 وكان واضحا أن التقارب المصرى الإسرائيلى الذى بدأ بوضوح بزيارة السادات للقدس عام 1979 سيكون تحديا لهذه الثورة كما أن إيران أنزلت العلم الإسرائيلى على سفارة إسرائيل فى طهران ورفعت العلم الفلسطينى وسلمت مبنى السفارة الإسرائيلية للفلسطينيين ثم كانت موجة التطورات التالية للحرب العراقية الإيرانية وفى اتفاق حزب الله فى لبنان وفى انشاء حزب الله فى لبنان وهكذا تبلور الصراع الإيرانى الأمريكى وبالتبعية الصراع الإيرانى السعودى وعمدت إسرائيل وأمريكا إلى إثارة الفتنة الشيعية السنية وخصوصا بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 حيث نصبت الشيعة حكاما للعراق وطاردت السنة بعد أن مزقت العراق وتسببت فى مذابح طائفية واسعة وأثناء الحرب العراقية الإيرانية كانت منطقة الخليج أولى الضحايا وخصوصا حرب الناقلات وكانت البحرين فى عين العاصفة.
وأستطيع أن أسجل شهادتى فى هذا المقال فقد خدمت فى البحرين منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1971 وشاهدت ضغوط إيران الشاه على البحرين فى ختام قرن ونصف من إدعاء السيادة على البحرين وكان ذلك من نقاط الاحتكاك بين إيران وبريطانيا وفى هذه المرحلة أجرت الأمم المتحدة استفتاء للبحرين لكى يختار الناس بين الانضمام لإيران أو الاستقلال ولكن الشعب البحرينى ومعظمة من الشيعة اختار الاستقلال وكان واضحا أن الشيعة فى البحرين يعتزون بعزوبة البحرين كما أن الأسرة الحاكمة فى البحرين لم تكن طائفية وإن كانت البحرين فى الستينات من القرن الماضى تموج بالتيارات القومية جميعا وكلها ضد إيران لا بسبب شيعيتها ولكن بسبب تحالف الشاه مع إسرائيل ضد العرب والاغلبية الكاسحة فى الاستفتاء التى اختارت الاستقلال عن إيران لم تواجه البحرين مشكلة مع إيرانحتى قامت الثورة الإسلامية فى إيران ثم الحرب العراقية الإيرانية ثم مساندة إيران للمقاومة ضد إسرائيل وتحديها لكامب دايفيد وهكذا تبلور الصراع بين إيران والولايات المتحدة ودول الخليك وإسرائيل فصارت البحرين مسرحا لهذا الصراع وانعكس ذلك على مكونات المجتمع البحرينى وقد لمست ذلك وحاولت اصلاحة عندما أنشأت معهد البحرين للتنمية السياسية عام 2006 .
الملاحظة الثالثة تتعلق بالصراع الشعى السنى المتفرع عن المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية عن إيران والمنطقة. ذلك أن الثورة الإسلامية فى إيران وتركيزها على المذهب الشيعى أيقزت الوعى الشيعى السياسى والثقافى والاجتماعى ولذلك لم تجد المؤامرة الأمريكية على العراق عام 2003 صعوبة فى اشعال الفتنة الطائفية فى العراق بل اشعال الفتنة الطائفية فى كل المنطقة فى لبنان والسعودية وغيرها من المكونات الشيعية السنية ولا نبالغ إذا قولنا أن مشاكل لبنان والعراق والبحرين هى أثر من أثار الصراع الإيرانى الأمرىيكى السعودى الإسرائلي وأن تسوية هذه المشكلة التى محاولة تسويتها من عدة مداخل منها الحوار الإيرانى السعودى الذى فشل التوصل إلى نتيجة إيجابية وكان ذلك طبيعيا لأن الصراع أصلا بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل وأن التوتر السعودى الإيرانى هو مجرد واحد من التداعيات للصراع الأمريكى الإيرانى ونلمس ذلك جاليا لليمن ولبنان والعراق وسوريا حيث تقف إيران وروسيا وحزب الله مع الحكومة السورية وتقف السعودية وبعض دول الخليج الآخرى مع إسرائيل والولايات المتحدة لصالح الجماعات المسلحة المناهضة للجيش السورى .
الملاحظة الرابعة والأخيرة هى توقيت المبادرة جائت المبادرة فى وقت اشتدت فيه الفتنة الطائفئة نتيجة اشتداد الصراع الأمريكى الإسرائيلى واصرار إسرائيل على تدمير إيران كقوة إقليمية لأن إيران تحبط المشروع الصهيونى بمواقع كثيرة خاصة عن طريق المقاومة ودعم معسكر المقاومة ضد إسرائيل ولعلنا نلاحظ حدة الصراع بين المشروعين الصهيونى والإيرانى بينما الصراع بين المشروع الصهيونى والمشروع التركى كامن يظهر تجلياته من حين إلى آخر فهل تنجح المبادرة فى تسوية المشكلات الكبرى فى المنطقة بحيث يتم اطفار نار الفتنة بما ينعكس على الملفات المشتعلة فى المنطقة.
توجه شيخ الأزهر إلى الشيعة وحدهم سببه أنه سنى ولذلك اعتقد أن الوقت مناسب لتجاوب الشيعة فى ظل تعثر التسوية فى اليمن وتحول العراق إلى ساحة لتصقية الخلافات والصراعات والثأرات بين إيران وأمريكا ولكنى أعتقد أن هذه المبادرة سوف تنجح جزئيا باستعادة دور الأزهر على المستوى الإسلامى لكن نتائجها محدودة على المستوى السياسى لأن البحرين دخلت فى منطقة العواصف الحادة بين إيران وأمريكا والسعودية خاصة وأن إسرائيل بدعم أمريكى واضح تخترق منطقة الخليج والمنطقة العربية عموما بعد أن كان الخلج سندا للفلسطينيين ولاشك أن هذا الاختراق مدفوع من جانب إسرائيل بمحاصرة إيران ولا نعتقد أن إيران لا تزال تتطالب بملكية البحرين كما أن إيران لا تشكل تهديدا للخليج ولكن إيران أوضحت صراحة أن الخليج إذا تحول لحصان تروادا لإسرائيل فإنها لن تميز فى ردها بين إسرائيل والخليج.
والخلاصة أن المبادرة طيبة ولكنها ليست حاسمة وانها تستحق الدعم والتشجيع من الجانبين وأنها سوف تفيد وحدة العالم الإسلامى أما مشاكل الدول الأربعة التى أشرت إليها فلن يحلها إلا تهدئة الصراع الإيرانى الأمريكى الإسرائيلى.
السفير د. عبدالله الأشعل دبلوماسي وكاتب مصري