نحن بحاجة الي مراجعة امينة لتجربة الحكم والفكر القومي والاسلامي. وسوف نخصص هذه المقالة لمراجعة التجربة العربية ونتناول التجربة الاسلامية في مقال لاحق والطريف ان البعض تهرب من شجاعة المراجعة
التجربة العربية امتدت من 1952 ولاتزال فى مصر بشكل مختلف عن العصر الناصرى، كما أن تجربة سوريا انقطعت بانتهاء عصر الرئيس حافظ الأسد، أما فى العراق فقد انتهت باعدام صدام حسين على يد المحتل الأمريكى أما التجربة العربية فى ليبيا فانتهت بنهاية القذافى عام 2011. عموما هناك تجربة عربية تحتاج إلى مراجعة إذا أريد لهذه الأمة أن تستمر. والمراجعة تتطلب شجاعة ووضوحا دون الاحتكاك بعبدة الأصنام الذين تساقطوا عبر العقود. فلا شك أن الحكام- الزعماء فى مصر وسوريا والعراق وليبيا لايزال لهم أتباع فى البيئة العربية وهم صدى التجربة المصرية التى نشرت الانقلابات العسكرية فى المنطقة العربية وهى ترفض فكرة الانقلاب وتفضل عليهامصطلح ثورة، فكلمة الثورة هى المحببة فى التراث السياسى العربى الحديث وهى فى الواقع انقلابات عسكرية أو حزبية مسيطرة على الجيش كما فى سوريا والعراق حيث سيطر جناحا البعث على أدوات السلطة كما فعلت الأحزاب الشيوعية الحاكمة فى المركز موسكو وفى الضواحى المنتشرة فى القارات كلها أيام الحرب الباردة التى استمرت من 1946 حتى 1989 أى 43 عاما.
المشكلة فى الفكر القومى أنه أضفى علي الحاكم قدسية وأبعده عن النقد والتقييم والحساب وطوع كل شئ لكى يتمكن الحاكم القومى من البلاد ويطيح بمعارضيه وبكل الكفاءات، وفوت علي البلاد فرصة التقدم والاستفادة من الطاقات البشرية وافقد المواطن عقله وشوه شخصيته وغذاه علي الشعارات والحكم الوطني واوهام الدولة الوطنية .فالحاكم القومى العربى كامل يفهم كل شئ وهو رأس الحكمه وكان احد الرؤساء أصدق فى التعبير عن الحاكم العربى وأكثر صراحة عندما قال ربنا خلقنى أفهم فى كل شئ ويقتبس العالم كله علمى وأنا كسليمان الذى أفهمه الله حلول المسائل وأن الشعب المصرى كشعب بنى إسرائيل الذى قال لموسى إذهب أنت وربك فقائلا إنا هاهنا قاعدون، وتلك مرحلة متأخرة من ادعاء الحكمة المطلقة والعلم، لدرجة أنه قال بصراحة من يسأل يسألنى فعندى إجابة لكل شئ فإذا تكلمت فلا أحد يتكلم بعدى، واشترط لمن يتحدث أمامه أن يأذن له الرحمن وأن يقول صوابا. فإذا كان الحاكم المصري ناتج التراث الفرعونى فإننا نتفهم حالته ولكن لا أستطيع أن أفهم المستبدين فى سوريا والعراق وليبيا إلا أن يكونوا من نوعية واحدة، وهم فى الواقع أضعف مكونات الأمة ويستخدمون القهر فى اخضاع الناس ولا يتصور أن يناقش الحاكم العربى الناس، لأنه لا يعترف بأنهم مخلوق له عقل، هو الوحيد الكامل الذى حباه الله العقل والحكمة وفصل الخطاب والملك لدرجة أن السادات سأله السفير الأمريكى حسب روايته لى أينا أفضل أنا أم الرسل؟
فارتج على السفير فبادره السادات بالاجابة حتى يقطع حيرته فقال أنا أفضل منهم لأننى أقرأ وأكتب وهم أميون. ثم أنهم بعثوا برسالات بينما هو يعمل عقله وأوحت سحابات الحشيش له بزيارة القدس وعقب السفير فى لقائه معى أن السادات نسى أننى الذى رتبت الزيارة واتصلت بالملك المغربى والرئيس الرومانى وبالاسرائيليين.
فمشكلة الفكر القومى أنه برر استبداد الحاكم وأضفى عليه قدسية زائفة ولابد أن إسرائيل كانت سعيدة بذلك لأنها خططت للمنطقة على أساس أن العدد السكانى صار مفرغا وصار يعبد الحاكم فإن هزم الحاكم هزم العرب جميعا وقد كان.
فهل يمكن إصلاح الفكر العربى أم أنه تلف تلفا مطلقا لايمكن إصلاحه؟ أعتقد أننا بحاجة إلى أجيال جديدة وفكر جديد يقوم على أسس واقعية وهى:
1- أن الشعب وتوعيته بالحقائق هو الذخيرة ولن يتم استعباده وسلب عقله، فالحاكم استعبد المواطن وسلب عقله لصالح نظامه وهو نقيض المصالح الوطنية تماما وأن يتوقف الحاكم عن الاعتقاد بأنه الوطن، وعليه أن ينتخب من الشعب الذى يصدر كل الشعارات باسمه فهو ينتحل الصفة، وأن تكون الإرادة الشعبية حرة واعية وهى بداية الإصلاح، وأن يتوقف الحاكم عن الاعتقاد بأن الوطن يصبح حرا كلما أطبق الحاكم على أنفاس الشعب وأن يتوقف عن أوهام المؤامرة وأنه حارس الوطن من المؤامرة لأن المتآمر هو الذى يتستر على فساد الحاكم ولايملك الحاكم أن يجلس على كرسى الحكم إلا بإتاوة تدفع للمتآمر الأمريكى. وأن يتوقف الحاكم عن أسطورة أنه الوطن ولد بمولده ويموت بموته وأنه يحميه من المؤامرة وأن يتوقف عن النظر إلى معارضيه على أنهم أعداء للوطن، وألا يركز على وحدة الصف والتحشيد للهتاف للحاكم الملهم وليس للوطن السليب وليعلم الحاكم القومى العربى أنه السبب فى دمار الوطن وشخصية المواطن وضياع موارده على عصاباته وأنه حرم البلاد العربية من إقامة الدولة المنتخبة مؤسساتها. فإذا هزم الحاكم من إسرائيل فهى هزيمة لكل أفكاره وأساطيره وهزيمة وانكسار لوطنه والغريب أن هيكل وهو يرى مصر فى ضياع عام 1967 كان يكرر أننا هزمنا فى معركة وهى إحدى معارك الحرب وأننا انتصرنا لأننا أجهضنا هدف الأعداء فى الإطاحة بالزعيم، والمهم أن يبقى الزعيم حتى لوفنى الوطن لأن بقاءه يستدرك إعادة بناء الوطن بدليل أن عبدالناصر بدلا من مراجعة مجمل نظامه، ركز على الجزء وترك الكل، بالتركيز على إعادة بناء الجيش، وأغفل أن طريقة الحكم هى التى جلبت الهزيمة والأنكسار للوطن وجيشه فإذا استقام الجيش استخدمه السادات لكى يبنى مجدا زائفا واستخدم تقدم الجيش وبسالته ضد إسرائيل فى الأسبوع الأول من الحرب لكى يؤيد الحكم العسكرى وهكذا.
2- فلاسبيل إلى إصلاح ما فسد وكفى ما أحدثه الحاكم القومى من دمار بالشعارات التى نادى بها وهو طرب بحراستها وهناك يحت الحناجر من طول الهتاف له بالروح والدم نفديك يازعيم بل تجرأ السادات على ملوك الفراعنة فوصف نفسه بأنه آخر الفراعنة لمجرد أنه أسود وصدق أسطورة حواس بأن الفراعنة كانوا سودا ولكنه أغفل الفارق الهائل بينه وبينهم وحساباته الشخصية القاصرة التى مكنت لإسرائيل فى مصر والمنطقة العربية وهو يحسب أنه يحسن صنعا والغريب أن له أيضا حواريين يسبحون بمجده وانتصاراته ومواهبه وحكمته ودهائه!.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري