تابعت ردود أفعال بعض النخب المغربية على ما ورد في التدوينات السابقة، ومن الطبيعي اختلاف وجهات النظر حول ما هو سياسي منها، ولكن الحديث عن التاريخ يتطلب بيناتٍ ودلائلَ لا تقبل الشك، إذ يبدو أن هذه النخب تعيش على كذبة تاريخية ظلت تلوكها حتى صدقتها مع الوقت، وهي كذبة "مغربية موريتانيا".
وبعيدا عن السياسة، ومن منطلق تاريخي صرف أود أن أؤكد للإخوة الأشقاء بالمغرب الشقيق أن موريتانيا الحالية أو شنقيط التاريخية أو بلاد التكرور أو بلاد الملثمين أو بلاد السيبة لم تكن يوما أرضا مغربية، ولم يقدم أهلها يوما بيعة لسلطان مغربي، ولم يدع له خطيب على منبر من منابرها، ولم يُنصّب بها إمامًا، ولم يُقِم بها حدّا، ولم يُجبَ إليه منها خَراج أو ضريبة، ولم يحكُم في نزاعاتها قاضٍ من قضاته، ولم يحكمها منتدب باسمه يوماً، ولم يحفر بها أي سلطان مغربي بئرا، ولم يقم بها جدارا، ولم يرُدّ عنها غازيا، ولم يعتبر أي غزوٍ لها غزوًا للمغرب يوم كان البرتغاليون والفرنسيون والإسبان يعبثون بشواطئها ويغيرون على ساكنتها خلال القرون الماضية، ولم يؤثر عن الموريتانيين في مأثورهم أوقصصهم أن اعتبروا أن في أعناقهم بيعة فردية أو جماعية له.
وحديث المؤرخين المغاربة - وهم جهة غير محايدة - إقتصر على "غزو" لصحراء سوس سنة 1089هـ قام به السلطان إسماعيل، ولم يثمر سوى زواج السلطان من الأميرة البركنية المغفرية خناثة بنت بكار، ولايمكن لهؤلاء المؤرخين تقديم ما يثبت أن الأمير بكار قد بايع السلطان المغربي، بل كانت الندية ومصلحة السلطان في الإستقواء بالأمير بادية للعيان.
أما عن قبائل صنهاجة في عمومها وفي شمال وادي نون تحديدا فتاريخها مع السلطان مطبوع بالتمرد والدموية، فما بالك بصنهاجة الجنوب.
لقد قامت على هذه الأرض مملكة غانا وأقامت مدن كمبي صالح وولاته وغيرهما وآثارها شاهدة، وكذلك دولة المرابطين التي حكمت المغرب والأندلس وآثارهم في أزوگي وأوداغوست شاهدة كما آثارهم بالمغرب والأندلس، وقامت دولة الأئمة في الضفة كما قامت الإمارات العربية والصنهاجية وحدودها معروفة وآثارها في التاريخ العلمي والتراث الثقافي والفني للسكان قائمة، وهي جميعها جزء من تاريخنا ومصدر فخر واعتزاز لنا.
كما غزانا الفرنسيون واحتلوا بلادنا لستة عقود، وتم تسجيلها فترة استعمارية قاومنا فيها بكل قوة وتضحية، ولم يُعرف يوما أن المغرب - ولمّا يدخل عهد الحماية بعد - اعتبر أن فرنسا قد احتلت جزءً من أراضيه ولا دعا لنصرة أهلها، وحين تنازل السلطان المغربي لفرنسا عن السيادة المغربية بمقتضى معاهدة 1912، لم تكن موريتانيا من ضمن هذا المتنازل عنه مطلقا، بل كانت السيادة المغربية وقتها محصورة من طنجة إلى إيفني.
لذلك فالثابت أن هذه الأرض لم تكن يوما مغربية لا بالغزو ولا بالبيعة، ولو حصل ذلك لما تنكرنا له ولا اعتبارناه جزءً من تاريخنا الذي نعتز به اعتزازنا وفخرنا بعلاقات الأخوة والدين والدم والتبادل الذي ظل قائما بيننا وبين أشقائنا بالمغرب دون أن تكون لهم سلطة ولا سيادة علينا.
وعن التاريخ والتاريخ وحده أتحدث.
( رابط لخريطة قديمة ومشهورة توضح حدود المغرب التاريخي في عزّ توسعه سنة 1707م، وترسم بدقة ووضوح حدوده الجنوبية).
https://www.loc.gov/resource/g8220.ct001447/