زعمت تركيا عام 1993 عندما حجزت مياه نهر النيل والفرات عن سوريا والعراق أن مياه نهر الفرات تماثل الغاز والبترول الذى يملكه العرب. وبالفعل عندما ابرمت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأنهار الدولية بعد ذلك بأربع سنوات اتخذت دول المنابع فى الأنهار الدولية نفس الموقف بشكل أو بآخر.
ولما احتلت إسرائيل منابع الأنهار العربية فى الشام، فقد تشددت فى مفاوضات وادى عربة مع الأردن بعد أن احتلت الضفة الغربية عام 1967 فتحكمت فى مياه نهر الأردن وورد نص حول الكمية التى تسمح بها إسرائيل للأردن الذى كان النهر كله له. وحذت تركيا وإثيوبيا حذو إسرائيل فهل مياه الأنهار الدولية يمكن بيعها كثروة قومية؟.
الواقع أن تركيا وإسرائيل وإثيوبيا المتحكمة فى الأنهار الدولية فى العالم العربى تصر على المشابهة بين مياه الأنهار الدولية والثروات المعدنية. يضاف إلى ذلك أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ساد الاعتقاد بصحة النظام الرأسمالى بدليل أنه هزم النظام الشيوعى، والنظام الرأسمالى يقوم على فكرة التسليع أى النظر إلى كل شئ باعتباره سلعة تصلح للبيع والشراء. وقد التبس على هذه الدول القرار الذى تبناه الاتحاد الدولى للمياه منذ سنوات وهو أن من حق دول الأنهار الدولية أن تتصرف فى حصتها وفق مصالحها، أى أن كل دول النهر من حقها بأن تبيع حصتها أو بعضها إلى غيرها. ولكن المشكلة هى أن هذه الدول فهمت هذا القرار خطأ، وانعكس ذلك فى موقف إثيوبيا الذى يتردد خلال أزمة سد النهضة وتبين أن هذا الموقف هو السبب فى تعنت إثيوبيا، ذلك أنها مستعدة لأن تعطى مصر حصتها من المياه فى نهر النيل ولكن على سبيل البيع والشراء ويبدو أن الحكومة المصرية انخدعت بهذا الموقف خصوصا وأنها وجدت واشنطن وإسرائيل يؤيدان هذا الموقف ولم تلحظ الكثير من الدول أن مياه الأنهار الدولية تحكمها قواعد القانون الدولى للمياه، ويحظر بيع حصة الدول النهرية ابتداءا ولكن المسموح به قانونا هو أن كل دولة تستطيع أن تبيع حصتها أو جزءا منها ولكن إثيوبيا ملزمة باحترام قواعد القانون الدولى حتى تحصل مصر على حصتها، وإذا أرادت مصر زيادة هذه الحصة فيمكن أن تستفيد إثيوبيا من بيع الكمية المطلوبة الاضافية لمصروبشرط ان تكون من حصة اثيوبيا وبذلك لايجوز لإثيوبيا أن تنكر حصة مصر، وتصر على بيعها كلها لمصر ولكن إثيوبيا تستطيع أن تبيع حصتها لإسرائيل بشرط موافقة جميع دول الحوض بينما لايجوز لها أن تحجز حصة مصر حتى تبيعها لمصر أو لإسرائيل.
أما الفوارق بين الثروة الطبيعية والمياه الجارية فى الأنهار الدولية فتتحصل فيما يلى.
أولا: مياه الأنهار الدولية ملكية مشتركة لكل الدول النهرية ويتم تقسيم هذه المياه على جميع الدول النهرية وفق قواعد القانون الدولى للمياه، فلا تستطيع دولة المنبع أن تحجب المياه عن غيرها بحجة أنها بحاجة إليها لأغراض التنمية ولذلك يمكن لدولة المنبع الاستفادة من مياه النهر الدولى فى حدود حصتها ولايجوز لها أن تحجز المياه اللازمة للدول الأخرى، كما أنها يجب أن تلتزم بقواعد القانون الدولى الواردةحصرا وتحديدا فى اتفاقية الأمم المتحدة عام 1997 الخاصة بالاستخدمات غير الملاحية للمجارى المائية الدولية.
ثانياًأن مياه النهر الدولى سطحية ويجرى النهرعلي السطح في أكثر من دولة ولايجوز لدولة منبع أن تقيم أشغالا فى أعلى النهر بحيث تؤثر على تدفق المياه لدى غيرها، كما لايجوز لأى دولة نهرية أن تتملك الجزء من النهر الذى يمر بأراضيها.
أن الثروات الطبيعية كالبترول والغاز تحت الأرض وتتكون من طبقات جيولوجية فهى ملك للدولة لأنها فى باطن الأرض ويمكن لهذه الثروات الطبيعية أن تمتد تحت الأرض إلى إقاليم أخرى ولذلك نشأت قواعد القانون الدولى لتسوية المنازعات بين الدول المتجاورة، فالثروات الطبيعية تحت الأرض هي ملك للدول التى اكتشفت فيها ولها قانون دولى خاص بها. أما مياه الأنهار الدولية فلا حكر لأحد عليها.
ويترتب على ذلك أن إثيوبيا ليس لها الحق فى أن تبيع المياه لمصر، ولمصر أن تتمسك بحقوقها المائية وفقا للقانون الدولى وترفض أى تلويح من إثيوبيا لبيع حصة مصر لها بمبالغ مالية.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب مصري