يثور جدل عقيم فى العالم العربى حول الدولة الفلسطينية علما بأن هذا الموضوع تم حسمه من الناحية القانونية. فالدولة عموما هى كيان سياسى وقانونى يتكون من ثلاثة عناصر: الأول هو الأرض أو الإقليم، والثانى هو الشعب والثالث هو السلطة السياسية التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا فرق بين الدولة ذات السلطة الدكتاتورية فى أحد أجهزتها التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، وفى الغالب تكون السلطة دكتاتورية عندما يغفل رئيس الدولة الفصل بين السلطات فى الدستور ويعمد إلى الهيمنة على الذراع التشريعى والقضائى فضلا عن الذراع التنفيذى فرئيس الوزراء فى النظام الرئاسى غير موجود ولكن الرئيس يحكم بأفراد وزراء بمثابة سكرتارية تابعون للبيت الأبيض، ولكن هناك نظم مختلفة تجمع بين الرئاسى والبرلمانى مثل فرنسا والبرتغال حيث توزع السلطة بين الرئيس والبرلمان وفى هذه الحالة يكون للوزراء سلطات، والعنصر الحاسم هو مدى احترام الدستور.
وقد تطورت المسألة نحو الدولة الفلسطينية التى حددت إقليميا فى قرار التقسيم ثم نشأت منظمة التحرير الفلسطينية وتم الاعتراف بها كيانا وحيدا يعبر عن الشعب الفلسطينى عام 1947 الذى اعترفت الأمم المتحدة به وبحقوقه السياسية عام 1969. فالدولة الفلسطينية حق أصيل للشعب الفلسطينى حتى قبل أن تعترف به الأمم المتحدة كشعب غير أن اعتراف الأمم المتحدة كان ضروريا عندما كانت الشعوب تتمتع بحق تقرير المصير لدولها ونظمها . وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة هذا الحق وقامت لجنة الأمم المتحدة لتصفية الأستعمار بدورها وانتهت مع انتهاء هذا الدور ولذلك فإن احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية ينقسم إلى فسمين قسم تقوم عليه إسرائيل ونصفه فقط فى قرار التقسيم والجزء الذي احتلته إسرائيل نفسها بعد قيامها بدأ بمدينة القدس التى تخضع لقانون الاحتلال الحربى وهذا ينطبق على مدينة القدس شرقها وغربها وإن كان الاغتصاب تم فى أوقات متفرقة فقد تم اغتصاب شرق القدس الذى تسميه إسرائيل القدس الغربية عام 1948-1949 ولكن العالم العربى لا يدرك هذه الحقائق فطرح صيغة للتسوية تؤدى إلى التنازل عن غرب القدس وبالفعل أصبح الإعلام العربى عموما يردد ما يردده الإعلام الإسرائيلى والتصريحات الإسرائيلية حتى ظنت أجيال العالم العربى الجديدة أن مدينة القدس بشقيها هى عاصمة إسرائيل مادام الإعلام الفلسطينى لا يركز على دحض الأكاذيب الإسرائيلية حول فلسطين ومدينة القدس.
والدولة الفلسطينية التى تم الاعتراف بها رسميا فى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 هى نفسها التى اعترف بها العالم العربى عام 1964 كما اعترفت منظمة المؤتمر الإسلامى منذ قيامها بدولة فلسطين وأصبح لهذه الدولة تمثيل دبلوماسى كامل فى الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامى وفى الدول العربية والإسلامية كما اعترف بها معظم أعضاء المجتمع الدولى ولكن الغرب يتخذ موقفا غريبا من الدولة الفلسطينية فهو يطالب بحل فى فلسطين على أساس الدولتين ولكنه فى الواقع يشجع إسرائيل على تنفيذ نظريتها وهى أنها لا تحتل فلسطين وانما تستعيد فلسطين لليهود فسكت الغرب عن جرائم إسرائيل برغم أنه يدين فى تصريحاته هذه الأعمال ولكنه لايقوى على مواجهة إسرائيل بهذه الجرائم فالغرب الذى أنشأ إسرائيل لكى تكون مركز وكلائه فى المنطقة والإشراف على تخلف العالم العربى هو نفسه الذى يتناقض مع نفسه ولا يرى النفاق السياسى الذى يمارسه.
والدولة عموما تتكون من ثلاثة عناصر العنصر الأول هو الأرض أو الإقليم والعنصر الثانى هو الشعب أو السكان والعنصر الثالث هو السلطة السياسية التى تدير العنصرين الآخرين ومعلوم أن الشعوب العربية والحكام العرب يخلطون بجهل أو عن عمد بين الحكومة والدولة رغم أن الحكومة هى مجرد الذراع التنفيذى فى السلطة السياسية بل إن البعض تجاوز كثيرا فى هذا الموضوع فاعتبر الجيش فى بعض البلاد هو الدولة لمجرد أن رئيس الدولة يستند إلى الجيش باعتباره تربى فى صفوفه وهذا واضح فى كل النظم التى شهدت انقلابات عسكرية فى العالم العربى ورغم أن هذه النظم تسمى هذه الاتقلابات بالثورات على أساس أن كلمة الانقلاب في الثقافة السياسية العربية تعنى تدخل الجيش فى الشؤون العامة كما تعنى الكثير من المعانى السلبية التى يستهجنها العقل العربى (أنظر الأجزاء الثلاثة من كتابنا الخرافات والأساطير فى الثقافة السياسية العربية المعاصرة- موقع دار النهضة العربية الالكترونى) وهذه العناصر الثلاثة متوفره للفلسطينيين فالاقليم الفلسطينى يشمل وفقا لقرار التقسيم نصف فلسطين تقريبا ولكن إسرائيل فى اطار مشروعها لالتهام فلسطين تمكنت من التهام نصف ما خصص للفلسطينيين حتى عام 1967 ثم احتلت بقية الأراضى الفلسطينية فى ذلك العام فوفقا لخطة التسوية الدولية تعتبر الأراضى الفلسطينية خارج قرار التقسيم أراضى محتلة لابد أن تجلوا عنها إسرائيل وأما الأراضى التى قامت عليها إسرائيل بالفعل فهى تشكل الدولة الإسرائيلية وإن كان المتطرفون الإسرائيليون يطالبون بكل فلسطين بينما العقلاء من العرب والفلسطينيين يطالبون بكل فلسطين من باب أولى ولذلك فإنى أقترح أن تكون المطالبه العربية رائدا فى المفاوضات مع إسرائيل على أساس أن كل فلسطين للعرب وأن إسرائيل زرعت بالمؤامرة فى فلسطين. وإذا كانت إسرائيل من بقايا الاستعمار الغربى فإن هذا الاستعمار عفا عليه الزمن ولابد من أن ترحل إسرائيل من فلسطين أو أن تتفق مع الفبسطينيين على تسوية ما مرضيه للطرفين فالاقليم محتل فى كلا المعنيين والشعب موجود فى الأراضى المحتلة وفى كل فلسطين بما فى ذلك الجزء التى قامت عليه إسرائيل وقد أثبتت أحداث حملة سيف القدس عام 2021 أن الشعب الفلسطينى فى داخل فلسطين وخارجها لا يزال حياً ولا تزال ارادته فى أن يعود قائمة ويؤكد فى كل يوم على حقوقه وخاصة حق العودة إلى وطنه وبيوته ولا يقبل تعويضا عن هذا الوطن.
أما علاقة الدولة الفلسطينية بالأمم المتحدة فدولة فلسطين عضو مراقف وأن الفيتو الغربى هو الذى يمنع العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة وفقاً للمادة الرابعة من الميثاق فهى عضو مراقب وهى دولة كاملة الأركان وإن كانت سيادتها على أرضها يحجبها الاحتلال والمشروع الصهيونى الجشع الذى يريد التهام الأرض وطرد السكان.
أما علاقة الدولة الفلسطينية بمنظمة التحرير الفلسطينية فإن هذه المنظمة هى الجهاز السياسى الجامع لكل الفلسطينيين فى داخل فلسطين وخارجها وهو المتحدث الوحيد بأسم الشعب الفلسطينى قبل قيام الدولة الفلسطينية رسميا والاعتراف بها عام 2012 ومادامت الدولة الفلسطينية لاتزال محتلة وارادتها مصادرة من جانب إسرائيل فهناك حاجة ماسة لانعاش منظمة التحرير وانضمام جميع الاجنحة فيها إلى أن يتم التمكين للدولة الفلسطينية وتصبح المنظمة مجرد تاريخ فى نضال الشعب الفلسطينى.
وأما علاقة الدول الفلسطينية بالسلطة الفلسطينية فهذه الأخيرة هى الحكومة وهى سلطة منتخبة من الشعب الفلسطينى سواء رئيس السلطة أو البرلمان أو الحكومة ولذلك نعتقد أن هذه السلطة ليست نتاج اتفاق اوسلو الذى سقط بمجرد عدم تنفيذ إسرائيل للشق الخاص بالفلسطينيين فيه وليس معنى ذلك أن سقوط أوسلو يبطل السلطة الوطنية الفلسطينية وإن كانت أوسلو قد ألزمت إسرائيل بعدم اعاقة الانتخابات الفلسطينية فى الأراضى التى تحتلها.
فالسلطة الفلسطينية هى الحكومة أو هى السلطة السياسية بالنسبة للدولة الفلسطينية ولذلك فإن موافقة إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية هو عبث سياسى لأن هذه الموافقة لا تنشيء الدولة وإنما هى اعتراف بواقع لا تريد إسرائيل أن تعترف بها.
والخلاصة أن الدولة الفلسطينية قائمة ومنظمة التحرير قائمة والسلطة الفلسطينية هى سلطة سياسية للدولة وهى تطالب إسرائيل وتدخل معها فى مفاوضات بشرط فصل المنظمة عن السلطة وفصل رئاستهما عن بعضيهما فلا يجوز أن يكون أبو مازن رئيس السلطة ورئيس المنظمة لأن القضايا المعلقة بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل تتولى تسويتها منظمة التحرير أو السلطة بناءا على تفويض المنظمة ويترتب على ذلك ضرورة تعديل المطالب الفلسطينية فالدولة الفلسطينية قائمة لا تحتاج إلى اعتراف إسرائيلى وهذا عرف قانونى استقر فى المجتمع الدولى عندما تحررت دول العالم الثالث من الاستعمار الغربى فلم يكن مطلوبا أن تعترف بها الدول الاستعمارية. ومن ناحية أخرى لابد أن تعدل الدول العربية صيغة التسوية فتطالب بكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية كما يحددها الفلسطينيون واما الدولة الفلسطينية فهى قائمة ولكن المطلوب تحديد حدودها بالاتفاق مع إسرائيل ويفضل ان يكون ذلك فى مؤتمر دولى.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب مصري