
في 2 أكتوبر وبداية خريف عام 1941 بدأ الهجوم على موسكو، وصلت القوات الألمانية إلى ضواحي العاصمة كجزء من عملية "بربروسا"، وأصبحت على بعد حوالي 30 كيلومترا من وسط عاصمة الاتحاد السوفيتي، في تلك الأيام قدرت قيادة الجيش الألماني أنها على وشك تحقيق انتصار حاسم والسيطرة على أكبر مدينة في الاتحاد ولكنها فشلت بسبب الهجوم المضاد السوفيتي وظروف الشتاء القاسية التي أثرت على الجيش الألماني المنهك. استغل الجيش السوفيتي، بقيادة الجنرال غيورغي جوكوف، الوقت المتاح لتجنيد المزيد من القوات، بما في ذلك جنود من سيبيريا، ولتنظيم دفاعات قوية.
شن الجيش السوفيتي هجوما مضادا قويا في نهاية ديسمبر 1941، مما أجبر القوات الألمانية المنهكة على الانسحاب مئات الكيلومترات غربا، وبهذه الهزيمة تكبدت ألمانيا خسائر فادحة وبدأ مسلسل خسارتها للحرب العالمية الثانية.
رغم الفوارق الشاسعة في جوانب كثيرة إلا أن هناك في نفس الوقت تشابه بين ما وقع في معركة موسكو في أربعينيات القرن الماضي، وما وقع ويقع في قطاع غزة ومحيطها من لبنان وسوريا واليمن وإيران منذ 7 أكتوبر 2023 يضاف إلى ذلك تأثير الصراع المحتدم لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، تبين الأحداث فراغ الأوهام السائدة بين النخب السياسية التي تسيير سياسات واشنطن وتل أبيب بشأن نجاحها في كسب الجزء الأكبر من معركة التحكم في نقطة المركز بالشرق الأوسط، والشروع في مخطط دفن القضية الفلسطينية وشرذمة دول المنطقة في مسلسل على شاكلة معاهدة سايس بيكو التي عقدت عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا، لتقسيم الأراضي التابعة للدولة العثمانية في منطقة الهلال الخصيب، وتحديد مناطق النفوذ، والإعداد لإقامة إسرائيل.
المقاومة الفلسطينية في غزة لم تهزم وإن كانت قد خسرت جزء من قواتها ولكنها تستمر في السيطرة على الجزء الأكبر من الأراضي المأهولة وأنفاقها، بينما تقتصر السيطرة العسكرية الإسرائيلية تقريبا على الأراضي المفتوحة قليلة السكان وممر يشطر الشمال عن الجنوب إضافة إلى الشريط الحدودي للقطاع مع مصر.
حسب تقديرات الأجهزة الاستخبارية الأمريكية والإسرائيلية لا تزال حماس والجهاد تمتلكان ما بين 28 ألف و 32 ألف مقاتل وترسانة كبيرة من الصواريخ والأسلحة، وعملية التجنيد وجلب جزء من المؤمن تتواصل في ظل ما يوصف بالقصف المتقطع أو حالة لا حرب ولا سلام. وتحذر أوساط عسكرية غربية وإسرائيلية من أن عدم الانتقال بسرعة إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي ترامب حول غزة ونزع سلاحها سيسمح للمقاومة بالإعداد إلى مرحلة جديدة من المواجهة مع الجيش الإسرائيلي بعد هدنة مغلوطة يقدرون في الغرب أن المقاومة الفلسطينية استفادت منها أكثر من خصومها.
في ظل هده الأوضاع يتحدثون في الغرب وخاصة في أوروبا عن هجرة مكثفة لمئات الألاف من المستوطنين الإسرائيليين وخاصة ما يوصف بالنخبة من المثقفين والأطر وغيرهم وذلك ليس فقط بسبب المخاوف من الحروب التي لا تنتهي بل كذلك بسبب الوضع الداخلي المتوتر.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحدثت عن الآلاف من الإسرائيليين الذين اختاروا الرحيل نحو الخارج، إذ انتقل أكثر من 80 ألفا من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين إلى الخارج في عام 2024، ومن المتوقع أن تتكرر أعداد مماثلة هذا العام.
وتنقل الصحيفة عن علماء اجتماع وديمغرافيين إسرائيليين أن معظم المهاجرين الجدد حاصلون على تعليم جيد، بدخل مرتفع، علمانيون، ميولهم يسارية، وينتقدون بشدة المسار الذي يسلكه قادة إسرائيل، كثيرون منهم موظفون في شركات ناشئة، أطباء، وطلاب يسعون للحصول على درجات علمية متقدمة.
يخشى الخبراء من تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية قد تمتد تأثيراتها على إسرائيل، فيقول إيتاي أتر، أستاذ الاقتصاد في جامعة تل أبيب "هناك هجرة عقول في أماكن أخرى من العالم، لكن هناك خصوصية في ضوء التركيبة السكانية الإسرائيلية".
وضرب مثلا بالعاملين في قطاع التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل الذين يشكلون نسبة معتبرة من المهاجرين، فرغم أنهم يشكلون 11 في المئة فقط من القوة العاملة فإنهم يدفعون ثلث الضرائب. ووفقا للأرقام التي نشرتها واشنطن بوست، يعيش نحو 200 ألف إسرائيلي حاليا في أوروبا.
ومنذ بداية عام 2024، هاجر نحو 8 آلاف إسرائيلي إلى كندا، مقارنة بـ 1505 فقط في العام 2023. وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للمهاجرين قد يتجاوز عشرة آلاف شخص، وهناك هجرات مكثفة إلى دول أخرى مثل البرازيل والأرجنتين.
الأمر الذي يجب أخذه بالحسبان هو أن وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية تخفي الكثير من الحقائق حول أوضاع الكيان الإسرائيلي.
في شمال فلسطين المحتلة وجنوبها وشرقها وغربها تتطور وتتعزز من جديد القوى المعادية للمخطط الإسرائيلي الغربي وهو ما يدفع خصوم فلسطين لخوض سباق مع الزمن لتحقيق ما فشل الجيش الإسرائيلي في انجازه عسكريا في غزة طوال 26 شهرا، ولكن بوسائل أخرى.
مشروع "غزة الجديدة"
يوم الأحد 30 نوفمبر 2025 كشف تقرير إسرائيلي مفصل عن حجم التحولات الجارية ضمن مشروع واسع تطلقه واشنطن تحت اسم "غزة الجديدة" وهو مخطط تشارك فيه إسرائيل والولايات المتحدة لـ "حسم المعركة مع حماس ونزع سلاحها".
وخلال جولة أجراها مراسلون إسرائيليون في محور "موراغ" بين خان يونس ورفح، ظهرت كميات هائلة من المواد الغذائية مرمية على الطرقات، بما فيها أطنان من الطحين وعلب الطعام. وقد برر الجيش الإسرائيلي ذلك بأنها "سقطت من شاحنات المساعدات"، فيما رجح ضباط آخرون احتمال نهبها من قبل مجموعات محلية تدعمها تل أبيب.
وتعمل المقرات الأمريكية في كريات غات بالتعاون مع القيادة الإسرائيلية على تطبيق المرحلة الأولى من المشروع في رفح، التي تشمل إنشاء "أحياء مؤقتة" في المناطق المفتوحة شرق رفح، وإشراف قوة دولية تحمل اسم "ISF" على سير الأمن والإدارة، ونقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من المخيمات إلى هذه الأحياء مقابل توفير فرص عمل مؤقتة.
وبحسب التقرير، سيتم عزل المناطق الخاضعة لحماس تماما عن المساعدات الإنسانية ومشاريع الإعمار. كما يعتزم الجيش الإسرائيلي إقامة نقاط تفتيش متطورة على "الخط الأصفر" الفاصل لمنع تسلل عناصر حماس أو تهريب السلاح.
وتهدف الخطة إلى نقل ما يقارب مليوني فلسطيني إلى مناطق جديدة خاضعة للرقابة الأمريكية الإسرائيلية وتسهيل الهجرة منها إلى الخارج، مع خطط لبناء مستوطنات سكنية دائمة بتمويل خليجي لاحقا. ويعمل الجيش الإسرائيلي على إجبار مقاتلي حماس للخروج فوق الأرض عبر عمليات مركزة في رفح وخان يونس.
ورغم الطموح الكبير للمشروع، فإنه يواجه عقبات جسيمة، حيث لم تشكل القوة الدولية بعد، ولم تعلن أي دول استعدادها للمشاركة، كما أن التمويل الخليجي ما زال غير مضمون. ويبقى نجاح المشروع مرهونا بالتطورات السياسية واستمرار وقف إطلاق النار الهش.
وتكشف هذه الخطة عن محاولة جذرية لإعادة تشكيل الواقع الديموغرافي والسياسي في قطاع غزة، لكن تبقى قدرتها على تغيير المعطيات على الأرض موضع شك في ظل التحديات العملية والسياسية القائمة ورفض حماس نزع سلاحها.
الجيش الأمريكي
يوم السبت 29 نوفمبر 2025 أعلنت القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي أن مركز التنسيق المدني-العسكري في غزة، تمكن من إصلاح الإنترنت بالقطاع كما سهل مرور أكثر من 24 ألف شاحنة مساعدات، وساعد بإجلاء 1500 مدني.
وجاء في بيان نشرته القيادة الوسطى الأمريكية، أنه "بعد شهر واحد من تحقيق القدرة التشغيلية الكاملة، توسع مركز التنسيق المدني-العسكري (CMCC) الذي تقوده الولايات المتحدة ليضم ممثلين من 50 دولة شريكة ومنظمة دولية"، لافتة إلى "المركز، الذي يعد مركز التنسيق الرئيسي للمساعدات إلى غزة، أنشئ في 17 أكتوبر، بعد 5 أيام من توقيع بعض ساسة دول على خطة بوساطة أمريكية لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس بشكل دائم في مدينة شرم الشيخ بجنوب صحراء سيناء المصرية. وأصبح المركز عمليا بالكامل بعد أسبوع في 24 أكتوبر مع وصول الموظفين الدوليين إلى مقره في كريات غات، في إسرائيل".
وقال الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية التي افتتحت المركز: "هذه فرصة تاريخية لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. نحن نقدر جهود شركائنا الدوليين. إن تنفيذ خطة السلام بنجاح يتطلب تعاونا غير مسبوق، ونحن نحقق تقدما".
ولفتت القيادة المركزية إلى أنه "في الأسبوع الماضي، وبالتنسيق مع منسق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT) في إسرائيل، ساعد المركز في إدخال فنيين إلى غزة لإصلاح كابل رئيسي للألياف الضوئية، مما أعاد خدمة الإنترنت بالكامل عبر القطاع المكتظ بالسكان الذي يمتد 25 ميلا، كما سهل المركز مرور أكثر من 24 ألف شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية والسلع التجارية إلى غزة خلال الأسابيع الخمسة الماضية، فيما يعمل على فتح طرق إضافية لإيصال السلع والمساعدات الميدانية وتوزيعها".
وقال السفير ستيفن فاغن، الذي يقود المركز إلى جانب الفريق أول باتريك فرانك، قائد القوات البرية الأمريكية المركزية: "من خلال جمع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك قوات الجيش الإسرائيلية، ومنسق أعمال الحكومة، والجيش والمدنيون الأمريكيون، وجيوش ومدنيو الدول الشريكة، ومنظمات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، يتمتع المركز بموقع فريد لضمان نجاح جهود المساعدات الإنسانية".
وأضاف البيان إلى أنه "بالإضافة إلى ذلك، ساعد المركز في إجلاء أكثر من 1500 مدني من غزة من حاملي الجنسيات المزدوجة أو ممن يحتاجون إلى رعاية طبية، فيما تجري حاليا جهود لتوفير الإمدادات الإنسانية اللازمة لفصل الشتاء وإزالة الذخائر غير المنفجرة على طول الممرات اللوجستية الحيوية في غزة لتحسين السلامة".
وأشار البيان إلى أن "أكثر من 100 وسيلة إعلامية وقادة كبار زاروا مقر المركز منذ افتتاحه. كما زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الموقع في 24 أكتوبر، يوم أصبح المركز عمليا بالكامل.
وقال روبيو بعد الزيارة: "هذا مركز مدهش يجري فيه الكثير من العمل المهم. هذه مهمة تاريخية. ستكون هناك صعود وهبوط ومنعطفات، لكن لدينا الكثير من الأسباب للتفاؤل الحذر بشأن التقدم المحرز".
يذكر أن برنامج الأغذية العالمي وعلى عكس التأكيدات الأمريكيةأكد أن استمرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة أمر "حيوي" لضمان إيصال المساعدات الإنسانية وإنقاذ الأرواح، محذرا منأن الإمدادات التي وصلت إلى شمال القطاع "ليست بالكمياتالمطلوبة" لمواجهة خطر المجاعة المتفاقم.
من جانبه رسم جاكو سيليرز، الممثل الخاص للمدير العام لبرنامجالأمم المتحدة الإنمائي في الأراضي الفلسطينية، صورة قاتمةللأوضاع في قطاع غزة، مؤكدا أن ما شاهده خلال زيارته الأخيرةيعكس حجما غير مسبوق من الدمار والمعاناة الإنسانية.
ووصف سيليرز في حديثه للجزيرة القطاع بأنه "أكثر مكان مدمرعلى وجه الأرض"، مشيرا إلى أن مشاهد الركام المنتشر في كلمكان تجسد حجم الكارثة التي حلت بالمدنيين.
وأوضح أن الأهالي يبحثون وسط الأنقاض عن بقايا منممتلكاتهم، في حين يقف الأطفال في طوابير طويلة للحصول علىالغذاء والماء.
وأكد أن سكان غزة يواجهون تحديات إنسانية هائلة تتعلق بتأمينالمأوى والغذاء والمياه، في وقت تقدر فيه الأمم المتحدة حجم الركامالمتراكم في القطاع بنحو 25 مليون طن من الأولويات إزالتها قبلأي عملية إعادة إعمار.
ورغم هذا الواقع الصعب، شدد المسؤول الأممي على أن الأهالي"ما زالوا يحاولون العودة إلى حياتهم الطبيعية"، مضيفا أن روحالصمود التي لمسها خلال زيارته تبعث الأمل بإمكانية النهوضمجددا رغم جسامة الخسائر.
أزمة سلاح حماس تتفاقم
جاء في تقرير للقناة العاشرة الإسرائيلية نقلا عن مسؤول أمريكي في مركز التنسيق نشر يوم الجمعة 28 نوفمبر 2025:
تتسارع التسريبات الإسرائيلية حول ملامح المرحلة المقبلة في غزة، مع بروز جدول زمني أمريكي لنزع سلاح حماس بحلول أبريل 2026، بالتوازي مع استعدادات أولية لانتشار قوات دولية في القطاع منتصف يناير 2026.
غير أن هذه الرؤية الزمنية تطرح تساؤلات جدية حول إمكانية تطبيقها، في ظل واقع ميداني وسياسي متحرك، تتخلله خلافات بين الأطراف المعنية، وتعثرات في التفاهمات الخاصة بقوة الاستقرار الدولية.
في المقابل، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن غياب أي تقدم فعلي في تشكيل قوة الاستقرار الدولية، وهو ما يهدد، وفق مصدر إسرائيلي، بأن "تتولى تل أبيب منفردة مهمة نزع سلاح الحركة إذا فشل المجتمع الدولي في ذلك".
كما حذر المصدر من أن "استمرار الجمود قد يدفع واشنطن إلى الإصرار على إدخال قوات تركية ضمن القوة الدولية في غزة"، وأن خلف الكواليس تطرح أفكار من بينها دمج عناصر من حماس داخل أجهزة الأمن الفلسطينية التي ستنتشر في القطاع لاحقا.
قضية فلسطينية بحتة
حذر 3 خبراء دوليين في حفظ السلام من أن أي محاولة لفرض نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالقوة في غزة ستقود إلى "كارثة مؤكدة" وستقضي نهائيا على اتفاق وقف إطلاق النار.
ومع ذلك، يرى الخبراء في مقالهم التحليلي المشترك بصحيفة هآرتس اليسارية الإسرائيلية أن هذه المحاولة تأتي رغم وجود فرصة سياسية ضيقة يرون أنها يمكن أن تفتح مسارا جديدا أو تعيد المنطقة إلى الحرب.
والخبراء الثلاثة الذين كتبوا المقال هم: هيبا قصاص المديرة التنفيذية لمبادرة "مبادئ السلام" ومقرها جنيف بسويسرا، وبيرت كوندرز وزير خارجية هولندا الأسبق وقائد سابق لبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في ساحل العاج ومالي، والفريق أول بالجيش الهولندي سي جي (كيس) ماتييسن الذي خدم سابقا في أفغانستان والعراق والبوسنة والهرسك.
وعرض هؤلاء الخبراء في المقال رؤية عملية لتطبيق وقف إطلاق النار في غزة وإنجاح خطة ترامب.
ويرى الكتاب أن غزة تقف على مفترق طرق خطير: إما تثبيت وقف إطلاق النار والانطلاق نحو مستقبل مختلف، أو الانزلاق مجددا إلى حرب شاملة.
ويؤكدون أن مفتاح المرحلة المقبلة هو إنشاء بعثة دولية لتحقيق الاستقرار ذات تفويض واضح وشامل، تجمع بين الأمن والسياسة والإغاثة وحماية المدنيين.
ويشدد المقال على أن أي قوة عسكرية صرفة، هدفها السيطرة أو فرض الاستقرار بالقوة، ستكون محكومة بالفشل. فالاستقرار -بحسب التحليل- لا يتحقق بالسلاح، بل من خلال سياسة واضحة تقود القوة، لا العكس.
ويراهن الخبراء الثلاثة على الدعم العربي من مصر والسعودية وقطر وتركيا، ويرونه ضروريا، وأن قرارا من مجلس الأمن الدولي سيمنح العملية شرعية وزخما.
أما بالنسبة لإسرائيل، فيؤكد الكتاب أن المسار السياسي يجب أن يفضي إلى اعتراف كامل وضمانات أمنية وتطبيع مع القوى الإقليمية.
غير أنهم يرون أن الهاجس الأكبر لدى إسرائيل يكمن في نزع سلاح حركة حماس، وهنا يحذر المقال من أن نزع السلاح بالقوة سيكون "كارثة مؤكدة"، لأن أي دولة لن توافق على أن تكون امتدادا للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.
الكتاب اقترحوا أن تكون القيادة السياسية والإدارية في غزة فلسطينية بالكامل خلال المرحلة الانتقالية، مع ضرورة إعادة توحيد الضفة الغربية والقطاع، وتهيئة الطريق نحو قيام دولة فلسطينية ذات حوكمة فعالة وخاضعة للمساءلة.
ويستشهد المقال بتجربة كولومبيا مع تنظيم "فارك".
وحذر الخبراء الثلاثة من تكرار أخطاء العراق بعد غزوه 2003، حين أدى احتلال البلاد و"اجتثاث حزب البعث" إلى إقصاء مئات آلاف الكفاءات ودفعهم نحو الثورة، مؤكدا أن إقصاء القوى المحلية يؤدي إلى انهيار الاستقرار.
زيادة قوة حماس
كشف مصدر أمني إسرائيلي رفيع يوم 30 نوفمبر 2025 أن الجيش الإسرائيلي يبلور خططا لمنع زيادة قوة حركة حماس.
كما أضاف المصدر يوم الأحد أن "الجيش يدرس بدائل بهدف تفكيك حماس، بينها العودة إلى القتال واحتلال غزة بالكامل، أو البقاء على طول الخط الأصفر وتنفيذ عمليات خاصة تهدف إلى إسقاط حكم الحركة"، وفق ما نقلت هيئة البث الإسرائيلية.
إلى ذلك، أكد أن "واشنطن لا تملك حتى الآن خطة واضحة لنزع سلاح حماس، بينما تعمل الحركة على استعادة قوتها".
يذكر أن القوات الإسرائيلية تسيطر على ما يقارب من 25 في المئة من القطاع الفلسطيني المدمر، بعد انسحابها إلى الخط الأصفر، وفق ما نصت عليه المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار الذي رعته الولايات المتحدة، بمشاركة مصرية وقطرية.
احداث غير عادية قادمة
قال رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو في رسالته لطلب العفو عن جرائمه بالفساد والموجهة للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ والتي بلغت في الكامل 111 صفحة، إن الأشهر المقبلة ستشهد بالشرق الأوسط أحداثا غير عادية، ما يتطلب استعدادات هائلة، وجهودا دبلوماسية وأمنية على مدار الساعة.
وقال نتنياهو في الرسالة إنه خلال السنوات الأخيرة تعمقت التوترات والانقسامات بين شرائح من الشعب وبين مؤسسات الدولة المختلفة، وأبلغت بأن العملية التي تديرها بخصوص موضوع العفو تتقدم نحو نهايتها.
وأضاف: "بصفتي صاحب مسؤولية جماهيرية ووطنية واسعة، ومن منطلق الفهم لمسؤولياتي تجاه جميع المواطنين، وبعد أن سمعت طلبك بأن أدير دوري كرئيس للحكومة بمسؤولية، وأن أستمر في قيادة المسار حتى نهاية فترة ولايتي، أود التأكيد بأن شرفي كسياسي يخدم الجمهور يوجهني دائما".
وتابع أنه "من منطلق مسؤوليتي الجماهيرية كرئيس للحكومة لمحاولة تقليص الشرخ بين شرائح الشعب، لا شك لدي بأن تسويات قضائية ستساعد في تهدئة حدة الاحتقان الجماهيري الموجود من حولنا".
وقال: "أمام التحديات الأمنية والدبلوماسية التي تواجهها الدولة في هذه الأيام من قبل دول معادية لإسرائيل، أنا ملتزم بالعمل كل ما بوسعي لإعادة الجنود والمواطنين المخطوفين، لاستعادة الوحدة العامة وتعزيز الثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولة، وكذلك لفعل كل ما يمكن لأداء واجباتي تجاه الدولة.
في رد على رسالة نتنياهو قال رئيس حزب "أزرق أبيض" الإسرائيلي بيني غانتس، مساء الأحد، إن رئيس الوزراء يعلم أن طلب العفو لا يتوافق مع الإجراءات المتبعة في إسرائيل، وأنه زائف تماما.
وأضاف غانتس في تدوينة على منصة "X" أن طلب العفو يهدف إلى صرف انتباه الجمهور عن قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية الذي يروج له على حساب أطفالنا.
وذكر رئيس الحزب أن نتنياهو يتصرف كرجل إطفاء يشعل حريقا ثم يطلب الدفاع المدني لإطفائه.
واختتم غانتس تدوينته برسالة وجهها لرئيس الوزراء، حيث قال: "يا نتنياهو، بدلا من تأجيج النار أطفئ النار التي أشعلتها في المجتمع الإسرائيلي وأوقف الضرر الذي لحق بالديمقراطية، واذهب إلى صناديق الاقتراع، وبعد ذلك فقط اطلب صفقة إقرار بالذنب أو العفو".
ثأر حزب الله
تسود في إسرائيل حالة من القلق إزاء ما تسميه تل أبيب "التحركات الأخيرة التي يقوم بها حزب الله في لبنان"، وفق ما ورد في تقرير لصحيفة "معاريف" العبرية.
وصرح مصدر عسكري رفيع لصحيفة "معاريف" قائلا: "نحن نراقب ونعمل ضد محاولات حزب الله لإعادة بناء قدراته ومحاولة تغيير انتشاره في جنوب لبنان"، مضيفا: "نحن نعمل باستمرار لمنع تجذر التهديدات مجددا في الساحة اللبنانية".
هيئة البث العبرية، ذكرت يوم السبت 29 نوفمبر 2025، إن الإسرائيليين اشتكوا في الأيام الأخيرة للأمريكيين من عدم فعالية الجيش اللبناني في نزع سلاح حزب الله.
وذكرت الهيئة أن تل أبيب وجهت تهديدا إلى بيروت مفاده: "سلاح الجو سيوسع نطاق الهجمات".
ووفق المصدر ذاته، تضمنت الرسالة الإسرائيلية التي نقلتها الولايات المتحدة إلى الحكومة في بيروت: "إذا لم يتحرك الجيش اللبناني بفعالية ضد حزب الله، فإن سلاح الجو سيزيد نطاق هجماته في لبنان بشكل كبير، وسيصل أيضا إلى مناطق امتنعت إسرائيل حتى الآن عن مهاجمتها بسبب مطالب إدارة ترامب".
وأفادت الهيئة بأن إسرائيل أرادت تحديد موعد نهائي للحكومة اللبنانية لكنها الآن تنتظر قرار الأمريكيين.
كما أدى التهديد الإسرائيلي واستياء إدارة ترامب من سلوك الجيش اللبناني إلى توثيق غير مسبوق خلال عطلة نهاية الأسبوع، فقد سمح الجيش اللبناني للصحفيين بدخول أحد أنفاق حزب الله في جنوب البلاد.
وكان أمين عام "حزب الله" اللبناني نعيم قاسم قد حذر يوم 26 نوفمبر 2025 عن إمكانية اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل، موجها نصيحة إلى "الأعداء" بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي مقابلة خاصة مع قناة "المنار" بمناسبة مرور سنة على تعيينه أمينا عاما لحزب الله، أكد نعيم قاسم أن "الحرب لم نصنعها نحن، ونحن من يعتدى علينا، وعند الاعتداء إما أن تواجه أو تستسلم، ونحن نواجه. نحن لا نصنع حربا، نحن مقاومة ونحن حالة دفاعية"، مشيرا إلى أن "حالة حرب الإسناد (لغزة) كانت دفاعية بالكامل منذ بدايتها وحتى نهايتها. والإسناد بأسره كان لماذا؟ كان ضد عدو محتل لأرضنا، ضد عدو يدمر جارك ويريد أن يدمرك، وضد عدو لا يزال يحتل أراضي لبنان ويحتل فلسطين".
وشدد قاسم على أنه "إذا لم نرد على إسرائيل، فبدل أن تكتفي بشبر من الأرض ستكون لها كل الأرض، وبدل أن تملك سيطرة صغيرة ستكون لها سيطرة كبيرة، وبدل أن تقضي على هذه المجموعة ستقضي على الأجيال القادمة".
وأضاف أمين عام "حزب الله": "نحن لا نأخذ شعبنا إلى خياراتٍ سيئة، بل نأخذه إلى خيارات عظيمة، وبيان ذلك أنه لا عزة في المنطقة إلا ببركة المقاومة. هذه المقاومة هي التي منذ عام 1982 حررت لبنان ولقنت إسرائيل درسا كبيرا وطردتها من أرضنا".
واستطرد نعيم قاسم: "كم ستدوم هذه المرحلة؟ كم سيستطيع الإسرائيلي أن يفعل ما يريد في ظل اختلال ميزان القوى؟ ربما ينفجر من الداخل غدا، وربما نرى نتائج مختلفة... هذه مرحلة، ولكن لا ينبغي أن تؤخذ بمعزل عن المراحل الأخرى التي تعكس العزة".
ولفت قاسم إلى أنه "بصرف النظر عن مستوى التعافي الذي حصل في حزب الله، نحن مقاومة، ونقول أمام العالم كله: لو كانت لدينا عصا لظللنا مقاومة ولن نتوقف. فابحثوا كم لدينا من إمكانات، وابحثوا كم لدينا من إيمان، وكم لدينا من التزام".
وأوضح قائلا: "نحن كمقاومة جاهزون للدفاع، ولسنا جاهزين لشن معركة.. ولا يوجد لدينا قرار بشن معركة ولا قرار بمبادرة للقتال. لكن إذا فرضت علينا معركة، ولو لم يكن لدينا سوى خشبة، فلن نسمح للإسرائيلي أن يمر.. سنقاتله حتى لو لم يبق منا رجل أو امرأة"، مردفا: "الذي يمتلك الإرادة ويتوكل على الله لا تنقطع به السبل، وسيظل يجد الطرق من أجل الاستمرارية".
وتابع أمين عام "حزب الله": "لقد قمنا بأشرف وأسمى عمل يمكن أن تقوم به مقاومة في العالم: فبعد شهرين من معركة "أولي البأس" اتفقنا مع الدولة اللبنانية على تفاهم، وتولت الدولة المسؤولية، والتزمنا عشرة أشهر بالاتفاق، ولم نطلِق طلقة واحدة.. لم نرد على العدو؟ لأننا نريد إراحة البلد ولا نريد أن نعطي ذريعة للعدو، ولكن هذا لم يوقف العدوان".
وأكد نعيم قاسم أن "إسرائيل وأمريكا هما من يتسببان بالمشكلة، وأمريكا تريد إشاعة الفتن والتحريض قائلة: اذهبوا وقاتلوهم"، مشددا على أن "المقاومة هي مقاومة وطنية لكل لبنان، فليخرجوا من منطق أنتم ونحن".
ورأى قاسم أن "استمرار الضغوط الأمريكية والإسرائيلية بهذا الشكل يهدف إلى أن تأخذ أمريكا في السياسة ما لم تستطع إسرائيل أخذه بالحرب".
وبين أمين عام "حزب الله" أن "هناك قدر من الردع موجود، قد لا يمنع اندلاع الحرب، لكنه يمنع تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية".
وأردف نعيم قاسم قائلا: "أنصحهم وحتى وهم أعداء أن يذهبوا ويطبقوا الاتفاق الذي جرى، فالجميع سيخرج رابحا.. إن لم تطبقوا الاتفاق فلن تحصلوا على نتيجة، ونحن سنستمر بالاستعداد لمقاومة أي عدوان محتمل".
وتوجه قاسم "للعدو" بالقول: "في معركة "أولي البأس" لم تحققوا أهدافكم، وأكثر من ذلك، هذا الاتفاق أيضا لن يحقق لكم ما لم تستطيعوا تحقيقه".
وأضاف أمين عام "حزب الله": "نحن ندافع عن فلسطين ولبنان ومصر وسوريا عندما نكون في مواجهة مع العدو الإسرائيلي، الذي تشمل أطماعه الجميع".
وأشار نعيم قاسم إلى أن "إسرائيل' بقيت في لبنان 22 عاما ولم تنفذ القرار 425"، متسائلا: "فما الذي قدمه السياديون للبلد؟".
وأوضح قاسم أن "تواجد حزب الله العسكري اليوم مرتبط بوجود العدو المحتل، ما يعني أن المقاومة رد فعل وليست فعلا"، لافتا إلى أن "العدو الإسرائيلي يسعى لفرض صياغة نظام سياسي في لبنان ويفرض عقوبات على البلاد لتدمير فئة من الفئات".
وشدد قاسم على أن "وجود السلاح حق مشروع للدفاع عن وطننا وعن وجودنا"، معتبرا أنه "مع عدم قدرة الجيش اللبناني على مواجهة العدو، يجب أن تكون هناك مقاومة شعبية، وأن يكون هناك تنسيق بينها وبين الجيش"، مؤكدا أن "الدولة اللبنانية هي التي تقرر كيف تريد العمل داخليا للتعامل مع السلاح وغير السلاح، ولا علاقة لإسرائيل بذلك".
وتابع: "نحن نتقاطع مع إيران في رفض الاحتلال والسعي لتحرير فلسطين، ولا صحة لما يقال من أن إيران ترفض تسليم السلاح"، مضيفا: "قرارنا هو الدفاع والمقاومة حتى آخر نفس، وليجرب العدو أن يعمل على نزع السلاح بنفسه".
ساحة مفتوحة
وكشف أمين عام "حزب الله" اللبناني إن الساحة التي تجري فيها المواجهات حاليا تشهد “حراكا واسعا للعدو الذي ينشط بحرية بالتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية وجهات دولية وعربية”
وأضاف قاسم، في كلمة خلال الاحتفال التأبيني لرئيس أركان حزب الله، هيثم الطبطبائي الذي اغتالته إسرائيل في بيروت يوم 23 نوفمبر 2025، أن "البيئة الأمنية معقدة ومفتوحة على كل الاحتمالات"، مؤكدا أن ما يجري "يعكس حجم التدخلات الخارجية في إدارة العمليات الميدانية”.
وأوضح قاسم حول وجود اختراق إسرائيلي في لبنان: "هناك دائما مساعٍ تجسسية برا وبحرا وجوا، ونحن في ساحة مفتوحة بفعل التغطية الدولية والوافدين من جنسيات أجنبية، وحتى بعض الاستخبارات العربية، وكلها للأسف تساهم في تزويد العدو الإسرائيلي بالمعلومات التي يريدها".
وقال قاسم: "خدام إسرائيل في لبنان قليلون، ورغم ذلك يسببون مشاكل عبر محاولات زعزعة الاستقرار واتباع الأوامر الأمريكية".
وتابع: "نحن جاهزون للحديث حول الاستراتيجية الدفاعية، ولكن ليس تحت الضغط، ولا سعيا لاتفاق جديد، ولا للتنازل عن قوتنا في إطار أي اتفاق آخر، ولا للتملص من الاتفاق الحالي".
وعن اغتيال الطبطبائي قال قاسم: "هذا الاغتيال لا يمكن أن يضرب معنوياتنا، فنحن حزب له أصول وجذور ممتدة من تربية الإمام الحسين".
عمر نجيب









