قصة أحلام متسول الحلقة 23 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

ثلاثاء, 2022-05-17 01:18

‎الفصل الثاني البحث عن التمويل: في إطار البحث الجاد عن تمويل مشروعي الجديد وذلك 
بلجوئي هذه المرة إلى سؤال الناس لذلك الغرض، ولقد كان الأمر محرجا بالنسبة  لي للغاية وذلك لكو ني لم أكن أرغب في سوال الناس إلا مضطرا وذلك من أجل العلاج 
أو لمعاش فقط . ولكني هذه المرة فذلك من أجل العمل  والتجارة أو هما معا وذلك بدوره أيضا فلربما له علاقة ما بالصحة والمعاش . 
ولقد كنت لما طلبت من بلال المساعدة كما مر معنا وسكت عني عدة لحظات باديا الجد على محياه مع امتعاض ظاهر من واقع لا أدري كنه أبعاده ! 
ولقد كانت لحظات سكوته تلك مدمرة بالنسبة لي جدا ، ولقد بقيت طيلة وقتها بين اليأس والرجاء أظن بأجوبته المفترضة كل الظنون ( إيجبيها وسلبيها)! إلى أن قال لي بعد ترو وتفكير - كعادته - فلان لا عليك انتظرني عدة أيام حتى أدبر لك الأمر وأجد له الحلول المناسبة إن شاء الله ، فالأمور بخير ولا داعي للقلق يا فلان ، وذلك رغم الكساد الحاصل هذه السنة بسبب توجهات الدولة الجديد والتي لم تعد تراعي الهم العام في البلد كثيرا كما ينبغي . 
ولقد افترقنا تلك اللحظات  وبقيت أقيم عنده لا يفاتحني في الموضوع وإن كنا نتحدث معا حول مجمل التغيرات المتكررة التي قدحصلت في بلادنا وكون النظم العسكرية الحاكمة في بلادنا والتي حلت جائحتها بالدمارعلى البلاد وكذا انعكاس كل ذلك أيضا على اقتصادنا الوطني و أخلاق  شبابنا بسبب تلك البطالة التي عمت إرجاء البلاد ! 
وقد استنتجت من خلال ذلك الحديث الذي دار بيني مع بلال خلال تلك الأيام بأن الموريتاني مهما تحسنت ظروفه في دول أخرى وصارت أحواله فيها أفضل بكثير مما لو كان قد بقى في وطنه . إلا أنه ورغم كل ذلك فلا يزهد أبدا في الأ هتمام بشؤون بلاده وكذا مسقط رأسه بل تظل تلك الهموم حاضرة في وجدانه وعقله ! 
إذن لقد بقيت هكذا عدة أيام إلى أن جاءني صديقي بلالا عشية أحد أيام ذلك الصيف الساخن الذي لا أعرف الآن رقم السنة التي كان فيها ، وقد جاء وهو باش فرح مرح يتعثر في ثوبه السينغالي وهو يقول فرجت فرجت، لقد وجدت لك ما تقلب به يديك في السوق ، وإن كان أقل مما كنت أتوقع الحصول عليه لك ،ثم فرك أصابع يمناه وهو باسم عن لفة من النقود وعدها أمامي ، فإذا بها مائة ألف وخمسة وعشرون الف  فرنك إفريقي , وقال أنه قد جمعها على زملائه وأنهم تبرعوا بها لي من أجل أن أدخل  بها العمل الموفق بإذن الله إن شاء الله وسيتبعها المزيد كلما تحسنت ظروفهم . ثم قال وهو مازال باشا وعيناه تكادا تدمعان فرحا يا فلان الصبر ثم الصبر، وما هذه إلا البداية الطيبة إن شاء الله . لقد 
أخذت ذلك المبلغ منه ورغم ضآلته نسبيا إلا أنه بالنسبة لي قد كان مهما جدا للغاية ، وذلك لكونه ربما سيخرجني من ضائقة البطالة تلك التي دامت أكثر من اللازم !
‎إذا فلقد أخذت منه تلك المساعدة الطبية وقد شكرتهم عليها وأنا في غاية السرور بها ومرتاحا كذلك لهذه  اللفتة السخية الكريمة المقدمة من طرف أصدقائي الطبيبين. 
‎ولم أضيع الوقت كثيرا حينها في دراسة مشروع استثمار ذلك البلغ لكون دراسته قد أتضحت معالمها في ذهني منذ طرحت فكرته يومئذ على بلال رغم كون المبلغ الذي كان متوقعا مني غير محدد بدقة. 
‎إذا فلقد ذهبت صبيحة ذلك اليوم باكرا إلى السوق ضحا صحبة زميلي بلالا ولقد اشترينا أولا طاولة وحقيبة منكب وثانيا تشكلة من البضائع الخفيفة وقد بدأت العمل فعلا صبيحة ذلك اليوم الموالي حيث كنت أحمل بضاعتي على منكبي يوميا وأدور بها على بعض البيوت والشركات وكذا في الأزقة ومحطات النقل ثم الشوارع  ، ولما أتعب من التجوال وإشهار بضاعتي بالمناداة عليها ، إلا وأعمد إلي ظل دوحة كبيرة من اشجار المنگو المتواجدة بكثرة على أرصفة تلك الشوارع وأحط بضاعتي فوق تلك الطاولة  وتحتها وكذا اتخذ المكان شبه دكان مؤقت وعند تداخل الظلال أجلس بتجارتي على الأرصفة بالقرب من ملتقى الطرق ولما يحين المساء فأعرض بضاعتي أيضا أمام دور السينماء وأبقى هنالك إلى حدود وقت الإقفال . 
‎ولقد صرت بهذا العمل أكسب مصروفي اليومي ويزيد وذلك بفضل الله العظيم و كرم زملائي وبعرق جبيني أيضا ومع طول الوقت فقد تضاعف الربح وتفتقت مواهبي في تجارة البضائع ، حيث لم أكن أعرف سوى تجارة المواشي، ولقد أصبحت أودع كلما زاد على مشتريات لوازم دكاني لدى صديقي بلالا لليشتري به الغنم لحا نوته ويعطيني صافي ربحي منها مقابل ذلك ,حتى أني بدأت يومئذ أفكر في فتح دكان كبير في أحد الأحياء الراقية في مدينة داكار, وأضع ما لدي فيه من نقود وربما أزيدها من بضائع التجار الذين قد تعرفت على بعضهم أخيرا وقد اكتسبت ثقتهم خلال تجارتي معهم هذه السنوات الأخيرة . 
‎إلا أنه قبل أن تنضج فكرة فتح الدكان الكبير وتستقر لدي على ذلك التصور ، بدأت فعلا أبحث عن تأجير دكان صغير أبدأ به في أحد الأحياء الشعبية كبداية ريثما أكتسب خبرة تمكني من فتح ذلك الدكان الكبير الذي أخطط له وحيث قد كان اهتمامي كله يومئذ مركزا على ذلك الأمر في آخر فصل خريف 1989م وذلك في نفس الفترة التي عادة ما يتوافد فيها على دكار تجار المواشي القادمين عليه من موريتانيا . و حيث قررت تلك السنة أن اشتري من تجار المواشي  قطعانا من البقر والغنم لليتولى زميلي بلالا كعادته شراءها وكذا تسويقها وبعدئذ فسنتقاسم لاحقا ربحنا منها   أنا وهو. 
‎وقد صرت أقرض التجارة الوافدين من بلادنا بما يمكنهم من دخول السوق كما أشارك التجار المقيمين أيضا في ما جد من أمور تتطلب مصروفات وغيرها من تكاليف تتعلق (باللوحات) مثلا، و كذا مساعدة كل وافد محتاج جاء من مواطنينا لهذه البلاد قاصدا العلاج فيها . 
‎و في نفس الوقت أبحث عن دكان المستقبل الكبير القادر  على ترويج معظم البضائع الرائجة يومئذ في المنطقة وذلك لليكون جاهزًا بعد نجاح تجربتي في الدكان الصغير. وسواء قد كان ذلك الدكان سيوجد مقره في مدينة دكار نفسها أو بكين أو في أي مدينة اخرى من تلك المدن أو القرى السينغالية المزدهرة يومئذ في ضواحي العاصمة داكار .
‎ولكنه للأسف وأثناء تلك الظروف السابقة التي قد حدثتك عنها  فقد حلت بنا للأسف تلك الأزمة السنغالية يومئذ ودون مقدمات  تذكر ربما كانت تنذرنا بإمكانية حدوثها قريبا، ولم نكن نتوقعها بتلك السرعة والخطورة ! 
‎وإن كنا نتوجس خيفة من وقوع شيئ من ذلك القبيل أولربما بما يماثله ، نتيجة لتلك الحملة الشعواء التي كانت مقامة إعلاميا ضد موريتانيا ، وذلك من طرف الحركات الزنجية المدعومة يومئذ من طرف كل من الحكومتين السينغالية والفرنسية !
‎إذا ففي تلك الأجواء العاصفة فقد حلت بنا تلك الأزمة والتي قد كانت بمثابة الطامة الكبرى  المتمثلة في الفوضى المرتبطة بتلك الأحداث السينغالية المدمرة التي قضت على كل أخضر ويابس يعودان لنا في السنغال ، وكذا إزهاق الأرواح الكثيرة من المواطنين الموريتانيين ، المقمين في السينغال وحتى(  شوي ) بعضهم في الأفران وغيرها وكذا تدمير كل مصالحنا المتواجدة يومئذ على الأراضي السينغالية من عقارات وبضائع وهي كثيرة جدا ومعتبرة للغاية وتقدر بمائات الآلاف من المليارات من الأوقية !

(يتبع)