ويمكن التعرف عليهم بكل سهولة لمن يرغب في ذلك من خلال تاريخ شغلهم لوظائف معينة وفي زمان ومكان محددين !
إذا فلقد تركت كل ذلك الموضوع نهائيا وتابعت سهراتي الليلية تلك ، كما توالت شحنات سيارة أطفال الشوارع تنزلهم في نفس المكان ! ولقد عدت أنا بدوري أيضا إلى عاداتي القديمة في تلك السهرات الراجلة الليلية ، التي لبت لي حينها رغبات قد كانت دفينة في وجداني وذلك لكوني قد تعلمت من خلال تلك السهرات تمثيل أدوار ذلك الشباب وحتى أنماط سلوكهم وحركاتهم في تلك السهرات الليلية في تلك الأحياء القليلة الإنارة .
ويعود سبب ذلك بالنسبة لي إلى العدوى اللااخلاقية التي انتقلت إلي عبر أجواء ومغريات تلك المدينة الصامتة الحائرة !
ولقد أصبحت في واقع الأمر شيخا متصابيا تطرح نفسه عليه في بعض الأحيان مطالب جديدة أثناء تلك السهرات
المتنقلة والتي كنت في أول الأمر أخجل حتى من مجرد التفكير في تلك الطلبات !
وصرت أعرف تلك المناطق في الليل أكثر منها في النهار ، وأميز ساكنتها الجدد من القدامى ، ومن حين لآخر بدأت الإحتكاك بأولئك السكان خصوصا تلك البيوت التي يحتاج الساهرين المدمنين على ارتيادها إلى المال الكثير و كذا القدرة الفا ئقة على انتحال الصفة الشخصية القوية ذات الأهمية التي يمكن تعليق آمال المنفعة عليها .
وقد صرت أنجح أحيانا في تمثيل تلك الأدوار وأحقق رغبة قد كانت دفينة في إحساسي اللاشعوري مخفية ، فقلت له
في أللا شعور لديك ؟ فقال نعم نعم . ومرات أخرى كثيرة أفشل في تأدية تلك الأدوار كما يجب وأصد بعنف شديد عن مطالبي تلك التي قد بدأت التعود على ممارستها. مما جعلني ذلك أعيد النظر فيها وأغير أسلوبي مع الإحتفاظ بنفس الأهدا ف !
ومع تكرار فشلي أخيرا في لعب تلك الأدوار السخيفة التي أصبحت رتونية بالنسبة لي بسبب كثرة من صار يمتهنها في هذه المنطقة النا ئية من المدينة ! كما أني أيضا قد شبعت من حلو تلك التجربة ومرها .
وانعكاسا لذلك الشعور وخلال تأملي في تلك الممارسات السابقة في هذه المدينة صبيحة أحد أيام الجمعة وبعد صلاتي للفريضة وأثناء تأديتي لأو رادي الصباحية ، حيث شعرت حينها بوخز ضميري يؤ نبني كثيرا على ما أنا فيه من تيه وعبث وضلال ستكون عو اقبها علي لا محلة فهي ربما الفشل في الدنيا ، و الندم الأبدي في الآخرة لا قدر الله إذا الم يرحمني عز وجل ويتوب علي !
وحينئذ عدت إلى رشدي و تبت إلى الله الرحيم وقلت لها يانفسي من جديد فلا طائل من المقام في هذه البلاد التي لا يلوح في الأفق القريب إمكانية الحصول على أي عمل فيها بالنسبة لي ولا حتى لغيري ما دامت أحوالها هكذا ، وفيها من المغريات الشيطانية التي تصعب مقاو متها ! وعلى كل بشر مسلم عاقل يريد شيئا من نفسه الإبتعاد عن هذه المنطقة جملة وتفصيلا ، لليحافظ بذلك على أخلاقه ودينه وشيئا من مروء ته.
ثم بدأت التفكير الجاد بالعودة يومئذ الى السنغال ذلك المنقذ الدائم لأزماتي كلما تعرضت لأزمة ما . حيث قلت لنفسي متعجبا فلم يا نفس ألا أعود إلى تجارة المواشي كعادتي في السنغال ؟ خصوصا بعد فشلي في إيجاد أي عمل دائم في وطني من أجل الأستقرار فيه لكوني لم أوفق في ذلك للأسف كما يبدو ، وقد ظل يجا نبني النجاح فيه كلما حاولت بذر أي جهد معتبر وفاعل في ربوع هذه البلاد التي قد كانت يوما ما بلاد أمن وخير وعزة نفس ، ولكو نها لم تعد كذلك للأسف مما جعل معنوياتي فيها تكون في حالة توتر وانحطاط حتى أصبحت وكأنني لا أعرف نفسي من كثرة ما علق بها من دنس الأ تكالية ، وما أصابها من صدإ عدوى سلوك بعض سكانة تلك المدينة الغريبة العجيبة !
فكل ذلك قد سبب لي اليأس والقنوط من مستقبل واعد ومحترم في هـذه البلاد التي أظن أني لم أخلق أصلا لأكون أحد مواطنيها الأصليين ولربما أكون قد بدلت أثناء فترة الولادة وذلك ربما في الفترات التي قد تتغيب الوالدة فيها عني و دون أن تترك بجانب مهدي (موسى الأربعين ) ومما يؤكد خيبة أملي في وطني فهو كوني قد كنت كل مرة لما أسافر وأعود إليه من سفري وأنا رابح مرتاح البال إلا و يصاحبني رغم ذلك شعور دائم بالغربة وكذا العزلة وذلك مع أول خطوة أخطوها على هذه الأرض وحتى أغادرها ولو أظهرت عكس ذلك للناس في أوقات السعادة القليلة المختلسة من طرفي على اليأس الذي يظل مسيطرا على وجداني كلما عدت إلى بلدي وحين أسافر خارج وطني !
إلا وأشعر بكو ني إنسانا حرا مثل الآخرين منتجا آخذ وأعطي مثل بقية الر جال . إني أشهدك يانفسي وأشهدك أنت أيضا على كوني نادما على انتمائي لسكان هذه البلاد الذين تغيرت سجاياهم الطيبة بإخرى مستو ردة كأي بضاعة مجهولة المصدر ، وكذا على قرار الأخير القاضي بتغيير عاداتي بما في ذلك محاولة الحصول على عمل في وطني لأنه قرار كما يبدو قد أثبت الزمن فشله وذلك لكوني اتخذته أثناء حالة ضعف بشري قد انتابتني جراء الإحباط الذي أصابني جراء زواج أمريم المفاجئ بالنسبة لي ، وذلك لكو ني لم أتصور يوما مجرد إحتمال زواجها من أي كان غيري وقد أكدت لك ذلك أكثر من مرة !
وإني أخبرك يانفسي العزيزة بأني سأعود فورا إلى كل مما رساتي و عاداتي القديمة . بما في ذلك تجارة المواشي في أسواق السينغال ومرابط داكار و(جلف ) وحتى العودة إلى حب امريم إن كنت قد اقلعت عنه !
ولقد طاوعتني نفسي هذه المرة ولم تمانع في عودتي إلى السنغال، وأظن أن سبب ذلك يعود إلى عدم وجود عمل ما في الوطن من جهة كما يخيل إلي من جهة ثانية كونها قد قبلت تلك العودة بهذه السهولة لعلها تلتقى بشبابها القديم الذي قد أتت به ذات يوم إلى السينغال ، وهل ذلك ممكن ؟ .
أفلا يقال بأن النفس البشرية لا تشيخ لطغيان الجانب الروحاني فيها ، وأن الجسد وحده هو الذي يهرم ويشخ اتفاقا ، وذلك لكو نه مكو نا من العنا صر المادية البحته ، بالإ ضافة إلى الأسباب السا بق ذكرها فهو أن نفسي لربما مازالت تعتقد جازمة بأن السنغال الذي عرفته ذات يوم بأنه مازال على حاله كما تركته دولة آمنة مسالمة وتمتاز بسهولة العمل في ربوعها وكذا مرونة أسواقها المفتوحة أمام الجميع وحسن معاملة العاملين في تلك الأسواق من ( تيفاية ) وتجار .
(يتبع)