كان العرب فى العصور القديمة بين الروم والفرس وبعد الإسلام صارت فارس صديقا للعرب بل إن فارس القديمة كانت منبع حضارات إنسانية اختلطت مع مصر وغيرها من الدول العربية وأصبحت الثقافة الفارسية جزءا من الثقافة العربية كما نشطت حركة الترجمة بين الرافدين من الثقافات الكبرى.
ومعلوم أن فارس أسهمت بنصيب الأسد فى الفكر والثقافة الإسلامية بل إن واضع قواعد اللغة العربية فارسى هو أبو الأسود الدؤلى.
ومن الناحية الجيوسياسية لم تكن فارس فى معظم الفترات قوة آسيوية بل كانت تتجه إلى الخليج والمنطقة العربية. ولم تكن هناك مشكلة فى عبور الفرس إلى الشاطئ العربى من الخليج كما ظلت البحرين لعدة قرون تحت السيطرة الفارسية فلما سيطرت بريطانيا على فارس والخليج والعرب تحولت السيطرة الفارسية على البحرين إلى المطالبة بهذه السيطرة التى حالت بريطانيا منذ عام 1819 دون هذه السيطرة.
وعندما قامت إسرائيل عام 1948 كان التحالف الفارسى الأمريكى هو ما مهد للتقارب بين إيران وإسرائيل وكان العرب فى عصر القومية العربية مستنفرين للصراع العربى الإسرائيلى وتصدى عبدالناصر والتيارات القومية الأخرى لإيران الشاه بسبب تقاربها مع إسرائيل، وكان هذا هو السبب فى التقارب بين السادات والشاه لأنهما كانا معا فى القارب الأمريكى والإسرائيلى، كما كان السبب الأساسى فيما يبدو فى مساعدة عبدالناصر للثوار الإيرانيين ضد الشاه فى وقت مبكر كما كان عداؤه للاستعمار والصهيونية ما دفع الثوار إلى الإعجاب بعبد الناصر. ولذلك كان عام 1979 عاما فاصلا عند العرب وإسرائيل وإيران، ففى هذا العام قامت الثورة الإسلامية فى إيران، وأخرج السادات مصر من المعسكر العربى وصارت واشنطن وإسرائيل حلفاء السادات بينما صارت واشنطن وإسرائيل أعداء إيران الثورة وهو ما أحدث تشابكا بين إيران والعرب، فقد بدأ التحالف الإيرانى السورى بديلا عن التحالف السورى المصرى، كما صارت إيران وليس العرب أكبر عدو لإسرائيل، وأعيد تشكيل التحالفات فى المنطقة فدخل الشرق الأوسط بقوة ممثلا فى إسرائيل وإيران وتركيا بينما تراجع العرب بعد أن تخلوا عن فلسطين وانحسرت العروبة لديهم، واشتد الصراع بين المشروعات الإقليمية الثلاثة الإيرانى والإسرائيلى والتركى وكل ذلك فى ظل انسحاب العرب، واحتدم الصراع على الجثة العربية وهكذا نجحت إسرائيل فى اختراق الصفوف العربية وتحول العداء لإسرائيل إلى صداقة بل وأحيانا تحالف وازداد دعم إيران لمقاومة إسرائيل فحدثت نقله ضخمة فى الموقف العربى بعد أن تراجعت مصر وسيطر الخليج على مقدرات العمل العربي المشترك الذى تراجع هو الآخر وهذه التقله تتمثل فى ثمانية تغيرات على الأقل: الأول التخلى عن فلسطين ودعم القوة الإسرائيلية والثانى معاداة أى مقاومة لإسرائيل حتى صارت المقاومة فى الموقف الرسمى العربى إرهابا، فما يضر إسرائيل أو ينفعها يهم العرب، أو قل الحكام العرب دون الشعوب. الثالث تغول نفوذ واشنطن عند العرب بحيث صار الاختراق الإسرائيلى للعرب نصرا لواشنطن، وصارت أبواب البيت الأبيض تفتح للحاكم الذى يتقارب مع إسرائيل وقد رأينا فى العام الماضى 2021 أمثلة صريحة لهذه القاعدة مع السودان والمغرب على الأقل.
الرابع: كلما تقارب الحاكم العربى من إسرائيل توثقت علاقته بواشنطن وضمن حكمه من المعارضين له بل إن واشنطن صارت أكثر جرأة وبجاحة فى حالة السعودية وتعيين ولى العهد والمكالمة المشهورة للرئيس ترامب للملك سلمان.
الخامس: أن الأصل هو الصراع الإيرانى الأمريكى وبالتالى أصبح العرب فى الخليج فى اشتباك عسكرى وسياسى مع حلفاء إيران العرب فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، وصار انتصار حلفاء إيران هزيمة لواشنطن وإسرائيل، خاصة وأن إيران صارت تحارب واشنطن وإسرائيل على عدة جبهات إقليمية وعالمية وبشكل أخص بعد أن انضمت إيران إلى معسكر الروس والصينيين مقابل المعسكر الأقليمى الغربى الإسرائيلى.
السادس: أن رغبة إيران فى الحوار مع الطرف العربى تجد واقعا معقدا وهو أن الطرف العربى ليس طرفا مستقلا وأنه بحاجة إلى توجيه واشنطن لهم حسب حالة العلاقات الإيرانية الأمريكية وهكذا ذهبت هباءاً كل النداءات بحوار عربى إيرانى مادام العرب ترسا فى الآلة الأمريكية، كما أعيد توزيع القوة فى المعسكر العربى بحيث تقدمت السعودية علي أنها تمثل المعسكر العربى وليس مصر،ولذلك لن يجدي الحوار الايراني السعودي مالم تحل عقدة العلاقات الايرانية الامريكية.
السابع: أن بعض العرب وقفوا متفرجين على الصراع الإيرانى الأمريكى بينما البعض الآخر أعلن تحالفه الصريح مع إسرائيل وواشنطن إذا قررت إسرائيل ضرب إيران التى تعد أكبر تحد لها ولمشروعها فى المنطقة.
الثامن: أن موقف مصر لا يجد له مصلحة فى معاداة إيران، فى الوقت الذى يجد له مصلحة فى التقارب المحسوب مع الإمارات والسعودية وإسرائيل وواشنطن بحيث أن مصر صارت أقرب إلى الحياد فى هذا الصراع وتداعياته.
والمؤكد أن مصر ترحب بإنهاء تبعات هذا الصراع فى اليمن وسوريا ولبنان، والطريف أن مصر تتقارب مع واشنطن والسعودية ومع ذلك فإن مصر أقرب إلى روسيا وإيران والمقاومة فى حزب الله فى سوريا ولكن مواقف مصر موازية وليست متحالفة أو متصادمة.
وربما كان هذا الوضع هو الذى يحد من التقارب الإيرانى المصرى رغم أهميته للطرفين.
ومصر هى المرشحة لتمثيل العرب فى الحوار مع إيران. وعلى العرب أن يعودوا إلى رشدهم فإيران جزء من المنطقة بينما اسرائيل مشروع استعمارى استيطانى وفلسطين لأهلها وليست لليهود الصهاينة. فالتقابل بين إيران وإسرائيل فى الميزان العربى خلل خطير والخطوة الأولى هى التحرر من الهيمنة الأمريكية حتي يري العرب يحرية أين تقع مصالحهم.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري