قصة أحلام متسول الحلقة 13 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

سبت, 2022-04-23 19:29

الفصل الثاني متطلبات الزواج

من جملة ما قال لي اطول عمرو في إطار نظرته تلك للزواج بأنه ما زال يتمنى لو كانت توجد هيئة دائمة من الخبراء الإجتماعيين و علماء النفس وفقهاء الشريعة الاسلامية التابعين للدولة ومكلفين با ستقبال ملفات طالبي الزواج ، لمعرفة ممنهم يتوفر على المتطلبات الزوجية سالفة الذكر مما أشرنا إليه سابقا ، وذلك لكون شؤون الزواج يجب أن تكون بالنسبة للمجتمع أهم بكثير من مجرد دخول مهنة معينة وذلك لكو ن المهن الفنية  مراقبة اصلا من طرف لجان مختصة تسمى نقابات أو جمعيات تحمي المهنة ممن لا يتوفر على شروط امتهانها! 
‏‎فكيف والحال هكذا ألا يحصل نفس الشيء أو أفضل منه بكثير مع الراغبين في الزواج مادام المجتمع نفسه يعترف بأن أهمية الإنجاب وكذا التربية تفوقان بكثير أهمية مجرد المحافظة على مهنة من المهن ! 
‏كما أرى أن تناقضا صارخا في هذا المضمار يقع فيه المجتمع . وهو كو ن الدولة تفرض على رب العمل الذي يستخدم عمالا خارج موطنهم الأصلي كثيرا من الحقوق والوجبات لأولئك العمال ويعاقب رب العمل المقصر في أداء  تلك الحقوق.

في حين لانراها تأخذ نفس الحزم والصرامة مع من يقصر عمدا في حقوق أطفال أبرياء قد أنجبهم وتسبب بإذن  الله في وجودهم على هذه الأرض آتيًا بهم من خارجها لصالحه , من عالم السعادة الذي كانوا ينعمون فيه ، ولو بمجرد عدم وجود  ألم على الأقل !  
‏‎علما أن العالم الذي كانوا فيه أولئك الأطفال فهو عالم الغيب الرحيم الذي هو موطن كل المخلوقات  قبل أن  تفعل ماهيتها بالوجود الفعلي إن صح هذا التعبير منطقا و شرعا.
‏‎أما من يتسبب في تفعيل وجود أولئك الأطفال بجلبهم إلى عالم الوجود الفعلي بما في ذلك من احتمال إلحاق الأذى والألم بهم ، إذا ما لم يتوفر لهم ما يستحقون من حقوق على من تسبب في وجودهم أصلا في هذا العالم ، الغريب بما يتطلب ذلك من حماية تحافظ على أمنهم وكرامتهم . 
‏‎إلا أ نه من الملاحظ على مجتمعنا كون الرجل فيه لما يطلق زوجته بمحض إرادته الخاصة ويهمل أطفاله لدى تلك الأم التي ربما تكون معدمة  بلا دخل ، فلا نجد حينئذ تصرفا مناسبا من طرف سلطة المجتمع تجبر ذلك الضرر الذي لحق بأولئك الأطفال الأبرياء وكذا أمهم جراء تصرف والدهم ذلك المستهتر بمثل ماتتعامل به مع رب العمل سالف الذكر ، رغم الفا رق بين تصرف الرجلين !
‏‎بل كان على الد ولة وبحزم أن ترغم ذلك الوالد بالقانون على أن يقدم لأطفاله وأمهم مستلزمات الحياة الكريمة التي  تمكنهم ولو من سعادة نسبية  في حدود المعقول وذلك من نفقة وسكن ورعاية صحية وعناية وأمن ! على أن تتحمل الدولة نفسها مسؤولية أولئك  الأطفال في حالة فقدا ن الأب المعيل ، أو كان في حالة عجز مدقع ! وذلك لكونها الطرف الوصي على الرابطة الزوجية ! ويكون ذلك أيضا في حدود متطلبات أولئك الأطفال الذين يجب أن يوفر لهم ما يحتاجون إليه في حياتهم بمجرد وجودهم بغض النظر عمن كانت تجب عليه رعايتهم سواء كان الأب أم الدولة ! 
‏‎إذن فبعد ما سمعت رأيي أيها الأخ في شأن الرا بطة الزوجية ، فقد حان جوابي على سؤالك الذي قد طرحت علي  أكثر من مرة صراحة وتلميحا ، وذلك حول الموانع التي منعتني من الزواج حتى هذا الحين ، حيث يرجع معظم أسباب عزوفي عن  الزواج أساسا إلى أمرين فالأول فهو تقاعس مجتمعنا  عن أخذ معظم مسؤولياته  تجاه البذرة الأولى له والتي هي الأطفال الذين في حالة عجز والديهم ماديا أو فقدانهم فلا تتولى الدولة رعا يتهم كما يجب ، وذلك كحال معظم الدول المتحضرة في عالم اليوم فهذا من جهة . ومن جهة ثانية فهو شعوري الشخصي أيضا بكو ني لا أتوفر على معظم الشروط الضرورية التي تجعل من سأنجب أطفالا سعداء في هذا الوجود المضطرب اجتماعيا وسياسيا كاضطراب المناخ في المناطق الصحراوية في مواسم الخريف ! 
‏‎كما أني جراء ذلك النقص فكلما فكرت في أمر الزواج إلا و أطرح على نفسي سؤالا مقتضاه يقول : فهل لو كان من سأنجبه موجودا حاضرا في الحال وكامل العقل والنضج وأحضرت أمامه كل الآباء والأمهات في صفين متوازيين كقضبان سكة حديد تمتد من مشرق الأرض إلي مغربها ، فهل كان سوف يختارني أنا وأمه التي اخترتها له و فرضتها عليه في غيبة منه تامة كأمر واقع . عن كل أولئك  الآباء والأمهات؟ !
‏‎أم أنه سوف يختار غيرنا بناء على ما يتوفر عليه أولائك الآباء والأمهات من مميزات عالية لا نتوفر نحن عليها أنا وأمه المفترضة تلك ؟ 
‏‎ثم أجيب أنا نيابة عن ذلك الولد الإفتراضي أيضا  وعلى لسانه وبكل صدق وتجرد وأقول : لا أختاركما لأنكما لا تتوفران  - قطعا - على الحد الأوسط من شروط الكفاءة الزوجية التي تجعل زواجكما ناجحا حسب المعطيات سالفة الذكر ، مما يجعلكما غير مهأين لتربية الأجيال  ، القادمة  خصوصا فيما يتعلق بي أنا على الذي أعرف نفسي جيدا ، و أنا الذي عليه تحمل مسؤلية ذلك الزواج المفترض لو تم بالطريقة المعهودة والمعمول بها في بلادنا منذ تميزت باسم خاص بها !
إذن فالزواج السائد حاليا في مجتمعنا لست براض عنه جملة وتفصيلا لكو نه يقوده تياران اثنان  فالأول يرى أن الهدف الأساسي منه فهو انجاب أطفال لكي يستغلهم الآباء والأمهات في حالة كبر هم وذلك في مصالحهم الشخصية بغض النظر عن مصلحة الأولاد أنفسهم ! 
‏‎أما التيار الثاني فيقدم على الزواج بدافع إشباع رغبات جنسية متجددة بواسطة الزواج الذي بالنسبة لهم عبارة عن مجرد شراء للمتعة بالجملة لكو ن شراءها بالتجزئة حرام من جهة ، ومكلف ماديا من جهة ثانية ! 
‏‎إذن فالزواج السائد حاليا في بلادنا للأسف فغالبا ما يكون في مصلحة طرفيه  ( الأب والأم ) ولو آنيًا على الأقل ، على حساب من سيكون ثمرة له عاجلا أم آجلا ! 
‏‎وأخيرا فالزواج لو نظر الناس إليه بنفس الرؤية التي أراه من خلالها ، لكان مجتمعنا الآن بخير ، ولقل فيه الضعفاء والشواذ والمعوقون والمنحرفون وغير ذلك من حثالات البشر التي تثقل كاهله وتعرقل نموه وتقدمه وكذا تطوره. 
‏‎وهنا وبعد استراحة بسيطة بعد صلاتنا للعشاء وتناولنا ما يشبه عشاء. 
‏‎فقد اعتدل إطول عمرو في جلسته تلك باشا مبتسما وكأنه منتصرا بالضربة القاضية لكونه ربما قد أقنعني بما قدم من الحجج  التي منعته من الزواج . ثم أردف قائلا وهو يهمس في أذني اليسرى خلسة وكأنه سيلتقم حلمتها من شدة قربه منها  وأنفاسه تكاد  تحرق نصف وجهي  وقال دعني أبوح  لك بسر خطير وهو كو ن الظروف التي قدعشت فيها قد كانت صعبة للغاية ، وكذا معظم من عاصرتهم من هم في ظروفي الخاصة يومئذ، ولا تشجع -قطعا - على الزواج أو الإنجاب. 
‏‎وإني في هذا المضمار لجد معجبا بمقولة المرحوم المعري القائلة في شأن الإنجاب : (هذا ما جناه علي أبي وما جنيت على أحد ) ثم إني أصارحك أيضا بأن هذه الأفكار وغيرها قد طرأت علي من خلال تجاربي المتعددة و تأملي في مجريات الحياة وظروفها المتغيرة . ولم تكن لدي يوم تقدمت بخطبة امريم للزواج حيث كنت حينها مستعدا لإنجاب. 
‏‎ما قدر الله لي من الأطفال والبنات من امريم، ولم يكن يهمني حينها سعادتهم ولا شقاؤهم ، فكل الذي كان يهمني فهو سعادتي فقط ! 
‏‎ولكن حصاد عمر بكامله من تجا رب الحياة قد علمتني بأن الزواج مسؤولية عظيمة وعلى من سيقدم عليه أيا كان بأن يرى في نفسه القدرة المادية والمعنوية والأستعداد اللازم  بالقيام بكامل مسؤولياته المتعددة وأن يراعي ما يترتب على كل ذلك  من أمور بما فيها من تربية الأولاد وتعليمهم وحمايتهم وكذا إعالتهم بشكل مرض وحسن ، وكل ذلك من أجل أن لايعذب أناس أبرياء تنتظرهم في هذا الوجود المعقد والمركب مصاعب جمة مثل الفشل والأمراض و حتى نهاية الحياة المؤ لمة التي نرجوا الله أن يباركها علينا وعلى المسلمين أجمعين ، باعتبارها أمرًا واقعا لا مهرب ولا مفر منه للأسف. 

وأن يعوضنا بجنة الخلد والرضوان عن هذه الحياة الدنيا  التي قدمنا عليها دون إرادتنا ، والتي ألفناها ونتشبثنا بها ! وسنذهب عنها حتما كما أتيناها قسرا مكرهين فا نتظارنا لنهايتها كمن ينتظر يوم إعدامه ! 
‏‎ومن أحسن ما عبر به عن عدم رضا الإنسان عن مجيئه إلى هذه الدنيا الغريبة ، فهو بيت شعر قديم للشاعر العباسي الكبير  ( ابن الرومي ) رحمة الله عليه حيث يقول لما تؤذن الدنيا به من شرورها / يكون بكاء الطفل ساعة يوضع / وأخيرا نستعيذ بالله العلي القدير من الأسباب التي تجعلنا لا نبتهج بقدومنا إلى الدنيا وأن يجعلنا أكثر رضا وسعادة   بخروجنا منها إلى أعلى الجنان رتبة ومقاما إن شاء الله العلي االقدير.

الفصل الثالث الزواج الذي كان سائدا في بلادنا :

(يتبع)