الجزء الرابع فلسفة الحياة لدى إطول عمرو
وهنا أريدك أن تسمح لي أنت وكذا أهل مدينة أنواذيبو الأصليين على كثرة إنتقادي لواقع مدينتهم يومئذ والذين ليس لهم ذنب فيما يحصل فيها على الإطلاق .
الفصل الأول ردة فعل هادئة هذه المرة .
قاطعته أثناء حديثه السابق قائلا غريب أمرك كما تبدو متقلب الأهواء تمل من الأشياء وتغير مواقفك بسرعة فائقة ، فلمذا لا تبقى مقيما في مدينة انواذيبو موطن الأعمال حتى تحصل على عمل يليق بقدراتك البدنية؟ ولماذا لا تكون -والأ هم من كل ذلك - قد تزوجت لما تزوجت إمريم رغم وجاهة ظروف زواجها من غيرك؟ كما اعترفت أنت نفسك بذلك ولو ضمنيا .
فقد كانت ردة فعله هذه المرة هادئة من خلال حديثه معي على غير العادة ، لما أستفزه كل مرة بسؤال لم يكن يتوقعه ، وذلك لما قال نعم أنا أمل بسرعة من الأشياء التي أكتشف عدم نفعها, وكذلك أغير مواقفي بنفس السرعة كلما ظهر لي عدم جدوائية تلك الاشياء !
فالعمل الذي طلبت مني أن أصبر من أجل الحصول عليه في انواذيبو ، فأ أكد لك بأني قد صبرت من أجله وبحثت عنه في كل مكان ولمدة سنة كاملة حتى تأكدت من أن قسمتي فيه لم تنزل بعد من السماء ، إن كانت أصلا فيه أو في الأرض، ( فما بعد السنة الا الاكل) !
إذن فلا داعي لتكرار المحاولات (السيزيفية) كما يقال، أما عدم زواجي إلى الآن حتى فاتني القطار وربما الطائرة فإنه يعود في بادئ الأمر إلى أني بعد خيبة أملي تلك في الزواج من أمريم بسبب ما ذكرت لك من أمور وصفتها أنت بالموضوعية ! فلم أجد من بين من صادفتهن من النساء من تشبهنها طبقا لذاتها وروحها وخلقها وكل شيئ جميل فيها ، أما البديل عنها فلم تستسغه نفسي لأنه في واقع الأمر ما هو إلا تشويه لصورتها الجميلة تلك التي علقتها في إطار من جوهر (اعتباري) داخل أهم غرفة في قلبي ,ومن جهة ثانية فإن الموانع التي قد حالت بيني مع الزواج كثيرة هي الاخرى غير فشل الزواج من امريم وقد تستنتجها من واقع حياتي الخاصة التي قد أطلعتك على بعض منها الآن . حيث تعلمت من خلال ذلك الواقع القاسي والمؤلم الذي قد عشت تفاصيله بأن الزواج ماهو في واقع الأمرإلا نوعا من الأعمال الإرتجالية- اذا لم يكن مدروسا بما فيه الكفاية - والذي يمكن أن يقود الإنسان إلى سعادة مؤقتة تنتهي حتما بآلام قاتلة لذات الإنسان ، وربما محزنة في نفس الوقت لذويه. كما أني أرى أن حياة الإنسان القادم على هذا الكون وإن كانت سعيدة حسب المعايير الدنيوية ، فإنها مهما كان فلا بد أن تتخللها لحظات من المرض أو الفشل ، تؤديان حتما إلى الآلام و الأحزان والبؤس مما يجعل القدوم على هذه الحياة أفضل منه بكثير للإنسان الذي لم يتعود بعد على هذا الكون عدم المجيئ إليه أصلا ، وذلك لكو ن الحياة في الواقع بالنسبة للإنسان ما هي إلا سعادة أو ألم وعدم الأم في حد ذاته سعادة لاتقدر بثمن، لأنه خال على الأقل من حرقة وجع للألم وذلك في حد ذاته يكفي ولو لم يصل بعد إلى مستوى السعادة حتى لو كانت نسبية، في حين فلا توجد أيضا في هذه الدنيا سعادة نقية خالية من ألم يحدث قبلها أو بعدها أو أثناء وجودها. أما العدم في حد ذاته فلا تترتب عليه آلام تذكر ، بالنسبة للإنسان الذي ظل عدما، ولم يدخل بعد فلك الوجود الفعلي ، وما ذلك إلا نوعا من السعادة ، التي تعد أفضل بكثير من مجرد سعادة ملازمة لإحتمال وجود ألم ولوكان مجرد ألم خفيف يمكن تحمله كما أرى أن مجرد فكرة الإنسان وهو عدم أحسن بكثير من تجسيدها في عالم الواقع الذي تنتشر فيه الأوبئة وتتخلله الصراعات القومية والدينية والظلم والقهر وكذا الحروب المدمرة للإنسان ذاته . وغير ذلك من الأمور التي تقود الإنسان حتما إلى الألم ، في هذه الدنيا ،وربما الشقاء الأبدي في الآخرة إ ذا لم يأخذ لنفسه الحيطة والحذر من مسببات كل ذلك . فأعاذنا الله وإياك من النار والشقاء !
ومما سبق من فرضية إمكان حصول مآسي ربما تنعدم السعادة معها من أي درجة كانت في هذه الدنيا ، وقد يكون أيضا أفضل للإنسان إذا لم تتوفر لديه شروط الحياة الكريمة في هذه الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة عدم الوجود أصلا في هذه الحياة المعقدة !
إذن فالزواج الآن بالنسبة لي يقود في نهاية المطاف إلى إنجاب أناس أبرياء خارجين عن طبيعة رابطة عقده أصلا و بالتالي تترتب عليهم جراء ذلك العقد مسؤوليات كثيرة وإلتزامات كثيرة لا عد لها ولا حصر ومن أهمها وأخطرها السؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه حينما تتجسد في ذهنه إرادة الزواج وهو يحا ور نفسه في ذلك فهل يرى في نفسه بصة موضوعية وواقعية وكذا في التي سيختارها أيضا كزوجة الصفات الضرورية التي تجعل الإنسان الذي يتحلى بها وراثيا يتوفر على الحد الادنى أو الأوسط من السعادة ؟ أو البعد عن التعاسة على الأقل !
أم أن تلك المورثات لدى طرفي عقد الزواج أو أحدهما قدتحمل في طياتها من الشوائب المرضية والخلقية ما يجعلها لو مزجت في كيان الإنسان القادم على هذه الحياة من جديد أن تجعله ضعيفا غير سوي أو منحرفا أخلاقيا مما سيجلب له التعاسة ، وكذا لمجتمعه من بعده، إذا فإ ن الذي سيقدم على تجربة الزواج بالنسبة لي فيجب أن يجد في نفسه بصفة حقيقية الكفاءة المادية والمعنوية والخلقية والجمالية وكذا في من يختارها كزوجة أو زوج، وأن يكونا خاليين من الصفات الوراثية الغير محمودة ، وذلك من أجل إ بعاد التعاسة والأسى عن الأولاد الذين قد تصاحبهم طيلة حياتهم بقدرما لم تتحقق تلك الشروط المتضمنة في الكفاءة الزوجية ، بالمعني الذي سبقت الإشارة إليه وذلك في إطار ديننا الحنيف طبعا.
وأن لا تعمي الغريزة الجنسية الأشخاص الراغبين في اتخاذ قرار الزواج عن مراعاة ما قد نبهت إليه سابقا من مخاطر تتعلق بالزواج الفا شل والذي حذرت منه أكثر من مرة بالإضافة إلى مراعاة للبئة التي سيتربى فيها أولئك الأطفال في قادم الأيام إذا ما أنجبوا بحيث تكون ملائمة لتربية مثالية ، إن أمكن ذلك وتو فرت ظروفه وشروطه !
الفصل الثاني متطلبات الزواج :
(يتبع)