قصة أحلام متسول الحلقة 06 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

أحد, 2022-04-10 02:04

الجزء الثاني مغامرة ذلك الحب المفاجئ :   

لقد ولد ذلك الحب فجأة بلا ميعاد ولم يكن متوقعا   ميلاده ، ولقد كانت لي علاقات سابقة عليه تبدأ لفترة  لتنتهي لكونها لم تكن ( لاحگه لعظم ) كما يقال تعبيرا 
عن الحد النهائي للأمور ، بدليل أنه لما تنتهي العلاقة بتلك النسوة سواء كانت من طرفي أو من طرفهن فإني أكاد أنساها بسرعة ، ولا يتبقى منها في وجداني سوى خطوط باهتة تكاد تختفي منه تماما ، عكس ما قد حصل لي هذه المرة مع امريم فهو باق  ثابت راسخ في وجداني  لا يتغير ولا يتبدل.بل يزداد باضطراد مع طول الزمن رغم اليأس والحرمان اللذين أعاني منهما بسب فشل ذلك الحب ! 
                
الفصل الأول صدفة ميلاد ذلك الحب !   

إن عوامل شتى قد تسببت في فشل ذلك الحب فمنها ماهو ذاتي ومنها ما هو موضيعي ومن أهمها قلة ما باليد والتفاوت الإجتماعي وكذا فارق العمر ، كل ذلك أعتقد أنه قد ساهم في عدم زواجي من امريم . ونتيجة لذلك فقد بقيت عدة سنوات وأنا بالقرب من تلك المنطقة لا أتصور نفسي بعيدا عنها ، وأنفق كلما حصلت عليه بأي وسيلة  كانت من أجل أن أبقى في حدود ما أرى امريم ولو خلسة
بمؤخرة عيني . وإلى إن ختم أهلها تلك المأساة الجميلة المتمثلة في حبي الصادق لها ، وذلك بزواجها من أحد أبناء عمومتها على مرأى ومسمع مني ودون مراعاة لحبي الصادق لها من جهة ، ولا لكبريائي كرجل قد أحب فتاة و خلص لها وطلب يدها  على سنة الله ورسوله من جهة ثانية . 
بل لم يكتفوا أهلها بمجرد رفض خطبتي لها بألفاظ مهينة وقاسية ، بل هددوني بالضرب إذالم أقلع عن ذلك الحب مهما كلفهم ذلك من ثمن ! 
كما صدر لي نفس الشيئ من زوجها لاحقا بمايشبه ذلك مضيفا إليه التهديد بالقتل ولو غيلة إذا وجدني معها في أي مكان ! 
ولقد أثر كل ذلك في نفسي كثيرا ! بل يكفيك أيها الأخ الكريم أن وقائع ذلك العرس وزغردة النساء وتجمعاتهن حوله وما أطلق حينها من رصاص ، فكل ذلك مازال يدوي في أذني حتى الساعة وتترا ءى لي مشاهده أمام ناظري ! 
وكذا أيضا كلما تخيلت إمكانية أن تكون قد حصلت علاقة  زوجية معتادة بين امريم وذلك الزوج المحظوظ الذي أحسبه أسعد زوج في الدنيا ، لكونه سوف يتقاسم مع امريم نفس الفراش وتختلط انفاسهما تحت سقف واحد وثيابها مبعثرة هنا وهناك معا في أرجاء خيمة أو داخل دلاب واحد . فإني بمجرد ما أتخيل ما ذكرت فإني أشعر بالدوار والأختناق وأنهار داخليا ولمدة لحظات وحتى دقائق ، كما أني أفقد شهية الطعام ولعدة أيام بعد ذلك ! 
وأعتقد أن كل ذلك يحصل لي جراء تداعيات فشل ذلك الحب و متاهاته التي مازالت مستمرة هي الأخرى تشغل ذهني حتى الآن ،كلما غفلت عن كياني ولو للحظة واحدة.

ولربما يقال بأن ما بي يعد نوعا من ( الغيرة ) المدمرة ولا أستبعد ذلك ولا غيره من الأسماء الدالة عليه ! 
‏‎فقلت له إذن والحال كما رويت ، فكيف أحببتها رغم العقبات التي ذكرت؟ وما أكثرها ، وما تلك المناسبة ؟ 
‏‎فقال سيدي إن الحب حين ينبثق فجأة كشعلة نور تضيئ وجدان الرجل ،فلا يهتم كثيرا بكيف ولا متى ولا بأين ؟ ولا يخضع لمعايير العقل الدقيقة التي يزن بها الأشياء ! 
‏‎إن ذلك الحب قد ولد صدفة كتلك التي كانت وراء حب جميل لبثينة - كما هو شائع لدينا - لما رآها فجأة عند غدير ماء ، لكن الفرق بيننا غير كو نه شاعرا  فهو أنه لما عاكس بثينة معلنا حبه لها ، فأساءت إليه بألفاظ قاسية مماجعله يرد عليها بمثلها شعرا قائلا  :  (وأول ماقاد المودة بيننا في وادي بغيض يا بثين سباب / وقلت لها قولا فجاءت بمثله لكل كلام يابثين جواب ) . 
‏‎أما أنا فما صدر مني لامريم فلايتعدى كونه تلميحا غراميا اكتفت هي من طرفها بالرد عليه بابتسامة عذبة ملؤها الحياء والخفر العذري المطبوع ببراءة صدمة المفاجأة . إن ذلك الحب يمكن أن يقال عنه بأنه وليد صدفة لكونه
‏‎ قد حدث فجأة دون ما سابق معرفة بالمحبوبة نفسها ولا حتى بوجودها أصلا . وذلك لماكنت مارا ذات يوم بغدير في موسم نهاية خريف من تلك السنوات الغابرة بعد استقلال بلادنا بسنوات قليلة حيث كنت أبحث عن جمل لي قد ضاع في تلك المنطقة من ( افله ) منذ أيام ، فإذا بي بعد نهاية مطر هادئ والشمس حينها ها في كبد السماء مدفونة في الغيوم تطل من حين لآخر على استحياء فوق تلك المنطقة ، وكأنها في حالة خجل من مشهد سباحة تلك الفتيات الجميلات ، ولربما قد كانت تراقبهن من عليائها البعيد . فحينها فإذابي أطل فجأة 
‏‎على ضاية جميلة تقع قرب منطقة  ( أقرقار ) التابعة لمقاطعة الطينطان الحا لية . وما إن استويت 
‏‎واقفا على ضفة تلك البحيرة الهادئة الجميلة حتى لاحظت فجأة خمس فتيات جميلات تتراوح أعمارهن مابين السادسة عشر والعشرين من العمر يسبحن ضحا في ذلك الغدير الرقراق الصافي وحدهن وربما ينطبق على ذلك المشهد الرائع وجه شبه في بيتين لأحمد شوقي يصفان منظرا مشابها قد التقطته شاعريته من سباحة فتيات جميلات ربما قد شاهدهن يوماما أثناء سباحتهن
‏‎حيث قال : قف بتلك القصور في اليم غرقى / ممسكا بعضها من الذعر بعضا / كعذارى يخفين في الماء / بضا سابحات به ويبدين بضا / 
‏‎وحيث أن الفتيات كن قد تركن ثيابهن خارج الماء دون حارس, ولما رأيت ذلك المشهد الجميل المتمثل في الماء والبطحاء والخضراء والصخور ذات الملمس الحريري جراء مرور الماء عليها ، ثم الأشجار الزاهية  والزهور الناعمة ، وكذا القد والخد الحسنين الجميلين . 
‏‎إن تلك المكونة لذلك المشهد الفذ قد اوحت لي بفكرة الإستلاء على ثياب تلك الفتيات وهن في غفلة تامة من أمرهن ، لكي تكتمل صورة الجمال نفسه في ذلك المشهد الرائع كما تم وصف بعضه . وحيث أخذت تلك الثياب وجمعتها ، ثم تراءيت للفتيات واقفا وأنا أوكومها بين ذراعي ، وأدعوهن للخروج لإستلامها إن كن يرغبن في ذلك ! 
‏‎فحينئذ بدا على ملامحهن نوع من الإستغراب و الدهشة الناتيجين عن تلك المغامرة غير المتوقعة منهن ، مما أضفى على تلك اللحظة  جوا شاعريا  منقطع النظير. وبعد حوار طويل وممتع بين فتيات جميلات في عمر الزهور تخلله لغط وغنج ، مع رجل قد بدأت تجارب الحياة تنضجه ، إلى أن تم الأتفاق بيننا على أن تنوب عن الفتيات في أخذ الثياب لهن امريم . وربما يعود اختيارها لذلك كونها  أصغرهن سنا حسب العادة في مثل تلك الحالة 
‏‎وقد كانت الفتات التي تقدم على تلك المغامرة الجريئة ، فلابد أن تكون مكتملة الحسن والجمال ، وهكذا كان حال امر يم حين جاءت إلي وهي في ذلك المشهد الفريد تبدو 
‏‎ساترة ما استطاعت من أسفل جسدها الرائع بما تيسر   
‏‎لديها من زهو (اندايري وسعفه الأخضر الجميل وهي تسير مستقيمة مقبلة مدبرة كعارضة أزياء 
‏‎وفي نفس الوقت تقصف ما توصلت إليه يداها من اعشاب وزهور لتستر بها بقية جسدها المتقد أنوثة وجمالا ، مما كاد مشهدها ذلك وهي تخطو نحوي 
‏‎خطوات وئيدة محتشمة تقدم رجلا وتؤخر أخرى ( تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل ) أن يفقدني ذلك المشهد صوابي و توازني وحتى وقاري لولا أن تداركت نفسي - و إن متأخرا - حيث أغمضت عيناي رهبة لجمالها الأنثوي الفاتن الأخاذ ، ثم تبت إلى الله عز وجل من معصية تلك المغامرة شبه الجنونية التي لا تتناسب مع عقلي وماوصل إليه عمري يومئذ ! 
‏‎إن ذلك المشهد الجميل قد اكتحلت به عيناي كالأثمد وصار عالقا بعدستيهما طول الوقت نوما ويقظة ، ثم صار صوتها العذب لما سمعته شفاهة منها وجها لوجه وهي تفتر شفتا ها عنه كاشفة عن منظومة لؤلئ و صوت نغماته عذبة لا ينفك تردادها على مسامعي دون ملل من تكرارها.

‎وربما يسائلني سائل أن أصف له امريم تلك التي تملك حبها مشاعري ، وفي هذا المقام أحيله فقط على مجرد وصف سابق ربما يكون لأحدى جداتها في الشام قبيل هجرتها إلى بلادنا ، حيث  وصفها به شاعر متيم مثلي ، لكني لا أعرف إسمه للأسف ، حيث قال : (كم اشتهت خلقت حتى اذ اعتدلت / في قالب الحسن لا طول ولا قصر / دار الشحم بأعكنها طي القباط /  فلا سمن ولا غور / كأنها أفرغت من ماء لؤلؤة / في كل جارحة من حسنها قمر/ ). 
‎فقلت له إن ذلك الشاعر  يدعى (عكاشة العمي ) من سكان البصرة ويعد من أهم شعراء الدولة العباسية. 
‎ثم قلت له أثناء حديثنا ذلك ، فكيف قد حفظت كل تلك الأشعار والأخبار والحكم والقصص النادرة الجميلة وأنت تزعم بأنك أمي لا تكتب ولا تقرأ ؟ 
‎فقال كل ذلك قد تم  بعون الله وفضله ، ثم المذاكرة الدائمة وكذا الإستفادة من مؤانسة الطيبين ذوي الخلق الرفيع ، وكذا كون أذناي كانتا أكثر ذكاء وعطاء من بصري ، كما كنت أيضا أهتم بحفظ كل أمر مفيد من المواعظ والحكم كغيري ، لأترنم بما حفظت مثلهم في أوقات خلوتي مما اختزنت ذاكرتي من نفائس الحكم والمواعظ والأمثلة ، وكذا من عيون الشعر والغناء الجميلين . 
‎أفلا يقال بأن ( العلم تذكر والجهل نسيان ) ولكوني أيضا أعد من أبناء آدم عليه السلام الذين ربما ( علموا الأسماء كلها ) معه يوم كانوا لا يزالون نطفا في ظهره الشريف ، كما يقول بعض المفكرين الإسلاميين ، والذين يستدلون على ذلك بكوننا لاتستغرب أي مخلوق جديد نشاهده لأول مرة سواء كان ماديا أومعنويا لا شكلا ولا مضمونا ، لكونه ربما من تلك الأسماء التي قد ورثنا معرفتها عن جدنا آدم عليه السلام قبل انفصالنا عنه بعد نزوله إلى الأرض من السماء ، هو وجدتنا حواء عليهما رضوان الله وسلامه .