عودة السيد المصطفي الإمام الشافعي الي وطنه
تمثل عودة السيد المصطفي الإمام الشافعي الي الوطن تحولا إيجابيا في تعامل النظام السياسي الجديد مع خصوم النظام السابق ومعارضيه حيث ان الرجل يمثل رمزية متعددة الجوانب .
ولا شك ان هذه العودة تؤكد من جديد استمرارية النظام في نهج المصالحة الشاملة دون إقصاء وهي سياسة واضحة المعالم اعتمدها فخامة رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني .
فهذا الرجل عارض نظامين متسلطين وقمعيين لمدة تقارب عقدين من الزمن : نظام معاوية الطايع ونظام محمد ولد عبد العزيز الذان استعملا كل الوسائل منها الغير مشروعة طبعا ضده ولم يتمكنا من اعتقاله أو خطفه رغم محاولاتهما المتكررة .
وثبت الرجل علي موقفه وظل شامخا ورافعا رأسه دون انحناء مناديا بضرورة الإطاحة بالنظامين القمعيين، فهو يمثل مدرسة ضمن رجال السياسة من نخبتنا .
فالتضحيات التي قدمها لبلده وطبقته السياسية قد شملت الجميع بدون استثناء وخاصة في أوقات الشدة التي مرت بها بلادنا وهي لعمري كثيرة بسبب عنف وغطرسة النظامين .
هذا الرجل وهو في وضعية لجوء اضطراري ومطارد من قبل نظام بلاده استطاع بارادة قوية وعزيمة فولاذية ان يتصدي لهذين النظامين بكل جرأة وهو يعلم ان النظامين لن يتورعا عن فعل أي شيء قد يضر الرجل الا ان الرجل خاطر وتحمل تبعات موقفه .
كنت لاجئا في فرنسا بعد المحاولة الانقلابية يوم ٨ مايو ٢٠٠٣ ومعارضا رغما عني بعد ان اعتمد النظام مبدأ جريمة القرابة -والعبارة اطلقها آنذاك الصحفي محمد فال عمير -ليقمع علي اساسها أقارب الانقلابيين وحاضنتهم الاجتماعية .
وانا أخطو خطواتي الأولي كمعارض وان كان هدفي هو الدفاع عن الانقلابيين اذ كيف لي ان التحق بهم وأنا لم استعمل سلاحا قط وانا في هذه الحال اتصل بي السيد المصطفي من واقادوقو وطلب مني الاتصال بصديقه -وهو وزير أفريقي -الموجود في باريس وخلال مقابلتي للوزير قال لي الأخير بالحرف الواحد :{نحن قررنا عدم تسليم هؤلاء الضباط وحمايتهم اعني أخاك وزملاءه خوفا من ان يتسبب تسليمهم في حرب أهلية في بلادكم .
ما أروعها من نظرة استراتيجية وعميقة وعندها تاكدت من قوة تدبير االرجل ومصداقيته وتأثيره خارج حدود بلاده وأنا حتي ذالك الوقت لم التق به مباشرة وكان الاتصال عن طريق الهاتف .
هذا وقد استفدت وهو موجود في محل إقامته في أفريقيا وأنا في باريس من شبكة العلاقات التي وفرها لي في أوروبا وأفريقيا مشكورا للدفاع عن السجناء .
وأنا في وضع اخر وظروف مختلفة عندما كنت سفيرا لبلادي في باماكو سنة ٢٠١١ وأصدر النظام مذكرة اعتقال دولية ضد المصطفي وبعد صدور المذكرة قال لي السيد Christian Rouyet السفير الفرنسي المعتمد في باماكو وبطريقة ساخرة نوعا ما -وبالمناسبة الفرنسيون يعرفون عنا كل شيء -اتظنون أننا سنصدقكم بشأن مذكرة الاعتقال ضد المصطفي فالرجل لا علاقة له بما تتهمونه به وعلي كل حال لاتعتمدوا علينا في هذا الموضوع .
يصر علي التهكم بوصفي ممثلا للنظام الذي اصدر مذكرة الاعتقال {الشافعي موجود هذه الأيام هنا في باماكو .فقلت له اعرف وكان اول امس عند صديقه جاري المدعو -vieux - مؤكدا له انني فهمت قصده -وبعد ذالك قال لي السفير الفرنسي أنا اعرف ان له علاقات قوية بأخيك النائب البرلماني وأنك أنت أيضا كنت لاجئا سياسيا سابقا في بلادي .
وبطبيعة الحال يبقي هذا الحوار بين سفير فرنسي ولاجئ سياسي سابق في بلاده سريا -ومن الواضح ان راس النظام بلغ من الغرور انه تصور ان دول المنطقة لا يمكن ان ترد له طلبا ولو بالتلفيق والتحايل ون كان هنا لم يستوعب الدرس .
وفي وضعية اخري وظرف مختلف كان احد اقطاب الحكم في زيارة رسمية لجمهورية مالي الشقيقة وتجرأت لثقتي في شخصه وقلت له ان دول المنطقة لم تتجاوب معنا بشأن مذكرة الاعتقال ضد السيد المصطفي فجاءني رد هذه الشخصية مفاجئا حيث قال {أنا كنت ضد إصدار هذه المذكرة وقل لصاحبها ان يتصل بي } ٠
هذا الرجل يستحق علي وطنه وطبقته السياسية كل التقدير والتكريم وهو كما قال هو نفسه لا يبحث عن تعويض عنا يقوم به لصالح بلده وطبقته السياسية وحتي التائهين من المواطنين في أدغال أفريقيا ٠
سيدي محمد حننه
سفير سابق