كنت اتمنى لو كان عنوان المقال صحيحا وواقعيا ، ولكنه وللاسف الشديد ليس كذلك ، بل هو تعبير ساخر عن مدى الاحباط والحزن والألم الذي يعاني منه كل فلسطيني وعربي جراء الوضع الذي آل اليه العالم العربي ، بعد ان ترك عدوه الحقيقي يسرح ويمرح ، ويوغل بالدم القدسيي والغزي ، وراح يبحث عن عدو وهمي كايران التي لا انكر طموحها المشروع بالنفوذ ، ولكني ارفض اعتبارها عدوا ما دامت لم تعتد على اي منا ولم تعلن عدائها لنا ، ودينهم ديننا ، بل وتؤكد يوميا بالقول والفعل عدائها لعدونا . واقول لصديقي الذي يذكرني دائما بالاهواز والجزر الثلات ، بانني ساكون قبله وفي مقدمة الصفوف عندما يعلن هؤلاء الاعراب عن معركة تحرير الاراضي العربية المحتلة من الاسكندرون الى سبته ومليله مرورا بفلسطين .
فقد انتهت الاسبوع الماضي اجتماعات رؤساء أركان ،، جيوش الدول العربية ،، التي لم تعد جيوشا ، الى اقرار البروتوكول الخاص بتشكيل القوة العربية المشتركة الذي سيعرض على “ترويكا” رئاسة القمة العربية ، التي تضم كلاً من مصر والكويت والمغرب، قبل رفعه إلى مجلس الدفاع العربي المشترك وفق سياسة النظام العربي الجديدة التي اشرنا اليها فيما سبق . فالجيوش لم تعد جيوشا بعد ان تحقق الحلم الصهيوني بتفكيكها وتدميرها بايد عربية ذاتية ، مستعينة بالامريكي ،، الحبيب ،، . وكلنا بات يعلم علم اليقين المصير الذي انتهت اليه جيوش أبرز وأهم ثلاث دول عربية ، كان يحلم بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني بتفكيكها وتدمير جيوشهما ( مصر وسوريا والعراق ) . فالجيش العراقي، يواصل بكل ،، فخر واعتزاز ،، انسحابه المذل والمهين وتسليم مدينة الرمادي العراقية بعد تسليمه للدواعش مدينة الموصل التي يزيد عدد سكانها عن مليوني مواطن ، والجيشان السوري منهك ومتهالك مع انه متماسك ، اما الجيش المصري فكارثته مركبة بعد ان اغرق بما اغرق به منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد 1979 م ، ومعاركتة الحالية في سيناء التي قد تمتد الى فلسطين ولكن ضد الفلسطينيين !! .
يتضمن البروتوكول الذي لا يخلو من غموض مقصود ، الجوانب التنظيمية والقانونية، وأهداف القوة، والمهام المنوطة بها، وآليات عملها وتمويلها، والإجراءات اللازمة لطلب استخدامها، وطبيعة تدخلها خلال تنفيذ المهام المكلفة بها . والقوة العربية المشتركة تستهدف الحماية من ،، الأخطار الإرهابية، ونشاط المليشيات المسلحة”. وهذا لتطمين من يجب تطمينهم كاسرائيل ، ولتفهيم من يجب تفهيمهم كالشعوب العربية حتى لا تصاب بالوهم ويذهبوا بعيدا بتفكيرهم !! . فالهدف الحقيقي من تشكيل هذه القوة العربية ليس ما قد نتوهم ونعتقد ، بل غير ما نتمنى ونرجو .
لم تعرف الشعوب العربية منذ خمسة قرون مضت ، وخاصة بعد التحرر من الحكم العثماني التركي عدوا يهدد الأمن القومي العربي ، سوى الاستعمار الغربي وربيبته اسرائيل . التي يغيب نظامنا العربي في هذه الحقبة التاريخية ، عن عمد ومع سابق اصرار وتصميم تناقضنا الرئيسي وحقيقة صراعنا معهما ، فليس صدفة انه واثر هزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1948 م ، وما أحدثته من نكبات وأزمات في العديد من البلدان العربية، ان يتم تبني إستراتيجية واضحة للدفاع عن أي دولة يُعتدَى عليها. وتم حينها وتحديدا عام 1950 م توقيع “معاهدة الدفاع المشترك” . ووقع على المعاهدة التي تضمنت اثني عشر بندا كل من المملكة الأردنية الهاشمية ، الجمهورية السورية ، المملكة العراقية ، المملكة العربية السعودية ، الجمهورية الفلسطينية ، الجمهورية اللبنانية ، المملكة المصرية ، واليمن التي كانت تسمى المملكة المتوكلية اليمنية . ومن اللافت للنظر توقيع فلسطين ، وكجمهورية مع ان غالبية الموقعين ملكيين .
معاهدة الدفاع المشترك كانت بسبب فلسطين ومن اجلها الا انها لم تفعل الا مرة واحدة عام 1973 م تضامنا مع مصر ، ولم تفعل للحظة واحدة لمصلحة الفلسطينيين ، بل فعلت ضدهم عام 1976 م في لبنان عندما شكلت الجامعة العربية قوات الردع العربية للحد من الانتصارات التي حققتها الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ضد القوى الانعزالية اللبنانية التي كانت تتعامل مع اسرائيل حينها بشكل رسمي ومعلن ، ولم تفعل لمصلحتهم ، بالرغم من الحروب الاسرائيلية المتواصلة عليهم منذ معركة الكرامة 1967 وحتى الحرب الاخيرة على غزة العام الماضي ، مرورا بايلول الاسود 1970 في الاردن ، وحروب 1976 ، 1978 عندما احتلت جنوب لبنان ، وحرب 1982 عندما احتلت بيروت عاصمة الثورة والثوار واستمرت ثلاثة اشهر متواصلة في لبنان ، وصولا الى سنوات الانتفاضة الثانية من 2000 الى 2004 م التي تخاذل فيها العرب ايما تخاذل .
ومع ذلك فأن إنشاء “القوة المشتركة” الحالية لا علاقة له لا من قريب او بعيد بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي المتواصل والمحتدم ، وغالبا ما يكون هذا الاحتدام من قبل العدو ، بل هو مقترح مصري ، تقدمت به القاهرة حينما أعدمت “داعش” 21 قبطيا مصريا ذبحًا . وقتها وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوة إلى المجتمع الدولي للمساعدة في توجيه ضربة لليبيا، إلا أنها لم تلقَ آذانا صاغية، فقام بتقديم مبادرة أخرى قوامها تشكيل “قوة عربية مشتركة “لمواجهة الإرهاب”.وسبقه في ذلك الملك الأردني عبد الله الثاني، بعد حرق داعش للطيار الأردني معاذ الكساسبة ، الى ان فرضت المملكة السعودية اجندتها ، عندما استبقت القمة العربية الاخيرة بعاصفة الحزم وشنت حرب عدوانية على اليمن .
الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي ، اعتبر تشكيل القوة العربية ، بأنها “إنجاز هام على طريق استكمال بناء منظومة الأمن القومي العربي، نظراً للأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بها لحاضر ومستقبل المنطقة العربية ،، الا ان الآمال والتمنيات بنجاح القوة العربية من حيث التشكيل والتنفيذ العملي محدودة للغاية نظرا للخلافات العربية التقليدية ، وللاسباب والخلافات السياية الراهنة ، فقد اعترضت كل من قطر والجزائر على اقتراح ان يكون مقر القوة المشتركة في مصر، وقامت قطر بتسجيل اعتراضها على استضافة مصر للقوة العربية المشتركة . ولا يلوح بالافق ما يؤكد نجاحها حتى لو تم تشكيلها نظريا ، لانها ستبقى حبرا على ورق كسابقاتها ، إذ لا يمكن الحديث عن جدوى المطالبات العربية دون استعادة تاريخ التعاون العسكري العربي الذي كان محدودا جدا في تاريخ المنطقة . ودون النظر الى الفشل والسقوط الذي منيت به سياسة ،، مسافة السكة ،، التي بادر اليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد ان انهالت عليه المليارات الخليجية ، تمهيدا للسياسة الخليجية التي تكشفت فيما بعد بالعدوان على اليمن ، فسرعان ما سقطت هذه السياسة في امتحان عاصفة الحزم لاسباب لا يتسع لها هذا المقال …..
وستبقى فلسطين تحلم بالزغرودة .
صابر عارف :كاتب فلسطيني