اعادت انتصارات “الدولة الاسلامية” في الايام الاخيرة واستيلائها على مدن جديدة في العراق وسورية معا الى الواجهة مجددا بعد ان ازاحتها “عاصفة الحزم” السعودية منها وباتت تحتل العناوين الرئيسية في صحف العالم مجددا، وتزيد من قلق واضطراب المسؤولين الامريكيين، ومعهم نظرائهم العرب على وجه الخصوص في الوقت نفسه.
تصريحان على درجة كبيرة من الاهمية صدرا عن مسؤولين امريكيين احدهما في السلطة، والثاني خارجها، يمكن ان يلخصا لنا المشهد الحالي المتعلق بـ”الدولة الاسلامية” والنظرة الامريكية تجاهها، وما يمكن ان يخبئه المستقبل من مفاجآت ومتغيرات:
- الاول: ادلى به اشتون كارتر وزير الدفاع الامريكي الحالي وقال فيه ان “ضعف” الجيش العراقي كان احد الاسباب الرئيسية في سقوط مدينة الرمادي، حيث ابدت القوات العراقية عدم رغبتها في القتال، وذهب الى ما هو ابعد من ذلك في تصريحاته الصادمة هذه عندما قال “يمكن ان نقدم لهم (الجيش العراقي) التدريب والسلاح المتقدم، ولكن لا يمكننا ان نوفر لهم الارادة في القتال”.
- الثاني: ادلى به ريتشارد كلارك الذي قدم استشاراته في شؤون مكافحة الارهاب الى ثلاثة زعماء امريكيين، اخرهم الرئيس السابق جورج بوش الابن، حيث اكد في حديث لمحطة “سي ان ان” الامريكية ان “الدولة الاسلامية” اقامت “خلافة اسلامية” فعلا عبر حكمها لمساحات شاسعة، وحوالي خمس مدن كبرى، واقاموا هيكلية تتضمن حكومة ومؤسسات ووزراء، وباتوا يصدرون وثائق رسمية، وباتت مسألة “طردهم” من المدن التي يسيطرون عليها صعبة في المستقبل المنظور، ولا بد من التعاون مع ايران في هذا الميدان.
المسؤولون الامريكيون لا يطلقون مثل هذه التصريحات الخطيرة الا اذا كانوا يريدون ايصال رسائل محددة لاطراف معينة، والتمهيد لتطبيق استراتيجية عسكرية جديدة، ومن الواضح ان اقوال المسؤولين السابقين تصب في هذه المحصلة.
عنوان المرحلة الامريكية المقبلة في الحرب على “الدولة الاسلامية” ربما يكون اقامة تحالف مع ايران من حيث الاعتماد على قواتها المسلحة، والميليشيات الشعبية العراقية التي تسلحها وتمولها، بعد ان حققت هذه الميليشيات نجاحات كبيرة اثناء مشاركتها الجيش العراقي في اخراج قوات “الدولة الاسلامية” من مدينة تكريت ومعظم مدينة الفلوجة، ووقف التعاون مع حلفائهم العرب يأسا بالتالي.
بعد سقوط مدينتي الرمادي (العراق)، وتدمر (سورية) في يد قوات “الدولة الاسلامية” في ايام معدودة، بدأت الادارة الامريكية تعترف بفشل استرتيجيتها الحالية، ويتحدث مسؤولون فيها عن ضرورة اعادة النظر في هذه الاستراتيجية، ولعل التوجه الى ايران هو ما جرى التوصل اليه لاصلاح “الخلل” فيها، او هكذا يعتقدون.
ايران سترحب قطعا بأي تعاون مع الولايات المتحدة في الحرب ضد “الدولة الاسلامية”، فهي تحاربها فعلا في العراق، وارسلت طائرات وقوات للقيام بهذه المهمة تحت غطاء مستشارين، ودربت قوات “الحشد الشعبي” وسلحتها، لانها تدرك جيدا ان “تمدد” هذه الدولة في العراق يشكل خطرا مباشرا عليها، يمكن ان ينتقل الى عمقها، خاصة ان نسبة السنة من مواطنيها يصل الى حوالي اربعين في المئة من عدد السكان، حسب بعض الاحصاءات غير الرسمية.
ولكن السؤال المطروح هو حول الثمن الذي ستطلبه ايران مقابل هذا التعاون مع الولايات المتحدة؟ فهل يكون تعزيز نفوذها في العراق؟ ام الحيلولة دون سقوط حليفها في سورية؟ ام وقف الحرب على حلفائهم الحوثيين الآخرين في اليمن؟ ام كل هذه المطالب مجتمعة؟
من السابق لاوانه تقديم اجابات قاطعة حول هذه التساؤلات، ولكن ما يمكن قوله، وبكل ثقة، هو ان الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط لم تنهار فقط، بل ازدادت انهيارا، وان ادارة الرئيس اوباما مستعدة للتعاون مع اي طرف لوقف هذا الانهيار، ولعل ايران هي القوة الاقليمية العظمى التي يمكن ان تلجأ اليها في الوقت الراهن نظرا لقوتها، وقدراتها العسكرية الضخمة، ولانها اعتمدتها فعلا كحليف استراتيجي مع قرب توقيع اتفاق نووي معها.
هذه الرؤية الاستراتيجية تبدو جذابة على الورق، ومن الناحية النظرية ايضا، ولكن الصورة ربما تختلف على الارض، و”الدولة الاسلامية” تفاجيء امريكا ودول المنطقة بانتصارات كبيرة، رغم الحروب الجوية والارضية التي تشن ضدها، واستيلائها على مدينتين كبيرتين مثل الرمادي وتدمر يعني الاستيلاء على مخازن اسلحة امريكية (العراق) وروسية (سورية) حديثة جدا، وتوسيع حدود دولتها، وزيادة عدد مواطنيها، والاهم من كل هذا وذاك، توظيف هذه الانتصارات في تجنيد الآلاف من الشبان في صفوفها من السوريين والعراقيين اولا، ثم باقي انحاء العالم ثانيا، ودعوتها لهؤلاء الشبان بالهجرة الى اراضيها تلقي استجابة ملموسة هذه الايام.
لا نحتاج الى الامريكي ريتشارد كلارك مستشار مكافحة الارهاب لكي يقول لنا ان “الدولة الاسلامية” نجحت في اقامة “خلافتها الاسلامية”، وانه بات من الصعب اخراجها من المدن التي تسيطر عليها، فقد فسر الماء بالماء، وفشل الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط يعود الى استشارة خبراء مثله لوضع خطوطها العريضة.
“الدولة الاسلامية” قامت على اراضي دولتين (سورية والعراق) من خلال فرض سياسة الامر الواقع بالقوة، واستطاعت ان تتمدد في ليبيا (سرت ودرنة) والجزائر (الجنوب) وافغانستان وباكستان، وان تفتح فروعا في مصر (سيناء) وقطاع غزة (الشابوره في رفح) واليمن، وها هي تعلن عن دخول اعمالها العنيفة والارهابية الى الاراضي السعودية بالهجوم على مسجد لابناء الطائفة الشيعية شمال القطيف في الشرق السعودي، اوقع اكثر من خمسة وعشرين قتيلا.
ليس الاستراتيجية الامريكية هي التي ثبت فشلها، وانما كل الاستراتيجيات العربية الحليفة لها، ولا نعتقد ان عمليات “الترقيع″ لهذه الاستراتيجيات ستعطي ثمارها الايجابية في حال الاقدام عليها، فالحرب طويلة، بل اطول مما توقعها الغارقين في احلام الثراء والتحريض الطائفي، والتغول في اذلال الاسلام والمسلمين.
المصدر: “راي اليوم”