هل تجاوَزت السّلطات الإيرانيّة أزمةَ الاحتجاجات بَعدَ أُسبوعٍ من انفجارِها؟ وما هِي الدّروس المُستخلصة مِنها؟ وهل استوعبتْ دُول الجِوار العَربيّ الرّسالة؟

خميس, 2018-01-04 18:23

أكّدت وكالة “مهر” الإيرانيّة اليَوْمْ الخميس بأنّ وزارة الاتصالات رَفعت الحَجب عن تَطبيق بَعض وسائِل التواصل الاجتماعي، وخاصّةً “انستغرام”، ممّا يُوحي بِتَراجع حِدّة الاحتجاجات، وعَودة الهُدوء إلى مُعظَم أنحاءِ البِلاد.
كثيرون راهنوا على تفاقُم الأزمة، وكثيرون أيضًا تَوقّعوا سُقوط النّظام، وتَحدّثوا عن “ربيعٍ إيرانيٍّ”، ولكن إدارة السّلطات الإيرانيّة للأزمة بطَريقَةٍ لافِتَةٍ كانت المُفاجأة الكُبرى، سَواء بتَقليص الخسائر في الأرواح والإصابات إلى الحُدود الدنيا، أو بالاعتراف بوقوعِ أخطاءٍ اقتصاديّةٍ فادِحَةٍ أدّت إلى تَصاعُد الاحتجاجات ونُزولِ المُتظاهرين إلى الشّوارع للتّعبير عن غَضبِهم من تَفاقُم الأوضاع المَعيشيّة.
19 شَخصًا لقوا حَتفهم أثناء هذهِ الاحتجاجات التي اندلعتْ قبل أسبوعٍ (الخميس الماضي)، وهو أمرٌ مُؤسِفٌ بكُل المقاييس، خاصّةً أن هذهِ الاحتجاجات كانت سِلميّةً، ولكن عَلينا أن نَتذكّر أنّها لو وَقعت في الدّول الديكتاتوريّة العَربيّة التي لا تُقيم وَزنًا لحُقوق الإنسان، ولم يَعرف مُواطِنيها صناديق الاقتراع والبرلمانات والرئاسات المُنتَخبة، لارتفعَ هذا الرّقم عشراتِ المَرّات.
دَعم أمريكا وإسرائيل وحُلفائِهما العَرب لهذهِ الاحتجاجات كان دليلاً واضِحًا على وجود بَعض الأيدي الخارِجيّة خَلفها، وأرادت تَوظيف مَطالب شَعبيّةٍ مَشروعة لزَعزعة استقرار البِلاد وأمنها، ولكن نَجاح السّلطات في إدارة الأزمة، والاعتراف بالأخطاء، وتَبصير الشّعب بالمَخاطِر التي يُمكن أن تترتّب على الانقلاب الأمني، كُلها عوامِل أدّت إلى وأد هذهِ المُحاولات المَشبوهة في مَهدِها، ومَنع اتّساعِ نِطاقِها.
شُعوب مِنطقة الشّرق الأوسط، وبَعد أن شاهَدت من تَدخّلات أمريكيّة في شُؤونِها، ودَعمِها المُباشر، أو غير المُباشر، لبَعض الجِهات التي سَرقت الثّورات العَربيّة المُطالبة بالعَدالة الاجتماعيّة والحُريّات والديمقراطيّة، من خِلال تَمويلِها بالمال والسّلاح، تَعلّمت الدّروس جيّدًا، والشّعب الإيراني خُصوصًا، وتَمسّك بالحِراك السلميّ المَشروع، ووَضَع مَصلحة بِلاده وأمنِها واستقرارِها فَوقْ كُل اعتبارٍ آخر.
الإيرانيّون يُعانون من حِصارٍ اقتصاديٍّ أمريكيٍّ خانِق، وعَوّلوا كثيرًا على الاتفاق النوويّ لرَفع هذا الحِصار، وتَخفيف حِدّة مُعاناتِهم، ولكن هذا التّعويل لم يَكُن في مَحلّه، لأن نوايا الإدارة الأمريكيّة الحاليّة لم تَكُن سليمة، وتَنطوي على الكَثير من العدوانيّة، والسّياسات التصعيديّة الثأريّة ضد إيران، ويَجدون الدّعم من بَعض الحُكومات العَربيّة للأسف.
السلطات الإيرانيّة قَدّمت نَموذجًا في التحلّي بأعلى دَرجات ضَبطْ النّفس، وتَجنّب إراقةِ دِماء شَعبِها بقَدر الإمكان، والتّجاوب مع مَطالِبه المَشروعة في العَيش الكريم، وأعطت بِذلك دَرسًا لدُول الجِوار التي قَد تُواجِه الاحتجاجات نَفسها، وربّما ما هو أضخم منها، في المُستقبل القَريب، حيث تتآكل الدّولة الريعيّة وتَختفي تريليونات الدّولارات في الفَساد والبَذَخْ وأعمال نَهب المال العام.
“رأي اليوم”