ما هو السّر الحَقيقي وراءَ “التأزّم” في العلاقاتِ التركيّة الأمريكيّة؟ وهَل هُناك مُخطّطٌ أمريكيٌّ جَدّي لتفكيك تركيا على غِرار الاتحاد السوفييتي؟ وما هي بَدائل أردوغان في هذهِ الحالة؟

أحد, 2017-10-15 17:28

لا نَعتقد أن اعتقال السّلطات التركيّة لمُوظّف مَحلّي في السّفارة الأمريكيّة في أنقرة بتُهمة التّواصل مع مَسؤولين في حَركة “خِدمة” التّابعة للسيد فتح الله غولن، هي السّبب الرئيسي في تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، بًل ربّما هي بَمثابة “النّقطة” التي أدّت إلى “طَفح الكَيْل”.
العلاقات التركيّة الأمريكيّة لم تَصل إلى هذهِ الدّرجة من التوتّر التي تَعيشها الآن، وكان وَقف إصدار التأشيرات المُتبادل أحد مَلامِحها، مُنذ أزمة قبرص عام 1974، عندما دَخلت القوّات التركيّة شمال الجزيرة، وقامت دولة مُستقلّة فيها لم يَعترف بها أحد غَيرها.
في أزمة شمال قبرص ألغت تركيا اتفاق الدّفاع المُشترك مع أمريكا، وسَيطرت قوّاتها على أكثر من عِشرين من القواعد والمنشآت الدفاعيّة الأمريكيّة في الأراضي التركيّة، وأثناء التّحضير لغَزو العراق عام 2003، رَفض البرلمان التّركي السّماح للطائرات الأمريكيّة باستخدام قاعدة إنجرليك شرق البلاد.
كلمة السّر التي تَكمن خَلف هذا التوتّر هي الدّعم الأمريكي العَسكري المُتصاعد للأكراد ورَغباتهم الانفصاليّة سَواء في شمال سورية والعراق وشرق تركيا بالطّبع، أو حتى شمال غرب إيران أيضًا، فالأتراك يَعتقدون أن هذا الدّعم الذي يَشملُ أسلحة ومُعدّات ثقيلة لا يُمكن أن يكون بهَدف قِتال “الدولة الإسلاميّة”، مِثلما يَقول المَسؤولون الأمريكان.
تركيا قَلقةٌ من التحرّكات “المُريبة” للحَليف الأمريكي، وزاد هذا القَلق عندما رَفضت القيادة العَسكريّة الأمريكيّة بَيعها صواريخ “باتريوت”، مِثلما رَفضت أيّ دَورٍ لها في مَعركتي المُوصل والرقّة، وأعطت للأكراد الدّور الأبرز في اقتحام الأخيرة، ووفّرت لها الدّعم الأرضي والغِطاء الجَوّي.
هذا المَوقف الأمريكي المُنحاز للأكراد اعتبره الرئيس أردوغان طَعنةً في الظّهر، وقَرّر التوجّه إلى روسيا لشِراء مَنظومةِ صواريخ “إس 400″ الدفاعيّة المُتقدّمة، ودَفع القِسط الأول، أو “العَربون” لإظهار مَدى جِديّته، ولكن هذهِ النّقلة التسليحيّة التي أثارت غَضبًا أمريكيًّا مَكتومًا، لم تَدفع الإدارة الأمريكيّة لاسترضاء تركيا، والمُوافقة على بَيعها صواريخ “باتريوت”، مِثلما فَعلت مع السعوديّة عندما رَفعت حَظرًا على بَيعها منظومة “ثاد” الدفاعيّة بعد أيامٍ مَعدودةٍ من زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو وتَفاوضه لشِراء صواريخ “إس 400″.
التّقارب التركي الإيراني الروسي الذي أدّى إلى فَرض الهُدوء، وإقامة عِدّة مناطق تخفيض التوتّر في سورية بات آخرها وَشيكًا في مُحافظة إدلب، عَمّق القطيعة التركيّة الأمريكيّة، لأن الإدارة الأمريكيّة رأت فيه تَحرّكًا ضِد حُلفائها الأكراد، وقوّات الحماية الكُرديّة في مناطق عفرين وجرابلس والباب وغيرها، ومُحاولة لنَسف وِحدة أراضي كَيانِهم التي باتت تتبلور في شمال سورية بشَكلٍ مُتسارع.
أن يَصل الأمر بصحيفة “الصباح” التركيّة المُقرّبة من الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنميّة، إلى اتهام أمريكا بحِصار تركيا بطَوقٍ من القواعد العسكريّة والعَتاد الثقيل في رومانيا وبلغاريا في الغَرب، وجورجيا في الشرق، وكذلك في سورية، وإنشاء قواعد في مدينة الرقّة، فهذا اتهامٌ خطيرٌ جدًّا، خاصّةً الذّهاب إلى درجةِ التحذير من أن أمريكا تَهدف من وراء هذهِ التحرّكات إلى تفكيك تركيا تمامًا مِثلما فَكّكت الاتحاد السوفييتي.
لا نَعرف مَدى جِديّة هذهِ الاتهامات ودَرجة مِصداقيّتها، ولكن ما نَعرفه، ونَثق جيّدًا به، أن الإدارة الأمريكيّة عَملت دائمًا على طَعن حُلفائها في الظّهر، والتخلّي عَنهم، مُجرّد انتهاء مَصلحَتِها مَعهم، هذا ما فَعلته مع شاه إيران، والرئيس السّادات، وخَلفه مُبارك في مصر، وكارلوس في الفلبين (القائمة تطول)، ولماذا لا تتخلّى عن تركيا لمَصلحة الأكراد الحُلفاء الجُدد؟
“رأي اليوم”