لماذا قرر الاخوان في ليبيا حل جماعتهم ؟ ---- عبد الرزاق العرادي القيادي في جماعة الاخوان:

أحد, 2017-06-25 06:26

منذ سنوات وجماعة الإخوان المسلمين بليبيا تشهد حراكا فكريا، وحوارا داخليا، عميقا يطرح أسئلة تتعلق بمصير الجماعة، وإعادة تعريفها لنفسها، وأهدافها، ووسائل عملها. وهو نقاش لم يبدأ بفعل الضغط الخارجي فحسب، كما قد يتصور البعض، وإنما هو استمرار لنهج الجماعة في التفكير في مستقبلها، واستيعاب التغيرات التي تطرأ على المجتمع الليبي، ومحيطه الإقليمي والدولي.

 

إن النظم المعاصر في الدولة الحديثة لم تعد قابلة للتعايش مع فكرة الجماعة الشمولية التي تعمل في الحق الدعوي والسياسي، والاجتماعي، وتتداخل أطروحاتها في هذه المجالات المختلفة، حتى لتكاد تكون منافسا فعليا للدولة، ولم يبق أمامها إلا إصدار الأوراق المدنية،وتأسيس جيش وشرطة.

 

إضافة إلى المبررات العامة، والتي تشترك فيها ليبيا مع غيرها الدول العربية، وربما كان حظ ليبيا أوفر من بعضها، فهناك مبررات خاصة بالحالة الليبية، لا شك أنها دعمت قرار حل جماعة الاخوان في ليبيا وأعطته دفعا خاصا، وقد يكون لها انعكاس إيجابي في ترويجه، وإعطائه شحنة من الفاعلية. ارتباط اسم وشعار الجماعة في ليبيا باسم وشعار الجماعة في مصر، إضافة إلى الجوار والعلاقات التاريخية بين الجماعتين، جعلت من الجماعة في ليبيا هدفا سهلا للهجوم الذي أسقط الجماعة في مصر، وما زال يواصل عملية تشويهها.  

 

أدت الحرب التي شهدتها ليبيا لإسقاط نظام معمر القذافي إلى تهشيم دولته، وليس إلى مجرد إسقاط نظامه، لذلك واجهت الثورة المضادة صعوبة بالغة في إعادة إنتاج دولة معمر القذافي، ولم تفلح فيما أفلحت فيه في مصر، وكادت تفلح فيه في تونس، من إعادة للنظام بنسخة ربما أسوأ منه. وهذا أدى إلى حالة تغير مزاجي كبير في الشارع الليبي تجاه كل ما ينتمي لمرحلة ما قبل الثورة، بما فيها الجماعات والكيانات التي كانت تعارض القذافي. 

 

وعانت الجماعة منذ عودتها من اختلالات بنيوية تتعلق أساسا بالعلاقة بين أطرها وقياداتها، الذين لم يتأقلم بعضهم مع العمل في الداخل، بسبب طول الاغتراب، وظل بعضهم مقيما في مكان إقامته قبل الثورة، رغم توليه مناصب قيادية، في الجماعة، مما جعل بعدهم عن الملف الليبي حائلا دون امتلاكهم تصورا واضحا لحاجة الوطن والمواطن. لقد جاء قرار حل جماعة الاخوان في ليبيا الذي يتوقع أن يرى النور قريبا، والذي يحمل تغييرات جذرية، لا علم لي بتفاصيلها، لكنني أكاد أجزم إنها أقرب لأن تكون حلا للجماعة جاء ليقطع الطريق على محترفي التسلق على أمواج الأزمات للاستمرار في استغفال المواطن الليبي عبرإشغاله في معارك وهمية، عن الأزمة الحقيقية، وهي معركة بناء الدولة المدنية المحصنة ضد الانقلابات، والاستبداد والتدخل الخارجي. 

 

لقد جاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا متأخرا عن وقت الحاجة الملحة إليه، وكان يمكن أن تكون آثاره أكبر، وإيجابياته أعظم لو تم قبل سنتين أو ثلاث، ولكني أعتقد أنه رغم التأخر سيكون قرار جيد الأثر على الساحة الليبية، وسيحل الكثير من الإشكالات القانونية والعملية في الحياة السياسية والدعوية الليبية. تأخر اتخاذ هذا القرار، وتأخر الإعلان عنه قد يعود لأسباب عديدة، لكن أبرزها برأيي هو مقاومة التغيير في الجماعة، وهي ظاهرة بشرية معروفة في كل المؤسسات، فالذين يقبلون التغيير ويقبلون عليه بجد ودأب، هم دائما قلة داخل أي مؤسسة، كما أن من يحاولونعرقلة مشاريع التغيير يلجؤون إلى مختلف الأساليب لتحقيق ما يصبون إليه، لكن الحقيقة المرّة أنه لم يبق أمام معارضيه إلا الانصياع له أو التشبث بالماضي، والتمسك بالأساليب العتيقة، وسيكون عليهم أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء، وذلك ما ليس في طوق البشر.