محمد ولد أمين يطرح هاجس الانتماء ومشكلة الهوية. عمّار المأمون

أحد, 2014-11-16 14:55

منينة بلانشيه' رواية موريتانية تستعيد الماضي لتواجه الحاضر وتقدم جزءا من تاريخ فرنسا الاستعمارية وعلاقاتها في أفريقيا ودورها في تلك المنطقة

دمشق - الذكريات تبقى هاجسا لا يمكن أن يتخلص منه المرء مهما طالت حياته ومهما حاول أن يتخلص منها، فمن الصحراء الموريتانية مرورا بفرنسا، يرسم القاص والمحامي محمد ولد أمين صورة الذكريات الدفينة داخل العقل البشري، في محاولة لإيجاد منينة الضائعة في تلافيف ذاكرة جوزيف. روايته “منينة بلانشيه” الصادرة عن دار “الساقي” تقدم صوتا إبداعيا من موريتانيا أقصى الوطن العربي.

تبدأ رواية “منينة بلانشيه” بحادث طائرة تتحطم فوق صخور غرناطة، يودي بحياة كل من منينة والطيار أنطوان دي سانت أكزوبيري، ليبدأ جوزيف بعدها بالحديث عن أمه التي ماتت في حادث الطائرة، ومحاولته التحقق من سبب موتها وحل مشكلة انتمائه، فهو كأمه ذو هويتين موريتانية وأخرى فرنسية وله اسمان، جوزيف بلانشيه وأحمد ولد خيبوزي، هو فرنسي وموريتاني، ومشكلة الانتماء هذه بقيت هاجسا لديه في محاولة لاكتشاف سرّ انتمائه وحقيقة ما حدث أثناء طفولته.

تجارب علمية

أثناء سعيه للبحث عن تاريخ والدته والصراعات بين أسرة والده الفرنسي وأمه الموريتانية، يخضع جوزيف لنوع من التجارب العلمية القائمة على الصيام، الصيام بوصفه أسلوبا للتذكر والغوص في الذاكرة، حيث يساعده الطبيب برنارد عبر برنامج علاجي، يجعله ينام لساعات طويلة قصد اكتشاف الماضي.

ثم نراه يدخل في حالة الخروج من الجسد، حيث يمتزج الخيال العلمي مع الواقع والتاريخ في أسلوب أقرب للـlucied dreaming حيث يستفيد جوزيف من هذه التجربة للتقرب من الطبيبة التي تشرف عليه، وكأن استعادة الماضي لا تتمّ إلا بإنهاك الحاضر جسدا ووجودا، فكلما غاص جوزيف في ذكرياته ازداد جسده ضعفا.

تداخل الحبكات

هناك خطان روائيان تتلاحق عبرهما الأحداث، الأول في ذاكرة جوزيف الذي يعود في ذكرياته إلى جدّه “مختار الأعيور” قاطع الطريق والداهية في الصحراء، والذي يتعرض للأسر مع ابنته منينة وزوجته التي تتركه وتتزوج شيخ القبيلة المعين من الفرنسيين.

تبدأ رحلة جوزيف مع النوم المتكرر ليكتشف قصة والدته ومغامراتها في الصحراء، ثمّ تعرفها على صاحب القلعة في تامشكط، الذي يعجب بها ويحوّلها إلى أيقونة له يرسمها في لوحاته، ثم انتقالها إلى نواكشوط للبحث عن والدها.

ذكريات جوزيف ترسم تفاصيل عن أمه وحياتها وعلاقتها مع أمير القلعة في نواكشوط وإعجابه بها، فقد عرف عن منينة جمالها وسحرها الأخاذ الذي جعل ذكرها على كل لسان، ودفع الشعراء للبحث عنها لتلهمهم في شعرهم، بالإضافة إلى إتقانها للغة الفرنسية وذكائها الحاد.ولد أمين يبحث عن منينة الضائعة في تلافيف ذاكرة جوزيف

تزداد ذكريات جوزيف اكتمالا ليروي قصة منينة وعلاقتها مع الفرنسي، ثم بداية الحرب العالمية الثانية ورحيل زوجها الطيار الشهير “باتريك بلانشيه” للوقوف إلى جانب حكومة فرنسا الحرة.

أحداث كثيرة تمرّ بها منينة؛ يموت والدها في حضنها ثم تذهب إلى الصحراء في محاولة لإعادة التواصل مع والدتها، التي ترفض لقاءها بسبب زواجها من باتريك.

ثم يروي جوزيف رحلة منينة للحج، والأهم من ذلك تأسيسها لتجارة كبيرة، وسرب طائرات جعلها من أغنى تجار المنطقة أثناء غياب زوجها، إلا أن المشكلة التي بقيت تؤرق أيامها هي الذريّة، فباتريك لم يكن قادر على الإنجاب، مما دعاه لاستخدام الحارس الموريتاني، لتنجب منه منينة ابنها جوزيف، ليستعيد هذا الأخير في أحلامه تجربة رحلة الطائرة التي كانت سببا في وفاتها.

بعد انتهاء التجربة التي مرّ بها جوزيف ومعرفته تاريخ أمه وتفاصيل حياتها، نرى أنفسنا واقفين أمام شخصية ضائعة تحاول التثبت من أصولها.

فرغم المال الذي تركته له والدته والصراعات بينه وبين أسرة أمه، إلا أنه لا يجد لحياته معنى، فيقع في حب الطبيبة “أندريه” التي تشاركه ذكرياته ونضاله، ثم يلتقي عن طريق المصادفة أحد أعداء الطبيب برنارد الذي يتهم هذا الأخير بأنه يجعل المشتركين في تجاربه يدمنون على الكوكايين.

العودة إلى موريتانيا

الأحداث الفرعية التي تمرّ بها شخصية جوزيف لا تضيف أحيانا للحبكة الكثير، حتى المغامرات التي يقوم بها، وتنقله بين المطاعم ومحاولته القيام بمغامرات جنسية، تخلق بعض التناقض في شخصيته بصورة لا تخدم سير الأحداث، فهو يكثر من ذكر الله وأحيانا الصلاة، ثم نراه يخوض مغامرة جنسية وينجذب بشهوانية تجاه أندريه قبل الزواج منها.

بعد زواجه من أندريه يقرر جوزيف العودة إلى موريتانيا ليطالب بأرضه، فقد تركت له أمه العديد من الوثائق المتعلقة بعقارات كانت على ملكها وانتقلت إليه بالوراثة، المفارقة هنا أن أرض والدته التي ورثها عنها هي القصر الجمهوري ووزارة الري وخزان المياه الذي يغذّي نواكشوط.

هذه المفارقة التاريخية تتحوّل بسبب علاقات جوزيف مع أحد المحامين والصحافة إلى قضية دولية، الهدف منها الوقوف في وجه الرئيس الحالي، مع أن القضية لم تنفذ لصالح جوزيف، إلا أنها صارت قضية دولية تتدخل فيها فرنسا بوصف جوزيف مواطنا فرنسيا، القضية تحاول اختزال فساد الحكومة الموريتانية ووقوف المحامين في وجهها، وهذا ما يرمز له ولد أمين في إهدائه للرواية.

الرواية تقدّم جزءا من تاريخ فرنسا الاستعمارية مع علاقاتها أفريقيا، حيث تبيّن دور فرنسا في تلك المنطقة ودور المستعمرات في دعم حكومة فرنسا الحرة، بالإضافة إلى تاريخ الصحراء في تلك المنطقة واستخدامها أثناء الحرب العالمية الثانية للقضاء على الاحتلال النازي لفرنسا، حيث استُخدم المطار الصغير الذي أنشأته منينة كمحطة لنزول الطائرات الأميركية.
من صفحة الوزير والروائي محمد ولد أمين