تدوينة للكاتب الأستاذ محمد ولد أبَّ "أدمنتن" كنــــــــــدا: بعنوان - شرطتنا وشرطتهم الحلقة 7+8 يتواصل..

سبت, 2016-08-06 05:46

 شرطتنا وشرطتهم (7) ........... يتواصلُ " فقلتُ: للشرطي: "دعنى اصارحك بالحقيقة، إنى كَذَبْتُ عليك في امر المؤشر.. واعترف ان ذلك خطاُ واطلب منك ان تُسامحنى..
فما كان منه إلا ان رجع إلى سيارته وعاد إليَّ وهو يحملُ معه اثباتا لمخالفتين تُغَرِّمَانى وقال:
"هذه غرامتك على مخالفتك للسير.. 
وهذه غرامتك عن كذبك على ضابط الشرطة.. 
والآن تستطيعُ ان تذهب ... وشكرا على تعاونك معنا"...

لملمت اوراقى بعد ان ودعنا الشرطي ثم تابعنا مسيرنا إلى الويزفيل وعند وصولنا وبعد ما قصصت أول حكاية لى مع الشرطة نصحنى احدهم ان ادفع تلك الغرامات باسرع وقت وافهمنى ان تاخير ادائها عن الوقت المحدد قد يترتب عنه زيادة فى المبالغ وتعليق لقابلية العمل بالرخصة ثم شرح لى اهمية سلامة الرخصة من المخالفات في هذه البلاد لانه يصعبُ على شخص فيها ان يعيش بلا رخصة فكان ذلك اولَ اهمِّ درس تلقيته منذ مجيئى.. 
أصبحنا وأصبح الملك لله ثم أصبحنا على ابي زكريا لنبيع متاعنا فبعنا وقبضنا وقسمنا وافترقنا بعد ان اعتذرتُ إلى شيخى ومعلمى عن عدم رغبتى فى متابعة هذا النوع من العمل رغم مردوديته .. فتهفم اعتذارى مشكورا ورحت في حالى افكر فى امرى معذورا..

ثم قررتُ بعد ذلك ان اقتني سيارة فاقترح عليَّ شبابٌ من دائرة "أكروش" ان اشتريها من بورصة سيارات للمزاد العلنى هم يعرفون الطرق إليها واساليبها.. 

و"اكروش" تعريب  للفعل الفرنسي "Crocher" مُصَرَّفٍ فى الأمر وهي كلمةٌ يُعبَّرُ بلفظها هكذا عن الإعجاب مصحوبة بتشبيك من اتفق اعجابُهما على شيء معين لاصبعيهما الاصغرين من يديهما اليسسريين تماما كما يفعل الاطفال عندنا فى حال المغاضبة والإعلان عن الهجر بتعاطيهم لما يسمونه ب "أصبيع الشر"..

وقد تختلف الحالات التى تُستوجبُ فيها "أكروش" لكنها كثيرا ما تُسْتَثَارُ بجوابِ في محله، او بسماع بيت من الشعر نادر، او نغمة موسيقية متميزة، او بحركة نادرة لقطعة من قطع الشطرنج او حتى بلعبة ذكية من لعب الورق.. 

لست ادرى متى ولا كيف سقطت عليَ هذه العبارةُ فقد تكون سقطت عليَّ من سماء بلادى الماطرة بكل شيء حتى السيارات على حدِّ زعم وزراء ماليتها... كلما اذكره انى واصحابى كنا نتداولها ايامنا بالجامعات بموريتانيا والمغرب.. ثم استطعتُ بعد ذلك ان اوسع دائرة مستخدميها إلى افراد من اجيال مختلفة..
من تلك الاجيال من كان يكبرنى كالدكتور ازيد بيه ولد محمد محمود والاستاذ شامخ ولد سيدى صالح.. اما الدكتور فكان آخر عهد ابادله فيه "اكروش" وهْناً من الليل فى سهرة بمنزل من احياء "القامرة" بالرباط فى صيف 1993 واذكر ان الدكتور كان يستعذبها كثيرا ويجتهد فى ادائها كثيرا كما كانت عادته ان يجتهد كثيرا فى اداء كل شيء يستعذبه كثيرا كإلقائه وخطاباته الرنانة باللغة العربية .

وأما الأستاذ فآخر مرة "تكارشنا" فيها فكانت عند مدخل احد فنادق "ميرلاند" صبيحة يوم شات من ايام فبراير من سنة 2003 على اثر قصة مثيرة من قصص باعة "الحليب" ربما عدت إلى سردها هنا بعد اذن الاستاذ طبعا..

اما الاجيال التى كانت ولاتزال تصغرنى فمنها الاخ اشريف ولد ايدة الذى لا يزال الى يوم الناس هذا متمسكا بعهده ل"اكروش" كما كان منها الاخوان محمد ولد سيد احمد الحبيب والمختار ولد الامام سيِّدَا شباب أهل "أطبيزة" وهما من ساعدانى بشطارتهما وحسن اطلاعهما على اختيار السيارة المناسبة..
رياضية ببابين من بنات افورد لا عيب فيها الا ان بها خدوشا بسيطة كانت الضارة النافعة بالنسبة لى.. تكلفتها سبعا مائين وبضع  دولارات امريكية، ولكنى خرجت منها بسيارة ...

كانت السفارة الامريكية فى انواكشوط انذاك بقرة حلوبا كأنها سليلةُ نجائبِ ابقار ولد حننَّه وحُفّلها، وكانت تجود بدِرَّتها من "التأشيرات" مرتين من كل اسبوع وبعد امتلاكى لسيارة سقطت علي فكرة هائلة وهى ان استخدمها فى نقل الوافدين الجدد من نيويورك إلى وجهة معظمهم  فى كنتاكى... 
فكانت البداية.

الحلقة 8

ثم اتفق لي انى عندما قررت الفكرة ورحلتُ سيارتى وجدت اول زبونين كانا فى زيارة الى كنتاكي من اجل الاوراق يريدان الذهاب الى واشنطن فاخذتهما معى مقابل 300 مائة دولار فانطلقنا على بركة الله دليلنا الوحيد عزيمتى وخريطة يتوسطها خط احمر سميك كثير الالتواءات يوضح لنا اتجاهي واشنطن وانييورك من كنتاكى. 
كانت احداث مغامرة تلك الرحلة تمر سريعا ويُنسى جانبُ متعتِها الاليمُ ألمَ مُقاساتِها ذلك انى كنت اشعر وانا اسوق تلك السيارة بحرية الفقير الطليق من سجون الفقر والتعاسة لانى كنت كاغلب الموريتانيين احسب من الفقر ان امتلاك سيارة فى هذا العالم الجديد وقيادتَها فيه، نجاحٌ منقطع النظير.. 
لم يسبق لى ابدا ان تشرفت بمعرفة اي من الزبونين الكريمين، وكنت اشعر انهما يجدان الطمانينة والراحة في السفر مع موريتاني بيظانيٍ مثلِهما يريح بهما وينطلق متى وحيث شاءا ..
 لكننى كنت كلما صرحت لهما باننى ربما حدت عن الطريق او اختلطت علي الممرات اقرا في وجهيهما الاستياء من خوف المجهول.. 
وحُق لهما.
لم تكن الخريطة وحدها تكفى، بل كانت معالجتها صعبة في بعض الاحيان خاصة إذا نزلنا من الطريق إلى وسط مدينة كبيرة لحاجة ثم اردنا العودة اليه فكثيرا ما ناخذ الاتجاه المعاكس فنعود ادراجَنا او نسلك طريقا مغايرا، فلا يخرجنا من ذلك غير التوقف والسؤال. 
سؤالٌ نعتمد فيه تقريبا على حوار الطرشان.. فرغم اعتمادنا على مخزون من المفردات الانجليزية لا يستهان به إلا انها لم تجدنا كثيرا لان طريقة نطقها واخراجها تزيد من حيرة المسؤول فلا يفهم عنا غير كلمات مثل واشنطن وانيويرك فيعرف اننا نريد تلك الوجهة فيجيبنا بحديث المتمكن من لغته ناصحا باتخاذ اقصر الطرق متناسيا ان حديثه كلَّه لغوٌ وهراءٌ ما عدا الاشارة التى تُفرج بها يَدُه كربةَ حيرتِنا فنشكره على المحاضرة الجميلة ونهوى  فى اتجاه اشارته.

فبينا نسير على جزء من الطريق السريع يقودنا الى مدخل احدى المدن الصغيرة ب "بفرجينيا" اذ توقف السير تماما واصطفت السيارات بانتظام تام وهدوء كأنما تلقت أمرا اجباريا بالنوم على ظهر الطريق.
نظرت الى يمينى ويسارى فإذا بمنكبي الطريق يتسعان كثيرا لمرور أعرض السيارات فتعجبت ان احدا لم يجرؤ على استخدامهما للتجاوز وقلت فى نفسى انه لا بد ان فى الامر لغزا كبيرا والا فمال مئات السيارات يركب بعضُها بعضا ولا احد يستطيع العدول.
وبينا احدث نفسى باظهار الشجاعة والخروج على القوم الى منكب الطريق اذ امتلأ الفضاء من حولى بانذارات سيارات الشرطة واضوائها تتابع كالبرق على مناكب الطريق فبهرنا الموقف حتى ظننا للحظة اننا أمام "تراويح" اعراسٍ قادمةٍ من "كَنْدَرَا".
ثم استفقنا من حلمنا سريعا  لنتذكر انا لسنا فى ارض الاعراس وتأكدنا جميعا ان رئيس البلاد سيمر او ان انقلابا عسكريا حصل.
ثم ما لبنا ان مرت بجانبنا سيارات الاسعاف وشاحنات الاطفاء فتفككت اول عقدة من غبائى لافهم ان اجتناب السائقين لمناكب الطريق كانت لتسهيل مرور تلك السيارات، سيارات الشرطة والاسعاف.
يتواصل.....................