"العَجَلاَتُ الخَوَامِسُ"بالإِدَارَةِ المُورِيتَانِيًةِ المختار ولد داهي،سفير سابق.

أربعاء, 2016-02-17 12:14

عانت الإدارة الموريتانية خلال العشريات الماضيةمن العديد من المعوقات حَدَتْ بالكثير من شركائنا التنمويين و الفنيين إلي النًجْوَي لبعض كبار المسؤولين السياسيين الموريتانيين بأن الإدارة الموريتانية هي أحد أخطر "فَرَامِلَ التًنْمِيًةِ".

ومن تلك المعوقات ضعف الوسائل المادية الممنوحة من الدولة و تدهور القيمة المعنوية و الرمزية للموظف العمومي السامي نتيجة لتغولالنظرية المجتمعية القائلة بأن "القيمة بالمال"وكذا التسرب"الطوعي"و"الإكراهي"للمصادر البشرية الكفوءة بفعل "مناخ السيبة المهنية و  استفحال ظاهرة اللاًثَوَابِ و اللاًعِقَابِ " ..

ضف إلي ذلك "صدام  المَشْمُولاَتِ والصلاحيات"و "أُخْطَبُوطِيًةَ الإجراءات" و وجود العديد من "العجلات الخوامس"  la cinquième roue de  la carrosse/The fifth wheel و "تضخم وزنالطواقم التأطيرية و القيادية" فيما يشبه "ظاهرة الجيش المكسيكي" " Armée Mexicaine"التي تعني التفوق العددي الكبيرللرؤساء علي المرؤوسين"!! ...

و العجلات الخوامسُ اصطلاح فرنسي يقصد بهمجازيا الأفراد الذين لا يؤدون مهام أساسيةبالهيأت و أقصد به هنا تلك الهيآت أو المناصبالسامية الوطنية التي لا تؤدي في المشهد المؤسسي و الإداري الوطني أية خدمة عموميةذات بال و إنما هي أقرب "للديكور المؤسسي"أو   "بَدَلِ البطالة" الذي يهدف إلي تحويل أشخاص من حالة البطالة التامة إلي خانة البطالة الفنية و المقنعة و من أبرز تلك العجلات الخوامس:-

أولا: الهيآت الاستشارية: يلاحظ المراقب لأداء  معظم الهيآت الاستشارية ببلادنا أنها أشبه "بقبور الكفار في دار الإسلام" حيث لا حركة و لا زُوًارَ ثم إن قلة قليلين هم من يعرفون مكاتب تلك الهيآت و قد يضل عنها سائقو التاكسي الذين هم أهدي من القطا إلي  مجاهل المدينة و تشتهر  أغالب مباني تلك الهيآت برفرفة أعلام وطنية مُمَزًقَةٍ و مُتَآَكِلَةٍ.!!

ثانيا: مناصب " المسؤول المُسَاعِد": ليس سرا أن جميع الموريتانيين يعرفون أن منصب المسؤولالمساعد عموما سواء كان مفوضا مساعدا، أمينا عاما مساعدا، مديرا مساعدا  أو واليا مساعدا..لا يتمتع بأية صلاحيات و من المسؤولين المساعدينمن قد يشاهد في ممرات المكاتب و هو َسْتَجْدِي" و َتَسَوًلُ" المستجدات غير السرية بالمرفق الإداري الذي يعمل فيه لدي كاتبة أو بواب أو جليس رئيس العمل!!

وللناس مقولات شهيرة في التحذير من  تَبَوُإِمنصب المساعد منها أن " كَبِيرَ الصِغَارِ خَيْرٌمِنْ صَغِيرِ الكِبَارِvaut mieux être le chef des petits que d’être le petit " des chefs.

ثالثا: مهام الاستشارية و التكليف بمهام: و هي في الأصل مناصب فنية  بالغة الأهمية لا يجوز أن يُعهد بها إلا إلي من هو معلوم الكفاءة و الأمانة ذلك أن المبدأ هو أن "المُسْتَشِيرَ لا  يَسْتَشِيرُ إلا من هو أوسع منه علما و أرسخ تجربة و أرجح عقلا"  و إلا فلا وجه و محلللاستشارة أصلا!!.

لكن مناصب المستشار و المكلف بمهام في بلادنا  فقدت تلك الحمولة المعنوية نتيجة لما عانت من التمييع المهني و التبخيس المعنوي و الإغراق العددي حتي أصبحت سِجْنًا للمُهمشين و مَنْفَي"لغير المصنفين"  و "مَقْبَرَةً للفِيًلَةِCimetière des éléphants " و في أحسن الأحوال "محطة تأهيل و انتظار" للمَهاجرين غير الشرعيين المَوْعُودِينَ بالترقية.!! 

رابعا:مأموريات مجالس الإدارة: لا يحتفظ الموريتانيون بكثير ذكريات عن امتناع مجالسالإدارة عن التصويت لمقترحات الإدارة العامة لأية مؤسسة لذلك فإن دورات مجالس الإدارة لا تستغرق غالبا أكثر من وقت احْتِسَاءِ الشاي و استلام "مكافآت الحضور" Les Jetons de Présence.

كما لا تحتوي أغلب محاضر دورات مجالس الإدارة رغم ما يعرف علي نطاق واسع من عيوب و أخطاء و خطايا تسيير المؤسسات إلا علي كلمات المصادقة و التهنئة و الترحيب،...!! .

-خامسا: المفتشيات الداخلية للقطاعات الوزارية:أحرزت المفتشية العامة للدولة نجاحات ملموسة في مجال اكتشاف و ردع اختلاس المال العام و حذت حذوها مؤخرا المفتشية العامة للمالية.

لكن  المفتشيات الداخلية بالقطاعات الوزاريةظلت غائبة نائمة لا يسمع لها ركزٌ مما جعل الكثيرين يتساءلون محقين عن جدوائية و مردودية هذا الجهاز الرقابي الداخلي الذي لم يكتشف قط مخالفة مالية أو إدارية واحدة رغم أن خطايا التسيير المالي و  أخطاء السير الإداري من حوله هي مِلْءُ السًمْعِ و البَصَرِ و الفُؤَادِ.!!

تلكم بعض الإضاءات السريعة الكاشفة لضعف أداء الجهاز الإداري بالبلد و حاجته إلي اتخاذ الوزير الأول -باعتباره حسب المقتضيات الدستورية "رئيس الإدارة"-  قرارا بإجراء تدقيق مؤسسي و تنظيمي عاجل و شامل و شفاف يهز شجرة الإدارة العمومية هَزًا حتي تَسًاقَطَ الأوراق و العيدان اليابسة و الزائدة. 

و في تقديري  أن المدرسة الوطنية للإدارة التابعة وصاية- للوزارة  الأولي خيرُ من تُوكل إليه هذه المهمة  التي تهدف في المحصلة إلي  إصلاح و تجديد الإدارة الموريتانية و جعلها أكثر قربا و أقل تكلفة و أكثر نجاعة و أبسط  إجراءات و أوضح صلاحيات و أخف تسامحا مع "العجلات الخوامس".!!