وقفة متسرعة مع التغيير السوري

ثلاثاء, 2025-01-07 02:25

كالكثيرين أتابع باهتمام ما تعرفه الساحة السورية من تطورات وأحداث، وليس سرّا أنني تعاطفت مع التغيير الانقلابي الذي عرفه الشام، وسعدت بما رأيته من تعبير الجماهير السورية عن فرحتها بانتهاء حكم عائلة الأسد.

وكان مما شجعني على هذا الموقف، كما سبق أن قلت، ذلك الهجوم الشرس على قوات المعارضة من إعلاميي دول لم يعُدْ عندها اليوم ما تفخر به.

لكن أصبحت أفاجأ بمواقف وتصرفات تجعلني أخشى من أن تُردد الجماهير يوما، وأنا معها، بيت الشعر الذي دعا على عمرو.

وقد بدأت علامات ذلك بما بثته التلفزة من رفض السيد أحمد الشرع مصافحة وزير الخارجية الألمانية، وذكرني ذلك بأمر عشته في التسعينيات، أعتذر عن اجتراره الذي رأيت أنه يجسد صورة أحاول تقديمها للقارئ.

كنت يومها مع عدد من الشخصيات الجزائرية في زيارة لليبيا في إطار حملة تضامن معها ضد الحصار الأمريكي، وكان من بين الوفد، الذي كانت زيارته بمبادرات فردية، الشيخ عباسي مدني، زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وكنت “أدردش” مع مجموعة من الرفاق السوريين في بهو الفندق، من بينهم الفنانة الرائعة السيدة منى واصف، عندما التحق بنا الشيخ، الذي لم يكن آنذاك معروفا على مستوى الكافة، فرحت أقدمه للرفاق، وعندما مدت منى واصف يدها لتحيته وضع يده اليمنى على صدره للدلالة على أنه لا يصافح النساء.

يومها كان سفير الجزائر الصديق عبد القادر حجار قد أعدّ حفل عشاء للترحيب بالمجموعة، فاتصلت به لأروي له ما حدث وما رأيته مبررا لعدم حضوري عشاءٍ يحضره الشيخ.

وراح عبد القادر يحاول إقناعي مبررا موقف الشيخ بأنه يجسد موقفه الديني، وقلت له بكل بساطة بأن عدم مصافحته للسيدات هو من حقه إذا كان يتقدم للناس كرجل دين أو كداعية، ولكن الأمر يختلف 180° إذا كان يصول ويجول كرجل سياسة أو كمسؤول حزب، حيث يتحتم عليه أن يلتزم بالبروتوكول المتعارف عليه، إذا كان يريد أن يربح أنصارا وأن يزيد من عدد المؤيدين.

وعودة إلى سوريا، ألاحظ بكل قلق ما تناقلته الأخبار من تهديم لقبر “أبو العلاء المعري”، بما ذكرني بتدمير “طالبان” للتماثيل البوذية، في حين أن “عمرو بن العاص” لم يدمّر التماثيل الفرعونية التي تزدحم بها أرض الكنانة.

والخوف هنا من أن يكون هذا التصرف جزءا من برنامج يسير في نفس الاتجاه، وهو أمر بالغ الخطورة على المستقبل الذي ترنوا له الجماهير.

وبرغم أنني قلت بأن من أكبر الأخطاء التي عاشها المشرق العربي هو الرابطة العضوية بين نظام الرئيس الأسد، أبا وإبنا، وحركات المقاومة،إلا أنني لا أنسجم مع تنديد بعض الشخصيات السورية، من أمثال السيد هيثم المالح، بحزب الله، وتسميته بحزب الشيطان، فقد كان لهذا الحزب دور بالغ الأهمية في مواجهة الكيان الصهيوني.

والأمر نفسه بالنسبة للجمهورية الإيرانية، التي كان لها دور تاريخي في دعم المقاومة الفلسطينية، حتى ولو كان عداؤها اليوم يضمن أنصارا للنظام الجديد، لأنهم في الواقع جزء من موقف الشمال والتزام به ومعه.

وأنا أعرف أن أهل مكة أدرى بشعابها، لكنني ممن يؤمنون بمقولة” لآ خير فيكم إذا لم تقولوها”، ومن أنصار المثال الجزائري:”خوك خوك،لا يغُرّك صاحبك”.

دكتور محيي الدين عميمور كاتب ومفكر ووزير اعلام جزائري سابق